منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الأحزاب الآيات من 56-60

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الأحزاب الآيات من 56-60   سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:23 pm

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخير لأمَّتِهِ مُبشِّراً للمؤمنين، نذيراً للكافرين، وكان -صلى الله عليه وسلم- حريصاً على هداية قومه، كما قال تعالى: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128).

كان -صلى الله عليه وسلم- يألم ويحزن إنْ تفلَّتَ أحدٌ من يده، وخرج عن ساحة الإيمان، وكان يُكلِّف نفسه في أمر الدعوة فوق ما يطيق، وفوق ما طلب منه، حتى خاطبه ربه بقوله: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً) (الكهف: 6).

ومعلوم أن سيدنا رسول الله لم يُطلَب منه إلا البلاغ فحسَبْ، أمَّا الهداية فمن الله عز وجل؛ لأنه تعالى قال: (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء: 4).

فلشدة حرصه -صلى الله عليه وسلم- على هداية قومه عاتبه ربه؛ لأنه شَقَّ على نفسه، فالعتاب هنا لصالحه -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في قوله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ..) (التحريم: 1).

وهذا العتاب أشبه بعتابك لولدك الذي أرهق نفسه في المذاكرة، حتى أنك أشفقتَ عليه، فأنت لا تلومه على تقصير، إنما على المبالغة في عمل لا تطيقه قوته.

وقد ظهرت قمة حرْصه -صلى الله عليه وسلم- على أمته حين أنزل الله عليه: (وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) (الضحى: 1-5).

فالتقطها رسول الله من ربه وجعلها لأمته، فقال: "إذن: لا أرضى وواحد من أمتي في النار".

فإذا كان رسول الله حريصاً عليكم بهذا الشكل، فهو يستحق منكم أنْ تُصلُّوا عليه؛ لأن كل خير يناله يعُمُّ عليكم، ويعود إليكم؛ لذلك قال سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (الأحزاب: 56).

وتلحظ أن الخبر (يُصَلُّونَ..) (الأحزاب: 56) خبر عن الله والملائكة؛ فجمع الحق سبحانه بين صلاته وصلاة ملائكته، والنبي -صلى الله عليه وسلم- سمع مرة خطيباً يخطب، يقول: مَنْ يتَّقِ الله ورسوله يُثبْه الله، ومَنْ يعصهما يعاقبه الله، فقال -صلى الله عليه وسلم- له: "بِئْسَ خطيب القوم أنت".

لماذا؟

قالوا: لأنه جمع بين الله تعالى ورسوله في: (ومن يعصهما)، وكان عليه أنْ يقول: ومَنْ يَعْصِ الله ورسوله، فالله وحده هو الذي يجمع معه سبحانه مَنْ يشاء.

قال سبحانه: (وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ..) (التوبة: 74).

أما نحن، فليس لنا أبداً أنْ نأتي بصيغة تشريكية بين الله تعالى وأحد من خَلْقه.

وقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ..) (الأحزاب: 56) هكذا قال الله، وجمع معه سبحانه مَنْ يشاء من خَلْقه، وأنت لا يجوز لك أنْ تجمعَ هذا الجمع إلا إذا كنتَ تقرأه على أنه قرأن، فإن أردتَ أنْ تنشىء كلاماً من عندك فلابُدَّ أن تقول: الله يُصلِّي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي.

لذلك احتاط علماء التفسير لهذه المسألة فقالوا أن (يصلون) ليست خبراً للكل، إنما تقدير الخبر أن الله يصلي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي.

وإذا كان الله يُصلِّي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي، فماذا عنكم أنتم؟

يجب أنْ تُصلوا أنتم كذلك على النبي (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (الأحزاب: 56).

سبق أنْ بينّا أن الصلاة من الله لها معنى، ومن الملائكة لها معنى، ومن المؤمنين المأمورين بها لها معنى، فكُلٌّ بحَسْبه، والصلاة في الأصل هي الدعاء، والدعاء يقتضي داعياً ومدعواً له ومدعواً، فمثلاً حين أدعو الله أنْ يغفر لفلان، فأنا الداعي، والله تعالى مدعو، وفلان مدعو له، فإذا كان المصلي والداعي هو الله عز وجل، فمَنْ يدعو؟

إذن: معنى الدعاء لا يأتي مع الله تعالى لذلك قلنا: إنك لو نظرتَ إلى الأحداث تجد أن صاحبك مثلاً إذا قال لك أَعِدُك أنْ أعطيك غداً كذا وكذا، فهذا وَعْد منه، لا يملك هو من أسباب الوفاء به شيئاً، أما إنْ قال لك: أدعو الله أنْ يعطيك كذا وكذا، ونسب العطاء لله تعالى، فهذا أَرْجَى للتحقيق؛ لأنه منسوب إلى الله، فإنْ قبل الدعاء تحقق المطلوب، فإنْ كان الله تعالى هو الذي يأمر لك بهذا العطاء فلابُدَّ أنْ تناله لا محالة.

إذن: الصلاة من الله ليست بمعنى الدعاء، إنما هي تنفيذ مباشر ورحمة شاملة وعامة، ويكفي من رحمته تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أنْ جعله خاتم الرسل، فلا يستدرك عليه أحد، يكفيه من رحمته وإنعامه وثنائه عليه أنْ قرن اسمه باسمه؛ لذلك خاطبه بقوله: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الشرح: 4).

يكفيه من تكريم الله له أنه سيقبل شفاعته يوم القيامة، لا لأمته فحسب، إنما للخَلْق جميعاً، يكفيه أن الله تعالى خاطب كل رسله بأسمائهم المشخِّصة لهم، وخاطبه هو بالوصف المكرم في: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ..) (الممتحنة: 12) و (يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ..) (المائدة: 41).

أما عن صلاة الملائكة، فهي دعاء، واقرأ: (ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ) (غافر: 7-9).

فإذا كان الخَلْق جميعاً محلَّ صلاة الملائكة واستغفارهم ودعائهم، حتى الذين أذنبوا منهم، ثم تابوا، فما بالك برسول الله، وهو هادي الناس جميعاً.

أما الصلاة من المؤمنين، فهي الاستغفار، واستغفارهم ليس لرسول الله، إنما هو استغفارهم لأنفسهم؛ لأن رسول الله جاء رحمةً لهم، وما دام جاء رحمةً لهم كان من الواجب ألاَّ يغيب توقيره عن بالهم أبداً فَهُمْ إنِ استغفروا، فاستغفار عن الغفلة عنه -صلى الله عليه وسلم-، أو عن أنهم لم يتقدم اسمه، فيصلون عليه.

والمؤمن حين يُصلِّي على رسول الله، ماذا يملك من عطاء يُؤدِّيه لرسول الله؟

ماذا بأيدينا؟

لذلك تأمل لفظ صلاتك على رسول الله، إنك لا تقول أصلي، ولكن تقول: اللهم صَلِّ على محمد، أو صلَّى الله على محمد، فتطلب مِمَّنْ هو أعلى منك أنْ يُصلي على رسول الله؛ لأنه لا يوجد عطاء عندك تُؤدِّيه لرسول الله.

إذن: فالصلاة من الله الرحمة العامة المطلقة، والصلاة من الملائكة الدعاء، والصلاة من المؤمنين الاستغفار.

لذلك سُئِلَ سيدنا رسول الله: يا رسول الله تلك صلاة الله، وتلك صلاة الملائكة، فما الصلاةُ عليك؟

يعني كيف؟

قال -صلى الله عليه وسلم-: "قولوا اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيدٌ".

