(11) أخلاقُ أهل تونس والدِّين فيها:
أمَّا أخلاق أهل تونس فهي في مجموعها حسنة؛ لأنهم يكرمون الغريب الوافد إليهم، وهذا ينفي ما هو شائع لدى العأمَّة من بُخْل أهل المغرب، وقد يجوز وجود البُخل في بعض بلاد المغرب الأقصى ولكن غير أهل تونس.

أمَّا ما يوجد في أخلاقهم من الحِدَّةِ فمرجعه إلى الصلاح والتقوى؛ لأن المعروف في أهل الفضل والتقى والدِّين، التسرُّع في الغيظ إذا رأوا أمرًا مخالفًا لآداب الدِّين.

وهم سواسية في الوداعة، وكرم الأخلاق، وعدم الميل إلى الملاذ والملاهي، بخلاف غيرهم من أهل البلاد الإسلامية الذين اختلطوا بالأوروبيين وقلّدوهم في مظاهر المدنية الغربية؛ وذلك لأنهم متمسكون بأوامر الدِّين ونواهيه فلا يتظاهرون بالفجور والفسق ولا ينتهكون حُرُمَاتِ الدِّين.
•••
أمَّا نساؤهم المُسْلِمات فإنهن على جانب عظيم من العِفَّة والصون، حتى إن إحداهن من السُّوقة تمرّ في الطريق، فلا يرى الناظر إليها عضوًا من أعضائها مكشوفًا، حتى إنهن لم يتخذْنَ نقابًا كما تفعل النساء المصريات، بل نقابهن منديلٌ أسودٌ يوضع على الوجه فيُغطيه بأجمعه، وفيه ثقوب صغيرة بها يُتمكَّن من مشاهدة الطريق.
•••
أمَّا النساء اليهوديات فإنهن بخلاف ذلك؛ إذ يمشين في الطرقات مكشوفات الرأس بلا خمار سوى منديل رقيق تعصب به الرأس وملابسهن عبارة عن سروال “الباس” يصل إلى العقب، وقميص قصير، وسدرية، ووشاح يلقينه على الكتفين بحيث لو نزع هذا الوشاح لكان أشبه شيء بنساء فلاحي مديرية الشرقية والغربية في القطر المصري.
•••
وقد شاهدتُ القوم هناك في يوم الجمعة فريقًا يصلون الجمعة في الوقت الذي يصلي فيه أهل مصر والبلاد الإسلامية الأخرى.

وفريقًا يصلون قبل العصر بنحو النصف ساعة، وهذا وإن كان جائزًا شرعًا ولكن كان الأوفق أن يجتمع المُسْلِمون في وقتٍ واحدٍ لأداء فريضة الجمعة لِمَا في ذلك من معنى الاتحاد وعدم التفرُّق.

أمَّا الخُطُبُ الدِّينية في مساجد تونس فهي لا تخرج عن الخطب في بعض مساجد مصر؛ إذ كلها مما هو مذكور في دواوين الخطب ومسموع في كُلِّ جمعة، فليت حضرات الخطباء الأفاضل في تونس يُلْقُون الخطب العصرية المُوفَّقة للحالة الحاضرة، والصالح العام، ويقفون على الداء، ويصفون الدواء، كما كان يفعل السلف الصالح من تذكير المُسْلِمين بالمفاسد في كُلِّ زمن وكُلِّ مكان.

وليس للمساجد هناك مآذن كما في مصر وغيرها من بلاد الإسلام، بل يوجد بجوار المسجد مكان مدور البناء يُصعَد إليه بدرج وفيه أربع نوافذ وفي كُلِّ نافذة إفريز يقف عليه المؤذِّنون في أوقات الصلاة.

ولا يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ بَلْ جماعة يتراوح عددهم بين الخمسة والستة أشخاص.

ووقت الأذان هناك لا يُعرف بالساعة، بل يوجد بجوار دار الوزارة ساعة رملية تُعرَف بها الأوقات، فإذا عُلِّق في المكان الذي فيه الساعة الرملية علمٌ يكون علأمَّة على حلول الوقت وذلك نهارًا.

أمَّا إذا جاء الليل فإنهم يُعَلِّقُونُ نِبْرَاسًا “فانوسًا” وبعد الأذان يُنْزِلُونَ العَلَمَ أو النِّبْرَاسَ.