(13) الصحافة في تونس:
كانت الصحافة في تونس قبل أن يتولى السفارة الفرنسوية فيها المسيو بيشون غير مطلقة الحرية على قِلَّة عدد المشتغلين بها فلمَّا جاء إلى تونس منحها الحرية في القول، وذلك يُعَدُّ حسنة من حسنات هذا الرجل الذي له منزلة عظمى في قلوب أهل تونس، وحبَّذا لو كانت سياسة فرنسا في تونس موكولة إلى رجال كالمسيو بيشون في الذكاء، وحُسْنُ الأخلاق، وحُبُّ خدمة الإنسانية، ولا يظن أحد أني بمدحي سياسة هذا الرجل هو مدح لسياسة فرنسا في هذه الإيالة؛ لأن مدح فرد واحد لا يتناول كُلَّ الأفراد المكونة منهم أمَّة واحدة؛ لأن المعاملة التي يعامل بها هذا الرجل أهل تونس هي من الأمور المختصة بذات الشخص وبعلاقاته الذاتية مع الناس كُلِّهم، أما ما توحي به إليه دولته من الخطة التي يتَّبعها في تونس فإنه ينفِّذها بقدر ما يمكنه من ضروب التلطُّف ومُراعاة العواطف القومية.
•••
لا توجد جرائد يومية عربية غير جريدة واحدة اسمها “الرشدية” صاحبها حضرة الفاضل السيد حسين عثُمَّان، ولكنها تُطبَع بحروف غير واضحة لا تُقرَأ إلَّا بكُلِّ صعوبة، وهذا مما يلبِس على القارئ من أهل تونس المعاني المقصودة، فكيف بِمَنْ لا يتعوَّد القراءة في الصُّحف المسطورة بالخط المغربي من غيرهم؟!

على أننا إذا قِسنا تونس بغيرها من البلاد المتمدِّنة لرأينا أنه يجب على أهل تونس أن يُنشِئوا عِدَّةَ جرائد يومية وفيهم الأغنياءُ، والكُتَّابُ، والعلماءُ في العلوم العمرانية وغيرها.

وقد اتصل بي بعد مغادرة تونس أنه اجتمع بعض أهل الفضل فيها وأَنْشَأوا جريدة باللغة الفرنسوية لتنظر في مصالح الوطن وتدافع عن حقوقه، ولكن هذه الجريدة أسبوعية وكان الأولى بهم جعلها يومية، وربما تيسر ذلك لهم في المستقبل.

ويوجد غير هذه جرائد أسبوعية أصحابها من الأفاضل، والكتاب كجريدة الزهرة لمديرها حضرة السيد عبد الرحمن الصنادلي الذي كانت له اليد الطولى في إقناع الحكومة بشأن حادثة المسجونين التي سيأتي ذكرها.

وجريدة الصواب لمديرها حضرة الفاضل السيد محمد الجعابي، وجريدة الحاضرة لصاحبها حضرة علي أفندي بشوشة وهي أول جريدة ظهرت في تونس، وجريدة إظهار الحق لمديرها حضرة الفاضل السيد أحمد القبايلي، وجريدة حبيب الأمَّة لمديرها حضرة الفاضل عبد الرزاق أفندي الذي حاز قسطًا وافرًا من العلوم العمرانية الحديثة، ويوجد غير ما ذُكِر جرائد أسبوعية عربية أُنْشِئت حديثًا، أصحابها هذَّبهم العلم، وأحْسَنَ تربيتهم، وأنبتهم نباتًا حسنًا.

ولكن البلاد في حاجة إلى جرائد يومية لتنقل الأخبار الخارجية والتلغرافات وغير ذلك شأن كُلِّ أمَّة أخذت نصيبًا من المدنية.

فلو أن هؤلاء الأفاضل اتحدوا وأنشأوا جريدة يومية لكانوا أدَّوا إلى وطنهم خدمة أجَلُّ وأنفع مِمَّا هم قائمون به الآن.

والحرية التي للصحافة في تونس تراقبها الحكومة مراقبة شديدة ويمكنها أن تحجب أيَّ جريدة كانت لسبب صغير، كالانتقاد على بعض أعمال الحكومة كما جرى لحضرة صاحب جريدة الزهرة.

وكأنني بمُعترض يقول: إذا كانت مراقبة الحكومة للجرائد هذه المراقبة فلا حرية إذن للصحافة في تونس.

فجوابي على ذلك نقول: إنَّ مَنْ عَرَفَ حالة الصحافة قبل مجيء المسيو بيشون وقاسها بالحالة الحاضرة يعدها بمنزلة الحرية؛ إذ كانت الجرائد من قبل أقلَّ منها الآن عددًا، ولم تكن تنقُل غير بعض الأخبار التي لا تفيد الأمَّة بشيء مطلقًا.

وإني أقترح على حضرة الفاضل صاحب جريدة الرشدية أن يجعل حجم جريدته أكبر منه اليوم، وأن يشترك في تلغرافات روتر وهافاس وأن يطبع الجريدة بحروف واضحة ونظن أن هذا لا يكلفه كبير عناء خصوصًا مع وجود الموسرين هناك الذين يُلبُّونَ دعوته إذا دعاهم إلى تعضيده؛ لأن مثل هذا العمل هو في الحقيقة خدمة لبلادهم وهم يعلمون أن أحسن وجه يُنفَق فيه المال هو هذا الوجه الذي يخلِّد لهم ذِكْرًا حَسَنًا على صفحات التاريخ.