ودخل عليه صحابي، فقال: يا رسول الله، ما رأيتك بهذه الطلاقة والبِشْر قبل اليوم؟

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن جبريل جاءني فأخبرني أن مَنْ صلى عليَّ صلاة صلَّى الله بها عليه عشراً، وكُتِب له عشر حسنات ومُحي عنه عَشْر سيئات".

وقال عمر -رضي الله عنه-: دخل رجل على رسول الله، فسأله: ما الصلاة عليك يا رسول الله؟

قال -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك من العلم المكنون، ولولا أنكم سألتموني ما قلته: إن الله وكَّل بي ملكيْنِ، فإذا صلَّى واحد عليَّ قال الملكان: غفر الله لك.

ويقول الله: آمين وتقول الملائكة: أمين".

سبحان الله: الله عز وجل بذاته يُؤمِّن على دعاء الملكين.

وقالوا: الصلاة على رسول الله فَرْض على المؤمن، كالحج مرة واحدة في العمر، لكنها واجبة عليه عند كل ذِكْر لرسول الله، لذلك جاء في الحديث: "أبخل البخلاء من ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عليَّ".

وقوله تعالى بعدها: (وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (الأحزاب: 56) لك أنْ تلحظ في صدر الآية: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ..) (الأحزاب: 56) ولم يَقُلْ سبحانه ويسلمون، فلما أمر المؤمنين قال: (صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (الأحزاب: 56) فزاد: وسلِّموا تسليماً.

قال العلماء: لأن الصلاة على رسول الله لا تكون إلا مع التسليم له بمعنى طاعته والإذعان لأمره، وأن تُسْلِم زمامك له في كل صغيرة وكبيرة، وإلاَّ فكيف تُصلِّي عليه وأنت تعصي أوامره، وقد قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (النساء: 65).

ومن معاني التسليم أن نقول: السلام عليك أيها النبي كما نقول في التشهُّد، والسلام اسم من أسماء الله، ومعنى: السلام عليك يا رسول الله أي: جعل الله لك وقاية، فلا ينالك أحد بسوء.

ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ...).



سورة الأحزاب الآيات من 56-60 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 56-60   سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:24 pm

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧)

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الإيذاء: إيقاع الألم من المؤذِي للمؤذَى، سواء أكان الإيذاء بالقول أم بالفعل، والإيذاء بهذا المعنى أمر لا يتناسب مع الحق سبحانه و تعالى.

إذن ما معنى: يؤذون الله؟

قالوا: الله تعالى لا يُؤذَي بالفعل؛ لأنهم لا يستطيعون ذلك، فهو أمر غير ممكن، أما القول فممكن، والإيذاء هنا يكون بمعنى إغضاب الله تعالى بالقول الذي لا يليق به سبحانه، كقولهم: (إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ..) (آل عمران: 181) وبعضهم أنكر وجود الله.

وقولهم: (يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ..) (المائدة: 64).

وقولهم: (عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ..) (التوبة: 30).

وبعضهم يسُبُّ الدهر، والله يقول في الحديث القدسي: "يؤذيني عبدي، وما كان له أنْ يؤذيني، يسبُّ الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقلِّبُ الليل والنهار".

وهل الزمن له ذَنْب في الأحداث التي تؤلمك؟

الزمن مجرد ظرف للحدث، أما الفاعل فهو الله عز وجل، إذن: لا تسبُّوا الدهر، فالدهر هو الله، وهم أنفسهم قالوا: (مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ..) (الجاثية: 24).

كل هذا إيذاء بالقول، لكن ينبغي أنْ ننظر فيه: أهو كذب وبهتان؟

أم قول صادق يقوم عليه دليل؟

وقد يُؤذيك شخص بكلمة، لكنك لا تُؤذَى منها، وفي هذه الحالة يأخذ هو إثمها، وتسْلَم أنت من شرها وتسلم من ألمها..

فهذه الأقوال منهم في الواقع فيها إيذاء، لكن ليس لله تعالى، إنما إيذاء لهم، كيف؟

الحق -سبحانه و تعالى- حينما استخلف الإنسان في الأرض خلق له الكون قبل أنْ يخلقه فطرأ الإنسان على كون مُعَدٍّ لاستقباله، فيه مُقوِّمات بقاء الحياة، ومُقوِّمات بقاء النوع، ثم أعدَّ له أيضاً قانون صيانته، بحيث إنْ أصابه عطب استطاع أنْ يصلحه، هذا القانون هو منهجه سبحانه المحفوظ في كتابه، واقرأ قول الحق سبحانه: (ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ) (الرحمن: 1-4).

فقانون الصيانة في القرآن موجود قبل أنْ يخلق الإنسانَ؛ لأن الإنسان خَلْق الله وصَنْعته خلقه الله في أحسن تقويم، وعلى أحسن هيئة، ويريد له أنْ يظل هكذا سويَّ التكوين في كل شيء، فإذا ما خرج هذا الخليفة المخلوق لله على قانون صيانته، فإنه ولا شكَّ لابُدَّ أنْ يغضب الله، لأن الله يريد أنْ تظلَّ صنعته جميلة، كما أبدعها سبحانه إذن: فالذين أنكروا وجود الله، أو الذين أشركوا به، والذين قالوا: "إن الله فقير ونحن أغنياء" أو قالوا: الملائكة بنات الله... إلخ هذه الأقوال التي ترتب عليها غضب الحق سبحانه؛ لأنه خليفته في الأرض لم يُؤَدِّ المطلوب منه على حَسْب منهج الله.

ونقول لهؤلاء: إياكم أنْ تظنوا أنكم بكفركم خرجتم من قبضة الحق سبحانه، بل أنتم في قبضته، وتحت مشيئته، ولو شاء سبحانه لقهركم على طاعته، أو خلقكم على هيئة الصلاح لا تأتي منكم المعصية كما خلق الملائكة، إنما جعلكم مختارين فيما كلفكم به، مَنْ شاء آمن، ومَنْ شاء كفر، ليعلم مَنْ يقبل عليه بحب لا بقهر.

والدليل على ذلك أنكم مخلوقون، على هيئتين.

هيئة لكم فيها اختيار وهي التكاليف، وهيئة مقبوضين في قبضة الحق سبحانه وهي القضاء، فما دمتم تعودتم التمرد على التكاليف، فلماذا لا تتمرَّدُون على أقدار الله فيكم، كالمرض والموت مثلاً؟

ومع ذلك ما دُمْتَ قد اخترْتَ الكفر وأنا رَب، ومطلوب مني أنْ أعينك على ما تحب، فسوف أختم على قلبك، بحيث لا يدخله الإيمان، ولا يخرج منه الكفر الذي تحبه.

إذن: أنا جئت على مرادك مما يدل على أن كفرك بي لا يضرني ولا يؤذيني.

وقد ورد في الحديث القدسي: (يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضُرِّي فتضروني).

وإنْ كانت لكم منطقة اختيار في الدنيا هي أمور التكاليف، فسيأتي يوم القيامة، ويمتنع الاختيار كله، فلا اختيارَ لأحد في شيء يوم يقول الحق سبحانه: (لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ..) (غافر: 16) فلا يجيب أحد، لا مالك ولا مملوك، فيجيب الحق سبحانه على ذاته: (لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ) (غافر: 16).

