3ـ بناء الأسرة المسلمة*
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد...
فإن الإسلام عُنِي بالولد عنايةً فائقةً، سواء أكان الولد ذكرًا أم أنثى، وذلك لأن الأولاد هم جيل المستقبل، هم الأمة في غدها القريب.

ومن عناية الإسلام  في هذا الجانب أن حث على الزواج الشرعي على كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأعني بذلك الزواج على منهاج الله -تعالى-، فإنه هو المَخرج الصحيح للأولاد، والزوجة التي تَزَوَّجَها زوجها على منهاج الله هي الأرض الطيبة التي تَنبُت فيها براعمُ الأمة الإسلامية.

كما حث الإسلام الحنيف كل من أراد الزواج من الرجال والنساء أن يتخير زوجه الذي يشاركه في وضع نواة للمجتمع القادم، ومن ذلك قول الله -تعالى- للرجال: (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُم)1، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تزوجوا الولود الودود".

ولهذا ينبغي على الرجل اختيار المرأة المؤمنة حتى ولو كانت مملوكةً ملك اليمين، وتحرّي المرأة كثيرة الولد، يعني تنجب كثيرًا، ويُعرف هذا من خلال قريباتها، الأم والأخوات وبنات العم، فإن كنّ كثيرات الأولاد أو قليلات فهي مثلهن غالبًا، أما المرأة الودود فهي كثيرة الوُدّ؛ تتودد إلى زوجها، وتتقرب إليه، ويُعرف ذلك من خلال علاقتها ومعاملتها مع أبيها وأمها وإخوانها.

وهكذا ينتقي الزوج زوجته على أساسٍ من الدين والخُلُق الكريم.

وكذلك الشأن في اختيار الزوج؛ إذ يقول الله -تعالى- لأولياء المرأة: (وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)، ورُويَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاءكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريضٌ".

وقصّ علينا القرآن الكريم تقييم ابنة الرجل الصالح شعيب لسيدنا موسى -عليه السلام- كزوجٍ -وكان ذلك قبل أن يُبعث نبيًا-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، فذَكرت قوة جسمه وأمانة نفسه، وهذا تقييمٌ عظيمٌ.

وهكذا تنتقي المرأة أو وليُّها الزوجَ الصالحَ المناسبَ لها.

وكان هذا الاختيار الدقيق للزوجين وُصولًا إلى أولاد صالحين، فإن البيئة مؤثرة بدرجة عالية على من يعيش فيها ولاسيما في طور النشأة.

وهكذا تبدو عناية الإسلام بالأولاد فائقة، حيث تُعَدُّ لهم البيئة الطيبة، والتربة الصالحة، والرعاة الأمناء؛ ليوجدوا في الدنيا وجودًا طاهرًا صحيحًا، لا تختلط فيه الأنساب، ولينشأوا نشأةً طيبةً في ظل هذا الزواج المشروع، وتحت رعاية أبوين صالحين.

ولم تتوقف عناية الإسلام بالأولاد ذكورا وإناثا عند هذا الحد، وإنما امتدت إلى أطوار الحياة الأخرى، كما سنعرض لها في لقاءٍ قادمٍ بعون الله -تعالى- وتوفيقه، فإلى اللقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.