4ـ عناية الإسلام بالأولاد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد...
فلا يزال الحديث موصولًا حول عناية الإسلام بالأولاد، وقد سبق أن عرفنا عناية الإسلام بمخرج الأولاد ومنبتهم ومنشئهم، ذكورًا كانوا أم إناثًا دون ما فرقٍ.

ووصلًا بما سبق أقول: إن إسلامنا الحنيف اعتنى بالأولاد فيما يتوالى من مراحل وجوده وحياته، ومن ذلك ما ورد في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقدَّر بينهما ولدٌ في ذلك؛ لم يضره شيطانٌ أبدًا".

وفي هذا الحديث عنايةٌ بالولد عند وضع بذرته في رحم أمه، فيستعيذ الأبوان بالله من الشيطان الرجيم، حتى إذا قدَّرَ الله بينهما ولدًا، ذكرًا كان أم أنثى، كان محفوظًا من الشياطين فلا تؤذيه ولا تضره.

وأثناء الحمل ينبغي أن تتغذى رعايةً لحال جنينها، ولعل من ذلك أن رخّصَ الله للمرأة الحامل في الفطر في شهر رمضان، رغم فضيلة هذا الشهر ووجوب الصيام فيه، كما ينبغي على الأم أن تحافظ على هدوئها النفسي، واستقرارها الروحي، وأعظم ما يحقق ذلك ذكر الله -تعالى- بأي صورةٍ من صوره المشروعة، وذلك لأن حالة الأم النفسية تؤثر على جنينها سلبًا وإيجابًا كما أقر بهذا العلم الحديث، وفي أثناء الحمل كذلك يقدر الله لهذا الجنين رزقه وأجله قبل أن يخرج إلى الدنيا.

أما عند الولادة فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من بني آدم إلا من مولودٍ إلا نخسه الشيطان (أي: ضربه وطعنه)، فيَستهل صارخًا من نَخسِه إياه، إلا مريم وابنها".

وكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر الوالدين من الشيطان على ولديهما لدى ولادته، وأن اللّعين يطعنه فيبكي الوليد، فينبغي عليهما أن يذكروا الله، وأن يستعيذوا به في هذه الساعة الجميلة التي ينعم الله فيها عليهما بوليد جديد.

وقد رُوي التأذين في أذن المولود؛ لأن الأذان يطرد الشيطان.

والشيطان اللّعين يتربص بكل بني آدم عند ولادتهم إلا مريم وابنها عيسى -عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام-، وذلك لأن أمها (حنة بنت فاقوذة) امرأة عمران كانت قد عَوّذت مريم وذريتها من الشيطان حين وضعتها، كما قصَّ علينا القرآن ذلك فقال: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

وكثيرٌ من الناس يتهاونون بهذه التحصينات، وربما قالوا: وماذا تغني هذه الكلمات أو تفيد؟ بل إن كثيرًا من الناس ينكرون الشيطان أصلا، وربما زعموا أنه رمزٌ للشر، واستبعدوا وجود ذاتٍ اسمها الشيطان!

وإنا لنحمد الله -تعالى- أن أكرمنا بالإسلام، وعلّمنا السُّنَّة والقرآن، فالحمد لله رب العالمين.