هذا في معنى إيذاء الله تعالى، أما الإيذاء في حقِّ سيدنا رسول الله، فرسول الله بشر، يمكن أنْ يصيبه الإيذاء بالفعل والإيذاء بالقول، فكما قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء قالوا عن رسول الله: كاهن وساحر ومجنون وشاعر، ثم تعدَّى الإيذاء إلى الفعل الذي أصاب رسول الله وآلمه بالفعل.

ألم يُرْمَ بالحجارة حتى دَمِيتْ قدماه في الطائف؟

ألم يضعوا على ظهره الشريف سَلاَ البعير في مكة -أي سَقَط البعير- ألم تكسَر رباعيته يوم أحد ويُشَجُّ ويسيل دمه -صلى الله عليه وسلم-؟

فرسول الله ناله مع ربه -عز وجل- إيذاء بالقول، ثم ناله إيذاء آخر بالفعل، إيذاء بشري فيه إيلام، وقمة الإيذاء بالفعل ما يتعرَّض لأمر محارمه وأزواجه -صلى الله عليه وسلم-.

لذلك قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ..) (الأحزاب: 53) أي: بمخالفة ما جاء به، أو بأنْ تتهموه بما ليس فيه، أو تتعرَّضوا له بإيلام حسي، ثم لم يخص من ألوان الإيذاء إلا مسألة الأزواج، فقال: (وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً..) (الأحزاب: 53) وذكر هذه المسألة بالذات صراحةً مراعاة لطبيعة النفس البشرية، فقد قلنا: إن الرجل يمكن أن يتجمل على أصحابه أو أحبابه بأغلى ما يملك، لكنه أبداً لا يقبل أن ينظر أحد إلى زوجته، يحميها ويغَارُ عليها من مجرد النظر.

لذلك فإن سيدنا حذيفة، وكان يحب امرأته، فقال لها: ألاَ تحبين أن تكوني معي في الجنة؟

فقالت: بلى، فقال لها: إذن إذا مِتُّ فلا تتزوجي بعدي -فهو يغار عليها حتى بعد موته- لأني سمعت رسول الله يقول: "المرأة لآخر أزواجها".

لكن هذا الحديث وُوجه بحديث آخر: لما سُئِل رسول الله: أيُّ نساء الرجل تكون معه في الجنة؟ فقال: "أحسنهن خلُقاً معه".

وقد رأى البعض تعارضاً بين هذين الحديثين، والواقع أنه ليس بينهما تعارض، لأن الآخرية هنا لا يُراد بها آخرية الزمن، إنما آخرية الانتقال، كما لو تمتعتَ برحلة جميلة مع أحد الأصدقاء منذ عشرين سنة، فلما ذكَّرته بها قال: كانت آخر متعة، مع أنك تمتعت بعدها برحلات أخرى.

فالمعنى: تكون لآخر أزواجها في المتعة، وإن كان مُتقدِّماً بحُسْن الخلق، إذن: فالمعنيان متفقان، لا تعارضَ بينهما.

ومسألة غَيْرة الرجل على المرأة لها جذور في تاريخنا وأدبنا العربي.

ومن ذلك قول الشاعر:
أَهِيمُ بِدَعْدٍ مَا حيَيتُ فإن أَمُتْ  فوَا أسَفَى مَنْ ذَا يهيمُ بهَا بَعْدي

فهو مشغول بها حتى بعد أنْ يموت، لكن يُؤْخذ عليه أنه شغل بمن يحل محله في هيامه بمحبوبته.

لذلك كان أبلغ منه قَوْل الآخر:
أَهِيمُ بدَعْدٍ مَا حَييتُ فإن أَمُتْ   فَلاَ صَلُحَتْ دَعْدٌ لذِي خُلَّةٍ بَعْدي

إذن: فهذه الغيرة مراتب ودرجات.

ويُحدِّثنا التاريخ أن أحد الخلفاء العباسيين -أظنه الهادي- كان يحب جارية اسمها غادر، ولشدة حبه لها قالوا إنه تزوجها، وفي خلوة من خلوات الهيام والعِشْق قال لها: عاهديني -لأن صحته لم تكُنْ على ما يرام- إذا أنا مِتُّ أن لا تتزوجي بعدي، وفعلاً أعطتْه هذا العهد، فلما مات الهادي لم تلبث أن نسيَتْ غادر عشقها للهادي، ونسيتْ حُزْنها عليه - وهذا من رحمة الله بنا أن كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر إلا المصائب، فإنها تبدأ كبيرة ثم تصغر.

بعدها تزوجت غادر من أخي الهادي، وفي يوم من الأيام استيقظت فَزِعة صارخة، حتى اجتمع عليها مَنْ في القصر، وسألوها: ماذا بكِ؟

قالت: جاءني الهادي في المنام، وقال لي:
خَالَفْتِ عَهْدِي بَعْدَمَا جَاوَرْتُ سُكَّانَ المقَابرْ
ونكحْتِ غادرةً أخِي صَدَق الذِي سَمَّاكِ غَادِرْ
لا يَهْنك الإلْفُ الجديدُ ولا عَدتْ عَنْك الدَّوائرْ
وَلَحقتِ بي مُنْذُ الصَّباح وصِرْتِ حَيْثُ ذهَبْتُ صائِر

وما كادت تنتهي من قولها حتى لفظتْ أنفاسها الأخيرة، وماتت لذلك.

فالحق سبحانه يراعي هذه الغرائز الإنسانية وهذه الطبيعة، أَلا ترى أن عِدَّة المتوفَّى عنها زوجُها كانت سَنةً كاملة، كما في قوله تعالى: (وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ..) (البقرة: 240).

ثم جُعلَتْ عِدَّة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام احتراماً لهذه الغريزة في المرأة.

ثم يُبيّن الحق سبحانه الجزاء العادل لمن يؤذي الله ويؤذي رسول الله، فيقول سبحانه: (لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ..) (الأحزاب: 57) أي: طردهم من رحمته (فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً) (الأحزاب: 57).

ثم يعطينا الحق سبحانه إشارةً إلى أن هذا الجزاء العادل الذي أعدَّه لمن يؤذي الله ورسوله ليس تعصُّباً لله، ولا تعصباً لرسول الله، بدليل أن الذي يؤذي مؤمناً أو مؤمنة لابُدَّ أن يُجازَي عن هذا الإيذاء، فسوَّى المؤمن والمؤمنة في إرادة الإيذاء بإيذاء الله، وبإيذاء رسول الله، فقال سبحانه: (وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ...).



سورة الأحزاب الآيات من 56-60 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 56-60   سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:26 pm

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

لما تكلم الحق سبحانه عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات خَصَّ هذا الإيذاء بقوله (بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ..) (الأحزاب: 58) لأن هناك إيذاءً مشروعاً أوجبه الله للذين يخرجون على حدوده، فحَدُّ الزنا والقذف وشرب الخمر.. إلخ كلها فيها إيذاء للمؤمن وللمؤمنة، لكنه إيذاء مشروع لا يُعاقب مَنْ قام به، كما في إيذاء الله ورسوله.

لذلك يقول تعالى في اللذين يأتيان الفاحشة: (وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا..) (النساء: 16).

