منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة العنكبوت الآيات من 06-10

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: سورة العنكبوت الآيات من 06-10   سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:14 am

وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٦)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة (جَاهَدَ..) (العنكبوت: 6) تناسب النجاح في الابتلاء، والجهاد: بذْل الجهد في إنفاذ المُرَاد، ومنه اجتهد فلان في كذا يعني: عمل أقصى ما في وُسْعه من الجدِّ والاجتهاد في أن يستنبط الحكم.

والجهاد له مجالان: مجال في النفس يجاهدها ليقْوَى بمجاهدة نفسه على مجاهدة عدوه.

وجاهد: مفاعلة، كأن الشيء الذي تريده صعب، يحتاج إلى جهد منك ومحاولة، والمفاعلة تكون من الجانبين: منك ومن الشيء الذي يقابلك، وأول ميادين الجهاد النفس البشرية؛ لأن ربك خلق فيك غرائز وعواطف لمهمة تؤديها، ثم يأتي منهج السماء ليكبح هذه الغرائز ويُرقِّيها، حتى لا تنطق معها إلى ما لا يُباح.

فحب الاستطلاع مثلاً غريزة محمودة في البحث العلمي والاكتشافات النافعة، أمّا إنْ تحوّل إلى تجسُّس وتتبع لعورات الناس فهو حرام؛ الأكل والشرب غريزة لتقتات به، وتتولد عندك القدرة على العمل، فإنْ تحوَّل إلى نهم وشراهة فقد خرجت بالغريزة عن مرادها والهدف منها.

وعجيب أمر الناس في تناول الطعام، فالسيارة مثلاً لا نعطيها خليطاً من الوقود، إنما هو نوع واحد، أما الإنسان فلا تكفيه عدة أصناف، كل منها لها تفاعل في الجسم، حينما تتجمع هذه التفاعلات تضر أكثر مما تنفع.

إذن: هذه الغرائز تحتاج منك إلى مجاهدة؛ لتظل في حَدِّ الاعتدال، عملاً بالأثر: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع، ولا نشرب حتى نظمأ، وإذا شربنا لا نقنع".

ولو عملنا بهذا الحديث لَقضيْنا على القنبلة الذرية للاقتصاد في بلادنا، وكم تحلو لك اللقمة بعد الجوع مهما كانت بسيطة وغير مكلِّفة؛ لذلك يقولون: نعم الإدام الجوع، ثم إذا أكلتَ لا تملأ المعدة، ودع كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه".

وبهذا المنهج الغذائي الحكيم نضمن بنية سليمة وعافية لا يخالطها مرض.

فالغرائز خلقها الله فيك لمهمة، فعليك أنْ تقف بها عند مهمتك.

ومثل الغرائز العواطف من حب وكُرْه وشفقه وحُزْن.. إلخ، وهذه ليس لها قانون إلا أنْ تقفَ بها عند حدود العاطفة لا تتعداها إلى النزوع، فأحبب مَنْ شئتَ وأبغض مَنْ شئتَ، لكن لا تتعدَّ ولا تُرتِّب على العاطفة حكماً.

وقد ذكرنا لهذه المسألة مثالاً بسيدنا عمر -رضي الله عنه- وكان له أخٌ اسمه زيد قُتل، ثم أسلم قاتله، فكان عمر كلما رآه يقول له: ازْوِ عني وجهك -يعني: أنا لا أحبك- فيقول: أو عدم حبك لي يمنعني حقاً من حقوقي?

قال: لا.

قال: إنما يبكي على الحب النساء.

يعني: الحب والكره مسائل يهتم بها النساء، والمهم العمل، وما يترتب على هذه العواطف.

ومن المجاهدة مجاهدة مَنْ سُلِّط عليك من جبار أو نحوه، تجاهده وتصبر على إيذائه، فحبُّك للحق يجعلك تصبر عليه، يقول تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ) (مُحَمَّد : 31).

