8ـ غفلة الحائض عن ذكر الله
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد...
فلقد حثنا الله -تعالى- على ذكره، وأمرنا بالإكثار منه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).

ووعد من وفَّى له بذلك بالجزاء الحسن الجميل، فقال: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).

وأخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "سبق المُفَرِّدُون" قالوا: وما المُفَرِّدُون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات"، والمعنى: أنهم سبقوا أهل الغفلة بالثواب العظيم والأجر الجزيل.

ومع هذا فإنّ كثيرًا من النساء ينقطعن عن ذكر الله حال الحيض والنفاس، وربما فهمن أن ذكر الله محرمٌ عليهن كالصلاة والصيام، فتبقى إحداهن دون ذكر الله -سبحانه-، وتخيِّمُ عليها غفلةٌ مهلِكةٌ، يَجمُد خلالها رصيد حسناتها، وقد يدوم هذا الجفاء لذكر الله جمعةً كاملةً  على الحد الغالب في الحيض، أو جمعتين على الحد الأقصى، ومعنى ذلك أن المرأة تقضي نصف عمرها دون ذكر الله -تبارك وتعالى-.

بل ربما يمتد وقت الغفلة إلى شهر أو شهرين حال النفاس، مما يجعل المرأة في تلك الأحوال مَرتَعًا لهواجس النفس، ووساوس الشيطان، فربما تمَلكَها الخوف، وخُيِّلت لها الخيالات، وتهيأت لها التهيؤات، ويَجرُّ عليها هذا اعتقاد معتقدات باطلة يتوارثها النساء مما لا أصل له في دينٍ قيّمٍ، ولا عقلٍ مستقيمٍ.

لذلك فإني أنصح أخواتي المسلمات بضرورة تعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه المراحل التي تتكرر في حياتهن شهريًا وسنويًا تقريبًا، حيث تحرمُ الصلاةُ في فترة الحيض والنفاس ولا قضاء لها، ويحرم الصيام ولكن تقضي المرأة ما فاتها من صيام رمضان، كما يحرم عليها دخول المساجد إلا لعذرٍ طارئٍ عاجلٍ، ودليل ذلك قول الله -تعالى-: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وليعتزل الحُيَّض المصلى"، وقوله لعائشة -رضي الله عنها- حين جاءتها الحيضة في الحج: "افعلي ما يفعله الحاج إلا أن تطوفي بالبيت"  أو كما قال.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "افعلي ما يفعله الحاج": يأذن للمرأة الحائض وكذا النفساء أن تذكر الله -تعالى-، وأن تقرأ القرآن من حفظها، أو من مصحفٍ تمسكه بحائل من قماشٍ ونحوه، كما يُشرعُ لها أن تقرأ في كتب العلم، وأن تحملها ولو اشتملت على آيات قرآنية،  وقد أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للحائض والنفساء أن تخرج لمشاهدة صلاة العيد، وفرحة المسلمين، إلا أنها لا تصلي ولا تدخل المصلى، وكانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تغسل رأس زوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتُرَجِّله  وهي حائض.

مما يدل على أن المرأة الحائض والنفساء لا يحرم عليها ذكر الله -تعالى-، لذا فإنه ينبغي عليكِ أختي المسلمة المحافظة على ذكر الله قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وعلى كل أحوالك قائمةً وقاعدةً وراقدةً، لِيعصمَك الله من الشياطين، ولتسبقي بالخير مع المُفَرِّدين، الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
اللهم ألهِمْنا ذكرك، وصلّ وسلم على حبيبك ونبيك.