والحق سبحانه حين شرع هذه الحدود وهذا الإيذاء، إنما شرعه ليكون عقوبةً لمن يتعدَّى حدود الله، وتطهيراً له من ذنبه، ثم لتكون رادعاً للآخرين، فسيدنا عمر -رضي الله عنه- لما قرأ هذه الآية: (وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ..) (الأحزاب: 58) بكى فقال له جليسه: ما يُبكيك يا أمير المؤمنين؟

قال: لأنني آذيتُ المؤمنين والمؤمنات، قال: يا أمير المؤمنين إنك تؤذي لتُعلِّم ولتُقوِّم والله تعالى أمرنا أن نرجم، وأن نقطع، فضحك عمر وسُرَّ.

بل أكثر من هذا يأمرنا الحق سبحانه في الحدود: (وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ..) (النور: 2).

لأن الرأفة في حدود الله رحمة حمقاء، ولسنا أرحم بالخَلْق من الخالق سبحانه، والله تعالى حين يُضخِّم العقوبة ويؤكد عليها، إنما يريد ألاَّ نجترىء على حدوده، وألاَّ نُعرِّض أنفسنا لهذه العقوبات، ولك أنْ تسأل حين تقرأ قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ..) (البقرة: 179).

كيف تكون الحياة في القتل؟

نعم، في القصاص حياة؛ لأنك حين تعلم أنك إنْ قتلتَ تُقتَل، فلن تُقدم أبداً على القتل، وبذلك حَمَى الله القاتل والمقتول، وهل يُعَدُّ هذا إيذاءً؟

ومعنى (بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ..) (الأحزاب: 58) أي: بغير جريمة تستحق الإيذاء، وكلمة (ٱكْتَسَبُواْ..) (الأحزاب: 58) قلنا: هناك فَرْق بين: فعل وافتعل، فعل أي الفعل الطبيعي الذي ليس فيه مبالغة ولا تكلُّف، أما افتعل ففِعْل فيه تكلُّف ومبالغة، كذلك كسب واكتسب، كسب: أنْ تأخذ في الشيء فوق ما أعطيتَ، كما لو اشتريت بخمسة وبِعْتَ بسبعة مثلاً فهذا كسْب، أما اكتسب ففيها زيادة وافتعال.

لذلك تجد في العُرْف اللغوي العام أن كسب تأتي في الخير واكتسب تأتي في الشر، مثل قوله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ..) (البقرة: 286) لها ما كسبتْ تفيد الملكية، وعليها تفيد الدَّيْن.

ذلك لأن الأمر الحلال يأتي طبيعياً تلقائياً، أما الحرام فيحتاج إلى محاولة وافتعال واحتياط، فحين تنظر مثلاً إلى زوجتك تكون طبيعياً لا تتكلف شيئاً، أما حين تنظر إلى امرأة جميلة في الشارع، فإنك تتلصص لذلك وتسرق النظرات، خشية أن يطلع أحد على فِعْلتِك، هذا هو الفرق بين الحلال والحرام.

وفي آية واحدة في كتاب الله جاء الفعل كسب في الشر، وذلك في قوله تعالى: (بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ..) (البقرة: 81).

لماذا؟

قالوا: لأن الآية فيمَنْ تعوَّد السيئات، وأحاطت به الخطايا حتى أصبحت عادة، وسَهُلَتْ عليه حتى صارت عنده كالحلال، يفعله بلا تكلُّف، بل ويجاهر به ويتباهى، هذا هو المجَاهر الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي مُعَافَى إلا المجَاهرين".

وفيه: "ستر الله عليه وأصبح يفضح نفسه".

وهذا الذي يُسَرُّ بالمعصية ويتباهى بها بلغ به الاحتراف أنه يستطيع أنْ يستر حركات انفعاله في الحرام، كأنها الحلال بعينه؛ لذلك جاء الفعل كسب هنا، وكأن السيئة أصبحت مَلكةً.

أذكر بمناسبة التكلُّف والافتعال في الحرام رجلاً من بلدتنا اسمه الشيخ مصطفى، ذهب إلى السوق لشراء بقرة، وأخذ النقود في جيبه، ومن حرصه وضع يده على جيبه خوفاً من اللصوص، فلما رأوه في السوق يمسك جيبه بيده عرفوا أنه ضالتهم، فكيف احتالوا ليسرقوه؟

لطخ أحدهم كتفه بروَث البهائم، ثم احتكَّ بالشيخ مصطفى، حتى اتسخت ملابسه فغضب، وأخذ ينظف ملابسه من الروث، ونسي مسألة النقود التي في جيبه فسرقوه.

وكما يأتي الحرام بافتعال، كذلك يكون العقاب فيه أيضاً افتعال ومبالغة تناسب افتعال الفعل؛ لذلك يقول سبحانه في عقاب الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا: (فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ..) (الأحزاب: 58) ولم يَقُلْ حملوا، وفَرْق بين حمل واحتمل، حمل تُقال لما في طاقتك حَمْله، إنما احتمل يعني فوق الطاقة، وإنْ حملْته تحمله بمشقة، فالجزاء هنا من جنس العمل، فكما تفاعلْتَ وتكلَّفْتَ في المعصية كذلك يكون الجزاء عليها.

(فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) (الأحزاب: 58) البهتان: أن تقول في غيرك ما ليس فيه، فالبهتان كذب، أمَّا الإثم: فأنْ ترتكب ذنباً في حقه بأن تؤذيه بصفة هي فيه بالفعل، لكنه يكره أنْ تصفِه بها، كما تقول للأعمى مثلاً: يا أعمى.

لذلك ورد في الحديث لما سُئِل سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيتَ إنْ كان في أخي ما أقول؟

قال: "إنْ كان فيه ما تقول فقد اغتبْتَهُ، وإنْ لم يكن فيه ما تقول فقد بَهته".

أي: كذبْتَ وافتريْتَ عليه.

ووصف الحق سبحانه الإثم هنا بأنه مبين (وَإِثْماً مُّبِيناً) (الأحزاب: 58) يعني: جَليٌّ واضح؛ لأن الوضوح في الإثم إما أن يكون بأنْ تُقِر أنت به وتعترف بذنبك، وإما أنْ يكون بالبينة، فلو سألناك: أنت قلت لهذا الرجل يا أعمى، أتحب أنْ تُوصَف أنت بصفة تكرهها؟

لابُدَّ أنْ تقول: لا أحب.

إذن: فالإثم هنا واضح، ويكفي إقرارك به.

وينبغي أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك كما علَّمَنَا سيدنا رسول الله، فكما أنه لا يُرضيك أنْ يسرق الناس منك، كذلك أنت لا تسرق منهم، وكما يُؤذيك الإثمُ كذلك يؤذيهم.

ثم يأخذنا الحق سبحانه إلى أدب آخر من آداب الأسرة، فيقول سبحانه: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ...).



سورة الأحزاب الآيات من 56-60 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 56-60   سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:27 pm

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٥٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نلحظ أن الأمر توجَّه أولاً لأزواج النبي، ثم لبناته -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يعني أن رسول الله لا يأمر أمته بشيء هو عنه بنجوى، إنما يأمرهم بشيء بدأ فيه بأهل بيته، وهذا أدْعَى لقبول الأمر وتنفيذه، فقبل أنْ آمركم أمرت نفسي فلم أتميز عنكم بشيء.

لذلك جاء في سيرة القائد المسلم "طارق بن زياد" أنه لما ذهب لفتح الأندلس وقف بجنوده على شاطىء البحر، وأعداؤه على الشاطىء الآخر، ثم قال للجنود: أيها الناس أنا لن آمركم بأمر أنا عنه بنجوى، وإنني عند ملتقى القوم سابقكم، فمبارز سيِّدَ القوم، فإنْ قتلتُه فقد كُفيتم أمره، وإنْ قتلني فلن يعوزكم أمير بعدي.