كل هذه بلاءات تحتاج إلى مجاهدة، فإنْ كان لك غريم فإنْ قدرت أن تدفع أذاه بالتي هي أحسن فافعل، وإنْ أردت أنْ تعاقب فعاقب بالمثل، وهذه مسألة صعبة؛ لأنك لا تستطيع تقدير المثلية أو ضبطها، بحيث لا تتعدى، فمثلاً لو ضربك خصمك ضربة، أتستطيع أنْ تردَّ عليه بمثلها دون زيادة?

إذن: فلا تُدخل نفسك في هذه المتاهة، وأَوْلَى بك أنْ تأخذ بقوله تعالى: (وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ..) (آل عمران: 134) وتنتهي المسألة.

فإذا كانت المصيبة لا غريمَ لك فيها، كالمرض والموت وغيرهما من القدريات التي يُجريها الله عليك، فقُلْ إن ربي أراد بي خيراً، فبها تُكفّر الذنوب والسيئات وبها أنال أجر الصابرين، وربما أنني غفلت عن ربي أو غرَّتني النعمة، فابتلاني الله ليلفتني إليه ويُذكِّرني به.

ومن المجاهدة مجاهدة النفس في تلقِّي المنهج بافعل ولا تفعل، والتكليف عادةً ما يكون شاقاً على النفس يحتاج إلى مجاهدة، وإياك أنْ تنقلَ مدلول افعل في لا تفعل، أو تنقل مدلول لا تفعل في افعل.

وحين تستقصي (افعل ولا تفعل) في منهج الله تجده يأخذ نسبة سبعة بالمائة من حركاتك في الحياة، والباقي مباحات، لك الحرية تفعلها أو تتركها.

وقد يتعرض الإنسان المستقيم للاستهزاء والسخرية حتى مِمَّن هو على دينه، لأن المنحرف دائماً يشعر بنقص فيتضاءل ويصغَر أمام نفسه، ويحاول أن يجر الآخرين إلى نفس مستواه حتى يتساوى الجميع، وإلا فكيف تكون أنت مهتدياً مستقيماً وهو عاصٍ ضالٌّ؛ لذلك تراه يسخر منك ويُهوِّن من شأنك، لماذا?

ليُزهِّدك في الطاعة، فتصير مثله.

واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المطففين: 29-36).

ولا شكَّ أن مثل هذا يحتاج منك إلى صبر على أذاه، ومجاهدة للنفس حتى لا تقع في الفخِّ الذي ينصبه لك.

وقد تأتيك الوسوسة من الشيطان فيُزيِّن لك الشر، ويُحبِّب إليك المعصية، وعندها تذكر قول الله تعالى: (يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ..) (الأعراف: 27).

فعليك -إذن- أن تتذكّر العداوة الأولى بين أبيك آدم وبين الشيطان لتكون منه على حذر، وسبق أن أوضحنا كيف نفرق بين المعصية التي تأتي من النفس، والتي تأتي من وسوسة الشيطان، فالنفس تقف بك عند معصية بعينها لا تريد غيرها، أما الشيطان فإنْ تأبيتَ عليه في ناحية نقلك إلى أخرى، المهم عنده أنْ يُوقِعك على أي حال.

إذن: أعداؤك كثيرون، يحتاجون منك إلى قوة إرادةَ وإلى مجاهدة.

ومجيء هذه الآية التي تذكر الجهاد بعد قوله تعالى: (فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ) (العنكبوت: 5) يطلب من الإنسان الذي يعتقد أن أجلَ الله بلقاء الآخرة أتٍ، وذلك أمر لا شكَّ فيه - يطلب منه أنْ يستعدَّ لهذا اللقاء.

