الزوجة الشرسة والزوجة الطيبة
حكي أن بعض الصالحين كان له أخ في الله وكان من الصالحين يزوره في كل سنة مرة..
فجاء لزيارته فطرق الباب فقالت امرأته: مَنْ؟
فقال: أخو زوجك في الله جئت لزيارته..
فقالت: راح يحتطب لا رَدَّهُ الله ولا سلّمه وفعل به وفعل وجعلت تذمذم عليه فبينما هو واقف على الباب وإذا بأخيه قد أقبل من نحو الجبل وقد حمل حزمة الحطب على ظهر أسد وهو يسوقه بين يديه فجاء فسلّم على أخيه ورحَّب به ودخل المنزل وأدخل الحطب وقال للأسد: اذهب بارك الله فيك.
ثم أدخل أخاه، والمرأة على حالها تذمذم وتأخذ بلسانها وزوجها لا يَرُدُّ عليها فأكل مع أخيه شيئاً ثم ودَّعهُ وانصرف وهو مُتَعَجِّبٌ من صبر أخيه على تلك المرأة.
قال: فلمَّا كان العام الثاني جاء أخوه لزيارته على عادته فطرق الباب فقالت: امرأته: مَنْ بالباب؟
قال: أخو زوجك فلان في الله..
فقالت: مرحباً بك وأهلاً وسهلاً اجلس فإنه سيأتي إن شاء الله بخير وعافية.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(1) - الكبائر للذهبي.


قال فتعجَّب من لطف كلامها وأدبها إذ جاء أخوه وهو يحمل الحطب على ظهره فتعجَّب أيضاً لذلك فجاء فسلَّم عليه ودخل الدَّار وأدخله وأحضرت المرأة طعاماً لهما وجعلت تدعو لهما بكلام لطيف فلمَّا أراد أن يُفارقه قال: يا أخي أخبرني عما أريد أن أسألك عنه.
قال وما هو يا أخي؟.
قال: عام أول أتيتك فسمعت كلام امرأة بذيئة اللسان قليلة الأدب تذمُّ كثيراً ورأيتك قد أتيت من نحو الجبل والحطب على ظهر الأسد وهو مُسَخَّرٌ بين يديك...
ورأيت العام كلام المرأة لطيفاً لا تذمذم ورأيتك قد أتيت بالحطب على ظهرك فما السبب؟
قال يا أخي: توفيت تلك المرأة الشرسة وكنتُ صابراً على خُلُقِهَا وما يبدو منها وكنت معها في تعب وأنا أحتملها فكأن الله قد سخَّر لي الأسد الذي رأيت يحمل عني الحطب بصبري عليها واحتمالي لها...
فلما توفيت، تزوجتُ هذه المرأة الصالحة وأنا في راحة معها فانقطع عني الأسد فاحتجتُ أن أحمل الحطب على ظهري لأجل راحتي مع هذه المرأة المباركة الطائعة فنسأل الله أن يرزقنا الصبر على ما يُحِبُّ ويَرضَى إنه جوادٌ كريمٌ (1).

التعليق:
نستفيد من هذه القصة أمرٌ هامٌ ألا وهو: أن تفاهم الزوج وزوجته وصبر كل منهما علي الآخر، نعمة من الله تعالي وسكنٌ واستقرارٌ وهو الغاية من الزواج.. كما قال تعالي: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)) الروم /21.

وقطعاً من شروط الاستقرار حُسْنُ اختيار الزوجة, ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تُنْكَحُ المرأةُ لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (2).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(1) - الكبائر للذهبي
(2) - خرجه البخاري في النكاح ح/5090, ومسلم في الرضاع ح/ 1466.


قلت: الاختيار السَّيئ الذي يتمُّ علي هوى النفس دون الوضع في الاعتبار آثاره السَّيئة علي مستقبل العلاقة الزوجية لأمْرٌ يجب أن يُرَاعَى لأهميته.
ومن ثَمَّ فإن الاختيار السليم لكلٍ من الرجل والمرأة أمْرٌ ليس بالسهولة بمكان بل هو أصعب من مشوار الزواج التي تعتريه عوائق وعقبات جمَّة ومشاكل لا أول لها ولا آخر.
ينبغي أن يعرف كلٌ من الرجل والمرأة أن الحياة الزوجية السعيدة ليس في اختيار ذات الجمال أو الحسب أو النَّسب بالنسبة للرجل.. ولا في المال والمركز الاجتماعي المرموق والوسامة بالنسبة للمرأة.. فمثل هذا وما أشبهه لا يبني بيتاً سعيداً قائماً علي المودَّة والرَّحمة والتفاهم... قطعاً لا.. لماذا؟
لأنه اختيار قائمٌ علي الهوى وحُبِّ الدنيا, وهو زواجٌ لا يدوم أبداً, والسُّنَّة بَيَّنَتْ لكلٍ من الرجل والمرأة كيفية اختيار شريك الحياة علي أسُسٍ وصفات تُثرِي الحياة الزوجية وتُعينُها علي الاستقرار والاستمرار لا العكس..
وبناءً علي هذه الوصايا مِمَّنْ لا ينطق عن الهوي -صلى الله عليه وسلم- نستطيع أن نقول أن المرأة المُحجَّبة المُحتشمة المُلتزمة التي تعرف حَقَّ الله تعالي هي جوهرة نفيسة تشعُّ بضوءها الأخَّاذ عُشَّ الزوجية فتبعث البهجة والسعادة على أهل بيتها من زوج وأولاد, لأن حياتها وتربيتها قائمة على تعظيم الدِّين, وطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- هو محور حياتها الذي لا ترضي عنهما بديلاً.. لا عادات ولا تقاليد تمنعها من أتباع الحق وهو أحق أن يتبع.