أي: أنني سابقكم إلى القتال، ولن أرسلكم وأجلس أتفرج وأرقب ما يحدث، يعني: أنا لا أتميز عنكم بشيء.

وبهذه المساواة أيضاً ساد عمر -رضي الله عنه- القوم وقاد العالم وهو يرتدي مُرقَّعته بالمدينة؛ لذلك لما رآه رجل وهو نائم تحت شجرة كعامة الناس قال: حكمتَ فعدلْتَ فأمنْتَ، فنمتَ يا عمر.

وكان -رضي الله عنه- إذا أراد أنْ يأخذ قراراً في أمر من أمور رعيته يعلم أن الفساد إنما يأتي أولاً من الحاشية والأقارب والأتباع ومن مراكز القوى التي تحيط به؛ لذلك كان يجمع قرابته ويحذرهم: أنا اعتزمْتُ أنْ أصدر قراراً في كذا وكذا، فوالذي نفسي بيده مَنْ خالفني منكم إلى شيء منه لجعلته نكالاً للمسملين، أيها القوم إياكم أنْ يدخل عليكم مَنْ يدَّعي صلته بي، فتعطونه غير حق مَنْ لم يعرفني، والله إنْ فعلتُم لأجعلنكم نكالاً للمسلمين.

وورود النص القرآني بلفظ: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ..) (الأحزاب: 59) دليل على أن سيدنا رسول الله كان ينقل النصَّ الذي جاءه، والصيغة التي تكلَّم الله بها دون أنْ يُغيِّر فيها شيئاً، وإلا فقد كان بإمكانه أن ينقل الأمر لأزواجه، فيقول: يا أيها النبي أزواجك وبناتك يدنين عليهن من جلابيبهن.

إنما نقل النص القرآني كما أُنزل عليه؛ ليعلم الجميع أن الأمر من الله، وما محمد إلا مُبلِّغ عن الله، فمَنْ أراد أنْ يناقش الأمر فليناقش صاحبه.

وأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ساعة نزلتْ عليه هذه الآية كُنَّ تسعة أزواج، كرَّمهن الله وخيَّرهن فاخترْنَ رسول الله، كان منهن خمس من قريش هُنَّ: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وسودة بنت زمعة، وثلاث من سائر العرب هُنَّ: ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت جحش، وجُويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وواحدة من نسل هارون أخي موسى -عليهما السلام- هي السيدة صفية بنت حيي بن أخطب.

أما بنات رسول الله، فرسول الله أنجب البنين والبنات: البنون ماتوا جميعاً في الصِّغَر، أما البنات فأبقاهُنَّ الله حتى تزوَّجْنَ جميعاً، وهُنَّ: زينب، ورقية، وأم كلثوم.

وأصغرهن فاطمة، وهي الوحيدة التي بقيتْ بعد موت سيدنا رسول الله، أما زينب ورقية وأم كلثوم فقد مُتْنَ في حياة رسول الله.

ولفاطمة قصة في الضحك والبكاء؛ لذلك بعض العارفين كان يقول في قوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ) (النجم: 43) أن السيدة فاطمة حينما سُئلت ما الذي أبكاكِ وما الذي أضحكك؟

قالت: لأنني لما دخلتُ على أبي وهو مريض قال لي: إن هذا هو مرض الموت يا فاطمة فبكيت، ثم انصرفتُ فأشار إليَّ وقال لي: يا فاطمة ستكونين أول أهل بيتي لحوقاً بي فضحكت.

لذلك لم تمكث فاطمة بعد رسول الله إلا ستة أشهر.

وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أن لقاء الأموات يكون بمجرد الموت، وإلا لو كان اللقاء في البعث والقيامة لاستوى في ذلك مَنْ مات أولاً، ومَنْ مات آخراً، فدلَّ قوله: "ستكونين أول أهل بيتي لحوقاً بي".

على أن لقاءه -صلى الله عليه وسلم- بها سيكون بمجرد أنْ تموت.

الشاهد في هذه القصة أن أحدهم -أظنه الإمام علياً- قال لفاطمة: الله يقول: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ) (النجم: 43) أما رسول الله فأبكاك أولاً، ثم أضحكك حتى لا يكون أضحك وأبكى كَرَبِّهِ.

أما السيدة زينب فتزوجت العاص بن الربيع قبل أنْ يُحرَّم الزواج من الكفار، وقد أُسِر العاص في غزوة بدر، فذهبتْ زينب لتفديه، وقدمت قلادة كانَت معها، فلام رآها رسول الله وجد أنها قلادة خديجة -رضي الله عنها- قد وهبتْها لابنتها، فقال: إنْ رأيتم أنْ تردوا لها قلادتها وتفكُّوا لها أسيرها فافعلوا، فردَّ -صلى الله عليه وسلم- الأمر إلى مَنْ ينتفع به، فتنازلوا عن القلادة.

أما رقية وأم كلثوم فلهما حوادث، منها حوادث مؤسفة، ومنها حوادث مبهجة، أما المؤسف فإنَّ عتبة بن أبي لهب عقد على رقية، وأخوه عتيبة عقد على أم كلثوم، وكان هذا قبل بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما بُعث رسول الله وحدث ما حدث بينه وبين أبي لهب وأنزل الله تعالى: (تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) (المسد: 1-2).

قال لابنه عتبة: رأسي ورأسك عليَّ حرام حتى تُطلِّق رقية فطلَّقها، بعدها مَرَّ عتبة على رسول الله، وفعل فَعْلةً فيها استهزاء برسول الله، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: "أكلك كلب من كلاب الله".

أخبر عتبة أباه بما كان من دعاء رسول الله عليه، وكان أبو لهب يعلم صدْق رسول الله، وأن دعاءه مستجاب لا يرَدُّ، فخاف على ابنه، وأخذ يحتاط له، ويوصي به رفاقه في رحلات تجارته - وعجيب أنه مع هذا كله لم يؤمن.

وفعلاً كان عتبة في رحلات التجارة ينام في وسط القوم، وهم يحيطون به من كل جانب، وفي إحدى الليالي جاءه أسد، فأخذه من بين القوم، ولم يَبْقَ منه إلا ما يُعرف به.

علَّق على هذه الحادثة أحد المغرضين فقال: إن رسول الله قال: "أكلك كلب" وهذا أسد، فردَّ عليه أحد العارفين فقال: إذا نُسِب الكلب إلى الله، فلابُدَّ أنْ يكون أسداً، فرسول الله لم يقل: كلب من كلابكم، إنما من كلاب الله.

هذا ما كان من أمر عتبة، أما عتيبة فقد طلَّق أم كلثوم، لكنه لم يتعرض لرسول الله بإيذاء، بل قالوا: إنه كان يستحي أنْ يواجه رسول الله، لذلك لم يَدْعُ عليه رسول الله.

أما الحادث المبهج في حياة رقية وأم كلثوم، فقد أبدلهما الله خيراً من عتبة وعتيبة، حيث تزوجت رقية من سيدنا عثمان، فلما ماتت تزوج بعدها من أم كلثوم؛ لذلك لُقِّب -رضي الله عنه- بذي النورين.