وقال تعالى: (فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 6) لأن الإنسان طرأ على كون مُهيأ لاستقباله بسمائه وأرضه وشمسه وقمره ومائه وهوائه، فكل ما في الكون خادم لك، ولن تزيد أنت في مُلْك الله شيئاً، وكل سَعْيك وفكرك لترف حياتك أنت، فحين تفعل الخير فلن يستفيدَ منه إلا أنت وربك غني عن عطائك.

فإنْ جاهدتَ فإنما تجاهد لنفسك، كما لو امتنَّ عليك خادمك بالخدمة فتقول له: بل خدمتَ نفسك وخدمتَ عيالك حينما خدمتَ لتوفر لك ولهم أسباب العيش، وأنا الذي تعبتُ وعرقتُ لأوفر لك المال الذي تأخذه.

وكذلك الحق سبحانه يقول لنا (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ..) (العنكبوت: 6) أي: حينما يطبق المنهج ويسير على هُداه، والحق سبحانه يؤكد هذه القضية في آيات عديدة: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) (فصلت: 46).

ويقول الحق سبحانه: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..) (الإسراء: 7).

ويقول سبحانه: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ..) (البقرة: 286).

إذن: المسألة منك وإليك، ولا دخلَ لنا فيها إلا حِرْصنا على صلاح الخَلْق وسلامتهم، كصاحب الصَّنْعة الذي يريد لصنعته أن تكون على خير وجه وأكمله، لذلك أفيضُ عليه من قدراتي قدرة، ومن علمي علماً، ومن بَسْطي بَسْطاً، ومن جبروتي جبروتاً، وأعطيه من صفاتي.

لذلك قال بعض العارفين: "تخلقوا بأخلاق الله".

لأن العون في وهب الصفات ومجال الصفات في الفعل ليس في أنْ أفعل لك، إنما في أنْ أُعينك لتفعل أنت، فالواحد منا حينما يرى عاجزاً لا يستطيع حَمْل متاعه، ماذا يفعل?

يحمله عنه، أي: يُعدِّي إليه أثر قوته، إنما يظل العاجز عاجزاً والضعيف ضعيفاً كلما أراد شيئاً احتاج لمن يقوم له به.

أما الحق -سبحانه وتعالى- فيفيض عليك من قوته، ويهبُ لك من قدرته وغِنَاه لتفعل أنت بنفسك؛ لذلك مَنْ يتخلق بأخلاق الله يقول: لا تعْطِ الفقير سمكة، إنما علِّمه كيف يصطاد، حتى لا يحتاج لك في كل الأوقات، أفِضْ عليه ما يُديم له الانتفاع به.

إذن: الحق سبحانه يهَبُ القادرين القدرةَ، ويهَبُ الأغنياء الغِنَى، والعلماءَ العلمَ والحكماءَ الحكمةَ.

وهذه من مظاهر عظمته تعالى ألاَّ يُعدِّي أثر الصفة إلى عباده، إنما يُعدِّي بعض الصفة إليهم، لتكون ذاتية فيهم.

بل ويعطي سبحانه ما هو أكثر من ذلك، يعطيك الإرادة التي تفعل بها لمجرد أن تفكر في الفعل، بالله ماذا تفعل لكي تقوم من مكانك?

ماذا تفعل حينما تريد أنْ تحمل شيئاً أو تحرك عضواً من أعضائك?

هل أمرتها أمراً?

هل قلت لها افعلي كذا وكذا?

حين تنظر إلى (البلدوزر) مثلاً أو (الونش) كيف يتحرك، وكيف أن لكل حركة فيه زراً يحركها وعمليات آلية معقدة، تأمَّل في نفسك حين تريد أن تقوم مثلاً بمجرد أن تفكر في القيام، تجد نفسك قائماً، مرادك أنت في الأعضاء أن تفعل وتنفعل لك.

إذن، حينما يقول لك ربك: (إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (يس: 82) فصدِّقه؛ لأنك شاهدتها في نفسك وفي أعضائك، فما بالك بربك -عز وجل- أيعجز أن يفعل ما تفعله أنت?

ماذا تفعل إنْ أردتَ أنْ تنام أو تبطش بيدك?

لا شيء غير الإرادة في داخلك؛ لأن ربك خلع عليك من قدرته، وأعطاك شيئاً من قوله (كُنْ) وقدرة من قدرته، لكن لم يشأ أنْ يجعلها ذاتية فيك حتى لا تغترّ بها.

لذلك إنْ أراد سبحانه سَلبَها منك لقوله تعالى: (كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ) (العلق: 6-7) فتأتي لتحرك ذراعك مثلاً فلا يطاوعك، لقد شُلَّ ويأبى عليك بعد أنْ كان طَوْع إرادتك، ذلك لتعلم أنه هِبَة من الله، إنْ شاء أخذها فهي ليست ذاتية فيك.

فالمجاهدة تشمل ميادين عديدة، مجاهدة الغرائز والعواطف، ومجاهدة مشقة المنهج في افعل ولا تفعل، ومجاهدة شياطين الإنس والجن، ومجاهدة خصوم الإسلام الذين يريدون أنْ يُطفئوا نور الله.

وروى البخاري أن خباب بن الأرتّ دخل على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إننا في شدة، ألاَ تستنصر لنا?

أَلاَ تدعو لنا?

فقال -صلى الله عليه وسلم-: إنه كان الرجل فيمَنْ قبلكم تُحفر له الحُفرة، فيُوضع فيها، ثم يُؤتَى بالمنشار فيُقَدُّ نصفين، ثم يُمشَطُ لحمُهُ عن عظمه بأمشاط الحديد، فلا يصرفه ذلك عن دين الله".

ثم يطمئنه رسول الله على أن هذه الفترة -فترة الابتلاء- لن تطول، فيقول: "والله لَيُتِمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئبَ على غنمه".

والنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو خاتم النبيين، يدخل عليه سيدنا أبو سعيد الخدري فيجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشتكي حرارة الحُمَّى، فوضع يده على اللحاف الذي يلتحف به سيدنا رسول الله، فيُحِسّ حرارته من تحت اللحاف، فقال له: يا رسول الله، إنها لشديدة عليك?

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا سعيد، إنه يُضعَّف لنا البلاء كما يُضعَّف لنا الجزاء".

ذلك ليثبت أن البلاء لا يكون فقط من الأعداء، إنما قد يكون من الله تعالى، لماذا?

لأن الله يباهي ملائكته بخَلْقه الطائعين المخبتين الصابرين، فيقولون: كيف لا يحبونك ويقبلون على طاعتك، وقد أنعمتَ عليهم بكذا وكذا، ويذكرون حيثيات هذه الطاعة، فيقول تعالى: وأسلب كل ذلك منهم ويحبونني، أي: يحبونني لذاتي.

ثم تختم هذه الآية بقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 6) لأن ميادين الجهاد هذه لا يعود منها شيء إلى الله تعالى، ولا تزيد في مُلكه شيئاً، إنما يستفيد منها العبد؛ لأنه سبحانه الغني عن طاعة الطائعين وعبادة المتعبدين، ليس غنياً عنهم وفقط، إنما هو سبحانه الذي يُغنيهم ويُفيض عليهم من فَضلْه ومن غِناه.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ...).



سورة العنكبوت الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 06-10   سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:15 am

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٧)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يذكر لنا -سبحانه وتعالى- النتائج: (وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ..) (العنكبوت: 7) أي: بالله رباً، له كل صفات الكمال المطلق، وله طلاقة القدرة، وله طلاقة الإرادة، وهو المهيمن، وهو الحاكم.. إلخ.

ثم (وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ..) (العنكبوت: 7) لأن العمل الصالح نتيجة للإيمان، وثمرة من ثمراته، والصالح: هو الشيء يظلُّ على طريقة الحُسْن فيه فلا يتغير، فقد أقبلت على عالم خلقه الله لك على هيئة الصلاح فلا تفسده، وهذا أضعف الإيمان أنْ تُبقِي الصالح على صلاحه، فإن أردتَ الارتقاء، فزِدْه صلاحاً.

يقول تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (البقرة: 11).

فقد أعدَّ الله لنا الأرض صالحة بكل نواميسها وقوانينها، أَلاَ ترى المناطق التي لا ينزل بها المطر يُعوِّضها الله عنه بالمياه الجوفية في باطن الأرض، فماء المطر الزائد يسلكه الله ينابيع في الأرض، ويجعله مخزوناً لوقت الحاجة إليه، وتخزين الماء العذب في باطن الأرض حتى لا تُبخِّره الشمس، يقول تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ) (الملك: 30).

وضربنا مثلاً لترك الصالح على صلاحه ببئر الماء الذي يشرب منه أهل الصحراء، فقد نرمي فيه القاذورات التي تُفسد ماءه، وقد نرى مَنْ يُهيل فيه التراب فيطمسه، وهذا كله من إفساد الصالح، وربما يأتي مَنْ يبني حوله سوراً يحميه، أو يجعل عليه آلة رَفْع ترفع الماء وتُريح الناس الذين يردونه، فإذا لم تكُنْ من هؤلاء فلا أقلَّ من أن تدعه على حاله.

فالصالح إذن: كل عمل وفكر يزيد صلاحَ المجتمع في حركات الحياة كلها، وإياك أن تقول إن هناك عملاً أشرف من عمل، فكل عمل مهما رأيته هيِّناً - ما دام يؤدي خدمة للمجتمع، ويُقدِّم الخير للناس فهو عمل شريف، فقيمة الأعمال هي قيمة العامل الذي يُحسِنها وينفع الناس بها، يعني: ليس هناك عمل أفضل من عمل، إنما هنَاك عامل أفضل من عامل؛ لذلك يقولون: قيمة كل امرىء مَا يُحسِنه.

وسبق أن ضربتُ لذلك مثلاً، وما أزال أضربه، مع أنه من أُنَاس غير مسلمين: كان نقيب العمال في فرنسا يطالب بحقوق العمال ويدافع عنهم ويُوفِّر لهم المزايا، فلما تولى الوزارة قالوا له: أعطنا الآن الحُقوق التي كنتَ تطالب بها لنا، وربما كان يُطالب لِعُمَّالِهِ بما تضيق به إمكانات وميزانيات الوزارة، أمَّا الآن فقد أصبح هو وزيراً، وفي إحدى المرَّات تطاول عليه أحَدُ العُمَّال وقال: لا تنْسَ أنَّكَ كُنْتَ في يوم من الأيام مَاسِحَ أحذية، فقال: نعم، لكنَّنِي كُنْتُ أتْقِنُهَا.

ثم يذكر الحق سبحانه جزاء الإيمان والعمل الصَّالح: (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ..) (العنكبوت: 7) وهنا تتجلّى العظمة الإلهية، حيث بدأ بتكفير السَّيئات وقدَّمها على إعطاء الحسنات.

لأن التخلية قبل التحلية، والقاعدة تقول: إنَّ دَرْءَ المَفسدة مُقدَّمٌ على جَلْبِ المَصلحة، فهَبْ أن واحداً يريد أنْ يرميك مثلاً بحجر، وآخر يريد أنْ يرمي لك تُفَّاحَة، فأيُّهُمَا تستقبلُ أولاً?

لا شكَّ أنك ستدفع أذى الحجر عن نفسك أولاً.

والخالق -عز وجل- يعلم طبيعة عباده وما يحدث منهم من غفلة وانصراف عن المنهج يُوقِعهم في المعصية، وما دام أن الشرع يُعرِّف لنا الجرائم ويُقنِّن العقوبة عليها، فهذا إذنٌ منه بأنها ستحدث.

لذلك يقول تعالى لعباده: اطمئنوا، فسوف أطهركم من هذه الذنوب أولاً قبل أنْ أعطيكم الحسنات، ذلك لأن الإنسان بطبعه أميل إلى السيئة منه إلى الحسنة، فيقول سبحانه: (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ..) (العنكبوت: 7).

بل وأكثر من ذلك، ففي آية أخرى يقول سبحانه: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الفرقان: 70) فأيُّ كرم بعد أنْ يُبدِّل الله السيئة حسنةً، فلا يقف الأمر عند مجرد تكفيرها، فكأنه (أوكازيون) للمغفرة، ما عليك إلا أنْ تغتنمه.

وفي موضع آخر يقول سبحانه: (إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ..) (هود: 114) وفي الحديث الشريف: "..وأتبع السيئة الحسنةَ تمحها".

ثم يذكر سبحانه الحسنة بعد ذلك: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (العنكبوت: 7) قلنا: إن الحق سبحانه إذا أراد أنْ يعطي الفقير يقترض له من إخوانه الأغنياء: (مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً..) (البقرة: 245).

مع أنه سبحانه واهب كل النعم يحترم ملكية عباده، ويحترم مجهوداتهم وعرقهم، فاحترم العمل واحترم ثمرة العمل، كما يعامل الوالد أولاده، فيأخذ من الغني لمساعدة الفقير على أنْ يعيد إليه ماله حين مَيْسرة، فكما أنك لا ترجع في هبتك، كذلك ربُّك -عز وجل- لا يرجع في هبته.

وأذكر ونحن في أمريكا سألنا أحد المستشرقين يقول: هناك تعارض بين قول القرآن: (مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..) (الأنعام: 160) وبين قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مكتوب على باب الجنة: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر".

فشاء الله أن يلهم بكلمتين للردِّ عليه، حتى لا يكون للكافرين على المؤمنين سبيل.

فقلت للمترجم: نعم الحسنة بعشر أمثالها حين تتصدَّق، لكن في القرض مثلاً لو تصدَّق بدولار فهو عند الله بعشرة دولارات، لكن يعود عليك دولارك مرة أخرى، فكأن لك تسعة دولارات، فحين تضاعف تصير ثمانية عشر.

وبعد ذلك ينتقل الحق سبحانه إلى الدائرة الأولى في تكوين المجتمع، وهي دائرة الأسرة المكوَّنة من: الأب، والأم، والأولاد، فأراد سبحانه أن يُصلح اللبنة الأولى ليصلح المجتمع كله، فقال تبارك وتعالى: (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً...).



سورة العنكبوت الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 06-10   سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:16 am

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الوالدان يخدمان الابن حتى يكبر، ويصير هو إلى القوة في حين يصيران هما إلى الضعف، وإلى الحاجة لمن يخدمهما، وحين ننظر في حال الغربيين مثلاً وكيف أن الأبناء يتركون الآباء دون رعاية، وربما أودعوهم دار المسنين في حالة برِّهم بهم، وفي الغالب يتركونهم دون حتى السؤال عنهم؛ لذلك تتجلى لنا عظمة الإسلام وحكمة منهج الله في مجتمع المسلمين.

لذلك قال أحد الحكماء: الزواج المبكر خير طريقة -لا لإنجاب طفل- إنما لإنجاب أب لك يعولك في طفولة شيخوختك.

لذلك أراد الحق سبحانه أن يبني الأسرة على لبنات سليمة، تضمن سلأمَّة المجتمع المؤمن، فقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً..) (العنكبوت: 8)، وفي موضع آخر قال سبحانه في نفس الوصية: (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً..) (الأحقاف: 15).

وفَرْق بين المعنيين: (حُسْناً..) (العنكبوت: أي: أوصيك بأنْ تعملَ لهم الحُسْن ذاته، كما تقول: فلان عادل، وفلان عَدْل، فوصَّى بالحسْن ذاته.

أمَّا في: (إِحْسَاناً..) (الأحقاف: 15) فوصية بالإحسان إليهما.

لكن، لماذا وصَّى هنا بالحُسْن ذاته، ووصَّى هناك بالإحسان?

قالوا: وصَّى بالحسن ذاته في الآية التي تذكر اللدد الإيماني، حيث قال: (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ..) (العنكبوت: والكفر يستوجب العداوة والقطيعة، ويدعو إلى الخصومة، فأكَّد على ضرورة تقديم الحسن إليهما؛ لا مجرد الإحسان؛ لأن الأمر يحتاج إلى قوة تكليف.

أما حين لا يكون منهما كفر، فيكفي في برِّهما الإحسان إليهما؛ لذلك يقول سبحانه: (وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً..) (لقمان: 15).

والحق سبحانه حين يُوصي بالوالدين، وهما السبب المباشر في الوجود إنما ليجعلهما وسيلةَ إيضاح لأصل الوجود، فكما أوصاك بسبب وجودك المباشر وهما الوالدان، فكذلك ومن باب أَوْلى يوصيك بمَنْ وهب لك أصل هذا الوجود.

فكأن الحق سبحانه يُؤنِس عباده بهذه الوصية، ويلفت أنظارهم إلى ما يجب عليهم نحو واهب الوجود الأصلي وما يستحقه من العبادة ومن الطاعة؛ لأنه سبحانه الخالق الحقيقي، أما الوالدان فهما وجود سببي.

هذا إيناس بالإيمان، بيَّنه تعالى في قوله: (وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً..) (النساء: 36) لأنهما سبب الوجود الجزئي، والله تعالى سبب الوجود الكلي.

وهذا أيضاً من المواضع التي وقف عندها المستشرقون، يبغُونَ فيها مَطْعناً، ويظنون بها تعارضاً بين آيات القرآن في قوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً..) (لقمان: 15) وفي موضع آخر: (لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ..) (المجادلة: 22).

وهذا التعارض لا يوجد إلا في عقول هؤلاء؛ لأنهم لا يفهمون لغة القرآن، ولا يفرقون بين الودِّ والمعروف: الودّ مَيْل القلب، وينشأ عن هذا الميل فِعْل الخير، فيمن تميل إليه، أمّا المعروف فتصنعه مع مَنْ تحب ومَنْ لا تحب، فهو استبقاء حياة.

وهنا يقول سبحانه: (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (العنكبوت: يعني: تذكَّر هذا الحكم، فسوف أسألك عنه يوم القيامة، ففي موضع آخر: (وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان: 15).

فكُفْر الوالدين لا يعني السماحَ لك بإهانتهما أو إهمالهما، فاحذر ذلك؛ لأنك ستُسأل عنه أمام الله: أصنعتَ معهما المعروف أم لا?

وحيثيات الوصية بالوالدين: الأب والأم ذُكرت في الآية الأخرى: (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً..) (الأحقاف: 15) نلحظ أن الحيثيات كلها للأم، ولم يذكر حيثية واحدة للأب إلا في قوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء: 24) وهذه تكون في الآخرة.

قالوا: ذِكْر الحيثيات كلها للأم؛ لأن متاعب الأم كانت حال الصِّغَر، والطَفل ليس لديه الوعي الذي يعرف به فَضْل أمه وتحمُّلها المشاق من أجله، وحين يكبر وتتكوَّن لديه الإدراكات يجد أنَّ الأب هو الذي يقضي له كل ما يحتاج إليه.

إذن: فحيثيات الأب معلومة مشاهدة، أمّا حيثيات الأم فتحتاج إلى بيان.

يقول الحق سبحانه: (وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ...).



سورة العنكبوت الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 06-10   سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:17 am

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فقدّم الإيمان، لأنه الأصل، ثم العمل الصالح، وكأن الدخول في الصالحين مسألة كبيرة، وهي كذلك، ويكفي أنها مُتَمنى حتى الأنبياء أنفسهم.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ...).



سورة العنكبوت الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 06-10   سورة العنكبوت الآيات من 06-10 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:18 am

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (١٠)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ..) (العنكبوت: 10) دليل على القول باللسان، وعدم الصبر على الابتلاء، فالقول هنا لا يؤيده العمل، ولمثل هؤلاء يقول تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 2).

ويقول تعالى في صفات المنافقين: (إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون: 1)، فالله تعالى لا يُكذِّبهم في أن مُحَمَّد اً رسول الله، إنما في شهادتهم أنه رسول الله؛ لأن الشهادة لا بُدَّ لها أنْ يواطئ القلب اللسان، وهذه لا تتوفر لهم.

ومعنى: (فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ..) (العنكبوت: 10) أي: بسبب الإيمان بالله، فلم يفعل شيئاً يؤذى من أجله، إلا أنه آمن (جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ..) (العنكبوت: 10) فتنة الناس أي: تعذيبهم له على إيمانه كعذاب الله.

إذن: خاف عذاب الناس وسوَّاه بعذاب الله الذي يحيق به إنْ كفر، وهذا غباء في المساواة بين العذابين؛ لأن عذابَ الناس سينتهي ولو بموت المؤذي المعذِّب، أما عذاب الله في الآخرة فباقٍ لا ينتهي، والناس تُعذَّب بمقدار طاقتها، والله سبحانه يُعذب بمقدار طاقته تعالى وقدرته، إذن: فالقياس هنا قياس خاطئ.

وإنْ كانت هذه الآية قد نزلت في عياش بن أبي ربيعة، فالقاعدة الأصولية تقول: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكان عياش بن أبي ربيعة أخا عمرو بن هشام (أبو جهل) والحارث بن هشام من الأم التي هي أسماء.

فلما أنْ أسلم عياش ثم هاجر إلى المدينة فحزنت أمه أسماء، وقالت: لا يظلني سقف، ولا أطعم طعاماً، ولا أشرب شراباً، ولا أغتسل حتى يعود عياش إلى دين آبائه، وظلت على هذه الحال التي وصفتْ ثلاثة أيام حتى عضَّها الجوع، فرجعت.

وكان ولداها الحارث وأبو جهل قد انطلقا إلى المدينة ليُقنِعا عياشاً بالعودة لاسترضاء أمه، وظلا يُغريانه ويُرقّقان قلبه عليها، فوافق عياش على الذهاب إلى أمه، لكنه رفض الردة عن الإسلام، فلما خرج الثلاثة من المدينة قاصدين مكة أوثقوه في الطريق، وضربه أبو جهل مائة جلدة، والحارث مائة جلدة.

لكن كان أبو جهل أرأف به من الحارث؛ لذلك أقسم عياش بالله لئن أدركه يوماً ليقتلنه حتى إنْ كان خارجاً من الحرم، وبعد أن استرضى عياش أمه عاد إلى المدينة، فقابل أخاه الحارث عند قباء، ولم يكن يعلم أنه قد أسلم فعاجله، ونفّذ ما توعده به فقتله، ووصل خبره إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونزلت الآية: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً..) (النساء: 92).

ونزلت: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ..) (العنكبوت: 10) أي: أراد أنْ يفرّ من عذاب الناس فكفر، ولم يُرد أن يفرّ من عذاب الله ويؤمن.

وقوله تعالى: (وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ..) (العنكبوت: 10) أي: اجعلوا لنا سهماً في المغنم (أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 10) فالله سبحانه يعلم ما يدور في صدورهم وما يتمنونه لنا؛ ولذلك يقول سبحانه عنهم: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً) (التوبة: 47).

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ...).



سورة العنكبوت الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة العنكبوت الآيات من 06-10
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: العنكبوت-
انتقل الى: