رسائل النبي إلى: هرقل والمقوقس والنجاشي Ocia_a48
رسائل النبي إلى: هرقل والمقوقس والنجاشي
اسم الكاتب: إسلام ويب

نبينا -صلى الله عليه وسلم- أُرْسِل للناس جميعا، فلم يُبْعَث لجيل من الناس دون جيل، ولا عَصْر دون عصر، ولا أمة دون أمة, كشأن وحال الأنبياء والرسل الذين أُرْسِلوا قبله، بل كانت رسالته وبعثته -صلى الله عليه وسلم- عامة للناس جميعاً، في كل زمان ومكان، عرباً كانوا أو عجماً، وقد صرح القرآن الكريم بذلك، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف: 158).

قال ابن كثير:
"يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- (قُلْ) يا محمد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وهذا خطاب للأحمر والأسود، والعربي والعجمي، (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) أي: جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته أنه خاتم النبيين، وأنه مبعوث إلى الناس كافة".

وقال السعدي:
"أي: عربيكم وعجميكم، أهل الكتاب منكم وغيرهم".

ومن ثَمَّ ففي أعقاب صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة النبوية، أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- سفراء يحملون رسائل منه إلى ملوك وأمراء العالم المعاصر له خارج حدود الجزيرة العربية، يدعوهم فيها إلى الإسلام، ومن هؤلاء الذين أرسل لهم: هرقل ملك الروم، والمقوقس حاكم مصر، والنجاشي ملك الحبشة، وقد ظهر من خلال هذه الرسائل حرصه -صلى الله عليه وسلم- على إسلام هؤلاء الملوك وشعوبهم الذين كانوا يدينون بالنصرانية.

رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل ملك الروم:
حمَل دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ -رضي الله عنه- رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل عظيم الروم، قال ابن حجر في كتابه "الإصابة" عن دحية -رضي الله عنه-: "كان يُضرب به المثل في حُسن الصورة"، وكان مع حُسن صورته ومظهره فارساً ماهراً، وعليماً بالروم.

واسم قيصر الذى كان بالشام وكتب إليه النبى -صلى الله عليه وسلم- كتابه: هِرَقل، وهل يُقال له: هرقل أم قيصر؟ قال الشافعي: "هو هرقل، وهو قيصر، فهرقل اسم عَلم له، وقيصر لقب".

وقد روى البخاري في صحيحه رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على مَنْ اتبع الهُدى: أمَّا بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت عليك إثم الأريسيِّين: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64).

وقد تسلّم هرقل رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- ودقَّق في الأمر، وفي الحديث الطويل المشهور بين أبي سفيان -قبل إسلامه- وهرقل، حين سأله هرقل عن أحوال وصفات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأجابه أبو سفيان عنها، قال له هرقل بعد ما سمعه منه: (إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنتُ أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشَّمت لقاءه (تكلفت المشقة للوصول إليه)، ولو كنتُ عنده لغسلت عن قدميه) رواه البخاري.

وذلك لعلم هرقل من خلال النصرانية التي لم تُحَرَّف، ببعض صفات النبي الذي بَشَّرَ به عيسى -عليه الصلاة والسلام-، ووجدها هرقل في النبي -صلى الله عليه وسلم- من خلال كلام أبي سفيان عليه.

وإذا كانت رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قوبلت باهتمام وتوقير من قِبَلِ هرقل ملك الروم، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لعامله وأميره على بلاد الشام المُنذر بن الحارث الغسَّانِي، فقد قرأ رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي بعث بها إليه مع شجاع بن وهب -رضي الله عنه- ثم رمى بها، وقال: مَنْ ينتزع مني مُلكي، وهَدَّدَ وتوَّعَدَ.

إلى النَّجاشي في الحبشة:
ذكر الواقدي وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى النجاشي كتاباً، وأرسله مع عمرو بن أمية الضمري، فيه: "(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، أسلم أنت، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، المَلكِ القُدُّوس، السَّلام المُؤمن، المُهيمن، وأشهد أنَّ عيسى ابن مريم، وروح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول (العذراء المنقطعة عن الزواج للعبادة)، فحملت به، فخلقه من روحه، ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والمُوَالاة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسَّلام على مَنْ اتَّبَعَ الهُدَى)".

قال ابن حجر في فتح الباري:
"وَكَاتبَ النبي -صلى الله عليه وسلم- النَّجَاشِيّ الذي أَسْلَمَ، وَصَلَّى عَلَيْه لَمَّا مات, ثُمَّ كَاتَب النَّجَاشِيّ الَّذِي وَلِيَ بَعْده وكان كافِراً".

رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المُقوقس حاكم مصر:
حمل حاطِب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المُقوقس حاكم مصر، قال ابن حجر عن حاطِب رضي الله عنه: "أحد فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية"، وذُكِر أنه كان له علم بالنصرانية، وقُدرة على المُحاورة، وقد ذكر الواقدي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى المُقوقس مع حاطب بن أبي بلتعة: "(بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى المُقوقس عظيم القبط، سلام على مَنْ اتَّبَعَ الهُدَى، أمَّا بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللهُ أجرك مرَّتين، فإن تولَّيت فإن عليك إثم القبط: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64)".

وذكر ابن سعد في الطبقات:
أن المُقوقس رَدَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أمَّا بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة وهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك، ولم يزد على هذا، ولم يُسلم، فلمَّا بلغت الرسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ضَنَّ الخبيثُ بِمُلْكِهِ ولا بَقَاءَ لِمُلْكِهِ".

رُدُودُ أفعال هرقل والمُقوقس والنَّجاشي على الرسائل النبوية:
اختلفت ردود أفعال هؤلاء المُلوك والرُّؤساء مع رسائل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهرقل ملك الرُّوم استدعى أبا سفيان، وتعرَّف منه على علامات نُبُوَّةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدَّقه، غير أنه خاف على مُلكه ولم يُسلم.

وأمَّا المُقوقس حاكم مصر فقد أحْسَنَ الرَّدَّ، وأهدى للنبي -صلى الله عليه وسلم- مارية وغيرها من الهدايا.

وأمَّا النَّجاشي فقد رَدَّ وأحْسَنَ الرَّدَّ وذكرت بعض الروايات أنه أسلم، ولا وجه للعجب من الرَّدِّ الجميل من هؤلاء النَّصارى وهم أهل كتاب، فقد علموا من أناجيلهم الصحيحة التي لم تُحَرَّف أن نبياً في آخر الزمان سوف يُبعثُ، وقد علموا علاماته ووجدوها في نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكنهم لم يُسلموا لخوفهم على مُلكهم.

وذكر ابن القيم في "زاد المعاد":
"أن هرقل لَمَّا بلغه إسلام النَّجاشي قال: والله لولا الضَنُّ بمُلكي (أي لولا التمسك به) لصنعتُ كما صنع".

ولعل هذا يوضح سبب اختلاف رَدِّهِم عن ردِّ كسرى ملك الفرس الذي لم يكن عنده عِلْمٌ من الكتاب، وظهر في رَدِّهِ على رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمزيقها مدى حقده وعدائه، فدعا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يُمَزِّقَ اللهُ مُلْكَهُ، وقد وقع ما دعا به.

قال الطبري في تاريخه:
"وقد اختلف تَلَقِّي المُلوك لهذه الرسائل، فأمَّا هرقل والنَّجاشي والمُقوقس، فتأدَّبُوا وتلطّفوا في جوابهم، وأكرم النَّجاشي والمُقوقس رُسُلَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وأرسل المُقوقس هدايا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمَّا كسرى لَمَّا قُرِيءَ عليه الكتابُ مَزَّقَهُ".

اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- أسلوباً جديداً في الدَّعوة إلى الإسلام، وهو مُراسلة المُلوك ورُؤساء القبائل، وكان لهذا الأسلوب الأثر البارز في دخول بعضهم الإسلام، وإظهار الود من البعض الآخر، كما كشفت هذه الرسائل البُغض والحقد على الإسلام ودولته الجديدة في المدينة المنورة من البعض.

وبهذه الرسائل أيضاً نقل النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته إلى مُلوك الأرض من النَّصارى وغيرهم، وفي ذلك دلالة على عالمية الإسلام وعموم بعثته ورسالته للناس جميعاً، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).