• الأسرة والمجتمع
1ـ ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
2ـ أسرة أبي سلمة.
3ـ بناء الأسرة المسلمة.
4ـ عناية الإسلام بالأولاد.
5ـ تربية الأولاد في الإسلام.
6ـ نماذج من تربية الأولاد في الإسلام.
7ـ الطلاق عقوبة الرجل.
8ـ غفلة الحائض عن ذكر الله.


1ـ ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم-*
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد...
فإن هذه الأيام الكريمة لتذكرُنا كلَّ عامٍ بتلك الذكرى الجليلة، ذكرى مولد سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وتعيدُ أمام أعيننا صورةَ تلك الأسرة العريقة الشريفة في مكة، أعني أسرة عبد المطلب بن هاشم، حين قدم عليهم هذا المولود السعيد بطلعته النديّة، وصورته البهيّة، فأخذه جدُّه عبد المطلب وطار به فرَحًا إلى البيت الحرام.

وطاف به وأنشأ يقول:
الحمـــد لله الذي أعطـــــاني
هذا الغـــــلام الطيب الأَرْدَانِ
قد سَادَ في المهد على الغِلمان
أعيـــذُه بالبيت ذي الأركـــانِ
حتـــى يكـــــون بُلْغَـةَ الفِتيان
حتـــى أراه بالــــغَ البُنيــــانِ
أعــــيـذُه من كـــلِّ ذي شَـنآن
من حاســدٍ مضطـربِ العنـانِ


ونشأ النبي -صلى الله عليه وسلم- وشبَّ على القيَم والشيَم، شابًا قويًا من ذوي العزائم والهمَم، حتى صار خيرَ رسولٍ لخير الأمم -صلى الله عليه وسلم-.

وينبغي ونحن نستعيد هذه الذكريات المشرقة على طول أطوار حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ينبغي أن نتخذ لأنفسنا قدوةً راشدةً، وأسوةً حسنةً من مواقفه الحكيمة -صلى الله عليه وسلم-.

فقد كان يتيمًا، مات أبوه وهو حمْلٌ في بطن أمه، ثم ماتت أمُّه وهو في السادسة من عمُره، ولم يكن اليتم عائقًا له عن رفيع الأدب، وحسن الخُلق، حتى زكَّاه الله بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)  فللأيتام في استقامته عبرة.

وكان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يوقعه ذلك في هِوّة الجهل، بل كان يتفكر في الكون، ويتدبر أسراره حتى عرَف بطلان ما عليه قومه من عبادةٍ للأحجار، وعبوديةٍ للشهوات والمسكرات، وأدرك أن هذا الكون بدقته وبديع صنعه لا يمكن أن يكون وليدَ صدفةٍ، بل هو صنعة صانعٍ عليمٍ حكيمٍ هو الله، فترَك جاهلية قومه، وكان يتعبد في غار حراء، يعبد ربَّ هذه الأرض وتلك السماء.

والأميون لهم في ذلك الأسوة الحسنة، فليتفكروا (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ)، (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) حتى يتعرف على الله -تعالى- ويتصل به، وغير الأميين من باب الأَولى.

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إمامًا للناس في الصلاة، ومعلمًا لهم في الدَّرس، ورئيسًا لهم يتحمل أعباء السياسة الدولية وما يلحقها من تبعاتٍ عالميةٍ، كان يقود جيش المسلمين في الغزوات والفتوح، وكان الأب الرحيم بين أولاده، يسجد فيركب أحد الحسنين على ظهره الشريف، فيطيل السجود لئلا يقطع على حفيده لعبته، كان الزوج الحكيم بين أزواجه التسع، ولكلٍ منهن مطالبُها وغَيرتُها، مثل النساء من بنات آدم، حتى ضَرَب في ذلك أروع الأمثلة، وقال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ مولده وحتى وفاته مَدرسةً للأمة، تتعلم فيها ما يُصلحُ شأنها في مختلف مناحي الحياة، فلا جرم أمرنا الله -تعالى- قائلًا: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
هذا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.