وكانت النساء يُغنين حين تزوج عثمان برقية:
أَحْسَن مَا رأى إنْسَانٌ رُقيَّة وزوجُهَا عُثْمَانُ

فانظر إلى عِظَم هذا العوض أنْ يُبدِلَهُمَا الله بعتبة وعتيبة مَنْ؟

عثمان، نعم العِوَض هذا، والعِوَض في مثل هذه المسائل إنما يتأتَّى بقبول القضاء في نظائره، فإذا أُصيب الإنسان فاستسلم وسلَّم الأمر لله؛ فقال كما علَّمنا رسول الله: "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أَجْرني في مصيبتي -أيّاً كانت هذه المصيبة- وأخْلُفْنِي خَيْراً منها".

إذا قال ذلك وعلم أن لله حكمة في كل قضاء يقضيه لابُدَّ أنْ يُعوِّضه الله خيراً، وأظن أن قصة السيدة أم سلمة مشهورة في هذا المقام، فلما توفي زوجها أبو سلمة حزنتْ عليه حزناً شديداً، ولما جاءها النسوة يُعزِّينها في زوجها قالت إحداهن: يا أم سلمة، قولي كما قال رسول الله: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أأجرني في مصيبتي، واخْلُفْني خيراً منها، فقالت: وهل هناك خير من أبي سلمة، يعني: هو في نظرها أحسن الناس وخيرهم.

لكنها مع هذا رضيَتْ بقضاء الله فما انقضَتْ عِدَّتها حتى طرق عليها طارق يقول: يا أم سلمة، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطبِك لنفسه، فضحكتْ لأن الله عوَّضها بمَنْ هو خير من أبي سلمة.

بعد أن أمر الحق سبحانه أزواج النبي وبناته أولاً بهذا الأدب ثِنَّى بنساء المؤمنين، فقال (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب: 59) لأن أسرة رسول الله ليست أزواجه وبناته فحسب، إنما العالم كله، وكلمة (نساء) جمع، لا واحد له من لفظه، فمفرد أزواج زوج، ومفرد بنات بنت، أما (نساء) فمفردها من معناها، لا من لفظها، فتقول: امرأة، واسْتُثْقِل جمع امرأة على امرآت فقالوا: نساء وأصلها في اللغة من النسيء، قالوا: لأن المرأة أُجِّلَ خَلْقُها بعد خَلْق الرجل.

وفي اللغة: النَّسْء أي: التأخير والتأجيل، فقالوا: نساء.

ثم يذكر سبحانه الأمر الذي وُجِّه إلى زوجات النبي، وبناته ونساء المؤمنين جميعاً (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ..) (الأحزاب: 59) فالفعل (يُدْنِينَ..) (الأحزاب: 59) مجزوم في جواب الطلب (قُلْ) مثل: اسكُتْ تسْلَم، ذاكر تنجح، وفي الآية شرط مُقدَّر: إنْ تَقُلْ لهُنَّ ادنين يُدنين.

كما في: (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً) (الحج: 27) لأن الخطاب هنا للمؤمنات، وعلى رَأْسِهن أزواج النبي وبناته، وإنْ لم يستجب هؤلاء للأمر، فقد اختلَّ فيهِنَّ شرط الإيمان.

ومعنى: الإدناء: تقريب شيء من شيء، ومن ذلك قوله تعالى في وصف ثمار الجنة(قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) (الحاقة: 23) أي: قريبة التناول سَهْلة الجَنْي، والمراد: يُدنين جلابيبهن أي: من الأرض لتستر الجسم.

وقوله: (عَلَيْهِنَّ..) (الأحزاب: 59) يدل على أنها تشمل الجسم كله، وأنها ملفوفة حوله مسدولة حتى الأرض.

وكلمة (جَلاَبِيبِهِنَّ..) (الأحزاب: 59) مفردها جلباب، وقد اختلفوا في تعريفه فقالوا: هو الثوب الذي يُلْبس فوق الثوب الداخلي، فتحت الجلباب مثلاً (فانلة) أو قميص وسروال، ويجوز أن تكون الملابس الداخلية قصيرة، أما الجلباب فيجب أن يكون سابغاً طويلاً قريباً من الأرض.

وقالوا: الجلباب هو الخمار الذي يغطي الرأس، ويُضرب على الجيوب -أي فتحة الرقبة- لكن هذا غير كافٍ، فلابُدَّ أنْ يُسدل إلى الأرض ليستر المرأة كلها؛ لأن جسم المرأة عورة، ومن اللباس ما يكشف، ومنه ما يصف، ومنه ما يلفت النظر.

وشرط في لباس المرأة الشرعي ألاَّ يكون كاشفاً، ولا واصفاً، ولا مُلْفِتاً للنظر؛ لأن من النساء مَنْ ترتدي الجلباب الطويل السَّابغ الذي لا يكشف شيئاً من جسمها، إلا أنه ضيِّق يصف الصَّدْر، ويصف الأرداف، ويُجسِّم المفاتن، حتى تبدوا وكأنها عارية.

لذلك من التعبيرات الأدبية في هذه المسألة قَوْل أحدهم -وهو على حق- إنَّ مبالغة المرأة في تبرُّجها إلحاح منها في عَرْض نفسها على الرجل.

يعني: تريد أنْ تُلفت نظره، تريد أنْ تُنبِّه الغافل وكأنها تقول: نحن هنا.

وإنْ تساهلنا في ذلك مع البنت التي لم تتزوج، ربما كان لها عُذْر، لكن ما عذر التي تزوَّجت؟

ثم يُبيِّن الحق -تبارك و تعالى- الحكمة من هذا الأدب في مسألة اللباس، فيقول: (ذٰلِكَ..) (الأحزاب: 59) أي: إدناء الجلباب إلى الأرض، وسَتر الجسم، وعدم إبداء الزينة (أَدْنَىٰ..) (الأحزاب: 59) أي: أقرب: (أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ..) (الأحزاب: 59).

فالمرأة المسلمة تُعْرف بزيِّها وحِشْمتها، فلا يجرؤ أحد على التعرض لها بسوء أو مضايقتها، فلباسها ووقارها يقول لك: إنها ليست من هذا النوع الرخيص الذي ينتظر إشارة منك، وليست ممَّنْ يَعْرض نفسه عَرْضاً مُهيِّجاً مستميلاً مُلْفتاً.

وقوله تعالى بعد ذلك وفي ختام الآية (وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب: 59) جاء وَصْف المغفرة والرحمة هنا ليشير إلى أن عقوبة الله ليست بأثر رجعي، فما سبق هذا الأمر من تجاوزات مغفور معفوٌّ عنه برحمة الله، والعبرة بسلوك المؤمنة بعد أنْ تسمع هذا الأمر بإدناء الجلباب والتستُّر.

والحق سبحانه بمثل هذا الأدب إنما يُؤمِّن حياة المرأة المسلمة، كيف؟

نقول: معنى التأمين أنْ نأخذ منك حال يُسْرك، وحين تكون واجداً، لنعطيك حينما تكون غير واجد.

كذلك الإسلام حين يستر جمال المرأة ومفاتنها حال شبابها ونضارتها يسترها حين تكبر، وحين يتلاشى الجمال، ويحلُّ محلَّه أمور تحرص المرأة على سترها، فالإسلام في هذه الحالة يحمي المرأة ويحفظ لها عِزَّتها.

ثم يقول الحق سبحانه: (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَٰفِقُونَ...).



سورة الأحزاب الآيات من 56-60 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 56-60   سورة الأحزاب الآيات من 56-60 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:32 pm

لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

المتتبع لموكب الرسالات يجد أن الرسل واجهوا في نشر رسالتهم ثلاثة أصناف من البشر: صنف آمن، وصنف كفر، وصنف وقف متردداً بين الكفر والإيمان، وهؤلاء هم المنافقون.

ذلك؛ لأن الرسول حين يُبعث إنما يُبعَث لتغيير وضع اجتماعي بلغ من السوء درجةً لا يحتملها الناس، فالذي يعاني من هذا الوضع ينتظر هذا الرسول الجديد، فما أنْ يُبعث حتى يبادر إلى الإيمان به؛ لأنه جاء بمبادىء جديدة، لا ظُلْم فيها، ولا قهر، ولا استبداد، ولا رشوة، ولا فساد.

إذن: مَنْ عضته هذه الأحداث، وشقى بهذا الفساد سارع إلى الإيمان، وكذلك آمن أهل مصر، وما إنْ دخلها الإسلام حتى أسرعوا إليه.. لماذا؟

لأنهم شَقُوا قبله بحكم الرومان، وكذلك آمن الفُرْس بمجرد أنْ سمعوا بالإسلام، ورأوا الأسوة الحسنة في المسلمين بعد أنْ عَضَّهم فساد غير المسلمين.

ساعة يشْقَى الناسُ بفساد الأوضاع يتطلَّعون إلى منقذ، فإنْ جاءهم اتبعوه، خاصة إنْ كان منهم وله فيهم مَاضٍ مُشرِّف لم يُجربوا عليه كذباً ولا نقيصة.

وهذا ما رأيناه مثلاً في قصة إسلام سيدنا أبي بكر، فما أنْ أعلن محمد أنه رسول الله حتى سارع إلى الإيمان به دون أنْ يسأله عن شيء..

لماذا؟

لأنه عرف صِدْقه، وعرف أمانته، ووثق من ذلك.

ومثله كان إيمان السيدة خديجة -رضي الله عنها- فما إنْ جاءها رسول الله مُضطرباً مما لاقى من نزول المَلك عليه حتى احتضنته، وهدَّأتْ من رَوْعه، وأنصفته، وذهبتْ به إلى ورقة بن نوفل لتثبت له أنه على الحق، وأن الله تعالى لن يُسلمه ولن يتخلى عنه.

وكان مما قالتْ: "والله إنك لتقري الضيف، وتحمل الكلَّ، وتُكسِب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر...".

لذلك قال العلماء: إن السيدة خديجة كانت أول فقيهة في الإسلام قبل أنْ ينزل الإسلام.

وطبيعي أن يكون أهل الفساد والمستفيدون منه على النقيض، فهم ينتفعون بالفساد والاستبداد، ويريدون أن تظلَّ لهم سيادتهم ومكانتهم، وأنْ يظل الناسُ عبيداً لهم، يأكلون خيراتهم ويستذلونهم.

وهؤلاء الذين استعبدوا الناس، وجعلوا من أنفسهم سادةً بل آلهة، ويعلمون أن الرسول ما جاء إلا للقضاء على سيادتهم وألوهيتهم الكاذبة، هؤلاء لابُدَّ أن يصادموا الدعوة، لابُدَّ أنْ يكفروا بها، وأن يحاربوها، حِفَاظاً على سيادتهم وسلطتهم الزمنية.

وعجيب أن نرى من عامة الناس مَنْ أَلِف هذه العبودية، ورضي هذه المذلة، واكتفى بأنْ يعيش في كَنَف هؤلاء السادة مهما كانت التبعاتُ، هؤلاء وأمثالهم هم الذين قالوا: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

فبعد أنْ جاءهم الرسول المنقذ ما زالوا يتطلعون إلى عظيم يستعبدهم.

وكلٌّ من هذيْن الفريقين (المؤمن، والكافر) كان منطقياً مع نفسه، فالمؤمن آمن بقلبه، ونطق بلسانه، والكافر كفر بقلبه، وكفر بلسانه، لأنه لم ينطق بكلمة التوحيد، والإنسان قلبٌ وقالبٌ، ولابُدَّ في الإيمان أنْ يوافق القالبُ ما في القلب.

أما الصنف الثالث وهو المنافق، فليس منطقياً مع نفسه، لأنه آمن بلسانه، ولم يؤمن بقلبه، فهو جبان يُظهر لك الحُب، ويُضمِر الكُره؛ لذلك جعلهم الله في الدَّرْك الأسفل من النار.

لذلك، فالعرب لما سألهم رسول الله أنْ يقولوا: لا إله إلا الله، ليبطل بها سيادة زعماء الكفر أبوْا أن يقولوها..

لماذا؟

لأنهم يعلمون أنها ليست كلمة تُقال، إنما لها تبعات، ويترتب عليها مسئوليات لا يقدرون هم على القيام بها، ولو أنها كلمة تُقَال لقالوها، وانتهى العداء بينهم وبين رسول الله.

فمعنى لا إله إلا الله: لا عبودية إلا لله، ولا خضوعَ إلا لله، ولا تشريعَ إلا لله، ولا نافع إلا الله... إلخ، وكيف تستقيم هذه المعاني مع مَنْ أَلِف العبودية والخضوع لغير الله؟

والحق -تبارك و تعالى- لما تكلّم هنا عن المنافقين خَصَّ المدينة، فقال سبحانه (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ..) (الأحزاب: 60) فالنفاق لم يظهر في مكة، وهي مَعْقل الكفر والأصنام، إنما ظهر في المدينة، وهي التي آوَتْ مهاجري رسول الله، وكان غالبية أهلها من أهل الكتاب، وهم أقرب إلى الإيمان من الكفار، فلماذا هذه الظاهرة؟

قالوا: لإن الإسلام كان ضعيفاً في مكة، وصار قوياً في المدينة، فالنفاق ظاهرة صحية للإسلام؛ لأنه لولا قوته ما نافقه المنافقون، فظهور النفاق في المدينة دليل على قوة الإسلام فيها، وأنه صارت له شوكة، وصارت له سطوة؛ لذلك نافق ضعافُ الإيمان؛ ليأخذوا خير الإسلام، وليحتموا بحماه، وإلا فالضعيفُ لا يُنَافَق.

نعم، ظهر النفاق في المدينة التي قال الله في حق أهلها: (وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ..) (الحشر: 9).

ويقول عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جُحْرها".

وأيضاً القرآن هو الذي قال عن أهل المدينة: (وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ..) (التوبة: 101) وهذا ليس استضعافاً للمدينة، إنما إظهار لقوة الإسلام فيها، بحيثُ أصبحتْ له سطوة وقوة تُنافَق.

هنا قوله تعالى: (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ..) (الأحزاب: 60) ساعة تسمع (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ..) (الأحزاب: 60) فاعلم أن الله تعالى أقسم بشيء وهذا القول هو جواب القسم، والحق سبحانه لا يُقسِم إلا على الشيء العظيم، ونحن البشر نُقسِم لنؤكد كلامنا، كما تقول: والله إنْ ما حدث من فلان كذا وكذا سأفعل كذا وكذا.

أما الحق سبحانه، فكلامه صادق ونافذ دون قَسَم، فما بالُكَ إنْ أقسم؟

لذلك يقول بعض العارفين إذ سمع الله تعالى يُقسِم: مَنْ أغضب الكريم حتى ألجأه أن يقسم؟

كلمة (ٱلْمُنَافِقُونَ..) (الأحزاب: 60) مفردها منافق، مأخوذ من نَافَقاء اليربوع، واليربوع حيوان صغير يشبه الفأر، يعرفه أهل البادية، يعيش في جحور، فيترصدونه ليصطادوه ساعة يخرج من جُحْره، لكن هذا الحيوان الصغير فيه لُؤْم ودهاء، فماذا يفعل؟

يجعل لجُحْره مدخلين، واحد معروف، والآخر مستتر بشيء، فإذا أحس بالصياد على هذا المدخل ذهب إلى المدخل الآخر؛ لذلك أشبه المنافق تماماً الذي له قلب كافر ولسان مؤمن.

وتلحظ أن المنافقين وصفهم الله هنا بصفات ثلاث (ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ..) (الأحزاب: 60) فالعطف هنا لا يقتضي المغايرة، إنما عطف صفات مختلفة لشيء واحد، وجاءتْ هذه الصفات مستقلةً؛ لأنها أصبحتْ من الوضوح فيهم، بحيث تكاد تكون نوعاً منفرداً بذاته.

وقد وصف القرآن في موضع آخر المنافقين بأن في قلوبهم مرضاً، فقال سبحانه: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة: 8-10).

وفي هذا دليل على أن الواو هنا أفادت عطف صفة على صفة، لا طائفة على طائفة، ومِثْله العطف في قوله تعالى: (وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ..) (الحشر: 9) فالدار أي المدينة، وكذلك الإيمان يُراد به المدينة أيضاً.

ومعنى (وَٱلْمُرْجِفُونَ..) (الأحزاب: 60) المرجف من الإرجاف، وهو الهزَّة العنيفة التي تزلزل، ومنه قوله تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ) (النازعات: 7) فالمرجفون هم الذين يحاولون زلزلة الشيء الثابت، وزعزعة الكيان المستقر، كذلك كان المنافقون كلما رأو للإسلام قوةً حاولوا زعزعتها وهزّها لإضعافه والقضاء عليه.

وهؤلاء هم الذين نسميهم في التعبير السياسي الحديث (الطابور الخامس)، وهم الجماعة الذين يُروِّجون الإشاعات، ويذيعون الأباطيل التي تُضِعف التيار العام وتهدد استقراره.

وكثيراً ما قعد المنافقون يقولون: إن قبيلة فلان وقبيلة فلان اجتمعوا للهجوم على المدينة والقضاء على محمد ورسالته، وهدفهم من هذه الإشاعات إضعاف وهزيمة الروح المعنوية لدى المسلمين الجدد والمستضعفين منهم.

حتى على مستوى الأفراد، كانوا يذهبون إلى مَنْ يفكر في الإسلام، أو يرون أنه ارتاح إليه، فيقولون له: ألم تعلم أن فلاناً أخذه قومه، أو أخذه سيده وعذَّبه حتى الموت لأنه اتبع محمداً، ذلك ليصرفوا الناس عن دين الله.

إذن: المرجِفُ يعني الذي يمشي بالفتنة والأكاذيب؛ ليصرف أهل الحق عن حقهم، بما يُشيع من بهتان وأباطيل.

لذلك يهددهم الحق سبحانه: لئن لم ينته هؤلاء المنافقون عن الإرجاف في المدينة وتضليل الناس لَيكُونَنَّ لنا معهم شأن آخر، كان هذا وقت مهادنة ومعاهدة بين المسلمين واليهود وأتباعهم من المنافقين، وكأن الله تعالى يقول: لقد سكتنا على جرائمهم إلى أنْ قويَتْ شوكة الإسلام، أما وقد صار للإسلام شوكة فإنْ نقضوا عهدهم معنا فسوف نواجههم.

وعجيب من هؤلاء المرجفين أنْ يظنُّوا أن الله لا يعلم أباطيلهم، ولا يعلمها رسوله، والله تعالى يقول: (أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 29-30).

ومعنى لحن القول: أن يميلوا بالكلام عن غير معناه، ومن ذلك قولهم في السلام على رسول الله: السام عليكم، والسام هو الموت، وكما لووا ألسنتهم بكلمة (راعنا) فقالوا: راعونا يقصدون الرعونة.

وأغرب من ذلك ما حكاه القرآن عنهم: (وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ..) (المجادلة: 8).

فهذا القول منهم دليل على غبائهم.

أولاً: لأنهم يتمنوْنَ العذاب.

ثانياً: لأنهم قالوا ذلك في أنفسهم لم يقولوا للناس، ولم يقولوا حتى لبعضهم البعض؛ لأن (يقولون) جمع، و (في أنفسهم) جمع، فكأن كلاً منهم كان يقول ذلك في نفسه.

إذن: ألم يسأل واحد منهم نفسه: مَنِ الذي أعلم رسولَ الله بما في نفسي؟

أَلاَ يدل ذلك على أن محمداً موصول بربه، وأنه لابُدَّ فاضحهم، وكاشفٌ مكنونات صدورهم، إذن: هذا غباء منهم.

والمتتبع لتاريخ اليهود والمنافقين في المدينة يجد أن الإسلام لم يأخذهم على غرَّة، إنما أعطاهم العهد وأمنَّهم ووسَّع لهم في المسكن والمعيشة طالما لم يُؤذُوا المسلمين، لكن بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم يتناجوْنَ بالإثم والعدوان، فبعث إليهم ونهاهم عن التناجي بالإثم والعدوان، لكنهم عادوا مرة أخرى، كما قال القرآن عنهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ) (المجادلة: 8).

إذن: لم يَبْقَ إلا المواجهة على حَدِّ قول الشاعر:
أَنَاةٌ فإنْ لَمْ تُغْنِ عقَّبَ بَعْدهَا وَعيداً فإنْ لم يُغْنِ أغنَتْ عَزَائمهُ

لذلك يأتي جواب الشرط: (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ..) (الأحزاب: 60).

فجواب الشرط: (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ..) (الأحزاب: 60) من الإغراء، وهو باب من أبواب الدراسات النحوية اسمه الإغراء، ويقابله التحذير، الإغراء: أنْ تحمل المخاطب وتُحبِّبه في أمر محبوب ليفعله، كما تقول لولدك مثلاً: الاجتهادَ الاجتهادَ.

أما التحذير فأنْ تُخوِّفه من أمر مكروه ليجتنبه، كما تقول: الأسدَ الأسدَ، أو الكسلَ الكسلَ.

فمعنى (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ..) (الأحزاب: 60) أي: نُسلِّطك عليهم، ونُغريك بمواجهتهم والتصدِّي لهم، فكأن هذه المواجهة صارتْ أمراً محبوباً يُغْرى به؛ لأنها ستكون جزاءَ ما فزَّعوك وأقلقوك.

وما دمنا سنسلطك عليهم، وما دمتم ستصيرون إلى قوة وشوكة تُغرى بعدوها، فلن يستطيعوا البقاء معكم في المدينة.

(ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً) (الأحزاب: 60) أي: في المدينة، وكلمة (إِلاَّ قَلِيلاً) (الأحزاب: 60) يمكن أنْ يكون المعنى: قليل منهم، أو قليل من الزمن ريَثْما يجدوا لهم مكاناً آخر، يرحلون إليه مُشيَّعين بلعنة الله.



سورة الأحزاب الآيات من 56-60 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الأحزاب الآيات من 56-60
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الأحزاب الآيات من 36-40
» سورة الأحزاب الآيات من 66-70
» سورة الأحزاب الآيات من 26-30
» سورة الأحزاب الآيات من 21-25
» سورة الأحزاب الآيات من 11-15

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الأحزاب-
انتقل الى: