القاعدة الثّانية: السّعادة في اتِّباع الهدى الإلهيّ والشقاء بضدها 218
القاعدة الثّانية: السّعادة في اتِّباع الهدى الإلهيّ والشقاء بضدها
أ. د. ناصـــر بن سليمـــان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

قال الله سبحانه: "فَمَنِ تَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشقَى" (طه).
هذه الآية الكريمة تضمَّنت قاعدةً مهمةً، وهي: أنَّ العلاج الشافي والدواء الكافي والسَّبب الوافي، لتحقيق الاستقرار في الحياة الدنيا والآخرة، هو اتِّباع هدى الله، وسنّة نبيِّه، ومعنى هذه الآية، توضِّحه وتؤكّده الآية التالية لها، وهي قوله تعالى: "وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضنكًا" أي في الدُّنيا على أظهر القولين، ثم بيَّن ما يحدث في الآخرة، قال: "وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى" (طه).

فقوله تعالى: "فَمَنِ تَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشقَى"، معناه يتوافق مع آية السَّكن والمودة والرحمة في سورة الروم التي مضى ذكرها في القاعدة السابقة.

وقوله تعالى: "وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى" (طه)، يبيّن أنّ الشقاء والتعاسة هما مصير المُعرضين عن الهداية، وذلك في الدنيا والآخرة.

فهاتان الآيتان توضِّحان أنَّ الزَّوجين إذا اتَّبعا الهُدى الرَّبَّانيّ، وهو هنا هدى الدلالة والبيان، ومصدره الوحي، نالا السَّعادة في الدُّنيا والآخرة، وإلا فالشقاء والتعاسة مصيرهما.

وقد يقول قائلٌ: ألستَ ترى بيوتًا صالحةً طيِّبةً، وأهلها ملتزمون بمنهج الله جل وعلا، ومع ذلك تعاني من الشَّقاء واضطراب السَّكن؟!

فأقول: هذا صحيح، ولا يخالف القاعدة، فإنّه مهما بلغ البيت من الصلاح والاستقامة؛ فإنه قد لا يخلو من أسباب الشَّقاء، قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم" (الشُّورى: 30) ولا يخلو أحدٌ من ذنب، أو مخالفة بتأويل، قد يُعذر فيه وقد لا يُعذر، وإن كان ظاهرُ حياته الصَّلاح والاستقرار، وإلاّ فلو التُزم هدى الشريعة في كل صغيرة وكبيرة، في الاجتماع والفرقة، فحاشا أن يتخلّف وعد الله!

وأما ما كان يسيرًا أو عارضًا فلابد منه فهذا طبع بشري، ثم قد يكون امتحانًا أو ابتلاء لأحد الزوجين أو لكليهما، يرفع الله به درجته، ويجعل له وراءه خيرًا كثيرًا.

فهذه الآية قاعدة، تعالج مختلف مظاهر الخلل وعدم الاستقرار في الحياة الزوجية والأسرية، والتي لن تعدو في النهاية أن تكون ناتجةً من البعد عن الهدى القرآني الرباني والوقوع في الإعراض الكلي أو الجزئي عن الوحي، لكن من انتبه لهذا الخلل وعرف العلّة، فسوف يجد العلاج؛ فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء.

ثم إنَّ العلاج قد يحتاج إلى منهج وبرنامج عمليٍّ، وصبر على بعض مُرِّه، وكلُّ إنسانٍ هو أدرى بحاله، كما قال تعالى: "بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَة وَلَو أَلقَى مَعَاذِيرَهُ" (القيامة).

أسأل الله أن يجعل حياتنا وبيوتنا آمنةً مستقرَّة، وأن يديم عليها السّكن والمودة والرحمة.

المصدر:
http: http://almoslim.net/tarbawi/284832