منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 8:38 pm

لحن الترنيمة (كورال)
الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا


لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit430


الطابع المعماري
كل شعب ممن أنتج معماراً يطور أشكاله المحببة له هو نفسه، والتي تخص هذا الشعب مثلما تخصه لغته، أو ملبسه، أو فنونه الشعبية.

وقبل انهيار جبهات الحضارة في القرن الماضي، كان هناك في العالم كله أشكال وتفاصيل محلية متميزة للمعمار، وكانت بنايات كل موقع محلي بمثابة أطفال جميلة لزواج سعيد قد عقد بين خيال أفراد الشعب واحتياجات ريفهم.

ولست بالذي يطلب التأمل في المنابع الحقيقية للخصوصية القومية، كما أني لست مؤهلاً لذلك بأي حال.

ولكني أود أن أطرح ببساطة أن أشكالاً بعينها تفتن أفراد أحد الشعوب، فيستخدمونها في مجالات جد متنوعة، نابذين فيما يحتمل أي تطبيقات غير ملائمة، وإنما هم يقومون بتطوير لغة بصرية رائعة مفعمة باللون هي لغة خاصة بهم وتلاءم تماماً شخصيتهم ووطنهم.

وما من أحد يمكن أن يخطئ طريقة انحناء القبة الفارسية وقوس انحناء القبة السورية، أو المغربية، أو المصرية.

وما من أحد يمكن أن يخطئ  تبين وجود نفس الانحناء ونفس البصمة في القبة والجرة والعمامة التي تنتمي لمنطقة واحدة.

ويتبع ذلك أيضاً أن أحداً لا يستطيع أن ينظر بعين الرضا إلى المباني التي تزرع في بيئة أجنبية عنها.
* * *
على أن مصر الحديثة ليس فيها أسلوب محلي، فالبصمة مفتقدة؛ وبيوت الأغنياء والفقراء هي على السواء بلا طابع، بلا لهجة مصرية، لقد ضاع التراث، وانفصمنا عن ماضينا منذ قطع محمد علي رأس آخر مملوك.

وهذه الثغرة في تواصل التراث المصري قد أحس بها أناس كثيرون، فطرحت لها كل صنوف العلاج.

والحقيقة أن هناك نوعاً من الغيرة بين أولئك الذين يعدون القبط السلالة الحقيقية المنحدرة من قدماء المصريين، وأولئك الذين يؤمنون بأن الأسلوب العربي هو ما ينبغي أن يمد بنموذج للمعمار المصري الحديث.

والحق أنه كانت هناك محاولة شبه رسمية للتوفيق بين هذين الفريقين، وذلك عندما اقترح عثمان محرم باشا وزير الأشغال العمومية أن تقسم مصر إلى شطرين، بما يشبه اقتراح سليمان بشطر الطفل، وأن تسلم مصر العليا إلى الأقباط، حيث يمكن أن يُنمى أسلوب من تراث فرعوني، بينما ينبغي أن تُعطى مصر السفلى للمسلمين ليجعلوا من عمارتها عمارة عربية بحق! وتؤدي هذه الحكاية إلى إيضاح شيئين.

الأول هو الحقيقة المشجعة من أن الناس يدركون بالفعل البلبلة الحضارية التي في معمارنا، ويرغبون في علاجها، والآخر -وهو أمر ليس بجد مشجع- وهو أن هذه البلبلة ينظر إليها كإشكالية في الأسلوب، وأن الأسلوب ينظر إليه كنوع من التشطيبات السطحية التي يمكن تطبيقها على أي بناء بل و يمكن إزالتها وتغييرها عند الضرورة.

والمهندس المعماري المصري الحديث يعتقد أن العمارة المصرية القديمة تتمثل في المعبد ببواباته الضخمة وإفريزه المُزيَّن بالتجاويف ربع الدائرية، وأن العمارة العربية تتمثل في سدائل المُقرنصات المُجمَّعة، وذلك في حين أن العمارة المصرية القديمة للبيوت كانت تختلف تماماً عن عمارة المعبد، والعمارة العربية للبيوت تختلف تماماً عن عمارة المسجد.

فالمباني المصرية القديمة غير الدينية، مثل البيوت، كانت تكوينات سخيفة بسيطة، لها خطوط واضحة مثلما لأفضل البيوت الحديثة.

ولكن مدارس العمارة ليس فيها أي دراسة لتاريخ البنايات المنزلية وهي تدرّس العصور المعمارية عن طريق ما هو أسلوب عارض ليس إلا، كالمعالم الظاهرة من مثل بوابات المعبد الضخمة وسدائل المقرنصات.

وهكذا فإن المهندس المعماري يتخرَّج وهو يعتقد أن هذا هو كل ما يعنيه ((الأسلوب))، ويتخيَّل أن البنّاء يمكن أن يُغيِّر أسلوبه بمثل ما يُغيِّر الإنسان ملابسه.

والتفكير من هذا النوع هو الذي أدَّى بأحد المهندسين المعماريين إلى أن يُخرِّبَ المدخل المؤدي إلى حُجُرات الفصول الدراسية في مدرسة القرنة بأن حوَّل المدخل الأصلي المعقود إلى بوابة معبد على الطرز المصري القديم قد اكتملت بإفريزها المزين بتجاويف من أرباع دوائر.

ومما لا يُفهم حتى الآن أن المعمار الحقيقي لا يمكن أن يكون موجوداً إلا في تراث حي، وأن التراث المعماري في مصر هو الآن تقريباً ميت.

وكنتيجة مباشرة لضياع التراث هذا فإن مُدننا وقُرانا أصبحت تزيد وتزيد قبحاً.

وكل بنَّاءٍ بمفرده يؤدي إلى زيادة هذا القبح، وكل محاولة لعلاج الموقف لا تؤدي إلا لتأكيد هذا القبح تأكيداً أثقل.

وفي ضواحي المدن الإقليمية بالذات حيث تجري أحدث عمليات البناء، يتأكد التصميم القبيح للبيوت بالتنفيذ السيئ للعمل، فتبرز صناديق مربعة مضغوطة في أحجام متباينة، بأسلوب ثم نقله عن أفقر أحياء المتروبوليس، ورغم أنها نصف مكتملة إلا أن التلف ينال منها بالفعل، وقد انتصبت إزاء بعضها بكل الزوايا، وقد انبثت فوق خلاء رث بطرق غير ممهدة، وأسلاك وصفوف غسيل تتدلى متربة من فوق حظائر الدجاج.

وفي أجواء من هذه المجاورات الكابوسية تؤدي الشهوة إلى الاستعراض والحداثة إلى أن يقوم مالك البيت بتبديد نقوده على تجهيزات وتزاويق مبهرجة مما يكون للبيوت الحضرية، بينما هو يضن بمساحة للمعيشة ويحرم نفسه تماماً من فوائد الصنعة الحقيقية، وتجعل المنازل بسبب هذا الموقف متضاغطة ومتجهة مما يكون للبيوت الحضرية على  الأسرة أن تقوم بتهوية بياضاتها على الشارع العمومي، وتهوية نفسها وهي مكشوفة للجيران في شرفاتها القاحلة؛ بينما لو كان هؤلاء الملاك أقل ابتذالاً في تفكيرهم لأمكنهم الاستفادة بنمط البيت ذو الفناء، فيستمتعون بالمساحة والخصوصية معاً.

ولسوء الحظ فإن هذا النوع من معمار الضواحي هو ما يتخذه الفلاحون كنموذج للحداثة، بحيث أنه أخذ يكتسب موقعاً في قرانا؛ ويمكننا أن نطلع في ضواحي القاهرة أو بنها على ما سيكون قريباً المصير لقرية غرب أسوان.
* * *
وبنّاء القرية إذ يتملّق عملاءه ليُقنعهم بأنهم أصحاب دراية وتحضُّر، يأخذ في تجربة أساليب بناء لم يراها إلا عند تداولها للمرة الثانية أو الثالثة، وبمواد بناء لا يستطيع هو في الحقيقية أن يتناولها في فهم.

وهكذا فإنه يهجر ما لديه في التراث من مرشد آمن، ويحاول وهو لا يملك علم وخبرة المهندس المعماري أن ينتج ((معمار المهندسين المعماريين)).

وتكون النتيجة هي بناء فيه كل أوجه القصور لعمل المهندس المعماري وليس فيه أياً من مزاياه.

وهكذا فإن المهندس المعماري إذ يُصمِّم مثلاً شقة في منزل في أحياء القاهرة الفقيرة لأحد المضاربين البُخلاء، ويضمِّن فيها ملامح مختلفة من تصميم حديث منقول عن عمل أوروبي رائج، فإن عمله هذا يتسرِّب عبر فترة من السنين لينحدر من خلال الضواحي الرخيصة إلى القرية، حيث يعدل رويداً على تسميم التراث الأصيل.

وقد بلغ من خطورة هذا الموقف أن أصبح القيام بعمل بحث علمي محكم عنه، هو مطلب ملح إذا كنا حقاً نريد أن نعكس هذا الاتجاه للإسكان السيئ القبيح المبتذل وغير الكفء في قرانا.

وقد انتابني اليأس في وقت ما لضخامة المشكلة.

فسلّمت بأنها مما لا يقبل حلاً.

فهي عملية مميتة من صنع القدر لا تقبل العكس وأذعنت لإحساسي بالعجز والأسى والألم لِمَا يحل بناسي وبلدي.

ولكني عندما وجدت أنه عليَّ أن أتعامل بنفسي مع الحالة الواقعية للقرنة تمالكت نفسي وبدأت أفكر في المشكلة بصورة عملية بأكثر.




لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 8:42 pm

عملية اتخاذ القرار

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit431
الحضارة تنطلق من الجذور وتتسرب لتنفذ إلى كل طلع إلى الورقة والزهرة والبرعم ومن خليَّة للأخرى.

وكأنها دم أخضر ويطلقها رذاذ المطر كعطر من زهور منداة يفعم الهواء.

ولكن الحضارة التي تنصب على البشر من فوقهم من عل، لا تلبث أن تنعقد كما ينعقد السكر الرطيب، وهكذا يصبحون مثل عرائس السكر.

وعندما يبللهم بعض رذاذ من المطر الواهب للحياة فإنهم يتلاشون، يذوبون في خليط لزج.

كان يبدو لي أننا لم نتمكَّن من علاج أزمة المعمار المصري العامة بمجرد أن نبني مثالاً من نموذج جيد للبيت أو نموذجين.

ولا حتى قرية كاملة.

والأولى هو أننا ينبغي أن نحاول تشخيص الدَّاء.

أن نفهم الأسباب الجذرية للأزمة، ونهاجمها من جذورها هذه.

إن الفساد الحضاري يبدأ بالفرد نفسه، الذي يواجه بخيارات لم يهيأ للقيام بها.

وينبغي أن نعالجه عند هذه المرحلة.

والبناء إنما هو نشاط خلاق حيث اللحظة الحاسمة هي لحظة التصور.

تلك اللحظة التي تتخذ الروح عندها شكلاً.

وتتحدَّد بالفعل كل ملامح المخلوق الجديد.

وإذا كانت خصائص الكائن الحي تتقرَّر بلا رجعة في لحظة الإخصاب، فإن خصائص المبني تتحدَّد بكل مركب القرارات التي يعطيها كل مَنْ له يَدٌ في الأمر، عند كل مرحلة في بنائه.

وهكذا فإن لحظة التصور التي يعتمد عليها الشكل النهائي للكائن الحي تصبح بالنسبة للمبنى تعدداً من تلك اللحظات، كل منها تقوم بدور حاسم في العملية الخلاقة بمجملها.

ولو أمكننا تحديد هذه اللحظات والإمساك بها، فإننا سنستطيع عندها التحكُّم في كل عملية الخلق.

وممارسة الاختيار ممارسة متروية -أي اتخاذ القرارات- لهي النشاط الرئيسي للحياة، وكلما زادت المناسبات التي يمارس فيها الكائن الحي الاختيار، زاد علو المرتبة التي يوضع عليها بمقياس الحياة.

وابتداء من أبسط الكائنات المعروفة، وهي دواريات الماء التي يتألف وجودها كله من تمييزها بين ما يمكنها ولا يمكنها أكله، وانتهاء إلى أكثر الكائنات تعقداً وهو الإنسان، الذي تفعم كل ساعة من حياته باتخاذ القرارات أو بالحاجة إلى اتخاذ القرارات، فإنه ما من كائن حي لا ينفق وقته كله في الاختيار.

فأن تكون حياً هو أن تتخذ قراراً.

والقرارات التي يجب على الإنسان أن يتخذها لهي أكثر رهافة إلى حد بعيد، ويتطلب تقييمها وعياً بعوامل أكثر إلى حد بعيد، مما في تلك القرارات التي تتخذها الحيوانات الأبسط.

وفوق ذلك، فإن قرارات الإنسان تختلف كيفاً عن قرارات الحيوانات الأخرى، ذلك أن الإنسان لديه القدرة على التأثير بقراراته في العالم من حوله وأن يغير من مظهره  ومن طبيعته تغييراً جذرياً بالغاً.

ولما كان لقرارات الإنسان هذه الإمكانات الهائلة بما هو خير وشر معاً، فإن مسئوليته لهي حقاً مسئولية خطيرة.

وهذا في الحقيقة هو واحد من أهم أوجه مأزق الإنسان، وهو أن كل قرارات الإنسان تغير من العالم، وأنه لا مفر له من أن يصدر القرارات، وأنه على وعي بما يفعله من خير أو شر، وبما يخلقه من جمال أو قبح.

ويُقالُ أن الله استدعى الملائكة ذات يوم وعرض عليها مسئولية اتخاذ القرار؛ ولكن الملائكة بكل حكمة تفادت ذلك، مُفضِّلة أن تبقى في كمالها غير المتغير في انسجام مع الكون.

ثم طلب الله من الجبال أن تقبل المسئولية، فرفضت هي أيضاً، قانعة بأن تخضع في سلبية لقوى الطبيعة.

على أنه عندما عرض الله على الإنسان هبة المسئولية، فإن ذلك المخلوق الجاهل تقبلها لأنه لم يتبيَّن ما يستتبعه ذلك.

وهكذا فإن الإنسان الآن، أحَبَّ أو كَرِهَ ذلك، هو مُلجم بالمسئولية التي أرعبت الملائكة والجبال معاً، وأصبح لديه فرصة لإثبات أنه أعظم من أيهما.

وعلى أيٍّ، دعنا لا ننسى أنه بذلك يتقبَّل أيضاً مخاطر الهزيمة، وأنه لو هزم سيُنظر إليه على أنه من دون الخليقة لهو أكثر الحيوانات ادِّعاءً واستحقاقاً للزراية.

إن العالم في أي لحظة إنما هو صفحة  بيضاء في انتظار قلمنا؛ والفراغ الشاغر قد يتم شغله بكاتدرائية أو هو يشغل بكوم من خبث.

وحيث أنهما من رجلين يصدران في الظروف المتماثلة القرارات ذاتها، فإننا نقول أن شخصيات البشر تختلف.

واتخاذ القرار، أو الاختيار، هو كلمة أخرى تعني التعبير عن الذات - أو لعل الأفضل أنه التمهيد اللازم لكل التعبيرات عن الذّات.

والقرار الواعي لعله مما يتم الوصول إليه إما بالاسترشاد بالتراث أو بالتفكير المنطقي والتحليل العلمي.

وكلتا العمليتين ينبغي أن تؤدِّيا إلى نفس النتيجة، ذلك أن التراث يجسد استنتاجات التجربة العملية لأجيال عديدة على المشكلة نفسها، بينما التحليل العلمي هو ببساطة الملاحظة المنظمة لظواهر المشكلة.

وأرهف القرارات إنما تُستدعي عندما يقوم الإنسان بصنع شيء ما.

والكثير من القرارات الواعية ظاهرياً في حياة المرء اليومية هي ببساطة مما يتم بحكم العادة، ولكن عندما يُقْدِمُ المَرْءُ على صنع شيء فإن مجال اتخاذ القرار يصبح أوسع مما عند أداء الوظائف الثانوية للعيش.

ومن المؤكد أن المرء قد يقوم بصنع شيء بحكم العادة - ولكنه وقتها لن يكون حياً وجميلاً إلا بسبب ما يتبقى من فضل للقرارات التي اتخذها المرء عندما حاول لأول مرة القيام بصنع هذا الشيء، وأيضاً بفضل القرارات الثانوية التي يتخذها أثناء أداء الحركات المعتادة لإنتاج هذا الشيء.

على أن أفضل وسيلة لخلق الجمال ليست بالضرورة بأن تصنع تصميماً غريباً أو أصيلاً.

وكم يصدق ذلك حتى على صنع الله، حيث لا يتوجب أن يغير في تصوير التصميم من أجل أن ينتج التفرد فيما بين البشر، وإنما هو يمكنه أن يبسط كل درجات مقياس الجمال من كليوباترا حتى كالبيان بمجرد تعديل وضع أو حجم ما في الوجوه من عناصر.

ومن الشائق أن نلاحظ أن العادة قد تحرر الإنسان في الحقيقة من الحاجة لأن يتخذ قرارات كثيرة قليلة الأهمية، بحيث يمكنه أن يركز على القرارات المهمة حقاً لفنه.

والمخ الواحد لا يستطيع أن يتخذ أكثر من عدد محدود من القرارات في وقت بعينه؛ ولذا فإن من الإنصاف أيضاً أن يحال بعضها إلى اللاوعي.

 وناسجة السجاد تتعلم أن تعمل بيدها بسرعة وثقة بالعين بحيث لا تعود تفكر في كل حركة منفصلة ولكنها تستطيع أن تركزعلى التصميم وهو ينمو تحت يديها.

فهي كالموسيقى الذي يبذل كل انتباهه لعزفه للمقطوعة ويكاد لا يتتبع كل أصبع وهو يُصدر إحدى النغمات.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 10:07 pm

دور التراث
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit432
"لعل ما نطلق عليه أنه حديث هو فحسب ما لا يستحق أن يبقى حتى يصبح قديماً"
دانتي البجييري.

التراث للمجتمع هو المُماثل للعادة عند الفرد، وهو في الفن له نفس التأثير بأن يحرر الفنان من القرارات غير الضرورية التي تصرف الانتباه بحيث يستطيع أن يعطي كل انتباهه إلى القرارات الحيوية.

وما إن يتم اتخاذ قرار فني، بصرف النظر عن وقت اتخاذه ومن الذي اتخذه، فإنه لا يمكن أن يُتخذ مرة أخرى على نحو مفيد؛ والأفضل أنه ينبغي أن يمرر إلى مخزن العادة العام، فلا يشغلنا لأكثر من ذلك.

والتراث ليس بالضرورة طرز قديم وهو لا يرادف الركود.

وفوق ذلك، فإن التراث مما لا يلزم أن يرجع إلى ما سبق بزمن طويل وإنما  قد يكون مما بدأ من وقت جد قصير.

فبمجرد أن يجابه أحد العاملين بمشكلة جديدة ويتخذ قراراً بكيفية التغلب عليها، يكون قد تم اتخاذ الخطوة الأولى في إرساء تراث.

وعندما يقرر عامل آخر اتخاذ نفس الحل، فإن التراث يكون في حركة، وحين يتبع رجل ثالث الرجلين الأولين ويضيف إسهامه، يصبح التراث وقد تم إرساؤه إلى حدٍ كبير.

وبعض المشاكل يسهل حلها؛ وقد يقرر رجل في دقائق معدودة ماذا يفعل.

وهناك مشاكل أخرى تحتاج وقتاً، ربما يوماً، وربما عاماً، وربما حياة بأسرها؛ وفي كل حالة قد يكون الحل من صنع رجل واحد.

على أن هناك حلولاً أخرى قد لا يمكن التوصل إليها كاملة قبل مرور أجيال كثيرة، وها هنا يكون للتراث دور خلّاق يقوم به، ذلك أنه بالتراث وحده، وباحترام عمل الأجيال الأقدم والبناء عليه، يمكن لكل جيل جديد أن يصنع بعض تقدم إيجابي نحو حل المشكلة.

وعندما يحل التراث مشكلته ويتوقف عن النمو، يمكننا أن نقول أن الدورة قد اكتملت.

إلا أنه في العمارة، كما في النشاطات البشرية الأخرى وكما في العمليات الطبيعية، يكون هناك من الدورات ما هي في بدايتها فحسب، وأخرى قد اكتملت، وأخرى عند كل أطوار النمو فيما بين الطرفين وكلها توجد معا ًفي نفس الوقت وفي نفس المجتمع.

وهناك أيضاً أوجه من التراث تعود إلى بداية المجتمع البشري، إلا أنها مازالت حية ولعلها ستظل موجودة ما وجد المجتمع البشري؛ كما في صنع الخبز مثلاً، وضرب الطوب.

ومن الناحية الأخرى، ثمَّة أوجه للتراث، رغم أنها لم تظهر إلا حديثاً وكان ينبغي أن تكون في الطور الأول من دورتها، إلا أنها في الحقيقة قد ولدت ميتة.

فالحداثة لا تعني بالضرورة الحيوية، والتغير لا يكون دائماً للأفضل.

ومن جهة أخرى هناك مواقف تستدعي التجديد. ووجهة نظري هي أن التجديد يجب أن يكون مما قد تم التبصر فيه كاملاً كاستجابة لتغير في الظروف.

وليس كأمر يُطلب في حد ذاته.

ولا أحد يطلب أن يكون برج المراقبة في المطار مبنياً بأسلوب ما ريفي، والإنشاء الصناعي من مثل محطة للقوى الذرية قد يفرض على المصمم تقليداً جديداً.

وما أن يتم إرساء وقبول تقليد بعينه، حتى يكون من واجب الفنان أن يبقى على تواصل هذا التراث.

على أن يعطيه من ابتكاره الذاتي وبصيرته العزم الإضافي الذي ينقذه من أن ينتهي الأمر به إلى التوقف، وذلك حتى يصل إلى نهاية دورته ويستكمل نموه بالكامل.

والفنان سيتحرر بالتراث من قرارات كثيرة، ولكنه سيكون مضطراً لاتخاذ قرارات أخرى بنفس القدر من الإلحاح ليمنع موت التراث بين يديه.

والحقيقية أنه كلما زاد نمو تراث ما، زاد الجهد الذي يجب أن ينفقه الفنان لجعل كل خطوة فيه للأمام.

والتراث للفلاحين هو الضمان الوحيد لحضارتهم، فهم لا يستطيعون التمييز بين الأساليب غير المألوفة لهم، وإذا خرجوا عن قضبان التراث فسوف يلقون الهلاك حتماً.

إن الخروج عن التراث عمداً في مجتمع هو أساساً مجتمع تقليدي كما في مجتمع الفلاحين، لهو نوع من الجريمة الحضارية، ويجب على المهندس المعماري أن يحترم التراث الذي يقتحمه.

أما ما يفعله في المدينة فهو أمر آخر، فالجمهور والبيئة المحيطة هناك يستطيعان العناية  بأنفسهما.
* * *
وعلى المهندس المعماري ألا يفترض أن هذا التراث هو عائق له.

وعندما تكون كل قوة الخيال البشري مدعومة بثقل تراث حي، فإن العمل الفني الناتج يكون أعظم كثيراً مما يستطيع أي فنان إنجازه عندما لا يكون لديه تراث يعمل من خلاله أو عندما ينبذ عامداً تراثه.

وجهد الإنسان الواحد قد ينتج عنه تقدم هائل تماماً، إذا كان يبني عمله على تراث راسخ.

والأمر يكاد يشبه إضافة بلورية ميكروسكوبية واحدة إلى محلول هو من قبل محلول فوق المتشبع، وهكذا فإن المحلول كله يتحول فجأة إلى بلورات على نحو رائع.

على أن الأمر يختلف عن هذه العملية الفيزيائية من حيث أن هذا التبلور الفني ليس مما يحدث مرة واحدة وأخيرة، ولكنه عملية تفاعل يجب تجديدها دائماً.



((الكمال من غير اكتمال له فائدته. والانجاز دون إيفاء فيه ما يرغب)) (لاوتزي).

والعمارة مازالت من أكثر الفنون تعلقاً بالتراث، وعمل المهندس المعماري يقصد به أن يتم استخدامه، وشكل العمل يتحدد إلى حد كبير بما سبقه، وهو يقام أمام الجمهور حيث يجب أن يراه أفراده كل يوم.

وينبغي أن يحترم المهندس المعماري أعمال سابقيه ويحترم إدراك الجماهير وذلك بألا يستخدم معماره كوسيلة للإعلان الشخصي.

والحقيقية أنه ما من معماري يستطيع تجنب استخدام عمل المعماريين السابقين له؛ وهما كان ما يبذله من جهد جرياً وراء الأصالة، فإن الجزء الأكبر من عمله يكون إلى حد بعيد منتسباً إلى تراث أو آخر.

فلماذا ينبغي إذن أن يزدري تراث بلده هو نفسه أو منطقته.

ولماذا ينبغي أن يجر تراثاً أجنبياً في تركيبات مصطنعة وغير مريحة  ولماذا ينبغي أن يكون من الوقاحة بالنسبة للمعماريين الأسبق حتى ليشوه أفكارهم ويسيء تطبيقها؟

وهذا هو ما حدث عندما يؤخذ عنصر معماري تم تطويره عبر سنوات طويلة إلى حجم وشكل ووظيفة كلها متقنة، ثم يستخدم مقلوباً رأساً على عقب أو مضخماً بما يجعل منه شيئاً لا يدرك بحيث أنه حتى لا يعود بعد يقوم بوظيفته كما ينبغي، وذلك لمجرد إرضاء شهوة المعماري الأنانية للشهرة.

وكمثل فقد استغرق البشر سنوات كثيرة للوصول إلى الحجم المناسب للنافذة في مختلف أنواع التراث المعماري، وإذا ارتكب الآن معماري الخطأ الفظيع بأن يضخم من حجم النافذة حتى لتحتل حائطاً بأكمله، فإنه سيواجه في التو بمشكلة؛ إن حائطه الزجاجي سيُدخل من الإشعاع عشرة أضعاف ما يدخله الجدار المصمت.

والآن فإنه لو أضاف كاسرة شمس brise - Soleil ليظلل النافذة، وهذه ليست إلا مصراعاً بندقياً Venetian blind مكبراً، فإن الغرفة ستظل تتلقى إشعاعاً يزيد 300 في المائة عن الإشعاع من جدار مصمت.

وفوق ذلك، فإن المهندس المعماري عندما يزيد عرض شرائح المصراع البندقي من 4 سنتيمترات إلى 40 سنتيمتراً، حتى لا يفسد المقياس الملائم للجدار الزجاجي، فماذا ستكون نتيجة ذلك؟

بدلاً من أن يسمح المصراع بدخول نور لطيف منتشر كما يفعل المصراع البندقي، فإنه سيبهر عين أي فرد في الغرفة بنمط من قضبان عريضة مظلمة فوق وهج نور لامع.

وليس هذا فحسب.

ولكن المشهد، الذي كان الهدف الأول من الجدار الزجاجي هو ضمان رؤيته، سوف يفسد فساداً دائماً بسبب تلك القضبان الكثيرة التي تقطعه، بل إن كاسرة الشمس لن يكون لها ميزة إمكان طيها بعيداً، مثلما يحدث مع المصراع العادي والمصراع البندقي.

وحتى في المناخ البارد مثل مناخ باريس، يمكن أن يثبت في النهاية أن الجدار الزجاجي هو تطرف لا يمكن احتماله، فأثناء صيف 1959 الحار ارتفعت الحرارة داخل مبنى اليونسكو بسبب من ظاهرة ((بيوت الصوبة للنباتات)) الناتجة عن جدرانه الزجاجية، ورغم جهد آلات التكييف، فقد بلغ من ارتفاع الحرارة أن أصيب الكثيرون من الموظفين بالإغماء.

وإذن فإن من نافلة القول أن يعلق المرء على إدخال الجدران الزجاجية وكاسرات الشمس في البلاد الاستوائية؛ ورغم هذا فإنه من الصعب أن يجد المرء مثالاً من المعمار الاستوائي الحديث لم تستخدم فيه هذه الملامح، وعندما يجوس المهندس المعماري في تيقظ من خلال تراث حضارته، فإنه يجب ألا يفترض أن فنِّيَّتًهُ بهذا ستختنق.

فالأمر أبعد من ذلك وفنه سيعبر عن نفسه في إسهامات للتراث تتعلّق به تعلّقاً وثيقاً، وسيُسهم فنَّه في تقدم حضارة مجتمعه.

وعندما يوهب المعماري تراثاً واضحاً ليعمل فيه، كما في قرية قد بُنيت بواسطة الفلاحين، فإنه لا يحق له أن يحطم هذا التراث بنزواته الخاصة به.

وما يمكن تقبُّله في مدينة كوزموبوليتاتيه مثل باريس أو لندن أو القاهرة هو مما يؤدي بالقرية إلى حتفها.

وعقل أي إنسان هو من التركب بحيث أن قراراته تكون دائماً قرارات فريدة.

وتفاعله مع الأشياء من حوله هو أمر خاص به وحده.

وإذا كنت في تعاملاتك مع البشر تعتبرهم مجرد جمهور وتلجأ للتجريد، وتستغل الملامح المشتركة بينهم، فإنك ستدمر من الملامح المتفردة لكل منهم.

إن المعلن الذي يلعب على مظاهر الضعف المشتركة عند البشر، والصانع الذي يرضي الشهوات المشتركة، والمدرس الذي يعلّم بردود الفعل المشتركة، لكل منهم يعمل بطريقته على قتل الروح.

ذلك أن كلاً منهم إذا يعطي للملامح المشتركة أكثر مما تستحقه، يخنق الملامح الفردية بالزحام.

صحيح أن الفرد هم مما يجب إلى حدٍ ما أن يضحي به للجماهير، وإلا فإنه لن يكون ثمة مجتمع، ويموت الإنسان من العزلة، إلا أنه ينبغي أن يسأل كل الناس أنفسهم، كيف يمكن إلى التوازن في الشخصية الإنسانية ما بين العوامل المشتركة و الفردية.

وقد سادت سيادة عنيفة، هي غالباً سيادة بلا تحد، تلك العوامل التي تروج التماثل فمحت من الحياة الحديثة تراث الفردية.

فهناك وسائل الاتصالات بالجملة، والإنتاج بالجملة، والتعليم بالجملة، وكلها علامات على مجتمعاتنا الحديثة، التي سواء كانت شيوعية أو رأسمالية، فإنها  لا تتمايز من هذه النواحي.

والعامل الذي يتحكم في آلة في مصنع لا يضع شيئاً من ذاته في الأشياء التي تصنع الآلة.

والمنتجات التي تصنعها الآلة  منتجات متماثلة، غير شخصية، وبغير مردود سواء بالنسبة  لمستخدمها أو لمن يشغل الآلة.

أما المنتجات المصنوعة باليد فإنها تستهوينا لأنها تعبر عن مزاج الحرفي.

وكل وجه من عدم انتظام أو شذوذ أو اختلاف هو نتيجة لقرار يُتخذ لحظة الإنتاج، وتغيير التصميم عندما يصيب الحرفي الزهق من تكرار نفس الفكرة، أو التغيير اللون إذ ينقص ما لديه من أحد الألوان أو الخيوط، فيه ما يشهد  على التفاعل الحي المتواصل بين الإنسان ومواده.

والشخص الذي يستخدم الشيء الذي صُنع هكذا سوف يفهم شخصية الحرفي من خلال أوجه تردده هذه هي ونزواته، وسيكون هذا الشيء بسبب ذلك جزءاً من بيئته المحيطة له قيمة أكبر.
* * *




لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 10:19 pm

إنقاذ الفردية في القرية
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit433
فيما مضى، عندما كان أحد الرجال يريد بناء بيت، فإنه كان يندفع إلى عملية من أعقد وأطول عمليات اتخاذ القرار في حياته.

وابتداءً من أول مناقشة عائلية للفكرة حتى اليوم الذي يغادر فيه آخر العمال البيت وقد تمَّ بناؤه، فإن صاحب البيت يظل يعمل مع البنائين -ولعله لا يعمل بيديه، ولكنه يقترح، ويصر، ويرفض- مثابراً على إجراء مشاورات متصلة معهم وجاعلاً نفسه المسئول عن الشكل النهائي للبيت.

والحق أن اهتمام المالك المُستمر هذا ببيته سوف يظل مستمراً إلى ما لانهايه، فهناك عقيدة خرافية مؤدَّاها أنه ما إن ينتهي العمل في أحد البيوت تماماً حتى يموت صاحبه، وهكذا فإن صاحب البيت الحصيف يواصل دائماً تغيير انشاءاته والإضافة إليها ليؤجل إرساء الطوبة الأخيرة القاتلة.

والرجال العاملون في بناء البيت كلهم حرفيون.

يعرفون ما يمكنهم عمله ويعرفون ما هي حدودهم  هم.

وربما كانوا من نفس الجيرة مثل المالك، ويعرفونه جيداً، بحيث أنه لا يوجد صعوبة في شرح ما يريده، كما أن مقاول البناء سيفهم جيداً جداً قدر ما يمكن للمالك أن يطيق إنفاقه، وما لذي يمكنه الحصول عليه مقابل نقوده.

وإذ يتقدم العمل، فإن المالك يختار التجهيزات المختلفة؛ فهو يتحدث مع النجار عن المشربيات والأبواب، والأصونة، ولو كان فقيراً فسوف يتحدث مع نحات الحجر عن الخوانات و الزخارف التي من حول الباب، ولو كان غنياً فسيتحدث مع نحات المرمر عما سيصنعه بالفسيفساء من خوانات، ونوافير، وتكسيات، وأرضيات، ويتحدث مع الجصاص عن النوافذ الزجاجية المعشقة الملونة.

وهو صاحب خبرة بهذه الأشياء، فمن المستحيل خداعه، وهو يعرف ما يريد ويستوثق من الحصول عليه.

وكل حرفي يعرض للمالك ما هو ممكن عملياً ويختار المالك ما بين تنوعات رهيفة معروضة في تصميمات ثلاثية الأبعاد لا يمكن قط تمثيلها على مسقط معماري.

والإنسان الوحيد الذي ليس له وجود في مشروع البناء هذا هو المهندس المعماري.

فالمالك كان يتعامل مباشرةً مع الرجال الذين يقومون بالعمل، وكان في وسعه أن يرى ما الذي يحصل عليه.

ومن ناحيتهم، فإن هؤلاء الحرفيين كانوا أحراراً في تنويعات تصميماتهم في حدود التراث بشرط موافقة المالك.

ولو أن مهندساً معمارياً تدخل بين المالك والحرفيين، لكان قد أنتج رسومات مساقط لا يفهمها أي منهم.

وحيث إنه لا يستطيع فراراً من لوحة رسمه، فسوف يظل يجهل تماماً أن التنوعات الممكنة في تفصيل أحد التصميمات فيها كل الفارق بين البيت الجيد والبيت السيئ.

وقد تحدثت ذات مرة إلى المعلم محمد اسماعيل، وهو أحد الحرفيين الذين يصنعون النوافذ من الزجاج المُلوَّن المُعشَّق في الجص، وكان هذا فيما مضى أحد أوجه الزينة الشائعة في بيوت المدينة، إلا أنني عندما سألت محمد اسماعيل كم عدد الحرفيين غيره هو نفسه الذين يمارسون هذه الحرفة، لم يتمكن من أن يتذكر سوى رجل واحد هو المعلم لطفي.

وسألت اسماعيل عمَّا إذا كان يُعَلّم هذه الحرفة لأولاده.

فقال: ((إن ابني الأكبر ميكانيكي وقد أرسلت الأصغر إلى المدرسة)).

((وإذن لن يبقى أحد بعد جيلك يواصل التراث؟))

((وماذا تريدني أن أفعل؟ أتعرف أننا كثيراً ما لا يكون لدينا ما نأكله.. لا أحد يطلب اليوم عملي، لم يعد هناك مكان لنافذة من الزجاج الملون في معماركم الجديد هذا.. فكر بالأمر، ففيما مضى كان حتى السقا معتاداً على تزيين بيته، فكان يُشَغِّلُنِي، أما الآن، فكم عدد المهندسين المعماريين الذين يعرفون حتى بوجودنا؟)).

وقلت له: ((ولو أحضرت لك عشرة صبيان، هل تعلمهم الصنعة؟)).

وهز اسماعيل رأسه ((أنا لم أتعلم في مدرسة، إذا كنت تريد إحياء الصنعة أعطنا عملاً، فإذا كان لدينا عمل، فإنك سوف ترى هنا، ليس فحسب عشرة تلاميذ، وإنما عشرين صبياً للصنعة..)).

واستطعت أن أعهد إليه بمهمة، ولفت عمله انتباه مهندسين معماريين آخرين بحيث تم جر ابنه الأكبر الميكانيكي مرة أخرى إلى الصنعة، وهو الآن فاق أباه مهارة.
----------------------------------------------------
* ذات مرة كان على كبير المهندسين المعماريين في وزارة الأشغال، وهو المسئول عن بناء المساجد وصيانتها أن يُعِدَّ بعض رسومات مشروع تتضمن تاج عمود له سدائل مقرنصات من النمط العربي المعتاد، وثبت أنه من الصعوبة بمكان رسم التاج منتصباً بتلك السدائل الحجرية المعقدة، وظل المهندس المعماري يناطح هذه المشكلة عدة أيام، وهو في أسوأ مزاج، ثم أتى أحد الجصاصين إلى المكتب وتطلع إلى الرسم، وسأل المهندس المعماري عمَّا يفعله، وإذَ أخبره بالأمر فإنه قال: ((ولكن هذا أمر بسيط جداً، سأصنع لك أحد هذه التيجان بالجص وأحضره لك صباح غد))، وقد فعل، وكان النموذج غاية في الإتقان بحيث تمكَّن المهندس المعماري من رسم مساقطه من النموذج ثم أعادها بكل وقار إلى نفس الجصَّاص ليصنع منها التيجان.
----------------------------------------------------

والحقيقية أن ملامح كثيرة من الجمال المعماري العظيم لا يمكن تمثيلها بمساقط هندسية على رسم المشروع مثلما لا يمكن ذلك مع قطعة نحت عظيمة.

وإذا كان التقدم الحديث في التكنولوجيا قد منحنا مواد ومناهج جديدة للبناء فإنه قد استوجب أيضاً إقحام المهندس المعماري المحترف، وهو متخصص يتم تلقينه علم العمل بهذه المواد.

وهذا المهندس المعماري بخبرته هذه يضيع كل بهجة بناء البيت على عميله، الذي لا يستطيع أن يلاحق تلك التكنيكات التي تتقدم سريعاً.

والآن فبدلاً من المناقشات المتأنية العارفة مع الحرفيين أثناء بناء البيت، لم يعد للمالك فرصة ممارسة اختياره إلا بعلامات على رسم للمشروع في مكتب المهندس المعماري.

وهو لا يفهم لغة الرسم المعماري ولا رطانة المهندس المعماري، وهكذا فإن المهندس المعماري يزدريه متكبراً عليه (2)، أو هو يمكر به ليتقبل ما يريده المهندس المعماري وذلك بأن يضيف أشجاراً وسيارات خداعة.

والمهندس المعماري يحس أن ماله من معرفة تقنية -قدرته على الحديث عن الاجهادات وعزم الانحناء- يصنعه في مرتبة أعلى من عميله، والعميل وقد هُوّل عليه الأمر يذعن مستسلماً.

ومن السخرية بمكان، أنه مع كل هذا فإن القليلين من المهندسين المعماريين هم الذين يستطيعون تناول الأشكال الجديدة تناولاً فنياً، وهكذا تحل الهندسة المبسطة مكان المعمار، ليتزايد تشويه المدينة و الريف.

هكذا إذن، فإن الرجل الغني الذي يطيق تحمل أتعاب المهندس المعماري يصبح محروماً من الكثير من سلطته السابقة لاتخاذ القرار لنفسه.

أما الرجل الفقير، فلعلك تفترض أنه أكثر حظاً ولعله أحياناً يكون هكذا، وذلك لو ترك لشأنه، أما عندما تقرر الحكومة أن تبني له، فإن حاله يصبح أسوأ كثيراً من حال أي رجل غني يستبد به المهندس المعماري.

ذلك أن مهندسي الحكومة المعماريين، حتى عندما لا يصرفون الفقراء بعيداً على أنهم أجهل من أن يُستشاروا، فإنهم سيقولون أنهم لا وقت لديهم للتعامل مع كل عائلة على حِدَة.

((لدينا مليون بيت نبنيها، ولدينا مال قليل ووقت قليل، كن واقعياً من فضلك، كيف نستطيع بأي حال أن نرسل مهندسينا المعماريين ليناقشوا مليون عائلة؟ هذه مثالية مبالغ فيها، إن الإسكان سياسة محكمة -وقد أحسنا عملنا تماماً- لقد بوبنا عائلاتنا حسب الحجم، والتركيب، والدخل، والتغير المتوقع، واكتشفنا من التحليل الإحصائي أن هناك أنواعاً خمسة من العائلات، وقد صممنا المنزل المثالي لكل منها، وسوف نبني الآن 200.000 بيت من كل نوع، ماذا يمكن أن نفعل أكثر من ذلك؟)).

هكذا يقدم معماريو الحكومة حُججهم التي لا تقبل الجدل ويبنون منازلهم المليون المتماثلة، والنتيجة هي شيء شنيع لا إنساني، مليون عائلة تكدس في تلك الزنازين ذات التجهيز السيئ من غير أن يتمكن أفرادها من أن ينطقوا و لا بكلمة عن التصميم، ومهما كان قدر ما يطبق من علم لتصنيف العائلات وجعل المساكن ملائمة لها.

فمن المحتم أن الغالبية ستكون ساخطة.

إن هؤلاء المهندسين المعماريين إذ يطبقون المتوسطات الإحصائية على الإسكان يتجاهلون تحذيراً أولياً يوجه لكل هواة استخدام الإحصاءات.

فعلماء الإحصاء أنفسهم يخبروننا أنه رغم أن خواص السكان ككل ثابتة، إلا أن أفراد هؤلاء السكان يتباينون بما لا يمكن التنبؤ به.

فالمتوسطات الإحصائية قد تكون لها قيمة عظيمة عند شركة للتأمين على الحياة وهي تقدر متوسط الأعمار بين المؤمنين لديها، ولكن حتى شركة التأمين، ودع عنك عالم الإحصاء، لا تستطيع أن تخبرنا متى سيموت فرد بعينه.

وبالنسبة لمصلحة حكومية ينقصها المهندسون المعماريون، فإن إنتاج التصميمات بالجملة لعائلات مختلفة على أساس المتوسطات الإحصائية، مثله مثل شركة تأمين ينقصها المحاسبون، وهي تقرر لكل مؤمّن لديها قدر ما خصص له من عمر ثم ترسل له وكيلها ومعه مسدسه لتدبير أمر العميل حتى تظل دفاترها منتظمة.

والمهندس المعماري الذي يأخذ على عاتقه هذه المذبحة بالجملة للفردية سوف يحس بالنقمة لو طلب منه تصميم مائة بيت مختلف لمائة عميل خاص في شهر واحد.

ليس بالنقمة فحسب بل والمرض، فهو سينهار بعد عشرين تصميماً.

أما عندما يصمم مليون بيت للفقراء فأنه بأبعد من أن ينهار سيكون على استعداد لتصميم مليون بيت آخر في الشهر التالي.

فهو يصمم بيتاً واحداً ويضيف إليه ستة أصفار.

وهو إذ يفعل هذا إنما يضاعف بعملية ضرب ما لا يمكن أن يتم تضاعفه هكذا على النحو صحيح.

وعندما يبني أحد البيوت، فإن صنوفاً شتى من العمل تسهم في البناء..

ويمكن تصنيف عمليات الشغل كالتالي:
1- عمل خلاق (التصميم).
2- عمل تقني (الحسابات الهندسية).
3- عمل إداري وتنظيمي (حسابات مالية وتجنيد العمال، الخ).
 4- عمل ماهر.

----------------------------------------------------
 (2)  قال دي لاو وهو يسأل ليكوربوزييه: عندما يكون عليك أن تبني مسكناً فما هي هواجسك عندها حسب ترتيب أهميتها؟ وأجابه: أول كل شيء من الذي يقصد أن يكون البناء له؟ أهو العميل الخاص، أو الإنسان بوجه عام؟ أما العميل الخاص فهو عموماً فاقد الاتزان، وغبي، وله أوجه جنونه التي اكتسبها في سياق الحياة. وهذا لا يهمني أمره  كثيراً.       
(الأسرة والمسكن)، لبول شومبارت دي لاو -المركز القومي للبحث العلمي- ص 197).
----------------------------------------------------

وحتى ندرك إسهام المواطن العادي في حضارة مدينة اليوم، يمكننا لذلك أن نقارن أوجه المفارقة بين نظرة ليكوربوزييه إلى عميله وعلاقة أصحاب العمل فيما مضى مع الحرفيين.. ودعنا نتذكر أن ((صاحب العمل)) قد يكون شخصاً متواضعاً مثل سقا محمد اسماعيل.

ومسئولية انحدار وضع صاحب العمل هكذا حتى أصبح في وضع العميل إنما تقع بصورة قاطعة على المهندس المعماري، الذي انحدر حاله هو نفسه من فنان إلى مهني: (البناءون، النجارون، السباكون، الخ).

5- عمل نصف ماهر (رمي الخرسانة، الخ).
6- عمل غير ماهر.


وكل صنف من صنوف العمل هذه يكّون نسبة معينة من المجموع الكلي للعمل، وما بينها من تناسب ينبغي أن يكون ثابتاً إلى حد ما، وإذا غاب أي صنف منها، فإن البناء النهائي سيتأثر على نحو أو آخر ويصبح دور المعمار في التنمية الحضارية للبلد منقوصاً.

فلو غابت العمالة غير الماهرة، فمن الواضح أن البناء لن يُبنى!

ولهذا السبب فإن المرء لا يستطيع أن يقتصد على حساب العمالة غير الماهرة.

ولكن المرء يستطيع أن يوفر على حساب بعض الأنواع الأخرى للعمالة.

والإقلال من العمالة الماهرة في العمل سيؤدي إلى الإضرار بنوعية الشغل.

والإقلال من العمل الإداري سيؤدي بمشروع بيتك إلى الفوضى.

وحيث أن السلطات التي تبني للفقراء تصمم على التوفير في شيء ما، فإنها هكذا تلجأ عادة إلى التوفير في العمل الخلاق والعمل التقني.

ولربما أمكن أن يتم عمل شغل الهندسي مرة واحدة ثم يُضرب مضاعفاً، أما العمل الخلاق فهو مما لا يمكن التقتير فيه.

ومن العسير أن يفهم المرء لماذا ينبغي أن تكون السلطات ضنينة هكذا في تقديم خدمة مهنية جيدة للعائلات المنفردة، ولماذا يذعن المهندسون المعماريون لما تمليه السلطات.

والحقيقة التي يجب أن تقال، هي أن الخطأ ليس خطأ السلطات بقدر ماهو خطأ التقنيين.

فبالنسبة للطب ما من أحد يتوقع من الطبيب عندما يعامل الفقراء أن يحاول إجراء عمليات بالجملة.

ما السبب إذن في أن علة عارضة مثل زائدة دودية ملتهبة تشرف بأن يتم تناولها بعناية تناولاً فردياً، بينما تلقى حاجة ضرورية دائمة كبيت عائلة عناية أقل؟

لو أنك بترت الزوائد الدودية بالألوف مستخدماً آلة ما، فإن مرضاك سيموتون، ولو دفعت بالعائلات إلى صفوف من بيوت متماثلة، فإن شيئاً ما سيموت في هذه العائلات، خاصة إذا كانت عائلات فقيرة.

سوف يصبح الناس متبلدين بلا روح مثل بيوتهم ويذوي منهم الخيال.

والحقيقة أن مهندس الحكومة المعماري، أو الحكومة نفسها، قد يكون لهما العذر في التساؤل هنا عما إذا كنت أقترح أن تُترك العائلات المليون في عناءها المروع وكأنه ليس هناك من بديل للتصميم بالجملة.

ويقينا فإنه لسؤال بليغ، على أن الحكومة ستعقبه بأن نتساءل بابتسامة منتصرة، كيف يمكن إسكان مليون عائلة  بالقدر القليل من النقود المتاح لها.

فليس هناك من يعمل مجاناً حباً في العمل ولا حتى المهندسون المعماريون، والبناءون من كل الأنواع يطلبون أجرهم أسبوعياً.

والمواد تكلف الكثير، وكذا الآلات.

وحسب قولهم فإنه يجب تخفيض التكاليف بجعل برامجنا برامج معقولة، وبالفعل على تبسيط العملية كلها، وعلى التوفير بالأسلوب الذي يدلنا عليه الإنتاج الصناعي بالجملة.

بأي وسيلة أخرى سيمكننا إسكان الملايين  إلا بجعل البيوت بنمط موحد؟

على انه لا يبدو أن أحداً من هؤلاء الحواريين للإنتاج بالجملة ولاستخدام المواد السابقة التجهيز يدرك مجرد الإدراك مدى فقر الفلاح المصري.

وليس من مصنع على وجه الأرض يمكنه أن ينتج بيوتاً يطيق هؤلاء القرويون تكلفتها.

إن متوسط دخل الفلاح المصري هو أربعة جنيهات سنوياً.

وقد تبين من مسح لأربع عشرة قرية مصرية نموذجية في مصر العليا والسفلى أن 27 في المائة من العدد الكلي لغرفها ليس له أسقف.

والشكل المعتاد الآن للتسقيف هو استخدام أعواد البوص التي ترص فوق عمود خفيف أو عمودين من الخشب.

وكثيراً ما يكون الفلاحون أفقر من أن يطيقوا تكلفة عيدان البوص (عشرة قروش لحمل جمل) ثم يتوقع لهم أتباع التجهيز المسبق، أنهم سيشترون خرسانة مسلحة!

كيف لهؤلاء الناس الذين يبلغ فقرهم أنهم لا يطيقون حتى شراء خبزتهم خبزة مسبقاً، وإنما عليهم أن يخبزوا عيشهم بأنفسهم ليوفروا ربح الخباز، كيف لهم أن يستطيعوا حتى أن يحملوا بيت مصنوع في المصنع؟

إن الحديث عن التجهيز المسبق لأناس يعيشون في مثل هذا الفقر لهو أسوأ من الغباء، إنه سخرية قاسية من حالهم.

حسن إننا لا نستطيع إسكانهم بوسيلة رخيصة حتى عندما ننمط البيوت بالفعل، ولا نستطيع إسكانهم بما فيه أضال مظهر للكرامة الإنسانية إلا إذا ألغينا التنميط، الأمر الذي سيقال أنه مكلف.

ومن أسف أن سلطات الحكومة تفكر في الناس على أنهم ((بالملايين)).

وعندما تنظر للناس ((كملايين)) تُجرف في صناديق شتى، مثلهم كمثل أكوام الحصى، وعندما تنظر إليهم على أنهم أشياء متماثلة، جامدة غير محتجة، ودائماً سلبيون، ودائماً يحتاجون لأن تصنع لهم الأشياء، فإنك بذلك تضيع أعظم فرصة تسنح لك لتوفير المال.

ذلك أن من الطبيعي أن الإنسان له عقله الذي يخصه، وله زوج من الأيدي يقومان بصنع ما يقوله لهما عقله.

والإنسان مخلوق نشط، مصدر للفعل والمبادرة وليس عليك أن تبني له بيتاً مثلما ليس عليك أن تبني لطيور الجو أعشاشها.

ولو أعطيت الإنسان نصف فرصة فإنه سيحل الجزء الذي يخصه من مشكلة الإسكان -دون عون من المهندسين المعماريين، والمقاولين، والمخططين- وسجله بأفضل إلى حد كبير مما تستطيعه أي سلطة حكومية  وبدلاً من مهندس معماري واحد يجلس إلى مكتبه طول الليل ليكتشف كم بيتاً من كل حجم يلاءم أحسن الملائمة الجموع التي يجب إسكانها فيه، فإن كل عائلة ستبني بيتها الخاص بها حسب متطلباتها الخاصة بها، وستصنعه حتماً في شكل عمل فني حي.

وهكذا.

فإن تشوق كل فرد تشوقه الخاص إلى بيت، ولهفته لأن يبني بيتاً بنفسه، فيهما البديل لخطط كوارث الإسكان بالجملة التي تقوم بها حكومات كثيرة.

وماذا عن المهندس المعماري؟
إنه إذا لم يكن لديه وقت ينفقه للمشورة الشخصية، وإذا لم يُعط له المال الكافي بما يجعل المهمة جديرة باهتمامه، فإن هذه المهمة إذن ليست له.

فلندعه يذهب ليدور بخبرته على من سيدفعون من أجلها، ولندع الفقراء ليصمموا بيوتهم هم.

أما البديل الآخر، تصميم منزل واحد وضربه مضاعفاً إلى الألف، مثلما يفعل مهندس الطرق عندما يصمم جزءاً من الطريق ويكرّه كراً لأي عدد من الأميال، فإن اتخاذ المهندس المعماري لهذا البديل هو خيانة لمهنته، وتضحية بالطبيعة الفنية للبيت مقابل النقود، ونبذ لكرامته هو نفسه.

وسيبقى للحكومة دور كبير جداً تقوم به في عملية أحياء البناء التي تبزغ من العائلة الفردية.

فسوف يكون عليها أن تخلق الظروف التي تكفل ازدهار هذا الإحياء، ومن الواضح أن هذه الظروف غير موجودة الآن، وإلا لما كان ثمة مشكلة.

فعلى الحكومة أن تزيل العقبات المختلفة أمام البناء الخاص، وعليها أن توفر قدراً هائلاً من الإرشاد إلى الأفراد الذين ليس لديهم أي خبرة على الإطلاق (التخطيط العام للقرية أو المدينة هو المجال الصحيح للسلطة، كما أن هذا المجال يكون أيضاً في توفير الخدمات، وتدريب الأفراد على حرفة البناء، وإعطاء العون المادي في الأمور الملائمة).

وما يجب أن توفره السلطة من تدريب خاص سيمتد بالضرورة إلى المهندسين المعماريين في مصر ليتم تدريبهم على مشاكل المعمار الريفي.

وهذا كله يدخل في نطاق موارد أي حكومة.

ولو أن الحكومة غيرت فحسب موقفها من الإسكان، ولو أنها تذكرت أن البيت هو الرمز المرئي لهوية الأسرة، وأنه اهم ملكية مادية يمكن للإنسان أن يحوزها، وأنه الشاهد الدائم على وجوده، وأن غيابه هو أحد أقوى الأسباب لسخط المواطنين، وبالعكس فإن امتلاكه هو أحد أقوى الضمانات للاستقرار الاجتماعي، ولو أن الحكومة تذكرت ذلك فإنها ستتبين أن أي إنسان إنما سيبذل أقصى ما يستطيع من فكر، وعناية.

ووقت وجهد في صنع بيته الذي سيعيش فيه.

وسوف تتبين أن من أعظم الخدمات التي يمكن أن تقدمها حكومة لشعبها، ان تعطي كل أسرة الفرصة لبناء بيتها الخاص المنفرد، والفرصة لأن تقرر في كل مرحلة كيف يكون، وأن تحس بأن البناء عندما يكتمل هو تعبير حقيقي عن شخصية الأسرة.

وإذا كان هناك أي فرد يشك في أن من العملي أن يترك الناس ليبنوا بيوتهم الخاصة بهم.

فما عليه إلا أن يذهب للنوبة.

وهناك سوف يرى البرهان القائم على أن الفلاحين من غير أي تعليم، عندما تكون لديهم المهارات اللازمة، يستطيعون العمل بأفضل كثيراً مما قد قامت به أي خطة حكومية للإسكان.

بل إن نفس البرهان على الخيال، والإبداع، والحماس يمكن رؤيته في الكثير من مدن الأكواخ حيث يبني الناس الذين بلا مأوى بنايات بهيجة من صناديق التعبئة، وصفائح الجاز وغير ذلك من النفاية.

وطبيعي أن هذه المناطق ليس فيها صرف صحي، ولا شوارع مرصوفة والبيوت نفسها غير محكمة، وذات ضجيج، ومزدحمة، وعرضة لأن تمسك بها النيران.

إلا أن لهذه المباني مظهراً طيباً بالفعل، وسبب ذلك أن الناس بما هم عليه من تفنن لا يُكبت يجعلون كل بيت يختلف عن الآخر، ويتمسكون بوسيلة التجميل الوحيدة الممكنة -الألوان الزاهية والزهور- كما أن السبب أيضاً أن المواد المستخدمة تفرض تجانساً عاماً على هذه المواقع.

وقد بنى اللاجئون الفلسطينيون في الأردن لأنفسهم مدينة من هذا النوع، وفي أثينا بنى اللاجئون أيضاً مناطق كثيرة هي اليوم تشكل النوع الوحيد من المعمار المنزلي الذي له مظهر حسن في المدينة، بينما حدث في بيرو ما يشكل درساً لكل المخططين في كل مكان.

ففي عام 1959، قرر مائة ألف فرد يعيشون في الأحياء الفقيرة في ليما أن يبنوا لأنفسهم ضاحية كاملة جديدة على أرض خلاء تبعد بعض الشيء عن المدينة.

ولمَّا كانوا يعرفون أن السلطات لن تتعاطف معهم.

فإن هؤلاء الناس خططوا للعملية كلها سراً، وكأنها مناورة عسكرية، فقسَّموا أنفسهم إلى أربع مجموعات، كل منها لها قائدها الخاص وكل لها منطقة في الضاحية الجديدة، ورسمُوا الخطط، مخططين الضاحية بالطرق والميادين والمدارس والكنائس، وفي ليلة 25 ديسمبر، اتخذوا مسيرتهم، حاملين مواد البناء معهم.

ووصلوا إلى هدفهم، وفيما بين العاشرة مساءً ومنتصف الليل كانوا قد أقاموا ألف بيت مؤقت اتخذت مواقعها حسب خطتهم، وكان لكل حي كنيسته.

وعند منتصف الليل كانت السلطات قد لاحظت ما يحدث.

ودُفع بالشرطة لإيقاف هذا الاحتلال.

ورغم هذا، فقد بقي هناك خمسة آلاف فرد (من المائة ألف المخطط لهم) ومازالوا يعيشون هناك في كيوديد دي دوا، على بعد عشرة أميال من ليما.

والمغزى لا يكاد يحتاج لإيضاح؛ إذا كان خمسة آلاف فرد يستطيعون إسكان أنفسهم في ليلة واحدة، في ضاحية أُحسن إرساؤها بتخطيطهم هم أنفسهم ورغماً عن المعارضة الرسمية، فما الذي لا يقدرون عليه لو نالوا تشجيعاً رسمياً؟

تُبَيِّنُ هذه القصة كم للأفراد من جوع للإسكان، ومن العزيمة على العمل والبناء ومساعدة كل واحد للآخر!

على أنه يمكن أيضاً أن يضاف تحذير هنا.

فيجب ألا يفترض أن كل الفلاحين ينتجون بالطبيعة مباني لطيفة بمجرد إعطائهم مواد البناء وتوضيح طريقته لهم.

ومعظم الفقراء يحسدون الأغنياء ويحاولون تقليد ممتلكات الأغنياء.

وبالتالي، فعندما يحصل أحد الفلاحين على نقود كافية لبناء بيت، فإنه غالباً ما يبني نسخة -أكثر ابتذالاً وسوءاً من كل وجه- من بيوت الأغنياء المحليين، التي قد نسخت بدورها عن فيلات أوروبا.

وهكذا فالفلاح الذي يُسمح له بإطلاق العنان لذوقه هو، سينتهي به الأمر إلى نسخة فجَّة عن نسخة أخرى.

بل إن الأصل البعيد قد يكون بيتاً أقامه أحد العملاء الخاصين الأوروبيين من الأغبياء فاقدي الاتزان الذين يرفضهم مسيو ليكو بوزييه، فالمصريون ليسوا مطلقاً هم الشعب الوحيد الذي يعادل الحداثة بالتفوق.

على أنه يوجد في مصر بالفعل قدرة كامنة لخلق التصميمات الجميلة.

ومنذ بضع سنوات قام السيد حبيب جورجي والسيد رمسيس ويصا واصف بتعليم مجموعة من أطفال القرية طريقة نسج السجاد*، وتركهم ليضعوا تصميماتهم الخاصة بهم فأنتجوا أعمالاً بلغ من جمالها أنها مما يمكن مقارنته بأجمل السجاد القبطي.

وعندما عُرِضَتْ في أوروبا شَدَّتْ إعجاب كل فنان وناقد رآها.
----------------------------------------------------
*    مازال هؤلاء الأطفال يصنعون السجاد حتى الآن في الحرانية بالجيزة (المترجم).
----------------------------------------------------



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 10:23 pm

إحياء حرف التراث في القرية
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit434
كان من المُعتاد أن يوجد في الأقصر والقرى التي من حولها نوع جد شائق من النجارة.

وذلك أنه لما كان الخشب نادراً ومن النوع السيئ، فإن النجار حتى يصنع باباً فإنه يشكله من ألواح صغيرة كثيرة تسمر معاً في نمط أصيل بهيج.

ومازال عدد قليل من هذه الأبواب موجوداً، خاصة في قرية نقادة، ولكن أصحابها مشغولون بهدمها ليضعوا مكانها أبواباً من النوع الأوروبي المعتاد ذي الألواح الأربعة، الذي يسمى على نحو يثير العجب ملكاني (أمريكاني).

وعندما وصلنا إلى إقامة الأبواب لبيوتنا في القرنة، رفض نجاري إبراهيم عجلان في ازدراء أن يصنع أبواب ((الصبرات)) التراثية، وعندما ضغطت عليه قال أنه نجار بمثل ما ينبغي للنجار، وقد تدرَّب في المدينة، ولا يعرف الأساليب الخرقاء للنجارة في القرية.

وتصادف أن كان عندنا نجار قروي قد آتى لصنع ذراع طاحون، فسألت هذا الرجل -الذي كان يعمل بقدوم لا غير- إن كان يستطيع صنع أبواب الصبرات وأجاب ((بالطبع)) وعندها احتضنته أمام إبراهيم عجلان، ودعوته بأنه فنان حقيقي، إنسان استطيع أن أفهمه، مصري حقاً، وابتسمت له ورَبَتُّ على ظهره.

وفي نفس الوقت تجهَّمتُ عابساً لعجلان ودعوته بأنه إنسان بلا إحساس، وبلا فن، فهو مقلّد، ومزيف، وليس مصرياً، وإنما هو ملكاني، وليس صنايعياً، وإنما هو مجرد قاطع أخشاب أخرق لا يستحق ما عنده من عدد، حتى وصلت به إلى أن يصبح في حال مرهف من المهانة والغضب.

فقلت له: ((حسن جداً، إذا كنت تريد أن تثبت أنك حقاً أفضل من نجار القرية هذا فلديك تسعة أبواب هناك يجب صنعها للدكاكين اذهب واصنعها، واجعل كل واحداً منها مختلفاً، هيا بعيداً، ولا تعد ثانية إلا إذا أثبَتَّ لي أنك يمكنك صنع أبواب الصبرات بأفضل من هذا الرجل)).

وقد فعل.

فما إن أجبر على العودة إلى التراث الوطني حتى أصبح هو أيضاً متحمساً له، وقبل أن يمضي زمن طويل أصبح ينتج أكثر الأنماط جمالاً وإبداعاً، وكان أفضلها باب المسجد الضخم.

وعالجت البنائين أيضاً بنفس الطريقة، طالباً منهم أن يملؤا نوافذ بناء السوق بشتى أنواع حليات المخرمات، وكانت النتيجة هي الحصول على مسطح جداً شائق إلى حد أكبر كثيراً مما كان يمكن الحصول عليه من الأنماط المتماثلة.

وهكذا نرى أن حرف التراث يمكن إعادة إحيائها سريعاً، والأمر يحتاج إلى إعادة رد اعتبارها أكثر ما يحتاج لإعادة تعليمها.

ويجب على الفنان -وهو في حالتنا المهندس المعماري- أن يستخدم سلطته ليقاوم فتنة الملكاني ويجب عليه أن يعثر على الحرف المخبوءة التي تموت ويأتي بها للنور، ويُحْيِّيِهَا، ويعيد للحرفي مرة ثانية ثقته التي فقدها، ويشجع على نشر الحرفة بزيادة ما يعهد به من مهام جديدة منها.

ومن بؤس الحال، أنه ما من شيء يكاد يُنجز في هذا الاتجاه.

ومعظم المهندسين المعماريين، بما فيهم من يتشدقون لا غير بالكلام عن سحر التراث، يقولون أن الصنعة التي من هذا النوع قد راح زمانها ولا تستطيع بقاء في الظروف الحديثة -حتى وهم يرونها حية باقية تحت أعينهم- ومن النغمات السائدة أن يدور الحديث عن الحرف و كأن الأمر بديهي فيقال ((آه - نعم، ولكننا بالطبع لا يمكننا الارتداد إلى ذلك،)) أو أن يدور الحديث عن أن أساليب الإنتاج هذه لا يمكن إحياؤها في اقتصاد متشابك  تماماً هكذا، الخ.

هراء لا غير، لاتقاء الأسئلة المحرجة ولإخفاء حقيقة إن معظم المهندسين المعماريين ليس لديهم معرفة إلا بمواد البناء الصناعية، ولا يستطيعون أن يتقنوا العمل كما يتقنه الحرفيون المحليون فيما لو أعطيت لهم نفس موادهم.

ويبدو أيضاً هذا الموقف المتعالي في الطريقة التي يؤكد لك بها الرسميون والخبراء أن الفلاحين لا يحبون الحرف الفلاحية، وأنهم جميعاً يريدون المباني الإسمنتية الخراسانية.

وهذا في المكان الأول هو تهرب من المسؤولية، لأن الفلاحين في مصر لو كانوا يريدون الخراسانة، فسيكون عليهم بأي حال أن ينتظروا لخمسمائة عام، ثم يقوم الخبراء بطرح بدائل يعلمون أنها لا وجود لها.

وقد رأيت في نيجيريا عرضاً لعمل من أعمال العلاقات العامة، لوحتين، إحداهما تعرض أسوأ الأكواخ الإفريقية وقد التقطت صورتها من زوايا تسيء لمظهرها، والأخرى تعرض مباني نظيفة من النوع الأوروبي من الخراسانة والألمنيوم، والسؤال هو ((هذا أم ذاك؟)).

واعترف لي الرسميون أن هذه ليست مطلقاً بدائل حقيقية، فالبلد لا يطيق إلا تكلفة الطين والقش.

على أنه بصرف النظر عن عدم الأمانة عند الإيماء إلى أن الحلول الغالية التكلفة هي الحلول العملية، فإنه أيضاً لَمِمَّا يُعَدُّ من التجديف أن تفرض ذوقك الخاص المنحرف على الفلاحين.

والفلاحون مثل كل الناس يرهبون السلطة والنفوذ، وعندما يملي عليهم ما ينبغي أن يريدوه، فإنهم يفعلون كل ما في وسعهم للإذعان.

وحتى لو كان الفلاحون يريدون حقاً مباني قبيحة، فإن من واجبنا كمهندسين معماريين أن نرشدهم إلى تقدير الجمال، ومن المؤكد أن هذا لا يكون بإفساد ذوقهم لفرض سلطتنا والإذعان لها.

على أن الحقيقة هي أن الفلاحين يحبون بالفعل العمارة الجيدة عندما يرونها، وأنهم بقليل من التشجيع يستطيعون نقد العمارة السيئة نقداً غاية في الإدراك.

وعندما بدأنا بناء المدرسة في فارس، عارض الفلاحون استخدام طوب اللبن وقالوا أنهم يريدون مدرسة من الخرسانة الإسمنتية - هذا رغم أنه لا يوجد ولا بيت واحد من بيوت القرية فيه أي إسمنت والكثيرون منهم ربما لم يروا قط الإسمنت، على أنه عند الانتهاء من المدرسة، آتى العمدة ذات يوم لرؤيتي، وهو يحتدم زهواً وقال إن الحُجَّاج الذين يأتون كل عام للاحتفال بمولد أحد الأولياء هناك وليزوروا قبره، قد ذهبوا هذا العام لرؤية المدرسة بدلاً منه، وأن القرية كلها فخورة بذلك.

ومرة أخرى، كنت قد أخذت اثنين من بنائِيَّ (بغداد أحمد علي وعرابي) إلى الغداء في القاهرة، ولمَّا كنت أريد أن أجد مكاناً يُحِسُّونَ فيه أنهم على سجيتهم فقد أخذتهم إلى مطعم حاتي، قد زين زينة سقيمة نوعاً بالمرايا المذهبة والثريات ونحو ذلك، وفي أول الأمر راعهما المكان رغم سوقيته فحاولا الفرار منه، ولكنني جذبتهما ليعودوا وطلبت منهما ألا يكونا كالأطفال، وإنهما ليسا أقل شأناً من أي شخص آخر هناك.

فقالا أن هذا مكان بالغ الفخامة بالنسبة لهما، فانفجرت فيهما: ((فخامة! أتجرؤان على تسمية هذه المحاكاة المبتذلة بأنها فخامة، أنتما يا من تستطيعان إقامة بناء أفضل من هذا وأعينكما مغمضة!)).

واستجمعا شجاعتهما، فدخلا وأخذا يناقشان أمر المكان، وهما ينتقدانه نقداً سليماً حصيفاً بما قد لا يستطيعه حتى الكثيرون من المهندسين المعماريين.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 11:34 pm

استخدام طوب اللبن ضرورة اقتصادية
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit435
من حُسن الحظ أننا مُجبرون على استخدام طوب اللبن للإسكان الريفي على النطاق الواسع؛ فالفقر يُرغمنا على استخدام طوب اللبن وعلى اتخاذ القبو والقبة للتسقيف، على أن ما للطين من ضعف بالطبيعة يُحَدُّ من حجم القبو والقبة.

وكل مبانينا يجب أن تتكون من نفس العناصر، وقد تباينت تبايناً بسيطا في الشكل والحجم، وانتظمت في توليفات مختلفة، ولكنها كلها حسب المعيار الإنساني، وكلها لها نوعيتها التي يسهل إدراكها ولها تناغمها أحدها مع الآخر.

إن الموقف يفرض حله الذاتي، وهو حل جميل - ربما لحُسن الحظ، وربما بصورة  حتمية.

ومهما كان ما يريد الفلاح أن يصنعه، ومهما كان ما يتمنَّى محاكاته من فيلات الأغنياء، فإنه لن يستطيع الفرار من القيود الصارمة التي تفرضها عليه مادة بنائه.

والتساؤل عما لو كان سيظل يتوق إلى الحداثة المستوردة عندما يتم له العيش في قرية هي حقاً ذات جمال وكرامة لهو تساؤل علينا أن ننتظر لنرى إجابته.

ولعله حينما لا توجد لديه على الإطلاق أسباب يحسد الرجل الغني من أجلها -ثروته، وتحضره، ومكانته الاجتماعية- فإنه سيتوقف أيضاً عن أن يحسده بسبب منزله.

و للفلاح في الأحوال الطبيعية فرصة كبيرة واحدة في كل حياته يختار فيها لنفسه نوع البيت والأثاث الذي يريده.

فهو لا يستطيع إلا عند زواجه فقط أن يصنع أي تغيير أساسي في بيئته المحيطة، فهذه هي المناسبة الوحيدة التي يجمع لها من النقود ما يكفي لاتخاذ قرار أساسي هكذا، والتقليد هو أن يعطي العريس لعروسه قدراً من المال، هو المهر، وهو بمثابة نوع من الدوطة، بينما يتوقع منها هي أن تجهز الأثاث، وأدوات المطبخ، والبياضات، ويجمع كل هذا المتاع في منزل والدي العروس ثم يحمل في موكب باحتفال كبير إلى بيت الزوجين الجديد.

ويدور الموكب من حول القرية كلها، عارضاً المتاع، حتى يرى كل واحد ان الزوجين الجديدين قد جُهز تجهيزاً جيداً وأن استطاعتهما أن يتخذا مكانهما بين جيرانهما كعائلة مستقلة.

وينبغي أن يكون متاع البيت بحيث يبقى طيلة حياتهما، ومشتروات الزوجين هذه تقرر مدى الجمال أو القبح الذي سيحيط بهما هما وأطفالهما لسنين قادمة.

ويتم اتخاذ خطوة حاسمة أخرى عندما تبني الأسرة بيتاً لنفسها.

وهذا حقاً قد يُحَدِّدُ البيئة المحيطة ليس فحسب طيلة حياة الفرد بل ولأجيال قادمة.

وإذا كان المرء لا تأتيه فرصة أحداث تغيير كبير في بيئته المحيطة به إلا مرة واحدة في حياته أو مرة واحدة كل عدة أجيال، فما هو عدد المرات التي يتاح فيها لقرية بأكملها فرصة كهذه؟

ها هنا، مع الفارق الهائل في القياس، توجد بالضبط نفس الفرصة.

بالضبط نفس الحرية للاختيار بين الجمال والقبح، وما إن يتم اتخاذ القرار فإنه سوف يحدد البيئة البصرية لآلآف الأفراد لمدة قرن آت أو يزيد.

وأهمية القرارات التي تتخذ في هذا الوقت واضحة أكمل الوضوح.

وعند لحظة كهذه فإن أي عناية تُبذل، وأي مهارة، وأي ممارسة للتروي لا يمكن أبداً أن تعد تزيداً.

لقد كانت الآف العائلات في القرية على أهبة اتخاذ هذه الخطوة لامتلاك بيت جديد.

وكل عائلة منها تستحق أن تكون لها فرصة أن تصنع بيتها بحيث يكون جميلاً وصالحاً بقدر الإمكان، وكل عائلة تستحق أن يكون لها رأيها في تصميم البيت.

وحيث أن كل عائلة تختلف عن الأخرى، فسيكون من الضروري أن يتم تصميم كل بيت تصميماً متفرداً.

وإذا كان لكل عائلة أن تحصل على بيتها المنفرد وقد هيىء بحرص لحاجاتها ولأسلوب المعيشة في القرية، فإن تصميم البيوت كلها سيستغرق زمناً طويلاً.

وفي اعتقادي أن في هذا ما يرضي كل الرضى.

فلم أكن لأحفل مطلقاً بذلك المنهج الذي تُصمَّم فيه القرية ككل تصميماً تعسُّفيَّاً منذ أول بداية المشروع، ثم أظل أنا طيلة الأعوام الثلاثة المحددة لإنهائها لا أقوم إلا بمجرد الإشراف على البناء.

فبالإضافة إلى ما يتصف به هذا المنهج من بالغ الجمود واللاإنسانية، فإنه أيضاً في غاية الإملال.

كان على القرنة أن تسكن تسعمائة عائلة، مما يعني أن يتم البناء بمعدل ثلاثين بيتاً في كل شهر.

وثلاثون بيتاً هي على الأكثر ثلاث مجاورات عائلية.

ومن المؤكَّد أن تصميم ثلاثة بلوكات كهذه هو مما يمكن إنهاؤه بسهولة في شهر واحد.

على أننا عندما وصلنا للبناء بالفعل، تبيَّن لي أنه حتى الرسومات التنفيذية كانت تفقد الكثير مما يكون لها عادة من أهمية.

فالبنَّاءُون  كانوا معلمين في حرفتهم بحيث أن كل تفصيل في العمل قد أصبح مألوفاً لديهم عبر السنين الكثيرة، فقد كان هذا هو فنُّهم التقني الخاص بهم.

وكانوا يعرفون عن ظهر قلب نسب الغرف المختلفة، وعندما يُذكر لهم ارتفاع القبة أو القبو، فإنهم يستطيعون للتو أن يذكروا أين يبدأ الإنشاء.

والحقيقة أنهم كانوا يرقبونني وأنا أرسم، ويطلبون مني ألا أشغل بالي بهذه المقاييس.. وهكذا كنا فيما بيننا، البنَّاءون وإيَّاي، قد أحببنا العلاقة الخاصة بين المصمم والحرفي وضممنا معاً عضوين من الأعضاء الثالوث المُشتَّت؛ وإذا كان العضو الثالث، وهو العميل، لم يلعب دوراً كاملاً في القرية فإن هذا لم يكن خطأنا، وإني لواثق أنه في أي مشروع في المستقبل سوف يتعاون الأعضاء الثلاثة تعاوناً منسجماً كما تعوَّدوا فيما مضى.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 11:39 pm

إعادة إرساء ((الثالوث))؛ المالك، والمهندس المعماري، والحرفي
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untitl18
في مشاريع البناء الرسمية، تقوم إدارة التصميم بإعداد كل الرُّسومات التفصيلية وتُسلّمها إلى أحد المقاولين، الذي يكون عليه أن يتبعها بالحرف، تحت إشراف المهندسين المعماريين في الموقع.

أما في القرنة فقد كنا نقوم لأنفسنا بدور المصممين، والمشرفين، والمقاولين.

وكان البنَّاءون مُلمُّون بكل عمليات الإنشاء مثلهم مثل المهندس المعماري نفسه.

وهكذا فإن كل ما كان عليّ أن ارسمه هو المساقط الأرضية للبيوت المنفردة، وأن أعطيهم الارتفاعات، والرسومات المظللة لبلوكات المجاورة العائلية.

وأحد أعظم مزايا استخدام طرق البناء التراثية والعودة بالحرفيين إلى عمل الفريق هي أن المهندس المعماري عندما يفعل ذلك يتحرَّر من أعمال كان قد أخذها من الحرفيين ليضعها على عاتقه بلا ضرورة.

وفي طريقة الإنشاء هذه تكون الغرفة هي وحدة التصميم، ويمكن للمرء أن يثق في أن البنَّائين سينفذونها بالكيفية النمطية وبكل الأحجام كما لو كانت قد أتت من مصنع مواد سابقة التجهيز.

ولا يمكن أبداً أن يتم لنا الحصول على الاقتصاد هكذا لو أننا استخدمنا الخرسانة الإسمنتية أو غيرها من المواد أو التقنيات الأجنبية.
* * *
ومن الوجهة المثالية، إذا كان بناء القرية سيستغرق ثلاث سنوات، فإن التصميم ينبغي أن يستمر لعامين وأحد عشر شهراً، فينبغي أن أظل لآخر لحظة وأنا أتعلم ن وأعدّل، وأحسن تصميماتي لأجعلها تتلائم تلاؤماً أكمل مع العائلات التي ستعيش فيها.

ولكن رغم هذه النوايا الطيبة، إلا أني قد وجدت في القرنة أنه من الصعب جداً أن يثير المرء اهتمام الفلاحين ببيوتهم الجديدة.

وكانت لا مبالاتهم ترجع حقاً إلى حد كبير إلى نفورهم من فعل أي شيء قد يؤوّل فيما بعد على أنه موافقة منهم على خطة نقلهم، على أنها أيضاً كانت تنبع من عجزهم عن التعبير بالكلمات عن حاجاتهم و ميولهم.

وقد قال لي أحد الشيوخ أنه طالما سيتم إيواء ماشيته كما ينبغي فإنه لا يطلب شيئاً آخر.

وكان هذا إلى حدٍ ما رأيّاً عامّاً.

ولم أستطع تغيير رأيهم هذا إلا بعد أن بيَّنت لهم أنهم إذا كرَّسُوا كل انتباههم للماشية وحدها واعتبروا بيوتهم و كأنها مجرَّد ملحق للحظيرة، فإن أبناءهم الذين يدرسون في المدينة سيخجلون بالغ الخجل من زيارتهم.

وهكذا وافقوا على أنهم يجدر بهم أن يمنحوا البيت بعضاً من عنايتهم، على أنهم قالوا أنهم سيتركون الأمر لي لأصمم أيّاً مِمَّا أحِبُّ، وهذا التفويض على البياض جعل المشكلة أكثر إرباكاً.

كيف لي بأي حال أن أعرف كل تفاصيل الحياة المنزلية لفلاح من القرنة وأن أفهم ماذا يريده في بيته؟

ولعل لا مبالاة الرجال هذه بالنسبة لبيوتهم قد نشأت عن حقيقة أن البيت هو مملكة المرأة لا الرجل.

ولو كان في استطاعتي أن استشير النساء لكان في ذلك أعظم العون.

على أن هذا كان لسوء الحظ أمراً مستحيلاً لأنهن كن يُحجبن بعيداً في غيرة.

وفيما بعد، عندما آتى إلى القرية بعض السيدات من معارفي، أمكننا بالفعل أن نحصل على آراء بعض نساء القرية.

عندما أدركت صعوبة أن أجعل أهل القرنة يساهمون بدور بَنَّاءٍ في تخطيط مدينتهم، قمت في وقت مبكر جداً ببناء حوالي عشرين بيتاً لأبيَّنَ لهم هكذا نوع من المعمار الذي نطرحه عليهم، حيث أنهم لا يستطيعون فهم رسومات المشروع.

وكنت آمل أيضاً أن أرقب العائلات إذ تعيش بالفعل في هذه البيوت، وبهذا يكون الأمر وكأني ((أستشيرهم)) عندما أرى حاجاتهم بالتطبيق.

وقد يبدو في هذا تحمل لمشقة بالغة، ولعل القارئ أن يتساءل عمَّا إذا كان أهل القرنة قد ساهموا بالفعل بدورهم كعملاء.

على أني أعتقد أن الإسهام الذي يقوم به العميل فيما يتعلق بالتصميم، مهما كان من جهله أو حتى من ارتيابه، لهو أمر لا نستطيع الاستغناء عنه.

فنحن لسنا فحسب مطالبين بواجب نؤديه لهؤلاء الفلاحين الفقراء هو أن نعيد لهم وضعهم كأصحاب حرفة -سواء كانوا هم أنفسهم أو لم يكونوا قد أضاعوا هذا الحق، وسواء كانوا أو لم يكونوا مستاءين من فكرة المشروع- وإنما نحن مطالبون أيضاً أمام أنفسنا كمهندسين معماريين بألا نحاول عمل أي تصميم بدون عون العميل الذي لا غنى لنا عنه.

ومن المُؤكَّد أن موقف أهل القرنة هكذا موقفاً غير ودِّيٍّ نوعاً تجاهنا، لم ينشأ إلا لأنهم كانوا ينظرون إلينا كعملاء للحكومة يتدخلون في حياتهم دون أي دعوة منهم.

ولو كان أحد أهل القرنة يبني لنفسه بيتاً بنقوده الخاصة لكان له موقف مختلف تماماً، وللعب دوراً في البناء هو أكثر إيجابية إلى حَدٍ بعيدٍ مهما أراده معنا.

وإنَّما كنت أوَدُّ أن أشجع في عملائنا من أهل القرنة موقفاً من الانشغال النشط الذي يتدخل في كل طور من عملية البناء.

إن الإسهام الذكي للعميل هو ضرورة مطلقة لتنفيذ عملية البناء تنفيذاً متناغماً.

فالعميل، والمهندس المعماري، والحرفي، كل في مجاله، يجب أن يتخذ القرارات، وإذا تنازل أي واحد منهم عن مسؤوليته فسوف يعاني التصميم من ذلك وسيتقلص من ذلك وسيتقلص الدور الذي يقوم به المهندس المعماري في النمو والازدهار الحضاري للشعب كله.

وأهل القرنة كانوا لا يكادون  يستطيعون مناقشة أمر المباني معنا.

فهم لا يستطيعون التعبير بالكلمات حتى عن احتياجاتهم الماديَّة في الإسكان؛ وهكذا كانوا عاجزين تماماً عن الحديث عن أسلوب البيت أو عن جماله.

فالفلاح لا يتحدث عن الفن، وإنما هو يصنعه.

والفن القروي في القرنة لم يكن مما يبهر على وجه الخصوص.

وهو يحتل مرتبة لعلها مما يتوقعه المرء عند درجة تقع بين الأسلوب الراقي للبناء عند الفلاح النوبي وانحطاطه بالكامل في الدِّلتا.

ولو سافرت بالقطار إلى أسوان حتى البحر فسوف تلاحظ أن مستوى الفن الشعبي ينحدر في اطراد، ولو رسمت لذلك رسماً بيانياً، فسينتج منحنى يتبع تقريباً بروفيل النهر.

والقرنة تقع تقريباً فيما يَقْرُبُ من المنتصف على النهر بين النوبة ومصر السُّفلى.



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 11:43 pm

المعمار الدارج في القرنة القديمة

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit436
وهكذا فرغم أن القرنة لم يكن فيها ما تُقدمُه مما يماثل معمار النوبة ذا الألوان والتأثير، ولعلها أيضاً لم يكن فيها نفس الفخر بما هو حقاً حرفية جميلة، إلا أنه كان هناك بعض مباني عارضة تظهر نوعاً من النقاء في الشكل، فهي على الأقل خالصة من الفساد الفني الذي يزداد غلظة في كل الحياة القروية كلما اتجهنا شمالاً.


وما من شعب في أي مكان يكون محروماً كل الحرمان من القدرة على الإبداع الفني.


ومهما كانت الظروف قامعة، فإن هذه القدرة الإبداعية سوف تجد دائماً طريقها للظهور من خلال شيءٍ ما.


وفي القرنة لم يكن ذلك يظهر كثيراً في بيوتهم، حيث كانوا يتعرضون لتأثيرات سيئة.


وإنما كان ظهور ذلك فيما لأهل القرية من إنشاءات منزلية صغيرة، يتيح فيها أهل القرية لأنفسهم صياغة أجمل التكوينات التشكيلية وأكثرها ذاتية.


فكان في القرية القديمة أسِرَّةً تُشبه نبات عش غراب كبير حيث يمكن للأطفال أن يناموا آمنين من العقارب (وهكذا تستقى الأسرة اسمها منها وهو بيت العقرب)؛ وكان هناك أبراج حمام ترتفع كنصب جليل له نوعه الخاص جداً من المهابة؛ وهناك سرير بسيط فخيم جميل ينشئه الفلاح في بيته يماثل في أهميته ومركزيته سرير أوديسيوس  بل إن هناك بيتاً أو بيتين بالكامل يظهر فيهما نفس التشكيل وانسياب الخطوط كما في بيت العقرب.


ويتصادف أن هذين البيتين كانا من بين أفقر بيوت القرية.


وقد اضطر صاحباهما إلى اللجوء إلى هذا التصميم الأصيل بسبب فقرهما.


فلما كانا لا يُطيقان أن يتكلفا في بيتيهما ما تكلفه تلك التعقيدات من الذوق السَّقيم التي ينحو إليها جيرانهما الأغنى، ولا يُطيقان تكلفة بناء بأجر، فقد كان عليهما أن يبتكرا كل جزء من مسكنيهما بنفسيهما.


وهكذا فإن تخطيط إحدى الغرف أو وضع خط لأحد الجدران لم يكن يتم في بأسلوب ما يقاس قياساً متوازناً بليداً، وإنما يُصاغ شكلها بحساسية كما يُصاغ إناء الفخار.


وفي كثير من هذه البيوت بالغة الفقر لو أمكن للمرء أن ينظر فيها متجاوزاً عن القذر والفوضى العارضين، فإنه سوف يرى أن خطوط البناء إنما تطرح درساً تعليمياً في المعمار.


أنظر إلى الصورة الضوئية للمنزل الصغير في قرنة مرعى؛ ما من أثر هنا لأي حذلقة معمارية، ليس من تشنج لمحاولة التسلق إلى مرتبة اجتماعية ((أعلى))، وإنما استخدام مباشر لمواد البناء في أغراض حياة الفلاح؛ وأي تفصيل يتم بناؤه لأن الفلاح يحتاج إليه ويتم حيث يحتاجه، وفي أكثر الأشكال والأحجام ملائمة، من غير أي تفكير في محاولة التأثير في أناس آخرين.


والنتيجة  في الحقيقة يكون لها تأثيرها البالغ، فالبيت فيه اكتفاء ذاتي كما في أي صنيع بارع ينتجه مهني متمكن.


وهذا النوع الخاص من التشكل الطيع واللاتقليدي هو مما لا يمكن إعادة نسخه عن لوحة رسم هندسية.


فهو مما يتم تصوره أثناء بنائه، مثله كمثل قطعة صلصال يتم تشكيلها، فالرسم المسطح لا دور له في عملية كهذه.


وبيت من هذا النوع لابُدَّ أن يبنيه صاحبه، ذلك أن كل خط غير منتظم وكل منحنى هو انعكاس لشخصيته.


على أنه بسبب هذا الطابع الشخصي الذي يحمله البيت، فإنه لا يمكن أن يوجد إلا في إحدى القرى حيث تكون عملية البناء تجري على الراحة وبدون حذلقة، وما إن يبدأ إنشاء مشروع كمشروعنا، حتى تقفز عملية البناء إلى مستوى مختلف تماماً، فتصبح عملية منظمة، فيها إحساس بالوقت، وبصورة عامة فهي أكثر التصاقاً ((بالمهنية)).


وهذه القفزة من بيت ((يتشكل)) إلى بيت ((يتهندس)) لهي مرحلة طبيعية في تطور البناء، تتبع زيادة ثروة أهل القرية.


ولو حدث التَّغَيُّر بصورة طبيعية، فإن المعمار الجديد سوف ينمو ليصبح تراثاً.


والحقيقة أن مهمتي في القرنة لم تكن أن أخلق تراثاً ينبغي أن يتخذه أهل القرنة لأنفسهم، فحتى لو كان من الممكن أن يصنع لأحد الرجال ما ينبغي أن يصنعه هو لنفسه، وأن تدخل في إهابه، وتكون بالنسبة له بمثابة ضميره الفني، فإن ادِّعاءً كهذا سيدمر ما يكون لديه من حافز وتكامل فني، ويكون فيه القضاء على الغاية ذاتها.


على أنه ما كان يمكنني أن أتجاهل تماماً كل ما كان أهل القرنة قد صنعوه، و أمحو كل أثر لإبداعيتهم الخاصة بهم، فأغرس تصميماتي هكذا في الموقع  متخلصاً من أي إرباكات.


وإنما كان عليّ أن استخدم المنشآت التراثية بالقدر الذي يمكن تضمينه، وأن أظهر في التصميمات الجديدة قدر ما يمكن إظهاره من روح أهل القرنة.


وكان من السهل تضمين منشآت بعينها، وهي بذلك قد ساعدتنا مساعدة عظيمة منذ البداية بأن وفّرت في التصميم نغمة رئيسية له.


فمثلاً كانت أبراج الحمام في القرية القديمة، هي أشكال فلاحية أصيلة وتلقائية بالكامل، لم تطرح من مكان آخر وإنما أملاها بالكلية ذوق أهل القرية، فهي ردِّهم الإبداعي الخاص بهم على مشكلة حفظ حمامهم.


وبنيان كهذا دخل إنشاء القرية الجديدة دونما أي إحساس بجهد.


وقامت بصنعه نفس الأيدي، فأقام البنّاء القروي برج الحمام القديم للقرية الجديدة، وكان البرج اليوم ملائماً مثلما كان بالأمس.


ومرة أخرى وجدنا ((مزيرة)) جداً شائقة في القرية القديمة، والمزيرة مكان توضع فيه جرة المياه المُسماة ((الزير))، وهي في هذه الحالة تتخذ شكل قبو يظلل جرَّة الماء من الشمس، وهذا الترتيب بدائي  بعض الشيء ولكنه جميل نوعاً.


وفي القرية الجديدة وفرَّ لنا القبو الذي يدعم السلم موقفاً مناسباً وظلاً قاتماً حقاً، بينما أمكننا استكمال هذا التنظيم بإضافة  حلية مخرمات -نوع من ((مشربية منطوب اللبن))- لتعمل بمثابة مرشح هواء طبيعي للهواء.


وأمكننا في الجامع أيضاً أن نحتفظ بجزء مهم من تراث القرنة.


فقد كان أحد المساجد القديمة بالقرنة يستخدم سُلّمَاً خارجياً مستقيماً يطلع مائلاً إلى المئذنة، وهو شكل يرجع إلى أول أيام الإسلام  ومازال يوجد في النوبة ومصر العليا.


ورغم أن الجامع في القرية الجديدة كان يجب أن يكون أكبر كثيراً،لأنه سيخدم السكان كلهم الذين يتركزون الآن في قرية واحدة، إلا أن الأمر كان يستحق تماماً بذل الجهد لتكييف التصميم القديم، بما فيه السلم الخارجي، حسب المقياس الجديد.


ومن المهم أن يُفهم أن هذا البحث عن الأشكال المحلية لتضمينها في القرية الجديدة لم يكن مبعثه رغبة عاطفية للاحتفاظ ببعض تذكار من القرية القديمة.


فقد كان هدفي دائماً أن استعيد لأهل القرنة إرثهم من تراث البناء المستلهم محلياً استلهاماً قوياً، مما يتطلّب تعاوناً نشطاً بين العملاء ذوي المعرفة والحرفيين ذوي المهارة.

* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 11:47 pm

التغيير مع التواصل
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit437
كنت أريد بأي ثمن أن أتجنَّب موقفاً كثيراً ما كان يتخذه المهنيون من المعماريين والمُخططين عندما يُجابهون بمجتمع قروي، وهو موقف بأن المجتمع القروي ليس فيه ما يستحق نظرة اعتبار من المهنيين، وأن كل مشاكله يمكن حلّها باستيراد تناول حضري متحذلق لعملية البناء.

وكنت أوَدُّ، لو في الإمكان، أن أمُدَّ جسراً على الفجوة التي تفصل المعمار الشعبي عن معمار المهندس المعماري.

وكنت أوَدُّ أن أوفِّر صلة متينة مرئية بين هذين المعماريين في شكل ملامح مشتركة بينهما معاً، حيث يستطيع القرويون أن يجدوا فيها نقطة ارتكاز كمرجع مألوف لهم يبدؤون منها توسيع فهمهم للجديد، كما يستطيع المهندس المعماري أن يستخدمها ليختبر بها صدق عمله هو نفسه بالنسبة للناس وللمكان.

والمهندس المعماري له وضعه الفريد لإحياء إيمان الفلاح بحضارته هو نفسه.

وإذا قام المهندس المعماري.

بصفته ناقداً يوثق به.

بإظهار ما هو جدير بالإعجاب في الأشكال المحلية.

بل وإذا ذهب لأبعد من ذلك فاستخدمها هو نفسه، فإن الفلاحين سيأخذون في الحال في النظر إلى منتجاتهم في تيه.

وما كان فيما مضى يتم تجاهله أو حتى الزراية به، سيصبح فجأة شيئاً يُفخر به.

ويصبح فوق ذلك شيئاً يستطيع القروي أن يفخر به عن معرفة.

وهكذا فإن الحرفي في القرية سيُحفز إلى استخدام وتنمية الأشكال التراثية المحلية، وذلك ببساطة لأنه يرى أنها قد نالت احترام مهندس معماري حقيقي؛ أما القروي العادي، أي العميل، فإنه يعود مرة أخرى إلى وضع يفهم فيه عمل الحرفي ويقدره.

على أنه كان من الضروري للوصول إلى قرار موضوعي بشأن نوع معمار القرية الجديدة، أن يتم المزيد من الاستقصاء.

فبالإضافة إلى البيئة المصنوعة في القرنة بواسطة الإنسان، والتي ينبغي أن تتجانس معها القرية الجديدة، كانت هناك أيضاً البيئة الطبيعية من المشهد الخلوي الطبيعي، والنبات والحيوان.

والمعمار التراثي يكيف نفسه عبر القرون الكثيرة مع بيئته الطبيعية هذه، من الوجهة البصرية والعملية معاً.

وينبغي على القرية الجديدة أن تتناغم مع هذه البيئة منذ البداية الأولى، ويجب أن تبدو مبانيها كما لو كانت نتاج قرون من التراث.

فكان عليّ أن أحاول أن أضفي على تصميماتي الجديدة مظهراً وكأنها قد نشأت من المشهد الخلوي لأشجار المنطقة وينبغي أن تبدو في مستقرها في الحقول مثلما يبدو نخيل البلح والدوم.

وينبغي أن يعيش فيها قاطنوها بما يكون طبيعياً بمثل ارتدائهم لملابسهم.

على أن هذه مهمة هي جد شاقة بالنسبة لرجل واحد، أيكون في استطاعتي أن أتصوَّر نفسي من خلال خبرة أجيال من بنائي القرية أو أن أتصور في ذهني كل التعديلات البطيئة التي نجمت عن المناخ والبيئة؟

على أننا نستطيع طلب العون من أجدادنا لنحصل على معرفة كهذه لقد نفذ قدماء المصريون إلى روح هذه الأرض ومثلوا طابعها بأمانة وصلت إلينا عبر آلاف السنين التي تفصلنا.

فهم في رسوماتهم -تلك الخطوط البسيطة التي رسمت على جدران القبور- ينقلون جوهر طابع الطبيعة بأكثر مما تنقله أروع تأثيرات اللون والضوء والظل في أعمال أشهر العارضين للوحات التي من الأسلوب الأوروبي الحديث.

ولما كانت مشروعات المهندس المعماري هي كلها رسومات من خطوط فقد فكرت في أنه يمكنني أن أضع فوق تصميماتي رسوم نباتات وحيوانات المنطقة، وأن يصنع ذلك في بساطة كما في الرسومات المصرية القديمة، وكنت على ثقة من أن هذه الصورة لأشجار النخيل أو الأبقار كما تُرى في مقابر النبلاء ستبدي مدى الصدق أو تكشف مدى الزيف الذي في المباني.

ونفذت كل أدائي في التصميمات التجريبية هكذا؛ وتجنبت في حرص الحذلقة المهنية التي تكون في رسوم مشروعات الكثير من المهندسين المعماريين والتي كثيراً ما تشوه الأشكال الطبيعية لتجعل الخلفية موافقة للمباني، وهكذا فإنني لم أحاول إحداث تأثيرات بالعمق، أو أن أجلب ما لا يتناسب من أشجار البلوط حتى أوزان بها الكتل، وإنما نفذت رسومي في خطوط بسيطة وجعلت من حولها اسكتشات للحيوانات والأشجار والملامح الطبيعية في القرنة.

وكانت تلك هي؛ التل المُطل على القرنة والذي يبدو دائماً كصخرة مقدسة بماله عند قمته من هرم طبيعي، والبقرة، ذلك أن الآلهة - البقرة حتحور كانت حامية جبانة القرنة، كما كانت القرية في منطقة يكثر فيها البقر ولا يرى فيها جاموس مصر صاحب الهيمنة؛ ثم شجرتا النخيل، نخيل البلح ونخيل الدوم، ذلك أنهما هما أشجار مصر العليا؛ و طابع معين كان يظهر في تكتل لبعض بيوت القرنة القديمة بمقصوراتها  التي في قمتها.

وقد وضعت كل هذه الأشكال على رسومي التجريبية الأولى المؤقتة، لتعمل كمعيار للمقارنة.

فقد أحسست أن من واجبنا في القرنة أن نبني قرية ينبغي ألا تكون مزيفة على مصر.

فيجب إعادة اكتشاف أسلوب الشعب؛ أو بالأولى، إعادة الإحساس به من خلال الدلائل المتناثرة في الحرف المحلية والمزاج المحلي.

وقد كان لدينا تكنيك من النوبة؛ إلا أننا ما كنا نستطيع بناء بيوت نوبية هنا.

فالإخلاص للأسلوب، حسب ما أفهمه، لا يعني أن نعيد بوقار نسخ إبداع ينتمي لأناس آخرين.

ولن يكون مما يرضي أن ننسخ حتى أفضل المباني التي تنتمي إلى جيل آخر أو لمنطقة أخرى.

ربما يكون من الجائز استخدام منهج البناء، ولكن عليك أن تنزع عنه كل ما فيه من طابع وتفصيل خاصين، وأن تطرد من ذهنك صورة تلك البيوت التي سبق أن أوفت برغباتك أجمل إيفاء.

ويجب عليك أن تبدأ من البداية الأولى، تاركاً مبانيك الجديدة لتنشأ عن الحياة اليومية للناس الذين سيعيشون فيها، ومشكلاً البيوت بمقياس ما يتغنى به الناس، وناسجاً نمط القرية كمل لو كان ذلك بأنوالها هي، وقد أفعمت بكل اليقظة للأشجار والمحاصيل التي تنمو هناك، وأفعمت تبجيلاً لخط الأفق، وتواضعاً أمام تغيرات الفصول.

ويجب ألا يكون هناك تراث زائف أو حداثة زائفة، وإنما هم معمار يكون منه التعبير المرئي الدائم لطابع المجتمع.

على أن هذا يعني لا اقل من معمار جديد بالكامل إن التغيير آتٍ حتماً إلى القرنة بأي حال.

فالتغيير هو شرط الحياة والفلاحون أنفسهم يريدون التغيير، ولكنهم لا يعرفون كيف يكون ذلك.

ولما كان الحال هو أنهم مستهدفون لتأثيرات المباني المبهرجة في المدن الإقليمية التي من حولهم، فإنهم فيما يحتمل سيتبعون هذه الأمثلة السيئة.

وإذا لم نتمكن من إنقاذهم، وإذا لم نتمكن من حثهم على أن يتغيروا معمارياً إلى الأفضل فإنهم سيتغيرون إلى الأسوأ.

كان أملي أنه قد يكون من القرنة إشارة فحسب للطريق إلى بدء إحياء التراث في البناء، بحيث يواصل التجربة آخرون، ويوسعون من نطاقها، بحيث يرسون في نهاية الأمر متراساً حضارياً يوقف الانزلاق إلى المعمار الزائف الخالي من المعنى والذي يتزايد بناؤه بسرعة في مصر.

فالقرية الجديدة يمكن أن تُبَيِّنَ كيف أن معماراً يندمج في واحد مع الناس لهو أمْرٌ ممكن في مصر.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 11:51 pm

المناخ والعمارة
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit438
يتميز مناخ مصر العليا بأنه مناخ منطقة حارة جافة، مع اختلاف واسع جداً في درجات الحرارة نهاراً وليلاً.

ولما كان وجود ظل من السحاب هو أمر يكاد يكون معدوماً بالكامل، فإن الأرض تتلقى في النهار قدراً هائلاً من إشعاع الشمس، بينما هي تشع ليلاً قدراً هائلاً من الحرارة يتجه ثانية للسماء.

وهكذا فإن أي مسطح معرض لضوء الشمس المباشر، كأرضية أحد المباني أو جدرانه أو سقفه، ستزيد حرارته زيادة مهولة أثناء النهار، ويفقد من حرارته أثناء الليل.

وبالتالي فإن توفير راحة الناس في الداخل من مباني هذه المنطقة يعتمد إلى حد كبير على الخواص الحرارية للجدران والسقف.

وأفضل مواد البناء هي تلك التي لا توصّل الحرارة.

ولحسن الحظ فإن طوب من التربة المجفف في الشمس هو من أسوأ موصلات الحرارة.

ويرجع هذا الجزء منه إلى الانخفاض البالغ في قدرته على التوصيل طبيعياً (0.22 كالوري / دقيقة / سم المربع / لوحدة سمك الطوب المصنوع بعشرين في المائة من الرمل الناعم، و 0.32 كالوري / دقيقة / سم المربع / لوحدة سمك الطوب المصنوع بثمانين في المائة من الرمل الخشن، وهذا مقابل 0.48 للطوب المحروق، و 0.8 لبلوكات الأسمنت المجوفة).

كما يرجع في جزء آخر إلى ضعف الطين مما يستلزم أن تكون جدرانه سميكة، وبيوت طوب اللبن في مصر العليا تبقى فعلاً مبردة إلى حد ملحوظ لمعظم اليوم، وقد ثبت في كوم امبو أن المنازل الإسمنتية التي بنتها شركة السُّكَّر لموظفيها هي أسخن من أن يعيش المرء فيها صيفاً وهي بالغة البرودة شتاءً، وهكذا فَضَّلَ الموظفون أن يعيشوا في بيوت الفلاحين الطينية.

على أن جدران الطين السَّميكة ليست بالوسيلة المثلى للاحتفاظ بالبيت مُبرَّداً، ذلك أن الطين وإن كان موصلاً رديئاً للحرارة، إلا أنه يحتفظ بها زمناً طويلاً.

وهكذا فإن الجدار الذي يجعلك تُحِسُّ بالبرودة طول الصباح يواصل في الواقع اكتساب واختزان كل الحرارة التي تقع عليه، وسوف يشع طول الليل كله هذه الحرارة ثانية لخارجه، ويكون هذا في جزء منه لداخل الحجرة.

ولهذا فإن الحرارة من داخل بيت طوب اللبن تكون في الليل أعلى كثيراً مما في خارجه.

والحل الواضح هو أن يعيش المَرْءُ في الطابق السُّفلي أثناء النهار، حيث تحميه بنية حوائط البيت السميكة هي والسقف، وأن ينتقل ليلاً لأعلى إلى السطح لينام في هواء الليل المبرد.

والحقيقة أن الأمر سيحتاج إلى إنشاء خفيف جداً من فوق، ومن حول مساحة السطح العلوي ليبقى الطابق السفلي ما أمكن من الشمس، وحتى يقي النائم أيضاً من البعوض.

والقاعدة هي أن يحتمي المَرْءُ نهاراً خلف الحائط الطيني السَّميك جداً، وأن ينام ليلاً على السَّطح تحت خيمة أو ما يساوي ذلك في رقته، وفي القرنة فإن الحُجُرات السّثفلية للبيت قد تصل إلى أقصى ارتفاع في الحرارة حوالي السابعة مساءً، وذلك بعد مرور حوالي خمس ساعات على وصول الحرارة لأقصاها في العراء.

أما في الثامنة صباحاً، عندما يكون السطح العلوي قد أصبح بالفعل ساخناً بما يثير الضيق، فإن الغرف السفلية تكون أبرد بما ينعش.

وهذا النظام الحراري يمكن تعديله إذا تم بناء البيت من حول فناء.

فالفناء يعمل بمثابة بئر يرسب فيه الهواء الأبرد الآتي من السطح، وهكذا فإن الغرف السفلية تبرد أثناء الليل بسرعة اكبر.

والعامل الثاني الذي يتحكم في راحة الناس داخل البيت في مصر العليا هو حركة الهواء.

وحيث أن الهواء جاف للغاية، فإن أي قدر من النسيم يساعد على تبخير العرق، وبذا فإنه يبرد الجسم.

وهكذا فإن من المهم جداً أن نراعي تهوية البيت هنا أوثق مراعاة.

والريح السائدة هي شمالية - شمالية غربية وهي باردة نسبياً.

وحتى يمكن لهذه الريح أن تهوي بيتاً، فإنه يجب أن يتاح لها الدخول من خلال فتحات البيت.

والسؤال هو، أين ينبغي أن تكون هذه الفتحات؟

عندما ذهبت إلى القرنة لأول مرة، في منتصف الصيف، زرت مستر ستوبلير، الذي كان يقيم في استراحة هوارد كارتر*، وكانت حارة بما لا يحتمل.

وكان ذلك باعثاً على الضيق حتى أني فضَّلتُ الخروج إلى الشمس، واقترحت على صديقي أن نخرج لنلقي نظرة على بعض المقابر.

وأخذني إلى مقبرة تفر - رنبت في خوخة، وعندما وصلنا إليها وجدناها مغلقة.

وأثناء انتظارنا لإحضار المفاتيح، لجأنا إلى الظل في مضيفة قريبة، على أنه في الداخل من مقصورة هذه المضيفة كان هناك تيار بارد منعش إلى حد جعلنا نتطلع في التو لنرى سبب ذلك كانت المقصورة قد بُنِيَتْ وظهرها إلى الريح السَّائدة، وقد فتحت تحت الريح، فكان الجدار الخلفي في أعلاه من فوق مشقوقاً بصفين من فتحات صغيرة تواجه الريح.

والشائع في التطبيق المعماري أن يجعل المرء دائماً الفتحة الأكبر في مواجهة الريح، إذا كان الغرض هو اصطياد أكبر قدر ممكن من النسيم.

على أن المضيفة  كانت في الحقيقة مجهزة على نحو بارع حسب أحسن مفاهيم الديناميات الهوائية.

وكما شرح لي أخي فيما بعد‘ فإن المقصورة المفتوحة في اتجاه مهب الريح، سينساب من خلالها تيار هوائي ثابت لأن انسياب الهواء من ((فوقها)) ومن ((حولها)) يخلق ضغطاً منخفضاً من داخلها، بحيث يُشد الهواء في تيار ثابت من خلال الفتحات الصغيرة، ومن الناحية الأخرى فإن المقصورة ذات الفتحات الكبيرة في اتجاه مهب الريح، والتي ليس فيها فتحات أو فيها فتحات صغيرة فحسب في الاتجاه مع الريح، فإنها سرعان ما تمتلئ  بالهواء، بحيث أن الهواء الطازج يستمر من فوق المقصورة بدلاً من أن يمر من خلالها، تاركاً بذلك الهواء القديم من داخلها.

وهذه الظاهرة، التي يمكن فهمها بسهولة جداً هكذا عامة، قد عُبر عنها حديثها تعبيراً أكثر دقة بالمعادلة التالية: معدل انسياب الهواء من خلال المبنى، بالقدم المكعب / ساعة  = 3.150 (مساحة المداخل بالقدم المربع) (سرعة الريح بالميل / ساعة)، وتصح هذه المعادلة إذا كانت الريح التي في الجيرة المباشرة لفتحة المدخل عمودية على مستوى الجدار.

أما إذا لم تكن كذلك، فإن المُعدل المفروض لانسياب الهواء يجب أن يُقلل حسب الزاوية؛ فعندما يكون اتجاه الريح هو بخمس وأربعين درجة على أحد المساقط الرأسية للبناء، فإن انسياب الهواء ينبغي أن يقلل بخمسين في المائة.

وفوق ذلك، فإنه إذا كان هناك فارق ملحوظ بين مساحات فتحات المخارج والمداخل، فإن المعادلة يجب أن تعدل بما يناسب هذا الفارق.

ويتألف التعديل بأن تستبدل قيمة أخرى برقم 3.150، وذلك حسب الجدول التالي، حيث القيم التي في العمود الأول هي نسبة المساحة الكلية لفتحات المخرج إلى المساحة الكلية لفتحات المدخل:
القيمة
مساحة فتحات المخرج       =  1                                   3.150
مساحة فتحات المدخل
فإذا كان المخرج  أكبر من المدخل، فإن:
مساحة فتحات المخرج     = 2                                     4.000
مساحة فتحات المدخل
= 3                                      4.250
=  4                                      4.350
= 5                                       4.400
وإذا كان المخرج أصغر من المدخل فإن:
مساحة المخرج         = 4/3                                    - 2.7
مساحة المدخل
= 2/1                                    -  ,2
= 4/1                                    - 1.1
-----------------------------------------------------------
* هوارد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ أمون، وقد اطلق اسمه على الاستراحة (المترجم).
-----------------------------------------------------------

وهكذا نرى بوضوح أنه كلما زادت نسبة مساحة المخرج إلى مساحة المدخل، زاد انسياب الهواء من خلال المبنى.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 8:37 pm

توجيه المنازل يتحدَّد في جزء منه بالشَّمس، وفي جزء منه بالرِّيح
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit439
تحديد موقع الغُرف بحيث تصبح لطيفة الجو لهو أمر يتطلب تفكيراً حريصاً، والمساحة الظليلة التي يتخللها تيار هواء هي التي تظل دائماً باردة نسبياً.

والنقطة هي، من أي شيء ينبغي أن تظلل الغرفة؟

أتُظلّل من ضوء الشمس المباشر، هذا أمر أكيد، ولكنها يجب أن تُظلّل أيضاً من الإشعاع المُنعكس، الذي يمكنه أن يجعل الغرفة أحياناً أسخن حتى من مما يمكن للشمس.

ذلك أن كل جدار مواجه للجنوب يعكس أشعة الشمس عن سطحه الأبيض الناصع لتذهب مباشرة إلى الحجرات التي تكون عبر الطريق.

بل وحتى قطع الحجارة والأسطح غير المنتظمة في الأرض كلها تعكس أشعة الشمس من أسطحها الجنوبية، بحيث تعمل كالمشعاع في نظام التدفئة المركزية.

على أن الحجرات التي ستتلقى كل هذا الإشعاع المنعكس مصطدماً بواجهتها هي الحجرات التي تواجه الشمال.

وهكذا فإن من الضروري فحص كل ما يحيط مباشرةً بالبيت قبل أن تطبق دون محيص القاعدة المعتادة من أن: ((حجرات المعيشة ينبغي أن تواجه الشمال)).

وما من شك أن الحجرات التي تواجه الشمال ستفيد من النسيم البحري البارد، فالشمال هو أحسن واجهة للحجرة بشرط أن يكون في استطاعتنا التأكد من أنه ليس ثمة إشعاع منعكس هناك.

أما إذا كان هناك منازل أخرى على مقربة، فلعله مما يحتمل أن تكون غرفة المعيشة أبرد عندما تواجه الجنوب، رغماً عن التطبيق المعتاد بهذا الشأن.

ذلك أنه لن يكون هناك وقتها إشعاع منعكس، أما بالنسبة للإشعاع المباشر من الشمس التي ستكون عالية جداً في السماء عند سقوطها على هذا الجدار، فإنه يمكن إيقافه بمظلة للسقف.

بل إن من الممكن أن يجعل النسيم البحري بحيث ينساب من خلال غرفات المعيشة عن طريق تخطيط هذه الغرف.

وفلاحو العراق يبنون غرف معيشتهم إلى الجنوب، ويجعلون من خلفها مقصورة تواجه الشمال.

وتسقف غرفة المعيشة بقبة لها ثقب في قمتها، بحيث أن الهواء الذي سيسخن في القبة التي تشبه الفرن سيهرب باستمرار، بينما ينجذب الهواء البارد باستمرار للداخل من المقصورة الظليلة.

والعيب الوحيد في هذا التصميم العراقي أنه ليس فيه مظلة تُظلّل الجدار الجنوبي من الشمس، ذلك أن العراقيين ينقصهم الخشب.

وكل بيت في قريتنا قد وُفِّرَتْ له غرفة للضيوف، بالإضافة إلى مضيفة المجاورة للعائلة، التي هُيئَتْ أيضاً لأن تستخدم كغرفة معيشة للعائلة، وليس لأن تظل مستبقاة ((كأفضل)) الغرف بغرض استقبال الغرباء.

وتصميم الغرفة يتبع قاعدة ((القاعة)).

فهناك ((الدرقاعة)) المركزية المربعة، التي تُسقف بقبة، ويكون  لها أيوانات تخرج منها ويجلس فيها الناس.

وهذه الغرفة عالية جداً -فهي ترتفع لعلو طابق ونصف الطابق من الطوابق العادية بالإضافة إلى ارتفاع القبة- حتى يسمح ذلك بفتحات عالية فوق خط السطح للدور الأرضي.

وهكذا فإن الهواء الساخن يرتفع ويهرب من خلال هذه الفتحات العالية، مما ينتج عنه دخول تيار من الهواء لأسفل ليبرد الغرفة.

وهكذا فإن توجيه المباني يتحدَّد في جزء منه بالشمس وفي جزء بالريح، وأحسن توجيه للشمس هو أن يقع المحور الطولي للمبنى في اتجاه الشرق - الغرب، وهذه قاعدة معمارية شائعة.

ولكننا نود أن نجعل الريح تهب على أكبر مساحة ممكنة من الجدران، لتسري من خلال البيت وتبرده.

والريح السائدة تأتي من الشمال الغربي، وهكذا  فالأمثل أنه ينبغي أن يكون اتجاه البيت من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، متعامداً على هذه الرياح.

أفينبغي استخدام حل وسط، فننصف الزواية بين الاتجاهين المشار إليهما، فنجعل البيت في اتجاه من شرق - شمال شرق إلى غرب - جنوب غرب، كما هو في التطبيق المعماري المعتاد.
* * *




لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 8:42 pm

الملقف أو مصيدة الريح
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit440
في أوروبا حيث لا يكون للتحكم في الحرارة أهمية رئيسية، تقوم النافذة بخدمة ثلاثة أهداف؛ أن تدخل الهواء، وأن تدخل الضوء وأن تجعلك ترى ما في الخارج.

على أن هذه الوظائف الثلاث ليست مما لا يقبل أن ينفصل.

والحقيقة أن البنَّائين في الشرق الأوسط قد اعتادوا أن يفصلوا فيما بينها.

ففي بيوت القاهرة القديمة تُؤدي وظيفة التهوية في الأبهاء الرئيسية (القاعات) بواسطة تجهيز يُدعى ((الملقف)) يصطاد الريح في أعلى، حيث تكون قوية نقية، وذلك عن طريق تصميم الغرفة تصميماً خاصاً حيث يكون الجزء المركزي (الدرقاعة) عالية جداً، بما يجعل الهواء الساخن  يهرب عند القمة.

ويمكن أن تقام مصيدة الريح هذه بالزاوية المناسبة بالضبط لاصطياد الريح، بصرف النظر عن توجيه البيت.

وقد استخدمنا في المدارس التي بنيناها في القرنة مصيدة ريح تتكون من مجرى للهواء يشبه المدخنة له فتحة كبيرة في أعلى تواجه الريح السائدة.

وقد وضع من داخلها صفيحة معدنية مائلة ممتلئة بفحم يمكن أن يتم بله بصنبور؛ وينساب الهواء من على هذا الحاجز فيتم بذلك تبريده قبل أن يدخل الحجرة.

وفي هذه الأداة ما يذّكر بالسلسبيل الذي كان يوجد منتصباً في قاعات وإيوانات البيوت العربية القديمة - و كان من لوح من الرخام المقوس في نمط مموج، بينما ينساب من فوقه ماء نافورة.

ومن الممكن في التطبيقات المستقبلة لقاعدة مصيدة الريح أن يجعل الحاجز المبّرد مرئياً ويصنع من مادة ماصة مثل الحرير الصخري ويكون عليه نمط بهيج مثلما في السلسبيل.

وقد نتج عن مصيدة الريح في القرنة انخفاض الحرارة داخل الحجرات الدراسية بقدر 10ْم.

أما وظيفة توفير رؤية المشهد فتقوم بها المشربية -وهي نوع من نافذة خارجة تُبنى من خارج الجدار ويثبت فيها ساتر من خشب مخروط متشابك يُروِّض ويُرقق الضوء المصري الجافي بما يناسب قبل أن يدخله إلى الغرفة، ويمكن لسيدات البيت أن يجلسن من خلف هذه المشربية ويرقبن الشارع في راحة وهن معزولات عنه تماماً- وفيما يعرض فإن هذا يكون من غير حاجة إلى اختلاس النظر من وراء الستائر، أو إلى المرور عبر الحجرة لرؤية ما في الخارج؛ والحقيقة أن المشربية تقوم بكل ما يقوم به الجدار الزجاجي وأكثر.

وهكذا فإننا نستطيع استخدام مصيدة الريح لتُحررنا من الحاجة إلى توجيه البيت للريح، وبهذا نضع في الاعتبار فحسب التوجه الشمسي.

والحقيقة انه حتى هذا سيكون إلى حدٍ ما أمراً ثانوياً بالنسبة لمتطلبات المشروع، ذلك أنه لو انتظم كل بناء في نفس الاتجاه سيصبح المشروع رتيباً.

وفوق ذلك، فإن كل انحراف عن الفكر العام إنما يعني نظرة اعتبار فردية لكل بيت وحلاً فردياً لمشاكله الخاصة، وهذا أمر مرغوب من الوجهة الفنية.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 8:48 pm

المجتمع والعمارة
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit441
رغم إيماني بأن مظهر البناء له أعمق التأثير في سكانه، إلا أن المَرْءَ لا يستطيع أن يُسكن الناس في البارثينون.

ويجب أن تكون التصميمات الجميلة عند الواحد منا بحيث تفي بحاجات الناس اليومية المتواضعة؛ والحقيقة أنه عندما تكون هذه التصميمات صادقة بالنسبة لموادها وبيئتها ومهمتها اليومية، فإنها ستكون وجوباً جميلة بالضرورة.

على أن القرية الجديدة لا يمكن ان تكون صادقة بالنسبة لوظيفتها إلا إذا كنا نعرف بالضبط ما ستكونه هذه الوظيفة.

وسيكون علينا أن نزيل الغطاء عن الحياة اليومية لأهل القرنة ونكشفها، ولعل ذلك سيكون حتى بأدق مما يعرفونه هم أنفسهم عنها.

وكل إنسان يكون له مجموعة من العادات في أفعاله، وأفكاره، وردود فعله، ونحن عندما نرغب في تمييزه عن غيره نُستدعي ماله من فردية.

وعندما ننظر في أمر مجتمع، سوف نرى أنه نمط من هذه الفرديات، وأهم من ذلك أن كل فردية منها هي من خلق كل الآخرين.

فكل خصوصية في الفعل، أو الفكر أو رد الفعل إنما قد نشأت تحت ضغط من تلك الخصوصيات الأخرى الكثيرة التي تجاورها وتحت تأثير مطالب المناخ، والعمل، والمهنة، فالفردية ليست ((صفة)) مجردة غامضة ولكنها محصلة تفاصيل كثيرة ملموسة؛ متى ينهض الإنسان من نومه، وما إذا كان يحلق ذقنه،  والملابس التي يفضلها، وعاداته في الحديث، والناس الذين يخضع لهم وأولئك الذين يتحكم فيهم.

وفوق كل شيء آخر فإنها بيته.

فالبيت، وهو مكبَّر الإنسان نفسه ونصبه التذكاري الأبقى، ويتفق في الحجم والمظهر والرفاهية مع التفاصيل الأخرى لفردية الإنسان.

وهو بالطبع يتكيف حسب حاجاته الاقتصادية، على أنه أيضاً فيه كل الخصائص العارضة لمزاجه.

وقاعة قصر كتخداً في القاهرة بسموقها، وبرودها في بساطة، وبجلالها إنما تعكس مهابة الإمارة عند الأمير الذي بُنيت له، أما بهو بيت جمال الدين الذهبي الذي يُعَدُّ بالمقارنة مخسوفاً ومسرفاً في زينته فهو يلائم ما لشيخ التجار هذا من روح تجارية متحذلقة.

والوادعون من الناس يعيشون في بيوت هادئة، والشحاذون تنحنى الجدران في قريتهم بمذلَّة وأنين، والمتعالون من الناس تحملق بيوتهم في برود فوق رأسك.

فالبيت أيضاً يعي تماماً مكانته الاجتماعية؛ وكما يعرف الإنسان من الذين يفوقونه مكانة ومن الذين ينظر هو إليهم من عل، فإن البيت كذلك يتخذ موقعاً يتفق ومرتبته، وهو حسب ما لتجهيزاته من حجم وترف أو فقر يُظهر ملائمة هي أرهف ما تكون بالنسبة للتقسيم الطبقي للمجتمع.

وفي مصر يعتبر القروي أن إحدى علامات التميز لأعلى هي أن يمتلك بيتاً له أرضيات خشبية تسمى ((المصرية)) أي القاهرية، وهو يتباهى بامتلاكها على زملائه من أهل القرية الذين ليس لديهم إلا أسقف من القش والبوص.

وهكذا فإن القرية بعد أن تعيش فيها أجيال كثيرة، لا تقتصر على أن تصبح متوائمة مع روتين سكانها في العمل والترويح، وإنما هي أيضاً تنمو لتعكس أوجه الغرابة في مجتمعها.

وينمو الطوب والملاط في كلِّ حي واحد مع الحصاد والزرع، وحفلات الزفاف والجنازات، والبيع والشراء، والحرفة والمهنة، وإحساس العائلة العائلي، وإحساس الطبقة الطبقي.

وتتخذ المباني شكل المجتمع بما له من أبعاد كثيرة، مثلما يتخذ الحذاء القديم الشكل الخاص لقدم أحد الرجال أو بالأحرى مثلما يواصل نبات متنام تكييف نفسه مع بيئته.

وصانع الحذاء قد يبذل الجهد حتى يلائم الحذاء عميله، وذلك بأن يقيس قدمه، ويشكل الحذاء بحرص بحيث يكون مناسباً للعميل وحده - أو هو قد يكون مثل صانع أحذية الجنود، فينتج حجماً نمطياً من الأحذية ويترك قدم العميل لتكيف نفسها بأحسن ما يمكنها.

والشيء نفسه بالنسبة للقرنة؛ كان لديّ مجتمع بكل تركيبه وكان في وسعي إما أن أدفع به في مساكن ذات أحجام نمطية معدودة، تاركاً إيَّاه ليُمارس من التقلصات والبثرات كل ما يمارسه العسكر كالمجند عندما يأخذ في التعود على حذائه، وأما أن أقيسه وأنتج قرية تتواءم معه بكل ما فيه من أوجه عدم الانتظام والتواء، الأمر الذي يشبه نوعاً نزع قوقع من محارته وإدخاله في محارة أخرى.

ومجتمع القرية يستغرق قياسه زمناً طويلاً ويحتاج لأدوات قياس أكثر دقة من شريط القياس.

على أن هناك أمراً واحداً كان واضحاً منذ البداية؛ وهو أنه يجب أن يتم التصميم لكل عائلة على حدة.

وهكذا ينبغي على الأقل أن تتم استشارة كل عائلة في القرنة، وينبغي أن نكشف عن أشياء كثيرة كان من الصعب نوعاً استجلاؤها من أهل القرنة المتشككين المتحفظين.

وكان لدينا نوع من دليل من مسح مبكر للقرية القديمة يضع قائمة للبيوت ويصف مناطقها، وعدد الحجرات ومواد التسقيف؛ على أن هذا المسح قد تم منذ عشرة إلى خمسة عشر عاماً، و حتى إذا كان لم يعف زمنه، فإنه لم يكن بالذي يعطي نوع من المعلومات الذي أطلبه.

كان ثمة حاجة ملحة لبعض المسح الاجتماعي، إلا أنه لم يكن من السهل أن يصل إلى هناك بحاثون اجتماعيون، وحتى لو أمكن الحصول عليهم، فإني كنت أعرف بالخبرة أن ما سيسألونه من أسئلة فجَّة إجابتها ((بنعم أو لا))، مما يتم تصميمه ليس للكشف عن مجتمع وإنما لإنتاج الإحصائيات.

وإحصائيات كهذه ليس لها سوى أقل قيمة للمعماري، إنها مما يمكن أن ينبؤنا وحسب بعدد أطفال زيد أو إذا كان عبيد عنده حمار، ولا تستطيع الكشف عما إذا كان زيد وعبيد على علاقة طيبة معاً.

والاستبيان المعتاد لا يستطيع أبداً أن يجلب إلى انتباهي حقيقة اجتماعية مهمة كما مثلاً عندما يفعل المهندس المعماري شيئاً فيؤدي إلى تحطيم عائلة.

ولو استطاع أحد الصبية أن يشق طريقه من كوخ فلاح إلى المدرسة فالجامعة حتى يصبح محامياً أو طبيباً أو مدرساً أو ضابطاً، الأمر الذي لابُدَّ أنه سيحدث للمزيد والمزيد من الصبية الفلاحين، فإنه سيحس بالخجل من بيته القديم ولن يعود إلى القذارة والقبح الذي يعيش فيه والده.

ومن بين سبعة آلاف من أهل القرنة لم يكن قد تخرج من الجامعة سوى فرد واحد، هو الآن محام يمارس مهنته في القاهرة ولم يضع قدمه قط ثانية في قرية موطنه.

ومع انتشار التعليم في ظل القانون الجديد، سيتعلم جيل جديد بأسره من الأطفال ليزدروا -وهم على حق تماماً- قذارة بيوتهم؛ ولكنهم سوف ينظرون -وهم على خطأ تماماً- إلى الحداثة البراقة للمساكن الحضرية على أنها العلامة الحقيقية للتقدم والتمدن.

ونوع الأسئلة التي تُسأل في أبحاث المسح المعتادة لا يستطيع أن يكشف عن مدى سرعة التغير في حياة الريف.

وقد لا يستطيع الواحد أبداً أن يُدرك كيف أن النمط التقليدي القديم من العزلة والجهل بالعالم الخارجي لهو نمط يتحطم بدداً عن طريق حافلة (أتوبيس) الريف والسيارة الأجرة؛ وفيما مضى لربما عاش الرجل ليموت في قريته وهو لم يذهب قط حتى لأقرب مدينة، أما الآن فإن وجه مصر تشقه آلاف من طرق الحافلات، وتكدس كل أنواع الناس وطبقاتهم في سيارات مترنحة، لا شيء إلا لمجرد الركوب فيها.

والحكومة البرلمانية أيضاً، بدعايتها، وخطب انتخابها، تأتي بالمدينة مباشرة إلى القرية.

ومذياع المقهى قد حل منذ زمن طويل مكان الحكايات الشعبية والأساطير.

والتعليم العام ينتج الآن آفاقاً جديدة لأطفالنا.

وقد فعلت وسائل الاتصال الغربية بالقرية ما فعله كوبر نيوكس بالأرض - فالقرية الآن أصبح ينظر إليها كجزء صغير من الكون، وليس على أنها مركزة، بينما العالم الغربي، وهو مصانع تشيكوسلوفاكيا وإيطاليا بسلعها التي تصمم خصيصاً بألوان فجة سقيمة لترضى الذوق الفاسد عند الفلاح، هو الذي أصبح يبدو على نحو متزايد وكأنه الشمس أو المصدر الوحيد للحياة.

والفلاح المغلوب على أمره، وهو يبحث عن التقدم، يهجر التراث الحضاري الذي يحمي ذوقه، وذلك قبل أن يتم له اكتساب ما يلزم من قدرة على التمييز، تحل مكان تراثه.

وهكذا فإن منتجات أوروبا وأمريكا بلمعتها التي تزداد دائماً، تلك الأقداح المعدنية الناصعة، والأكواب الموشاة بالذهب، والحلي الزجاجية ذات الألوان الباهرة، والأثاث المذهب، كل هذا يقهر أسواق القرى المحرومة من أي دفاع، ويجبر الأعمال اليدوية الجميلة الجليلة التي ينتجها الحرفيون المحليون على ان تختفي في هوان.

والفلاح، وقد تفتَّحت عيناه على ثراء حياة المدينة، يتخذ لنفسه مثالاً من الموظف الحضري وضابط الشرطة، وهذان، يكون أي شيء أوروبي هو بالنسبة لهما الشيء الجيد.

إنه لا إله إلا الله؛ ولا مدينة إلا مدينة الغرب.

ويصبح الذوق الوضيع الشره لسكان المدينة من الطبقة الوسطى هو ما يملي الطرز الرائج عند ملايين الفلاحين.

وكما أن سائر تاريخ مصر الحي على النيل قد أصبح في حالة تقهقر كامل، فإن حرفيتها قد أخذت تختفي أمام هجوم الصفيح البراق والأقمشة المبهرجة.

والطابع المرئي للقرية، مثله مثل عادات سكانها، يتغير لأبعد مما يمكن إدراكه، بينما يظل في عين رجل الإحصاء التي لا تميز وكأنه هو نفسه بالضبط.

فالإحصائيات تغفل تماماً عن المعلومات الحيوية من مثل طريقة احتفال الناس بأعيادهم الشخصية والدينية.

وهناك مثلاً التقليد السائد في بعض قرى مصر العليا، حيث أي فرد يعود من القاهرة لا يقيم أول ليلة في بيته الخاص وإنما في مضيفة العمدة، وذلك ليدلي بما لديه من أخبار جديدة، وإذ يجهل المهندس المعـماري هذا التقليد فإنه يفشل في توفير ما يناسبه.

وحتى نكتشف التقاليد والطقوس السائدة، ونرسم خريطة طبقات المجتمع، ينبغي أن تتحدث إلى المسنين بالقرية، وأن نرقب حياة القرية لشهور كثيرة.

وحتى نكتشف كيف يقوم الناس بعملهم وكيف يستخدمون بيوتهم، ينبغي أن نرصد الآراء ونستدعيها.

والحقيقة أنه كان ينبغي أن نُخضع القرنة حقاً لبحث شامل اجتماعي - اثنوجرافي* واقتصادي، ينفذ على نحو صارم بأقصى درجة، ذلك أننا كنا نريد معلومات يُعتمد عليها حتى نؤسس عليها تخطيط مشروعنا.

والناس بصفة عامة لا يدركون أن الاثنوجرافي الاجتماعي له إسهامه الضروري في تخطيط المدن والمناطق؛ على أني أرى أنه له نفس أهمية الديموجرافي**.

والمخططون كلهم تقريباً يتعاملون الآن مع مجتمعات هي في عملية تغيير، وما من مخطط يستطيع الزعم بأنه بخبرته الخاصة المحدودة وملاحظته غير المتمرسة سيفهم التغيرات الحضارية التي تحدث حتى في مجتمعه هو.

وأقل من ذلك ما يستطيع أن يزعمه من فهم للمجتمع الأجنبي، حيث يحدث كثيراً أن يكون عليه فهمه.

والاثنوجرافي الاجتماعي هو وحده الذي يستطيع أن يوفر هذا الفهم، وهو فهم قد يثبت في النهاية أنه أمر حيوي لنجاح المشروع.

وينبغي أن يُعد المسح الاثنوجرافي الاجتماعي معاً مما لا يمكن حذفه عند تخطيط المدينة مثلما لا يمكن حذف السجل الديموجرافي للمجتمع.
-----------------------------------------------------
* الاثنوجرافيا: الاثنروبولوجيا الوصفية، علم الأعراق البشرية الوصفي (المترجم).
** الديموجرافيا: علم دراسة الإحصائية للسكان (المترجم).
-----------------------------------------------------

والسلطات لم توفر لنا أبداً هذا النوع من العون المهني؛ وهكذا كان  علينا أن نتصرف حسب ما لدينا من معرفة وتخمين يتأسسان على الفهم المتعاطف لحياة  الفلاح.

والطبيب البارع كثيراً ما يصل إلى تشخيص بالملاحظة المباشرة هو أدق مما يصل إليه طبيب غير متمرس رغم كل ما قد يتوفر للأخير من مساعدة الأدوات العلمية؛ وقلت لنفسي ذلك وأنا آمل أنه حتى تلك المعطيات الضئيلة التي جمعناها، قد يكون فيها عندما ندعمها بخبرتنا، ما يكفي لكتابة وصفة علاج ناجحة لحالة القرنة!

فالنقاط المماثلة لما سبق ذكره، والتي يغفلها المسح الإحصائي غير الكامل، لو تم تفسيرها تفسيراً ذكياً فإنها ينبغي أن تمد بمفتاح للحل الصحيح للمشكلة المعمارية.

وأول مشكلة معمارية كبيرة في القرنة الجديدة كانت تخطيط القرية.

مسألة ما هو الطابع الذي ينبغي أن يكون لشوارعها، وكيف تكون العلاقة بين البيوت أحدها بالآخر، وهي مسألة على أقصى درجة من الأهمية.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 8:50 pm

بنية القرابة والتقاليد المحلية
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit442
هناك سُبُلٌ ممكنة لكيفية تنظيم عدد من البيوت وتنويع الطريقة التي تلتقي فيها القرية هي والريف.

وفي أوروبا مثلاً تتداخل القرية مع المشهد الخلوي الطبيعي، والبيوت ليست فحسب منفتحة على هذا المشهد الطبيعي، وإنما هي جزء منه، تماماً مثلما تكون الأشجار والحقول جزءاً من القرية.

وفي مصر حيث تختلف طبيعة الفلاحة وحيث منظر الأرض الزراعية أقل جاذبية، فإن القرويين يفضلون أن يحشدوا بيوتهم متقاربة معاً فيما يكاد يكون كتلة حجر واحدة.

ويرجع هذا في جزء منه إلى الطبيعة العدوانية لخلاء الريف، وفي جزء لطلب الاحتماء، وفي جزء آخر إلى غلو ثمن الأرض الزراعية التي لا يريدون تبديدها.

وحاجة القرويين هذه للاحتماء من الطبيعة ومن الناس الآخرين، لحماية أنفسهم والماشية معاً، تنعكس في الطريقة التي تنفتح بها البيوت والقرى للداخل نحو المركز مديرةً ظهرها للعالم الخارجي.

ويصدق هذا بالذات على القرى التي بنيت بالفعل فوق أرض زراعية.

والقرى في مصر العليا، حيث يضيق وادي النهر، تنحو إلى أن تُبنى على التلال التي على الجانبين، حيث يصبح في الوسع أن تستخدم مساحات أكبر.

والقرنة القديمة هي في الحقيقة قرية منبسطة على نحو خاص في غير نظام وهذا في جزء منه لأن كل بيت قد بنى ليشمل أكبر عدد ممكن من المقابر.

والآن فإن معظم المهندسين المعماريين عندما يعيدون تخطيط قرية، يرصون البيوت في شوارع مستقيمة منظمة، يوازي أحدها الآخر.

وهذا أمر سهل، ولكنه كئيب.

والحقيقة أن هذه الشوارع المتوازية عندما تتكون من بيوت متجانسة منمطة على أدنى المستويات، ولا يخفف من وقعها أي أشجار أو ملامح أخرى، فإنها تكون هكذا ذات تأثير كئيب منحط.

على انه ما من حاجة لرص البيوت هكذا.

فهذه البيوت نفسها بالضبط يمكن تجميعها بنفس السهولة من حول ميدان صغير.

ويكون هذا اقتصادياً تماماً مثل صفوف البيوت المستقيمة، كما أن له مزاياه العديدة.

وأول شيء، فهو أن الميدان يُبقى على التوجه التقليدي لبيوت القرية بواجهتها للداخل.

وثانياً، فهو يجلب للقرية بعضاً من لطف وتحضر حياة الإنسان الغني في المدينة.

فقصر الباشا كان يبني دائماً من حول فناء أو سلسلة من الأفنية، تعطي له جواً خاصاً من الهدوء والجمال.

ولسوء الحظ فقد نشأ عند المهندسين المعماريين تحيز ضد الأفنية، ذلك أنه عندما هجر الباشوات قصورهم وانتقل إليها أفراد الشعب، استخدمت هذه الأفنية كمساحة للبناء تختنق بمساكن صغيرة غير صحية.

وهكذا  فإن ما كان ذات يوم فناءً رحيباً هادئاً أصبح حشداً مُكتظاً من أكواخ سيئة التهوية.

على أننا نستطيع أن نستعيد الفناء للناس مع الاستيثاق من أنه لن ينال مصير فناء الباشا.

وعندما نجمع بيوتهم حول الأفنية أو الميادين الصغيرة، فإننا نستطيع منحهم كل الجمال الذي كان الباشا يستمتع به ويتم في نفس الوقت إسكانهم إسكاناً أنيقاً نظيفاً.

وبالطبع فإن الفناء لن يكون بعد فناء مغلقاً، ولكنه سيتصل بالشارع بحيث يصبح ملكية عامة، ولا يمكن أبداً أن يستخدم للبناء، بينما هو في نفس الوقت ينتمي بوضوح إلى مجموعة واحدة من البيوت.

و إني لأحس أن الميدان والفناء هي عناصر معمارية ذات أهمية خاصة في مصر.

فالمساحات المفتوحة هكذا من خلال المباني، هي جزء من طابع المعمار في الشرق الأوسط كله - وهي موجودة حقاً ابتداء من المغرب، ثم هي تتخلل الأراضي الصحراوية مباشرة إلى سوريا والعراق وفارس، حتى تصل إلى ما قد يكون أرهف تعبيراً عنها في بيوت المدينة بالقاهرة القديمة.

والأمر يستحق أن نستطرد هنيهة لننظر في معنى الفناء والميدان بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في العالم العربي.

يوجد في المساحات المغلقة في الغرفة أو في الفناء، خاصية معينة يمكن الإحساس بها بوضوح، وتحمل الطابع المحلي بمثلما يحمله أي قوس بعينه، وهذه المساحة المحسوسة هي في الحقيقة عنصر أساسي في المعمار، وإذا لم يتوافر الإحساس الصادق لمساحة من المساحات، فإنه ما من زينة تستطيع بعدها أن تجعلها شيئاً طبيعياً ينتمي للداخل من التراث المرغوب.

هيا ننظر إلى البيت العربي كتعبير عن الحضارة العربية.

بأي الطرق أدَّت القوى البيئية التي صاغت الشخصية العربية إلى التأثير في المعمار المنزلي؟

إن العربي يأتي من الصحراء.

والصحراء هي التي كوّنت عاداته ووجهة نظره وشكلت حضارته.

وهو مدين للصحراء ببساطته، وكرمه، وميله للرياضيات والفلك، ناهيك عن بنية عائلته.

ولما كانت خبرته بالطبية هي خبرة مريرة للغاية، ولما كان سطح الأرض، والمنظر الخلوي الطبيعي هما بالنسبة للعربي عدو قاس، محترق متوهج قاحل، فإنه لا يجد أي وجه للراحة في أن يفتح على الطبيعة في المستوى الأرضي.

فوجه الطبيعة الحاني بالنسبة للعربي هو السماء - النقية الطاهرة، الواعدة بالبرودة وبالماء الواهب للحياة من سحبها البيضاء.

السماء التي تقزّم  حتى من اتساع رمال الصحراء أمام لا نهائية الكون كله المرصع بالنجوم.

وما من عجب أن تصبح السماء بالنسبة لساكن الصحراء هي بيت الله.

والوثنيون الأوروبيون لهم آلهتهم  في الأنهار وفي الأشجار، أو آلهة تمرح على قمم الجبال؛ ولكن ما من إله لهم يعيش في السماء.

فإله السموات آتى للعالم عن الرعاة وسائقي الجمال في الصحراء، الذين كانوا لا يستطيعون أن يرو أي مكان آخر يلاءم الإله؛ فسطح الأرض بالنسبة لهم لا نتاج له إلا من الجن والشياطين الذين يدورون فيما حولهم في العواصف الرملية.

وهذه النزعة الغريزية المحتومة لرؤية السماء على أنها الوجه الحاني من الطبيعة قد تنامت تدريجياً كما رأينا، إلى فرض لاهوتي محدد، أصبحت فيه السماء مقام الله، والآن وقد اتخذ العربي لنفسه حياة مستقرة فإنه شرع يطبق الاستعارات المعمارية في علمه الكوني، بحيث تعد السماء قبة تدعمها أعمدة أربعة.

وسواء كان هذا الوصف يؤخذ أو لا يؤخذ به حرفياً، فمن المؤكد أنه يضفي قيمة رمزية للبيت، الذي يعتبر نموذجاً أو مصغراً للكون.

والحقيقة أن الاستعارة وُسعت بأكثر إلى الجوانب الثمانية للمثمن الذي يدعم، على خناصر معقودة، قبة ترمز للسماء؛ وقد أُخذت هذه الجوانب الثمانية على أنها تمثل الملائكة الثمانية التي تدعم عرش الله.

ولما كانت السماء عند العربي تعد في التو المقر لوجه الطبيعة القدسي و أكثر ما فيها السكينة، فإنه بالطبع يريد أن يجلبها إلى مسكنه نفسه.

وكما أن الناس في أوروبا يحاولون أن يجعلوا من منازلهم شيئاً متوحداً مع المنظر الخلوي الطبيعي هو ونباتاته، إما من خلال الحدائق، أو من خلال جدران الألواح الزجاجية، فإن الناس في البلاد الصحراوية يحاولون أيضاً أن يُنزلوا صفاء وقدسية السماء لأسفل بالداخل من البيت، ويحاولون في نفس الوقت.

أن ينغلقوا عن الصحراء برمالها المْعمية الخانقة وشياطينها المنفرة.

ووسيلة صنع ذلك هي الفناء.

فالبيت يكون مربعاً أجوف، وقد أدار للخارج جدران صماء بلا نوافذ، بينما تطل كل غرفة للداخل على فناء لا يمكن أن يُرى منه إلا السماء.

ويصبح من هذا الفناء قطعة السماء التي تخص المالك.

والمساحة المُحاطة بغرف بيته تستطيع، على أحسن حال، أن تولد وحدها إحساساً بالهدوء والأمان لا تستطيع أن تولده أي قيمة معمارية أخرى.

حيث تكون سماء الفنان في كل الأحوال وكأنها قد جذبت لأسفل في علاقة حميمة بالبيت، وهكذا فإن روحانية البيت تظل تتزود من السماء تزوداً مطرداً.

وصفاء الفنان المطوَّق ليس بأمر خيالي، ولا هو بالعمل الرمزي المستبعد، ولكنه حقيقة يمارسها كل فرد يمشي من داخل البيت العربي أو من داخل فناء لدير أو كلية.

وقيمة المساحة المطوَّقة قد تم إدراكها ليس فحسب بواسطة سكان الصحراء، وإنما أيضاً بطول ساحل البحر المتوسط، بواسطة قدماء الإغريق وبناة الفيللا الرومانية، وبواسطة الأسبان بباحتهم المرصوفة، كما أدركها المعماريون العرب في  جوامع القاهرة وبيوت دمشق، وسامراء، والفسطاط.

على أن الفناء بالنسبة للعربي على وجه خاص، إنما هو أكثر من مجرد وسيلة معمارية للحصول على الخصوصية والحماية.

إنه مثل القبة، جزء من مصغر يوازي ترتيب الكون نفسه.

وعلى هذا النمط الرمزي، فإن جوانب الفناء الأربعة تمثل الأعمدة الأربعة التي تحمل قبة السماء.

والسماء نفسها هي السقف للفناء، وهي تنعكس على النافورة التقليدية التي في وسطه.

وهذه النافورة أو الحوض، هي في الحقيقة إسقاط دقيق لقبة فوق خناصرها المعقودة.

وهي في التصميم مشابه بالضبط، فهي أساساً مربع، زواياه في المستوى الأوطي، قد قطعت لتشكل مثمناً؛ ومن كل جانب من الجوانب الجديدة التي تشكلت هكذا تتقعر نصف دائرة، بحيث أن الحوض إنما هو نموذج مقلوب للقبة، بالضبط كما لو كانت القبة الحقيقية تبدو في صورة مرآة في الماء.

وبيت العربي الذي ينظر إلى الداخل، مفتوحاً للسماء الهادئة، وقد جُمّل بعنصر الماء مؤثثاً في شكل نافورة هذا البيت المكتفي بذاته والمفعم بالسلام، الدعوى النقيضة المتعمدة للعالم الخشن للعمل والحرب والتجارة، هو هكذا مملكة المرأة.

والكلمة العربية المسكن ((المسكن)) التي تدل على البيت، تتعلق بكلمة ((السكينة))، أي ما هو سلمى مقدس، بينما كلمة ((حريم)) التي تعني ((النساء)) تتعلق ((بالحرم)) أي ((المقدس))، الذي يدل على الأجزاء الخاصة بمعيشة العائلة في المنزل العربي.

والآن فإن من الأهمية بمكان أن هذه المساحة المطوقة، بما تحتويه من أنوثة دافقة راعشة، لا ينبغي لها أن تنكسر.

وإذا كان ثمة فجوة في المبنى المحيط، فإن هذا الجو الخاص سوف ينساب للخارج ويتدفق إلى الضياع في رمال الصحراء.

فهذا السلام والقدسية، وهذه الأنثوية المتجهة للداخل، وهذا الجو من السكن الذي لا تكفى كلمة البيت للإبقاء به، هذا كله هو إبداع هش لدرجة أن أقل خرق صغير في الجدران الواهنة التي تحميه سوف يؤدي تدميره.

وهذا هو السبب في أن الباحة المرصوفة، التي تكون مفتوحة عند أي واحد أو اثنين من جوانبها، والتي ربما تكون بهيجة بما يكفي في أسبانيا حيث الخلاء الريفي مروُّض نسبياً، هذه الباحة لا تصلح أبداً في الشرق الأوسط، حيث ستقفز الصحراء المتوحشة داخله كالجن لتدمر البيت.

ولو أن جانباً واحداً حتى من الفناء هو جدار بسيط، لفسد الجو، واضطربت فيه السكينة.

فلا يمكن الإبقاء على هذا السحر في مكانه إلا بواسطة غرف يُسكن فيها حقاً، وسبب هذا بالطبع هو أنه ليس بمادة -ولن نستطيع الحديث هنا إلا بضرب الأمثال- وإنما هو إحساس، وهو يتخلق بالضبط بالتفات الغرف هكذا إلى الداخل وإذن، فإنني لهذه الأسباب أساساً قد خططت كل منزل ليكون من حول فناء؛ ولكن الأمر لم يقتصر على أن يتضمن كل بيت فناءه، وإنما كانت كل مجموعة من البيوت تنتظم أيضاً لتحيط بالفناء المشترك الأكبر شبه العمومي، أو الميدان، فناء ((الباشا)) الذي تكلمت عنه فيما سبق.

وكل واحد من هذه الميادين، بما يحيط به من بيوت، قد قصد به أن يخدم مجموعة عائلية واحدة، أو ((بدنة)).

والبدنة هي مجموعة من أناس قرابتهم لصيقة، وتتألف من عشر عائلات إلى عشرين عائلة، ويكون لها رأس أبوي معترف به كما أن لها حساً وثيقاً بالولاء المشترك.

وتعيش هذه العائلات في بيوت متجاورة، ورغم وجود الاختلاف في الثروة والوضع الاجتماعي بين العائلات المفردة، تعيش هذه العائلات في بيوت متجاورة، ورغم وجود الاختلاف في الثروة والوضع الاجتماعي بين العائلات المفردة، إلا أنها تتبع أسلوباً مشتركاً للحياة.

والبدنة الأكبر يكون لها مقهاها الخاص، ولا يذهب أحد إلى المقهى آخر؛ كما يكون لها حلاقها وبقالها الخاصان، وعندما تخبز إحدى العائلات خبزها، فإن كل العائلات المجاورة في البدنة يكون لها أن تستخدم الفرن لتسخين خبزها القديم، وحسب دورة مرتبة للعائلات تقدم كل منها هذه الخدمة في دورها؛ أما في الأعياد والاحتفالات عند استقبال الضيوف فإن البدنة ككل توفر الوليمة ووسائل الترفيه.

والبدنة هي من وجوه هامة من الوحدة الاقتصادية - الاجتماعية الرئيسية للفلاح.

وكان عليّ أن أحسب لذلك حسابه، وأن أتأكد من أن كل بدنة يتم إسكانها معاً وتوفر لها تسهيلات متابعة القيام بكل الأنشطة الاجتماعية التي تعودت عليها.

وكان هذا سبباً إضافياً لتخطيط البيوت من حول ميادين، حيث تستطيع البدنة أن تستقبل الضيوف وأن تقيم الاحتفالات المرتبطة بالزيجات وعمليات الطهور (وُفرت مضيفة أو غرف ضيافة للاستخدام المشترك لكل بدنة في ميدانها)، والميدان أيضاً يصلح لأغراض أخرى أكثر عملية كالتخزين المؤقت للوقود والقش، وإلا فإنهما كان سيكومان بلا نظام في الشارع العام.

على أن الأهم من ذلك، أن الميدان بما يضيفه على المنازل بوصفه بؤرة لها حيث تلتفت كلها للداخل مطلة عليه ‘ فإنه بذلك يخلق للبدنة شيئاً من الجو نفسه الذي يخلقه فناء المنزل الخاص للعائلة المفردة.

وهكذا فإنه يساعد على توثيق صلة المجموعة العائلية معاً، بتأكيد لطيف متواصل على وحدتها، وكذلك أيضاً بسبل عملية عديدة، مثل تسهيل ممارسة تلك العادة الراسخة من أين يسخن المرء خبزه في الفرن الذي صادف أن يكون أي من جيرانه يخبز فيه، وبتوفير مكان للأطفال يلعبون فيه حيث يكونون تحت أعين أمهاتهم وليس تحت أرجلهن.

على أن ما كان بالنسبة لي أكثر أهمية من كل هذه الاعتبارات، لهو التأثير في الشخص إذ يخرج من غرفة بيته، ثم من خلال فناء البيت، إلى الميدان الأكثر رحابة وإن كان مازال مطوقاً، بحيث لا يمر إلى الشارع العام إلا بعد ذلك.

وسواء كان ذلك في القرية أو المدينة، فإن هذا الترخيم التدريجي فيه سلام وسكينة بأكثر مما في الاندفاع المفاجئ للمرء من خصوصية غرفته الصغيرة إلى صخب الشارع أ إلى الحجم الهائل للحقل.

ومن الممكن أن تُرتب هذه الوحدات نفسها بالضبط ترتيباً يتم بطرق مختلفة -كتخطيطها في شبكة متعامدة أو أي شكل آخر- على أن أحسن ترتيب لها هو الميدان المتناسب تناسباً جيداً.

على أنه يجب ملاحظة أن من المهم أهمية حيوية أن البيوت يجب أن يكون وجهها للداخل، في الميدان، تماماً مثلما يكون ضرورياً أن يحاط فناء البيت بالغرف ووجهها للداخل.

ومما يحدث كثيراً إلى حدٍ ما أن نرى ما يزعم أنها ميادين، وهي بالفعل ليست إلا مجرد مساحات عارضة تحددها نهايات صفوف البيت، أو جدار لمدرسة، أو ظهر مصنع.

وعندما تدير كل المباني ظهرها إلى الميدان، أو تعطيه في أحسن الأحوال جانباً بارداً منها، فكيف لنا بعدها أن نتوقع أن يستخدم الناس هذه المساحة كميدان حقيقي؟

وما يحدث عندها لا يقتصر على أن الجو العام يتسرَّب بعيداً، بل إنه أصلاًلا يتواجد أبداً.

والمساحات الكئيبة من مثل ذلك سرعان ما تصبح مقالب للزبالة ومقراً لاجتماع عصابات الأحداث المنحرفين.

واستقبال الضيوف في القرية هو جزء هام جداً من حياة القرويين.

واحتفالات العائلة هي والأعياد الدينية تستدعي حشداً كبيراً، ويقوم كل الجيران بالمساعدة في توفير الطعام.

ويجتمع الضيوف حسب مراتبهم، فرئيس مجموعة العائلات -الرجل الأكبر سناً والأكثر احتراماً في البدنة- يتخذ مكان الشرف في المضيفة حيث يُقدم له الطعام هو والضيوف الأكثر اعتباراً.

أما الأقارب الأبعد صلة فيجلسون لأبعد قليلاً من تحت المقاصير المغطاة.

أما جمهور المعارف العارضين هم وعابرو السبيل فيجتمعون في الخارج في الميدان.

ومن الممكن رؤية الميادين الخاصة وهي تستخدم أعنف استخدام لاحتفال من هذا النوع وذلك عند الاحتفال السنوي؛ بمولد النبي، الذي يرادف الكريسماس في الغرب.

فالاحتفالات عندها تستمر لاثني عشرة ليلة، وفي كل ليلة منها تقوم بالضيافة عائلة مختلفة، ويجتمع أفراد المجاورة لسماع ترتيل القرآن وللمساهمة في الذكر أو الحركات الإيقاعية مع التغني باسم الله.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 8:55 pm

الاعتبارات الاجتماعية الاقتصادية
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit443
كان علينا بأيِّ حال، أن نعرف عن أهل القرنة ما هو أكثر من مجرد تقاليد وتجمعاتهم الاجتماعية، وأهم من ذلك أن نعرف الحقائق الصادقة عن حياة القرويين الاقتصادية، التي يمكن منها أن نقيس تأثير انتقالهم في قدرتهم على كسب عيشهم.

ورغم أن مهمتنا كانت فحسب أن نبني مجموعة جديدة من البيوت، فإنه ما كان يمكننا أن نتجاهل عامدين مسألة أسباب العيش هذه عند أهل القرنة بعد انتقالهم.

فوسيلة القرويين لكسب عيشهم هي مما يجب أن يؤثر في تصميم بيوتهم وما يتم توفيره لهم من المباني العامة.

وأول حقيقة أصبحت واضحة لنا هي أن أهل القرنة لا يمكن أن يأملوا في كسب عيشهم من الأرض المحيطة بالقرية.

فإجمالي مساحة الأرض الزراعية المتاحة للقرنة هو فحسب 2357 فداناً؛ الفدان = 1.038 من الأكرات)، بينما كان عدد السكان في إحصاء 1947 هو 6394.

وحيث أن 2357 فداناً لا يمكن أن تعول إلا 3000 فرد، فسيكون هناك فائض من 3000 فرد آخرين على الأقل عليهم أن يكسبوا رزقهم من مهنة أخرى.

وقد تطوَّر الأمر بالقرنة إلى مهن خدمة الآثار، فاستُخدم سكانها غالباً كعمال في الحفائر، كما كسبوا أيضاً مالاً وفيراً من سرقة المقابر وبيع الأشياء للسائحين.

ولابد أن عدد السكان عند نشوب الحرب في 1939 كان حوالي 9000، إلا أن إيقاف كل الحفريات وكساد أعمال السياحة قد جعل الكثيرين من أهل القرنة يتركون القرية، كما أدَّى وباء شديد من الملاريا الجامبيا في 1947 إلى قتل ما يقرب من ثلث السكان الباقين.

ومع ذلك فحتى هذا العدد المنخفض من السكان لم يكن ليستطيع أن يجد عملاً كافياً لكسب العيش، وذلك رغم إعادة بدء الحفائر.

أما عملهم القديم في سرقة المقابر فقد أصبح عائده في تناقص مستمر بسبب تزايد يقظة السلطات، واستنفاذ ما في القبور.

وفوق ذلك، فإن أهل القرنة عندما ينتقلون، سيجدون معيشتهم أصعب وأكثر تكلفة، ذلك أنه عندما يُقتلع مجتمع من جذوره ويتبدَّد ما كان لديه من وسائل صغيرة لراحة العيش، فإن من كانوا يتمكنون بالكاد من مواصلة العيش سيصبحون جوعى، وكما يبدو ستصبح موارد الأفراد أقل.

والآن؛ فقد افترضت مصلحة الآثار أن السكان سيستمرون في الانكماش، وكان هذا استنتاجاً طبيعياً من الموقف الاقتصادي الفعلي للقرية آنذاك.

على أنه كان يوجد -ومازال يوجد- طريقتان محتملتان - لكسب أود جماعة سكان متنامية.

والأولى أن تستبدل بعض الحرف بشتى المهن التي تعتمد على الآثار، وتحول القرنة إلى مركز للصناعات الريفية.

وهذا أمر متاح كما يتضح من مثل نقاده، وهي مدينة على مقربة يعيش سكانها العشرون ألفاً على النسيج.

ولو أصبح أهل القرنة في معظمهم من الحرفيين، فإنه يمكن أن يستقر السكان بعددهم الحالي وسوف يأخذون بعدها في التزايد بالمعدل الطبيعي للزيادة.

والاحتمال الآخر للتنمية يعتمد على قرب القرنة من الأقصر ومن منطقة الآثار؛ فالقرية الجديدة ستصبح قاعدة السياح لزيارة وديان المقابر؛ والطرق التي تؤدي من المعدية النيلية إلى الآثار والتي تمر عبر القرنة كانت بالفعل مُمهَّدة، وهناك جسر صغير قد بُنِىَ على ترعة الفضلية.

بل وهناك حديث عن بناء كوبري على النيل لربط الأقصر بالضفة الغربية.

والقرنة قريبة من معظم الآثار الهامة أكثر من الأقصر، وإقامة فندق سياحي هناك ستوفر فرصة كبيرة للعمالة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

والحقيقة أنه مع تحسن المواصلات فإن قيمة الأرض سترتفع ويمكن حتى أن تصبح القرية ضاحية للأقصر.

وهكذا فإن تنمية القرنة تبدو أمراً ممكناً للغاية.

وتخطيط القرية الجديدة يوفر إحلالاً لكل بيت في القرية القديمة سواءً كان مسكوناً أو غير مسكون، بحيث تستطيع القرنة الجديدة أن تأوي ما يصل تقريباً إلى العدد الأصلي للسكان وهو 9000.

وإذا زاد عدد السكان عن 9000، فإن هناك متسعاً للامتداد شمالاً وغرباً حتى يمتلأ الحوش عن آخره؛ أما حالياً فيستخدم منه خمس واحد فحسب للقرنة الجديدة.

وأما المباني العامة فكانت كبيرة بما يكفي للتعامل مع زيادة عدد السكان بما له اعتباره، وذلك فيما عدا المدارس الابتدائية؛ سوف يلزم بناء مدارس جديدة بمعدل مدرسة لكل 2000 ساكن جديد.

وإذن فإن أحد أجزاء المشروع الحيوية هي أن توسَّع موارد أهل القرنة بتزويدهم بالمهن التي توفر كسب المال.

والمهن التي لديهم من قبل هي قليلة العدد؛ وقد ذكرت مهارتهم الملحوظة في تزييف التماثيل والجعارين الأثرية، وإلى جانب هذا فقد اعتادوا تحويل الألبستر إلى زهريات، ونسج بعض أنواع لطيفة جداً من المنسوجات الصوفية، وأن يصنعوا الفخار.

وهم أيضاً يقومون ببعض أعمال صياغة الفضة، إلا أن المشغولات الفضية لم تكن مما يُطلب الآن إلا قليلاً، فكانت المهنة في طريقها إلى الزوال.

والعمل في بناء القرية الجديدة سيوفر فرصة رائعة لإدخال المهن المختلفة المتعلقة بالبناء.

والحق أنه يبدو توفير المهارات المحلية ما كان يمكن بناء القرية.

وأردت أن أعَلّمَ أهل القرنة صنع الطوب، واستخراج الحجارة، وحرق الطوب والجير، ورص مداميك الطوب، والسباكة؛ والتجصيص.

ثم هناك تأثيث بيوتهم الجديدة، وأردت في ذلك أن أحافظ على التصميمات التراثية للأثاث التي تلائم البيوت، وربما مع تعديلها.

والقرويون ما إن يتعلموا هذه الحرف، فإنهم سيستطيعون بيع مهارتهم ومنتجاتهم للقرى الأخرى من حولهم  ولكن إذا تم ذلك بالنسبة لهذه الحرف، فلماذا لا يتم أيضاً مع غيرها؟

إن النسيج الصوفي المحلي ينبغي أن يجد سوقاً له.

ويمكن تعليم القرويين صنع بساط الحصير، والسلال، والأبسطة والسجاجيد.

وكنت أرغب أشد الرغبة أن اكتشف طريقة بسيطة لصقل الفخار على درجة حرارة منخفضة، بحيث يمكنهم صنع أواني مائدة من نوع جيد ليبيعوها، والحُلِي أيضاً؛ كان هناك تقليد بأن تُدَّخرَ النقود في شكل حُلِي فضية من المشابيك والخلاخيل والأساور والعقود، والأنواع الأخرى من الحُلِي - ومن هنا تكون مهنة صياغة الفضة وأعتقد أنه لو كانت مُدَّخرَاتك بحيث يتسنَّى لك أن تراها وتعجب بها فإن هذا أفضل من أن تحتفظ بها في مصرف، وهكذا وددت أن أشجع إحياء مهنة صياغة الفضة.

ومن الممكن أيضاً صنع التذكارات للسياح (وهاهنا بعض مجال لمزيفي الآثار).

بل أننا فكَّرنا في تأسيس ورشة صغيرة لصنع النوافذ ذات الزجاج المُعشَّق المُلَوَّن.

ولو ابتدأت كل هذه الأنشطة الجديدة في القرية، فإنها ستهب الناس في التو حياة أكثر إرضاءً.

وسوف تتضاعف مقتنياتهم الشخصية وتصبح بيوتهم أجمل، وسوف يكسبون نقوداً أكثر ويتخلصون مما ألفوه طويلاً من تعاسة.

والمدينة إنما تُقاس حسب نوعية ما يقتنيه الناس من الأشياء الثانوية للحياة وكسب نوع عاداتهم، فهي لا تُقاس بغلو ثمن مقتنياتهم.

وقد يحوز أحد الرجال آلة حلاقة كهربائية، ولكنه لن يكون أكثر تمدُّناً من رجل يحوز موسى من الطراز القديم؛ فالاثنان يحلقان وهذا فيه الكفاية.

والأمير المُترَف إذ يجلس في مكتبته الخاصَّة وسط كتب من الطبعة الأولى كلها مُجلّدة وعليها شعاره، لا يكون بسبب هذا أكثر تمديناً بأي حال من عامل رَثٍّ ملابس يدرس في مكتبة عامة كُتُباً قذرة بَلِيَتْ من كثرة التقليب.

فمستوى المعيشة في القرية إنما يرتفع ارتفاعاً عظيماً بتوفير بيوت بسيطة ولكنها وافية، مؤثثة بما يكفي، ومزوَّدة بالتركيبات الصحية ومُزيَّنة بالمنتجات المحلية الممتازة، كما يرتفع بالتعليم، وبالنقود التي تُكتسب من الحرفة، وبزيادة الاتصال بالمسافرين والسياح والمدرسين من الخارج.

وهكذا يُصبحُ الناس أكثر صحة وسعادة وراحة وأمناً وحتى جداول الإحصائيين سيظهر فيها عدد وفيَّات أقل وأطفال أكثر.

* * *

واقتصاد القرنة الجديدة عليه بحكم الظروف أن يعتمد على الإنتاج و ((التصدير)).

ولدينا الفرصة لاختيار الحرف التي يبدو أنها أكثر أرباحاً، ويبقى علينا أن نستفيد بكل ما لمجتمع حرفي قوي من مزايا تتفوَّق على جيراننا المزارعين الأكثر ضعفاً، ولربُّما شعر هؤلاء الجيران حقاً بالغيرة إذ يرون أهل القرنة الذين عملوا بالسرقة خمسين عاما ينالون جائزتهم عن ذلك بما قدم لهم من وسائل تجعلهم ما زالوا يزيدون غنى، على حساب الفلاحين الشرفاء، ولا شك أنه ليس هناك مطلقاً ما يبرر محاباة أهل القرنة بالذات.

ولو أنهم استحوذوا على كل الأسواق، فسيكون من الصعب بعدها أن تُنوع الحرف في القرى الأخرى ويُرفع من مستوى معيشتها.

والحقيقة أنه ما من قرية تستطيع أن يكون لها وجود مستقل بذاته، وينبغي ألا تُعَدُّ القرية كِيَاناً مُنعزلاً.

وينبغي من كل الوجوه أن تتخذ القرية المكان الملائم لها ضمن نموذج كلي -ليس فحسب من حيث المكان، وإنما من حيث الأبعاد المختلفة للنمو الاجتماعي والاقتصادي-، بحيث أنها مع تطورها ومع تنامي عملها وحرفها وأسلوب حياتها، تساعد بذلك على الاستقرار البيئي للمنطقة بدلاً من أن تفسده.

ولعله ينبغي أن يكون لدينا خطة للمنطقة على المدى الطويل، تُخصَّص الصناعات للقرى بحيث لا تتولَّد ضغوط منافسة لا تطاق، على أننا لم يكن لدينا أي من ذلك.

وعلى كُلٍّ، فإن هذا مبعث للقلق لحظتها، فبالوضع الحالي للريف هناك نقص هائل في أي منتج، في أي من أكثر الضرورات الأولية للحياة المتمدينة، بحيث أن هناك مجالاً فيه أكثر من مُتَّسَعٍ لأن تُضاعف كل قرى مصر من إنتاجها لِمَرَّاتٍ كثيرة.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:40 pm

الحرف الريفية في القرنة
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit444
لابُدَّ من أن أوضح أنه فيما يتعلق بالحرف الريفية في القرنة، فإنني فيما عدا حرف البناء، لم يكن لدي أي نيَّة لتنمية هذه الحرف بنفسي؛ فلم يكن هذا من مهامي.

على أننا قد قمنا ببعض التجارب، وكأنها بمثابة أخذ عينات من التربة، لنرى إذا كان يمكن للحرف أن تنمو في القرنة.

وأهم الحرف هي صناعة النسيج، فيمكن أن يكون منها بالفعل نوعان محليان للنسيج لهما أهمية كبيرة في القرنة ((البردة)) و ((المنير))، وأما قرية نقادة القريبة التي تعرف بأنها القرية ((المليونيرة)) فكانت تنتج نسيجاً بالغاً في التعقيد وغلو الثمن يسمى ((الفركة))، وكنت أريد إدخاله للقرنة.

وإلى جانب هذه، وكلها أقمشة صوفية، كان هناك أقمشة قطنية للكوفيات وما شابه وهي حقاً جميلة جداً بتقليمتها الرهيفة في تناسقها؛ على أنها لم تكن من نوعية جيدة جداً وذلك بسبب الغزل والصبغات.
* * *
صناعة النسيج
في سياق جهودنا لإنشاء صناعة نسيج، أجرينا بعض تجارب في الصباغة، بمساعدة من اسكندر نسَّاج القرية.

وفيما مضى كانت الصبغات النباتية المحلية جميلة جداً، ولكنها نبذت لتستخدم بدلاً منها الصبغات الكيماوية الرخيصة والتي أدَّى استعمالها إلى تأثير بالغ السيوقية في منسوجات الأقمشة التراثية.

ولو أمكننا إعادة إدخال الصبغات النباتية، فإن أقمشة القرنة فيما ينبغي سوف تباع جيداً.

وقد كان هدفنا إلى إحياء تقنيات الصبغة النباتية، لأن هذه الصبغات أكثر ثباتاً ورقة في ألوانها من الصبغات الكيماوية.

ولكن حتى يحل الوقت الذي نتمكن فيه من إنتاج الصبغات النباتية بقدر كبير، كان علينا أن نعتمد قبلها على صبغات الأنيلين*، وقمنا بعدد من التجارب لجعل هذه الصبغات أكثر لطفاً وتجانساً.

وفكرت من بين أشياء أخرى، في أن أخفف من التباين الجافي للصبغات الأنيلية بأن أمزج كل صبغة منها في الماء المتخلف من لونها المكمل، وفكرت أيضاً في أن يتم اختيار الصوف الأصلي اختياراً حريصاً، بحيث أن الصوف الذي يكون لونه الطبيعي بنياً قاتماً يتم صبغه بالأحمر، بحيث أن الصوف الذي يكون لونه الطبيعي بنياً قاتماً يتم صبغه بالأحمر، والصوف البني الفاتح بالأصفر، والصوف الأسود بالأسود، وهلم جرا.

وسوف يرقق ذلك من الألوان الزاهية بينما يجعل الألوان الداكنة متوهجة.

وقد ساعدتنا شركة الصناعات الكيماوية الإمبراطورية المحدودة مساعدة كبيرة في هذه التجارب، إذ اهتمَّت بهذا العمل وسمحت لي بالحصول على الصبغات في كميات صغيرة، الأمر الذي يخالف إجراءاتهم المعتادة.

وكانت منسوجات القرنة المُحسَّنة الصبغة جذّابة أقصى الجاذبية.

وتصادف أن رأى مسيو بودان، أحد مديري جانسين في باريس، هذه الأقمشة فراقت له كثيراً حتى أنه عرض أن يشتري كل متر نستطيع إنتاجه من قماش المنير الملون.

وزار القرية السيد محمود رياض وزير التجارة والصناعة، وثار اهتمامه أيضاً بتجارب النسيج والصباغة.

وشجَّعنا تشجيعاً هائلاً بأن وعد بأن يُرسل لنا خبيراً في صناعة النسيج لتوطيد هذه الحرف.

وسرعان ما وصل الرجل.

وكان اسمه محمد طلحة أفندي، وهو شخص على أقصى درجة من طيبة القلب والتفكير الاجتماعي، ويتحمَّس لعمله كل التحمُّس وفي ظرف ليلة، كان قد جمع في الخان مجموعة من عشرين طفلاً ليُعلمَهُم النسيج.

وكان أول ما فعله هو أن جعلهم جميعاً يغتسلون جيداً، ثم جعلهم يشرعون في برم الخيوط، وإعداد النُّول وما إلى ذلك، ومن المُذهل أن يرى المرء كيف أن فيهم مَنْ تشرَّبُوا نسج السجاد وكأنما بنفس الطريقة الطبيعية التي ينسج بها العنكبوت وكأن الحرفة كانت تجري في دمائهم.

وعندما أتى وكيل الوزارة، شفيق غربال، لزيارتنا تأثّر تأثّراً بالغاً بهؤلاء النسَّاجين الصغار، على أنه قد لاحظ أنهم يبدون نحافاً جائعين، واقترح أن يُمنح لهم في كل يوم سُلطانية من حساء العدس.

وكان هذا اقتراحاً عملياً معقولاً صفَّق له كل واحد (وخاصة الأطفال)، وما لبثت الوزارة أن سألت عن بند الميزانية الذي سيوضع الحساء عليه.

واتضَّح أنه لا يوجد باب مناسب يمكن صرف حساء العدس عن طريقه، اللهم إلا إذا استطعنا بدء تشغيل المدرسة الابتدائية، ووضع الأطفال فيها، فيحسب مبلغ القرش الواحد أو ما يقاربه لكل فرد على حساب وجبات المدرسة.

وبدا أن هذه طريقة باهظة التكلفة للحصول على سُلطانية حساء، بأن تُبنى مدرسة وتوظف لها هيئة من المدرسين.

على أن المشكلة حلّت نفسها، عندما سقطت الوزارة بعدها مباشرةً تقريباً وتم نقل طلحة أفندي.

وطُرد الأطفال ليهيموا في منطقة الآثار وهم يشحذون البقشيش من كل السُّيَّاح.

وبعد هذه النكسة، فكّرت في أنه يمكن توطيد جذور حِرَفِ النسيج توطيداً أشد لو أمكن بناء مدرسة الصنايع ليتم تشغيلها.. وهكذا سارعت للبدء في بنائها.

وكان الهدف منها أن تكون معاً مركزاً للتدريب وورشة جماعية، بها الأنوال وتجهيزات الصباغة.

وهكذا جُهزت المدرسة بستة أحواض للصباغة، وكل حوض له غلايته الخاصة التي تعمل بفرن من نوع قطرة - زيت - وماء - وهو وسيلة فعالة جداً تغلي سعة برميل كامل من المياه كل ربع ساعة.

وكان في المدرسة الصنايع مُتَّسَعٌ لعشرة أنوال للأنسجة المحلية ولعدد من الأنوال الرأسية للأقمشة العادية.

وبمجرَّد الانتهاء من مدرسة الصنايع كتبت إلى وزارة التجارة والصناعة عارضاً إيَّاها عليهم.

وكان للوزارة من قبل مركز للصناعات اليدوية في قنا، ولكنه كان يتوارى بعيداً في شقة مؤجرة بالطابق الثاني؛ وهكذا ظننت أنهم سيرحبون بفرصة تدريس صناعاتهم في هذه الإنشاءات الدَّائمة التي حَسُنَ إعدادُها، خاصة أنها تقدم لهم مجاناً.

ولكن المدير العام كتب ليرُدَّ عليَّ قائلاً: إنني أحاول فرض أرائي على وزارة وأنهم لا يقبلون العرض.. وبدا من لهجته وكأنني أحاول انتزاع شيء منه بدلاً من كوني أقدم شيئاً مجاناً.

وهكذا ماتت تماماً تجربة النسيج، وكان ذلك بالكلية بسبب تثبيط حكومي نشط.
----------------------------------------------------
* مادة عضوية تستخرج من قطران الفحم وتستخدم في الصبغات والعطور (المترجم).
----------------------------------------------------



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:43 pm

صناعة الفخار
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit445
إلى جانب النسيج كنت أوَدُّ أن أعطي القرنة وسيلة عملية لصنع الفخار المصقول، للأسباب التي شرحتها من قبل، وصنع القرميد تدخل فيه مشكلة أن لا يوجد، أو كان لا يوجد، مادة صقل مناسبة تنصهر على درجات الحرارة التي يمكن الحصول عليها من أفران الفلاحين العادية.

فكان علينا إما أن نعثر على مادة صقل في درجة حرارة منخفضة أو على فرن رخيص عملي عالي الحرارة.

وكان المثّال الياباني إيسامو نيجوتشي قد أخبرني أن أحد الأشخاص في جامعة كاليفورنيا قد صنع مادة للصقل تعمل عند درجة حرارة 600ْ م، ورغم أني سألت أناساً كثيرين، فما من أحد آخر كان يبدو أنه قد سمع بهذا.

على أنني قد صمَّمتُ بالفعل فرناً، يعمل بقاعدة نقطة - الزيت - والماء لإحراق الطوب والجير.

وبالنسبة لأي شخص يهتم بهذا الموضوع، فهناك أيضاً صناعة الخزف والقيشاني المحلية في رشيد، حيث كانت تصنع فيما مضى أجمل أنواع البلاط القيشاني، وهو بلاط ما زال يمكن رؤيته في البيوت القديمة برشيد ودمياط.

وكان الأب دي مونتجولفير، وهو قس يُدِيرُ مستوصفاً صغيراً في جرجا عبر النهر إلى الشمال من الأقصر قد رأى أني مهتم بتحسين الفخار المحلي.

فأرسل دعوة لابن أخيه، وكان خزَّافاً، ليحضر من باريس، وبنينا له ورشة جميلة جداً في جرجا.

ولسُوءِ الحظ فإن الفخار الذي أنتجه ابن أخيه وإن كان لطيفاً جداً، إلا أنه لم يكن مطلبي.

فقد كان فنياً لأكثر مما ينبغي، بينما كان ما يحتاجه الفلاحون هو فخار أو قرميد مباشر جداً وقابل للاستخدام.

فما نحتاجه فوق كل شيء هو تكنيك يستطيع الفلاحون تقليده بسهولة؛ شيء يُشبه في رخصه وبساطته البناء بطوب اللبن.

وكم كنت أوَدُّ لو أنني أتيتُ بإيسامو نيجوتشي ودي مونتجولفير معاً لأرى إذا كانا سيتمكنَّان فيما بينهما من إنتاج شيءٍ ما.

وكان ينبغي أن يتمَّ تعليم أهل القرنة كل هذه الحرف الجديدة، واتباعاً لمبدأ أنه (بعد أن شاب لا يصلح للكُتّابْ) فكّرتُ أننا ينبغي أن نُرَكِّزَ على أن نُعِدَّ حِرَفِيِّينَا الجُدُدِ من بين أطفال القرية.

ولَمَّا كنت أعرف أن حُجُرَاتِ الدِّراسة تكون عُرضَة لأن تنعزل عن الواقع بما تُفعم به من حشو الطباشير وأوراق الامتحانات، وأنه مهما بلغ من حُسن نوايا المُدرسين فإن الأطفال يتململون ويتطلعون من النوافذ للخارج.

فقد قررتُ ألا تُدَرَّسُ هذه الحرف الجديدة في المدرسة.

وأفضل من ذلك كثيراً أن تتم الاستفادة بنظام صبي الحِرفة.

فيعمل الدارسون في دُكان معلم للحرفة، وسوف ينغمسون من أول يوم يعملون فيه تحت يده في جو الصنعة.

وسيتعلمون كل خِدَعِ الحرفة وحيلها، وسوف يرون فائدة معرفتهم هذه ملموسة فيما سينالونه من نقود - ذلك أنهم سيمكنهم بيع إنتاجهم من أول الأمر ولن يكون هناك أي من تلك الحيرة التي تنتاب معظم التلاميذ عندما يحاولون إدراك العلاقة بين التجريدات التي تلقن لهم في حُجرة الدِّراسة وحقائق الحياة الواقعية خارجها.

فهم سيكبرون في عملهم، متفهمين لكل ما فيه من صعوبة، وإذ يتقنون العمل فإنهم يكتسبون، لا المديح من المدرس، وإنما النقود من العميل.

وصبيان الحِرفة عندي لا يمكن أبداً أن يكونوا على مثال أولئك التلاميذ الذين يخرجون من المدرسة بشهادة في أيديهم، ويتحيَّنون في سذاجة أي منفذ ليقفزوا عند أول فرصة إلى وظيفة ما مكتبية.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:47 pm

خان الصنايع

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit446
كان يجب أن نزيد من السرعة المعتاد تطبيقها لتعليم الحرفة للصبيان، فلم يكن في وسعنا أن نُبقي الصبيان طيلة ثلاث سنوات وهم ينظفون أدوات المعلم ويلفون الخيوط في كرات.


وعليه كان ينبغي أن نستدعي حرفيين من مناطق أخرى، ونحدد لهم الفترة الزمنية التي يحتاجونها للبقاء، وندفع لهم راتباً ونوفر لهم الإقامة أثناء وجودهم معنا.


وقد خططت لهذا الغرض نزلاً هو واحد من أهم البنايات العامة في القرية، حيث يمكن أن يقيم كل معلم حرفة هو وعائلته، مع وجود ورش يمكنه فيها أن يمارس مهنته ويعلمها، ودكاكين يمكنه فيها أن يبيع سلعه.


وهذا الخان، كما أسميته، هو المكان الذي ستُعلم فيه المهن الجديدة التي ستُنشئ اقتصاد القرنة الجديدة.


والخان هو الأداة الرئيسية لتنظيم الإمداد بالحرفيين الجدد.


وقد بزغت فكرة هذا البناء من حاجة القرنة لحرف جديدة، ومن الحقيقة أن النظام المدرسي لن يكون اقتصادياً بالمرَّة بالنسبة لهدفنا.


وفي سياق الحياة الطبيعي، لا يستطيع مجتمع ما أن يمتص في أي حرفة واحدة إلا عدداً محدوداً من الحرفيين.


وعندما يتعلم الأولاد المهنة كصبيان لها، فإن المعلم الحرفي يحرص على ألا يكون في دكانه عدد من عمال المهنة المهرة هو أكثر مما يلزم، لأنه يجب أن يدفع لهم أجراً وهكذا فإنه يحتفظ بالكثير من صبيانه لزمن طويل وهم يؤدون في الدكان مهام لا ضرر منها، ولا يُتيح لهم أسرار الحرفة إلا بحذر شديد وعندما يكون حقاً في حاجة إليهم.


وبهذه الطريقة فإنه يتأكّد أيضاً من أن السوق لا يكتظ أبداً بالمُنافسين من مُعلمِي الحرفة، وبهذا فإنه يضمن كسب عيشه هو نفسه.


وهكذا فإن نظام صبيان الحرفة هو وسيلة طبيعية ممتازة للاحتفاظ بتوازن الحرف في المجتمع، على أنه نظام محافظ.


وعندما يظهر أن تغيير نمط العمل هو أمر مرغوب فيه، وعندما تصبح هناك حاجة إلى عدد أكبر كثيراً من الحرفيين في حرفة معينة، فإن نظام صبيان الحرفة لا يمكنه أن يتوافق توافقاً طيباً.


وحتى نُعيد توفير الحرفيين للقرنة كنا في حاجة إلى نظام ما يجمع بين الناتج الكبير من المدرسة مع مرونة وانخفاض تكلفة نظام صبيان الحرفة، وقد وجدنا هذا  الخان.


والمبنى نفسه، وهو رخيص في المقام الأول سيتم فيه إيواء معلمي الحرفة في تَتَالٍ، بحيث يُدعى كل منهم للحضور وتمرير مهاراته بأسرع ما يمكن حتى يتم استيفاء حاجاتنا في هذه الحرفة بعينها.


ثم يعود المعلم إلى بلده ثانية، ويمكن أن يشغل حرفي آخر مكانه ليعلم حرفة ضرورية أخرى.


ولن يكون هناك فصول دراسية، وسوف يقوم الحرفيون ببيع عملهم، وسوف يتعلّم الصبيان بسرعة (لأنه ما دام معلموهم لا يمكثون إلا مؤقتاً، فإنه لن يكون لديهم أي سبب لتأخير تعليمهم)، ولو حدث وتم إمداد القرية بالكامل بالحرف المُزدهرة، فإنه يُمكن تحويل المبنى لغرض آخر.


والتلاميذ، إذ يتعلمون حرفتهم بنجاح سيُمارسُونها في القرية وليس في الخان، وسيتخذون بدورهم صبياناً لأنفسهم.


وهكذا فإن الحرفة بعد الأخرى سوف تنتشر ((بذورها)) من الخان إلى القرية، حيث يمكن بعدها أن تستمر في النمو بنفسها.


والمهن التي يجب أن تُعَلّمَ حسب هذا النظام هي تلك التي يكون الطلب عليها محدوداً نوعاً؛ كصناعة الحُلِي وخرط الخشب، والنجارة، والنسيج الفاخر، ونجارة الأثاث، وتقليد الآثار، (الذي يُصبح الآن مهنة مُحترمة)، وما إلى ذلك.


أما الحرف الأخرى، وخاصة النسيج والصباغة، فإن لها سوقاً كبيراً ثابتاً.


وسوف يكون هناك طلب متواصل على القماش، وبالتالي حاجة متواصلة للنَّساجين والصَّباغين.


وهؤلاء سوف يتعلمون في مدرسة الصنايع.


وهي ثاني أكبر مبنى تعليمي في القرية، حيث يكون الأمر جديراً بإقامة نظام دائم.


والمقصود هو أن الأولاد إذ يتعلمون الحِرَفَ هناك، فإنهم ينبغي أن يمارسوها في نفس المبنى، الذي سيصبح بمثابة مصنع صغير للقماش يتم فيه تدريب ما يخصه من الحرفيين.


وسيكون هناك أيضاً بالطبع مدرستان ابتدائيتان حيث سيتعلم كل أطفال القرية القراءة والكتابة، وحيث لهم بشيء من الحظ والممارسة أن يصلوا منهما في النهاية إلى الدراسة في المدرسة الثانوية والجامعة.

* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:51 pm

قاعة معرض الحرف
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit447
المعرض الدائم للحرف فيه ما يثير الاهتمام كوسيلة غير مألوفة في القرية، وقد قصدنا هنا أن يستمر فيه عرض عينات من كل منتجات الحرفيين الجدد في القرنة الجديدة، حتى يمكن للزوار والسياح أن يستعرضوا سلعنا على نحو ملائم.

والمعرض يتخذ موقعه في الطريق الرئيسي الذي يمتد من تمثالي ممنون إلى الأقصر، ومن الأفضل حتى يتم جذب السياح، أن ندفع عمولة صغيرة على المبيعات لسائقي سياراتهم وترجمانهم.

وقد خُصِّصَ مبنى آخر من المباني العامة ليضم المركز الاجتماعي للنساء والمستوصف.

ويُتاحُ في المستوصف علاج الإصابات والأمراض البسيطة، ويمكن إقامة عيادة خارجية لطبيب زائر، كما توفر خدمات رعاية الأمومة.

ويلحق بهذا، المركز الاجتماعي للنساء، وهو يتصل مباشرة بالمستوصف، ويمكن للنساء أن يتلقين فيه التعليمات الصحية وتعليمات رعاية الأطفال.

ويكون في هذا المركز مشاغل حيث يمكن لهن أن يؤدين معاً الأشغال اليدوية، وفيه مطبخ حيث يمكن أن يتعلمن مبادئ الطهي الجيد وهو فيما يعرض سيخدم المستوصف.

وسيكون هناك أيضاً حمام تُركي، ومسرح مفتوح، بل وكنيسة صغيرة لأقباط القرية الذين يقرب عددهم من المائة.

وباختصار، فقد كنت أريد أن توفر مباني القرنة العامة كل الاحتياجات الاجتماعية للقرويين لعملهم وحِرَفهم، ولتعليمهم، ولتسليتهم، ولعبادتهم.

وقد ضَمَّنتُ وصفاً لهذه المباني المقترحة في تقرير مصلحة الآثار.

وهذا التقرير، إلى جانب وصف المباني وصفاً بسيطاً، فإنه يشرح نظام العمل الذي قررنا اتباعه، وكذلك مبادئ تعويض العائلات التي كان عليها أن تنتقل.

ولَمَّا كانت التقنيات التي سنستخدمُها غير مألوفة، فإننا لم نكن نستطيع أن نعهد بالمُهمَّة إلى مقاول.

فما من مقاول لديه أي خبرة في التسقيف بطوب اللبن.

وهكذا فلو دعونا إلى مُناقصة فسوف تقدم لنا فيما ينبغي عروض مالية مستحيلة.

ولو لجأنا إلى شركات تجارية لصنع قوالب الطوب لنا، ونقل مواد البناء، وإقامة البناء، فإن هذا لا يمكن أن يكلفنا أقل من مليون جنيه.

وكان كل ما لدينا هو 50.000 جنيه.

والطريقة الوحيدة لإنجاز عمل كثير كهذا بمبلغ زَهِيدٍ هكذا هي بأن لا نتخذ وسائل الفلاح للبناء فحسب، وإنما بأن نتخذ أيضاً وسائله في العمل عندما يبني لحسابه، والفارق الأساسي هو أننا ينبغي أن ندفع أجراً لهذا العمل الذي يؤديه الفلاحون في العادة مجاناً.

كان في استطاعتنا أن نبني القرية كلها بأنفسنا.

ولن نعتمد على المصادر التجارية للحصول على أي من موادنا للبناء؛ فسوف نقوم تواً بصنع كل أداة مُفرَدَة يتم تصنيعها؛ ستكون العملية كلها بأسلوب ((أد العمل بنفسك)) ((وإن كان للعمل أجره)).

وسوف نصنع قوالبنا الخاصة بنا من طوب اللبن، ونبني الأفران، ونحتجر الحجارة  ونحرق الجير، ونحرق الطوب للتركيبات الصحية، الخ.

ولن نوظف أحداً سوى البنَّائين من أسوان ومن أهل القرنة أنفسهم.

وبهذه الطريقة فإن المشروع كله يُمكن أن يُصبح مدرسة تقنية هائلة حيث يتعلم القرويون شتَّى حِرَفِ البناء، لتلحق بالحِرَفِ الأخرى التي سيتعلمونها في الخان ومدرسة الصنايع.

وسيتم تصميم البيوت الجديدة تصميماً فردياً، فيُتاح لكل عائلة عدد الغرف نفسها والمساحة نفسها التي كانت تشغلها من قبل.

وهذا أكثر واقعية من محاولة تقدير قيمة المنازل الموجودة وتصميم منازل جديدة بنفس ثمنها، ذلك أنه في مشروع على نطاق واسع كهذا يكون أي رقم يقدر كثمن للبيت بمفرده هو إلى حَدٍ كبير رقم بلا معنى وفوق ذلك، فإن تأسيس المأوى الجديد على أساس من القديم يجعل من الأسهل إرساء معيار الحد الأدنى، غرفتان والملحقات الصحية - بحيث أن أفقر العائلات التي كانت تشغل حَرْفِيّاً ممتلكات لا قيمة لها (هاهي في بعض الأحوال ما لا يزيد عن قبر مُسَوَّر) سوف يتم إيواؤها كما ينبغي أن يكون الإيواء السليم.

وقد شرحتُ هذه المبادئ للإسكان العائلي في تقريري.

على أني اخترتُ أن أبدأ بالمباني العامَّة لسببين مُهِمَّيْنِ.

الأول إنني حسب خبرتي بالمصالح الحكومية كنت أتوجس أنه ما إن يتم إقامة عدد معقول من بيوت الإيواء، فإن الحكومة ستقول: ((شكراً جزيلاً؛ هذا حقاً جميل جداً))، وتدفع بالفلاحين إلى البيوت، وتكُفَّ عن دفع أي نقود أخرى لأي شيءٍ آخر، وهكذا فإن المباني العامَّة لن يتم بناؤها وستظل القرية الجديدة حشداً من بيوت ليس لها مركز.

والسبب الثاني، أني أردت أن أتيح لنفسي زمناً أرقب فيه القرويين وأتحدث إليهم عن بيوتهم الشخصية نفسها.

فما كانت لي حاجة لأي نصيحة منهم بشأن تصميم المسجد أو المدارس، وإنما كنت أريد أن أجعل كل بيت يناسب بالضبط العائلة التي ستسكنه.

ورغم أني كنت أُعطيت موقعاً، ومنحت لي حرية التصرف فيه، إلا أن المصلحة لم تكن جِدُّ سخيَّة بمالها.

وكان المبلغ المُخَصَّصِ لي مُؤسَّسَاً على تقدير تعسُّفي لقيمة البيوت في القرنة القديمة، ولم تكن له أدنى علاقة بالتكلفة المُحتملة لبناء القرية الجديدة.

فالفلاحون ستُنزع ملكيتهم وقد خُصِّصَ لهم خمسون ألف جنيه كتعويض.

وهذه النقود سَتُحَوَّلُ إليَّ لأبني قرية كاملة ما يقرب من ألف بيت.

ولسوء الحظ، لم يخطر للمصلحة أن القرية تحتاج لما هو أكثر من مجرد بيوت، ورغم أن تقدير خمسين جنيهاً لكل بيت كان تقديراً معقولاً (بشرط أن نستخدم الأسلوب الذي طورته في المباني السابقة في ظروف طبيعية)، فإنه لن يتبقّى أي شيءٍ للطرق، والمدارس، والجامع، وغير ذلك مِمَّا هو ضروري من المباني والخدمات العامَّة.

كان من المفروض أني سأنتهي من القرية في ثلاث سنوات، وأُعطى لي لأول الموسم للعمل 15.000 جنيه!

وفي نفس الوقت تقريباً، كانت الحكومة قد منحت مليون جنيه لذلك المشروع الآخر في إمبابة حيث كان سيُبنى ألف بيت كلها تتماثل تماماً وكل واحد منها ضيق بما يكفي لأن يكون كله داخل غرفة الضيوف في بيت من بيوتي، وعلى كُلٍّ، فقد أمكنني أن أقهر نفسي وإحساسي بعدم الثقة، وركزت على وضع تصميماتي.

ولم يكن ثَمَّةَ فائدة من التَّذَمُّر بشأن النقود.

هيا بنا نُقيم بعض المباني، ونفعل أقصى ما بوسعنا، ونضع ثقتنا في أنه يمكن فيما بعد أن نُزوَّدُ بمالٍ أكثر لإنهاء القرية.

ولو سألت المزيد الآن سيثور نقاش، ثم تأجيل، ولن نتمكّن أبداً من بدء العمل.

وليس هذا فحسب، ولكني أيضاً أخذتُ على عاتقي ما يكاد يكون أقسى تَحَدٍ اجتماعي في مصر، وأحسستُ  أنه إذا كان عليَّ أن أثبت بما لا يقبل الجدل أن المبادئ التي اتخذتها هي على صواب، فإنه ينبغي أن أثبت ذلك تحت أكثر الظروف تحدِّياً، وبكل تأكيد ليس هناك مَنْ يستطيع أن يقول مُتشكيّاً أنني عندما اخترتُ مشكلة إعادة إسكان أهل القرنة فإني قد اخترتُ بذلك مشكلة هيِّنَة.

وأهل القرنة أنفسهم كانوا يُعارضون الفكرة مُعارضة عنيدة.

فلم يكن لديهم أدنى ميل للانتقال من القرية التي يعرفونها والمهنة التي نشأوا عليها، وما كان لديهم أدنى ميل لتعمير قرية جديدة والانشغال بعمل شاق جديد لمجرد إثبات نظرية البناء.

بل هم لا يتخيَّلون أن يهجروا الدخل الوفير الذي يأتيهم من حفرياتهم الخاصة أو ((الكحتة)) كما يسمُّونها، والتي كانت تجعلهم أغنى من سائر الفلاحين عامة، من أجل أن يكسبوا عيشهم بعرق جبينهم مثل أي فرد آخر.

وذهب التقرير إلى مصلحة الآثار، ولم أسمع بعدها أي شيء عنه.

ولست أعرف إذا كان أحَدٌ قد قرأه، ولكني اعتبرتُ أن عدم وجود تعليق فيه يشير إلى الموافقة ومضيت قُدُمَاً في التصميم.
  *  *  *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:55 pm

تخطيط القرنة الجديدة
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit448
كان الموقع مُحَدَّدَاً في جانبيين منه بسكة حديد ضيقة تدور في منحنى عند الركن الجنوبي الشرقي، وها هنا كانت محطة صغيرة، من الواضح أنها تُحَدِّدُ لنا موضع السوق، فالتُّجار والفلاحون سيرغبون في جلب وإرسال سلعهم بواسطة القطار.

ويشغل السوق هنا مساحة مربعة كبيرة، وهو يوفر المدخل الرئيسي للقرية.

ويعبر الزوار السكة الحديدية، ويدخلون السوق من خلال بوابة، ثم يمرُّون من خلال بوابة أخرى ذات عقد على  الجانب المقابل من السوق، ليدخلوا إلى القرية ذاتها.

ومن هذه البوابة يتلوى الطريق الرئيسي في وسط القرية كالثعبان، في ثلاثة منحنيات، وينتهي عند الركن المقابل عند بحيرة صناعية صغيره ومنتزه.

وعند المنتصف، يصبح هذا الطريق أعرض كثيراً، وليكون هو وشارع آخر عريض، يؤدي إلى الجنوب ومتعامد عليه، الميدان الرئيسي للقرنة.

وينتظم من حول الميدان المسجد، والخان، وقاعة القرية، والمسرح، وقاعة المعرض الدائم.

أمَّا المباني العامة الأخرى فكانت أكثر بُعْداً من المركز؛ فمدرسة البنين الابتدائية مثلاً تقع بجوار المنتزه عند الطرف الشمالي الغربي للطريق الرئيسي، حيث الجو لطيف هادئ (لتصيّد النسيم الشمالي الشرقي السائد في جيزة المنتزه).

أمَّا مدرسة البنات فتشغل موقعاً مماثلاً ولكنه باتجاه أكثر نوعاً إلى الشرق.

وَوُضِعَتْ مدرسة الصنايع بجوار السوق، وسبب ذلك في جزء منه هو تشجيع مبيعاتها وفي جزء آخر أن أدع الصبَّاغين يصرفون ماء مخلفاتهم في مصرف مجاور.

وهناك شارعان رئيسيان آخران ينحنيان بعيداً في هلالين، واحداً من كل طرف من الجزء الأوسط من الطريق الرئيسي، بحيث يُشكِّلان طريقًا رئيسياً ملتوياً مشابهاً  يربط ركن القرية الشمالي الشرقي بالركن الغربي.

وعلى هذا الطريق جنوباً هناك الكنيسة القبطية الصغيرة، وفي الشمال الحَمَّام التُّركي، ونقطة البوليس، والمستوصف والرسم التخطيطي للشوارع الرئيسية هكذا كان يفصل ما بين ((الأحياء)) الأربعة للقرية.

وكل حي من هذه الأحياء يتم فيه إسكان أحدى المجموعات القبلية الرئيسية للقرية القديمة.

ويجب أن أوضح هنا أنه إلى جانب تجميع العائلات في بدنات فإن هناك تجميعاً أكبر في قبائل أو عشائر؛ وفي القرية القديمة كانت المجموعات القبلية الخمس التي يتكوَّن منها السُّكان تعيش في أربعة نجوع متميِّزة تماماً.

وقد خَطّطَتُ في القرية الجديدة للإبقاء على هذا التمايز الفيزيائي بتسكين المجموعات القبلية في الأحياء الأربعة المُحدَّدة تحديداً واضحاً، والتي خُصِّصَتْ كالتالي: الحساسنة والعطيات الذين كانوا يعيشون ((العسيلية))، (النجع الذي يقع وسط القرنة القديمة)، يتم إسكانهم وسط القرية الجديدة، إلى الشمال من الميدان.

والحساسنة عشيرة قديمة جداً واسمُهُم مُستقى من الحُسَيْنِ، حفيدُ النَّبِيِّ محمد –صلى الله عليه وسلم-.

وبسبب انتمائهم لهذه السُّلالة، فإنهم كانوا يُوَقَّرُونَ دائماً كأناس ورعين عارفين, وفي ذاك الوقت كان من بينهم الشيخ الطيب، وهو عجوزٌ ديّنٌ جداً تُبجِّلُهُ كل المنطقة.

وهكذا فقد بدا من المناسب أن يُجمع الحساسنة من حول الأبنية التي تمثل الدين والمعرفة؛ الجامع، والمدرستان الابتدائيتان، والمركز الاجتماعي للنساء الملحق بالمستوصف.

ووضعت العطيات مع الحساسنة في نفس الحي.

وهذه القبيلة كانت مرتبطة دائماً بالحساسنة وتعيش معهم في نفس النجع بالقرنة القديمة.

واسمهم مشتق من كلمة العطية.

ويشغل الحساسنة والعطيات حيَّاً نصف دائري إلى الشمال من الميدان.

وإلى الجنوب من الطريق الرئيسي، يقع حي الحروبات الكبير وهو يحتضن نصف الدائرة هناك.

واسم الحروبات يعني أنهم ((محاربون))، وقد كانوا حقاً جماعة نشطة تضم أبرز لصوص المقابر.. وهكذا فإن حيَّهم كان يشمل ساحة السوق، والخان، قاعة القرية، والمسرح، ومدرسة الصنايع، وقاعة المعرض، ونقطة البوليس.

والقبيلة الثالثة الغابات تأخذ اسمها من كلمة ((الغابة))، وهكذا فإن حيَّهم كان مُلاصقاً للبحيرة الصناعية والمنتزه.

وكان هناك قبيلة رابعة هي البعيرات، وتعيش أساساً في قرية مجاورة بهذا الاسم، بينما كان عدد قليل من العائلات يعيش في قرنة مورة، أحد نجوع القرية القديمة، وقد كانوا دائماً يجعلون أنفسهم منعزلين بعض الشيء عن أهل القرنة، والحقيقة أنهم كانوا يتبعون عمدة البعيرات.

وقد أُسكن هؤلاء في أقصى الغرب من القرنة الجديدة، مفصولين بشارع عريض عن باقي القرية.

وقد قصد في الشوارع العريضة التي تفصل الأحياء أن تكون طرق المرور الرئيسية التي تصل كل المباني العامة وتلتقي في الميدان.

وجُعلت هذه الشوارع بعرض عشرة أمتار على الأقل لضمان جودة تهوية وعزل بلوكات المنازل، وأيضاً لتسهيل الحركة ولإبراز حدود الأحياء.

وعلى العكس من ذلك، فإن الشوارع الموصلة إلى الميادين شبه الخاصة للبدنات المختلفة، جعلت ضيقة عن عمد -لا أكثر من ستة أمتار في عرضها- لتمد بالظل والإحساس بالألفة، وهي تتضمن الكثير من الزوايا والمنحنيات، لتصرف الغرباء عن استخدامها كطرق للمرور؛ وهي في رسم المشروع تبدو متشابكة، لأنه قد قُصد بها أن تسهل تبادل الاتصال بين العائلات الأعضاء في البدنات المتجاورة.

ولم أجعل للشوارع هذا التخطيط المتعرج لمجرد أن تكون طريفة، أو بسبب بعض هيام بالعصور الوسطى فلو أنني اتبعت تخطيطاً منتظماً كما في خطوط شبكة متعامدة، لأصبحت البيوت قسراً ذات تصميم منتظم بدورها.

والبيوت في الشوارع الطويلة المستقيمة، وحتى في الأقواس ذات السمترية، يجب أن تكون كلها متماثلة بالضبط إذا كنا لا نريد للمظهر العام أن يكون فوضى؛ على أن العائلات التي تسكن في هذه البيوت لن تكون كلها متماثلة وفوق ذلك فإنه مهما كان تخطيط الشبكة المتعامدة ملائماً في المدن الكبيرة حيث يكون الشاغل الرئيسي للمخطط هو الوصول إلى السرعة والحجم الأمثلين لحركة مرور السيارات، إلا أنه في القرية الصغيرة، حيث لا يحتمل أن يمتلك فلاحوها ولا حتى درَّاجة، يكون مثل هذا النمط نمطاً ضاراً بكل تأكيد.

فعندما تجعل قرية صغيرة مقسومة بشوارعها في بلوكات مستطيلة صغيرة، أحدها يتلو الآخر من غير أي توصيلات فيما بينها، يكون هذا بمثابة جعلها كنوع من ثكنات مدنية, في حين أن مهمة المهندس المعماري هي أن يجعل قريته فاتنة ما أمكن.

وإذا كان للمهندس المعماري أن يجد عذراً لغطرسته عندما يفرض على أخوانه من البشر ما ينبغي أن يسكنوه, فإن هذا العذر يجب أن يكون في وسعه أن يحيطهم بالجمال.

وكم يكون الأمر فظاً للغاية لو أن مهندساً معمارياً قد أثرى خياله وسط الجمال في سيينا أو فيرونا، أو كاتدرائيات ويلز، ثم هو يؤدي عمله في عجلة ويغش عملاءه بشيء يقل عن أجمل ما يستطيع خلقه من معمار.

أما المهندس المعماري المصري فعذره أقل، ذلك أنه يجب أن يكون عارفاً بشوارع القاهرة القديمة الجميلة، فكيف يعمل عامداً على زيادة سوء البناء، الأمر الذي يحط اليوم بثقله على مصر.

وإنما ينبغي عليه أن يذهب لرؤية شارع درب اللبان ببيوته من القرن السابع عشر التي تؤدي إلى بوابة المسجد التي تتخذ موقعها تماماً في الزاوية التي يصنع فيها الشارع لفة على شكل حرف L، أو ينبغي عليه أن يتمعَّن ثانية في مجموعة المساجد والمباني التي حول ميدان صلاح الدين، أو في دائرة القلعة ذاتها.

وينبغي أن يذهب إلى شارع الدرديري ليرى كيف حوّل المعماري مشكلة صعبة إلى ميزة جديدة؛ فعندما توجَّب عليه أن يقيم حجراته العليا المستطيلة من فوق شارع مُقوَّس، فإنه أقام كل منها منحرفة انحرافاً بسيطاً فوق طابقها السفلي، بحيث يبرز أحد أطرافها أكثر من الآخر، وأقامها محمولة على كتيفات من أحجام وأعماق مختلفة بحيث تلاءم قدر بروزها.

وينبغي عليه أن يتذكَّر تلك الأماكن التي يشتاق لزيارتها المرَّة بعد الأخرى -قرى، ومدن بأكملها، وأحياء، وميادين، وشوارع- تلك الانجازات النادرة من الجمال، والتمدين، والتحضر، والتي بوجودها في مكان ما على سطح الأرض تدعم من ثقتنا في المدينة و ترفع من تقديرنا للإنسانية، وعليه أن يمضي للعمل في مهمته الخاصة بروح مصممي هذه الانجازات.

والمهندس المعماري عندما يُصَمِّمُ قرية يحتاج إلى بذل أعظم عناية فنية إذا كان له أن يخلق توحداً، وطابعاً، وجمالاً يقترب حتى من الجمال الطبيعي الذي يخلقه الفلاحون  بلا وعي في قراهم التي نمت نمواً وئيداً طبيعياً.

وليس مما يفيد الفلاحين وجود سباكة جديدة ثمنها فيه الخسارة لكل ما يبهج العين.

ولكن ما هي القواعد التي ينبغي أن يطبقها المعماري، وأي مبادئ يعمل بها للوصول إلى هدفه؟

من المؤكد أن التأثير السحري الذي ينجم عن هذه التكوينات من الروائع المعمارية المعدودة لم يتأت مصادفة، ولكن هذه القواعد لسوء الحظ لو تُحظ ولم تجدول.

فالتباين المحكوم في الخط، والحجم، والشكل واللون، والسطح، والنسج الموجود مثلاً في بيازاديلا سنيوريا هي المرادف المجسّم للانتقالات المقامية الموجودة في الموسيقى.

وهناك تماثل دقيق بين الموسيقى والعمارة، وقوانين الجمال تتماثل فيهما معاً.

وإذا كان البيت المُفرد قد يؤلف لحناً فإن مدينة بأكملها لتشبه السيمفونية، كما في ويلز حيث ميادين المدينة تتصاعد في حركة تلو الحركة لتصل إلى الذروة بالكاتدرائية.

على أن الموسيقى فيها قواعد لتنظيم تآلف الأصوات والطباق الموسيقي، ولتجنب الأصوات القبيحة وإنتاج تأليف تسر له الأذن، بينما العمارة ينبغي أن يكون الإحساس فيها بما هو صواب إحساساً حدسياً.

وهي في هذا أكثر شبهاً بالشعر منها بالموسيقى.

ولو أمكن فحسب أن يكون هناك قانون للتأليف المعماري لساعد ذلك المهندس المعماري على تنظيم ضيائه وظلاله، والكتلة والفضاء، والسطح البسيط والمزخرف، بحيث أن التصميم  كله يقدم كما ينبغي نفس التتالي من النغمات، والتصعيدات والذروات، وتبادل الفقرات الهادئة والعنيفة، بمثل ما تتفتح سيمفونية بأسرها في يد بتهوفن أو برامز.

أما في غياب أي قوانين راسخة للتأليف، فإنه يجب على المهندس المعماري أن يعتمد على إدراكه الخاص لينتج مشاريع مدن تعطيها الانتقالات المقامية البصرية تنوعاً وجمالاً دائمين من داخل توحد شامل في التصور.

وتصميم كهذا لهو المثال الذي يخلق، أو على الأقل يُثْبت، القواعد التي لم تكتب بعد للهارمونية البصرية.

على أن الانتقالات المقامية والتباين ليست من عناصر التصميم التي يمكن لصقها بمشروع كالح أصلاً لتضفي عليه الحيوية.

فما لم يكن التنوع في الشكل والحجم ينبعان مباشرة من احتياجات المباني -وبالتالي من احتياجات ساكنيها- فإنها تصبح مجرد تزويقات زائفة وسوف تفشل حقاً في هدفها من إمتاع العين.

وإذ ألزمت نفسي في القرنة بأن أجعل البيوت تختلف في حجمها حسب مساحة البيوت الأصلية التي ستحل محلها بحيث يتم إعدادها في رقع شتى غير منتظمة، وإذا كنت مستعداً لتغيير خطة كل منها لتلاءم الناس الذين سيعيشون فيها، فإني بذلك ضمنت أنني سأفكر بما ينبغي من حرص بشأن تصميم كل واحد منها، وأتجنَّب فخ إضافة التنوع بلا هدف، وإني سوف أنتج قرية يكون للانتقالات المقامية المعزوفة فيها سبب واضح لأن توجد.

وهكذا أخذت على عاتقي حل مشكلة ترتيب عدد كبير من مساكن مختلفة في مواقع ذات أشكال وزوايا عجيبة، ومشكلة من هذا النوع لهي مشكلة خلاقة وتستثير حلولاً أصيلة وأمينة، أما مشكلة إضفاء بعض جمال على تصميم مُسبق فلا يمكن أن ينتج عنها إلا خطة باهتة غير مخلصة.

وخطة غير منتظمة تؤدي إلى التباين والأصالة في التصميم، وإلى الإثارة البصرية الدائمة، وتحول دون بناء تلك الصفوف المملة من المساكن المتماثلة والتي كثيراً ما يُعد أنها كل ما يستحقه الفقراء.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 10:17 pm

مباني الخدمة العامة ووسائل الترفيه
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit449
المسجد:
المسجد هو أساساً مكان مُغلق لحماية المصلين أثناء صلاتهم.
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit450
وفي يوم الجمعة يجب أن يحضر كل فرد إلى الصلاة في المسجد، حيث يستمع الكل إلى خطبة وعظ تتناول موضوعات ذات تنوع واسع، أخلاقية أو سياسية ويجب أن يتوجَّه كل المصلين إلى مكَّة، وهكذا فإن على المهندس المعماري أن يوفر لهم ذلك، وعليه فإن توجيه المبنى نادراً ما يتفق مع اتجاهات الشوارع في المدينة، وفي كثير من المساجد القديمة يكون في التحوُّل من باب الشارع وحائطه إلى الداخل الموجه إلى مكَّة المُكرَّمة ما يفرض مشكلة معمارية شائقة، تُحل بترتيب مبهج للمرات والمساحات تكون له فائدة أيضاً في أن يجعل المرء ينسى أن الشارع في الخارج مباشرة.

ويتجمَّع المصلون في ساحة الصلاة الرئيسية وهم صفوف طويلة قبالة الشيخ بدلاً من الصفوف المتعامدة في الكنائس المسيحية.

(ولتشجيع المواظبة على الصلاة، ومَنْ يحتلّون الصف الأول يستحقون ثواباً أكبر).

وكل صلاة يُدعى لها بواسطة المؤذن من قمَّة المئذنة؛ وفي المساجد الكبيرة قد يحتاج الأمر إلى تبليغ الأذان للمصلين من منصة في وسط المبنى.

وينبغي أن يتطهَّـر المصلون قبل الصلاة، ولَمَّا كان مَنْ يستطيعون الاستحمام في بيوتهم بسهولة هم القلة، فإن المساجد توفر مكاناً وماءً للاغتسال.

وأكبر فارق ملحوظ بين المسجد والكنيسة المسيحية هو أن المسجد ليس فيه واسطة كالمذبح، حيث يلتقي الطقس الديني والمعمار في بؤرة مشتركة، وذلك باستثناء تجويف ((القبلة)) في أحد الجُدران ليدل على اتجاه مكَّة المُكرَّمة، ومنبر على مقربة منه حيث يمكن للشيخ أن يخطب من فوقه.

والمسجد يخدم المصلين، عازلاً إيَّاهم عن العالم الخارجي، عاكساً أفكارهم في ارتداد من جدرانه البسيطة ليرتكز اهتمامهم بالله سبحانه وتعالى.         

 ولهذا السبب فما من صور أو تماثيل -وأقصى ما يكون هو آيات قليلة مكتوبة- وليس من حقل قدَّاس.

فالرأي هو أن التقرُّبَ إلى الله لا يتطلّب وسيطاً ولا أن يُترجم بالرُّموز.

ولَمَّا كان تصوير أشكال حيَّة ممنوعاً على الفنانين العرب، فإنهم قد حوَّلوا كل مهارتهم وحساسيتهم إلى تجويد فنِّهم في الخط العربي؛ وفي المساجد الإسلامية العُظمى قد تكون كلمة الله وحدها هي ما يُزيِّنُ الجدران، إلا إن هذا الهدف الثقافي الصارم يصبح ميسراً تيسيراً جميلاً برشاقة الحروف ذاتها.

وتُضغط انحناءات الكتابة العربية وتُقيَّد من داخل افريز حجري ضيق حيث تتشابك الأحرف مع نباتات تقليدية، بحيث يطوّق الجدار بأنماط لا نهاية لتنوعها، وعندما يتتبعها المصلي فإنه طول الوقت يرد ثانية إلى كلمة الله.

وحتى أقيم بناء بحيث يكون له من هذا الجو الوقور الهادئ الذي يؤدِّي إلى التأمُّل والصلاة في هدوء فإنه كان عليَّ أن أتدبَّر طريقة يسقط بها الضوء على جدرانه ويتوزّع في حجراته.

وأنا أعتقد أنه حينما يوجد تراث للبناء فإن المعمار الديني المحلي سيكون قد نما من داخله بحيث يمثل فكرة أناسه عمَّا هو مُقدَّسٌ، واعتقد أن من الصواب احترام الأشكال المحلية والطابع المحلي والإبقاء عليها - مثلما أبقيت على تراث مصر العليا من وجود سُلّمٌ خارجي مستقيم جريء للمئذنة، التي تنتصب هكذا كمنبر سامق فوق المسجد.

كان هناك الفناء المفتوح بأشجار معدودة، وعلى جوانبه الأربعة تنفتح إيوانات المذاهب الأربعة في القرنة.

وفيما عدا الإيوان الغربي، كانت هذه الإيوانات مساحات مغطاة، وقد سُقفت بسرب كامل من القباب الصغيرة تُهيمن عليها قبَّة كبيرة جداً تغطي المنبر والقبلة في الإيوان الرئيسي.

والقباب محمولة فوق عقود، بحيث يمكن للمصلين أن ينظموا أنفسهم في صفوف طويلة جداً عبر كل عرض المبنى.

أما الإيوان الرابع، في الجانب الغربي من الفناء، مقابل الجزء الرئيسي، فهو مسقوف بأقبية متقاطعة، على شكل  شبه المنحرف.

والجدار الشمالي للمسجد بالغ الطول والامتداد، في زاوية بالنسبة للحائط الجنوبي، تتجاوز بما له اعتباره الجسم الرئيسي للمبنى، حتى تحتوي غرف الوضوء التي تبرز في اتجاه الشمال الشرقي.

وثمة إنشاءات مُعَيَّنَة أخرى تبرُز للخارج من المجمع الرئيسي؛ المئذنة بسلمها الخارجي الطويل المستقيم فوق المدخل الأمامي، وبائكة مقبية تستخدم كمضيفة، وحجرة للشيخ، وحجرة صغيرة للصلاة والتأمل في خلوة وحجرة مخزن.

والمصلي له أن يختار بين مدخلين.

فهو إذا كان قد تطهَّر يدخل من الجانب الجنوبي.

ثم يمر عبر بوابة عالية معقودة أسفل السلم، إلى فناء أمامي صغير ممهَّد، له حوض زهور في منتصفه، ويمر منه إلى الفناء الرئيسي للجامع.

وسوف يرى الإيوان المقبي إلى يساره؛ و يمكنه بعدها أن يسير إلى يمينه عبر الفناء ليدخل الإيوان الرئيسي الذي يقع أسفل القبو الأسطواني الكبير، حتى يقف تحت القبة الكبيرة، أمام القبلة مباشرة.

وإذ ينظر حوله يميناً ويساراً، فإنه يرى صفوفاً من أعمدة مربعة تحمل عقود تستقر عليها قباب ضحلة.

وتكون القبة الكبيرة من فوق رأسه (وفيما يعرض فإنها من الطوب المحروق - وهي القبة الوحيدة في القرنة التي ليست من طوب اللبن).

والإيوانات كانت تقدم نمطاً جميلاً رهيفاً من الفراغ والكتلة حيث لا يجد المصلون فيه ما يشغل انتباههم عن صلاتهم.

أما إذا كان المصلي لم يتطهَّر، فإنه يدخل من باب يؤدي مباشرة إلى غرف الوضوء.

وهنا سيجد إلى يمينه ممراً يؤدي عبر دورات المياه إلى صفين من حجيرات الادشاش، حيث يستطيع الاستحمام بالكامل، وسوف يرى إلى الأمام بهواً مخصصاً للوضوء البسيط - غسل الرأس والأذرع والأرجل.

وفي هذا البهو يجري على كل جانب من جانبيه حوض عميق يحمل إلى بعيد الماء الذي ينصب من صف من الصنابير على الجدار بعلو يبلغ ما يقارب الصدر.

وأمام كل صنبور كتلة حجرية يجلس عليها من يتوضأ.

وقد اتخذ هذا النظام بعد تجارب أجريت، حيث أنه الوضع الذي يوفر أعظم راحة عندما يغسل الواحد رأسه وقدمه.

وبعد الاغتسال، يمر المصلي أسفل ممر طويل، عبر خلوة صغيرة للصلاة والتأمل، ثم عبر باب المخزن، ليدور يساراً إلى الساحة الرئيسية للصلاة.

أو هو يستطيع أن يواصل طريقه للداخل من فناء مفتوح مزروع بالزهور، ويستطيع أن يدخل منه إلى الفناء الرئيسي بأشجار الثلاث من شجر الطرفاء، ليسير عبر بساط كثيف من أوراق إبرية إلى داخل الإيوان الرئيسي.

ويدخل الشيخ إلى الجامع من باب صغير في الجدار الشمالي، مقابل بيته والمضيفة.

وقد وفرت له غرفة صغيرة في الركن الشمالي الغربي من المسجد هي بمثابة مكتب له.

والغرفة تثير الاهتمام حيث أنها غير منتظمة بالكلية وتتطلب استخداماً حاذقاً لكل تنويعات القبو والعقد والقبة حتى يمكن تغطيتها، وليس لها أي زوايا قائمة، وما من بعدين متماثلين فيها، بينما يبدو من بابها منظور بهيج خادع من خلال صف من العقود في الإيوان يتزايد ضيقاً باطراد تجاه طرفه البعيد.

ومن القسمات الأخرى الملحوظة في المسجد مضيفته.

ولما كان معظم الناس الذين يصلون إلى قرية غريبة يتوجهون مباشرة إلى الجامع، حيث يلتقون بمختلف القرويين، ويتبادلون الأخبار، ويرتبون لإقامتهم، فقد تصورت أن من المرغوب فيه توفير ما يخدم هذه العادة.

وبنيت إزاء الجدار الغربي من الخارج ممراً طويلاً من فوقه قبو اسطواني، مفتوح من الشمال ليسمح بدخول النسيم البارد وله باب يؤدي إلى الفناء الأمامي، وهناك توجد مقاعد وجرتان للمياه، حتى يمكن للزوار أن يجلسوا ويثرثروا في راحة.
* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 10:33 pm

ساحة السوق

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit451
يوم السوق في القرية هو يوم عطلة بقدر ما هو يوم عمل.


وهو يوم النساء بخاصة، اليوم الوحيد في الأسبوع الذي يتمكنَّ فيه من مُغادرة أسْرِ البيت للتَّمَتُّعِ بحرية السَّيْرِ، وتضييع الوقت، والقيل والقال كما يشأن.


وتأخذ المرأة إلى السوق ما يكون عليها أن تبيعه -ربما دجاجة، أو سلّة بيض، أو زبد، أو جبن-، وهناك تنسى تماماً رتابة حياتها اليومية وقيودها؛ وهي تُحَوِّلُ بضاعتها إلى نقود ثم تُنفق باقي يومها الطويل اللذيذ ذي الضّجيج والغبار، وهي تتخيَّر من السلع المَبيعة، وتتحسَّس الأقمشة وبواقي المعروضات، وتُقَدِّرُ نوعية البهار، والحُبوب، والبُقول والخضروات قبل أن تشتري بقالتها للأسبوع.


وهي فوق كل شيء تحيا في المجتمع وتُحِسُّ أنها جزء من العالم.


وهاهنا فإن المُحبطات القديمة لمجتمعها تتراخى بحكم التقاليد القديمة، ويُباحُ لها أن تكون عضواً من الجُمهور بدلاً من أن تكون عضواً من الأسرة.


أمَّا رجالها فلهم سلوكٌ مختلفٌ يوم السوق.


فهم لا شأن لهم بالمُساومات المُبتذلة على الخضروات المُلقاة حول مواقف البيع بالسوق.


وإنَّمَا هم يتمتعون بميزة التصرُّف في بيع حيوانات كبيرة مُهِمَّةٍ كالبقر، والحمير، والجمال، فيجلسون طول النهار في المقهى، ويُساومون في جديَّة، ويقدم العرض، والعرض المُضاد ببطء متعمداً كما في حركات لعبة الشطرنج، بينما يمرُّ اليوم في حديث مُتحضِّر تقطعه فترات من سكون له مغزاه.


وكما أن غريزة الجماع تتهذَّب في الإنسان وتُخفف لتصبح استثارة دائمة رتيبة بدلاً من الانفجارات الجنسيَّة الدَّوريَّة التي تحدث للحيوانات، فإنه يماثل ذلك أن الاحتياجات التجارية للمدينة يتم أداؤها في تعامل تجاري ثابت بلا لون ولا إيقاع، بينما الاتجار في القرية له إيقاع وموسم مثل كل سائر حياة الفلاح.


وهذه التفجيرات المتقطعة من التعامل التجاري، هي رغم كل متاعبها، لها عائدها الهائل في أنها تجعل الاتجار نشاطاً اجتماعياً احتفالياً، يكاد يكون طقساً من الطقوس، هو شخصي ومثير بأكبر مما أصبحت عليه آلية التجارة المُجهّلة الهادئة في المدينة.


وفي السُّوق يتم إجراء كل صفقات الأسبوع في هذا اليوم الواحد؟


أنه قلب اقتصاد القرية، الذي ينبض مرة في الأسبوع، وهذا النبض الأسبوعي يبين بوضوح الحالة الصحية للاقتصاد القروي.


وتتوافد للسوق كل منتجات المنطقة: كل المحاصيل، كل البهائم، وكل المنتجات المحلية.


وعدد العملاء في القرية لا يكفي لإقامة متاجر كثيرة فيها؛ وأقصى ما يمكن هو أنه قد يكون ثمة متجر واحد يبيع البن، والسكر، والأرز، والزيت، والثقاب -وكلها احتياجات عليها طلب يومي- ولكن ما من تاجر عاقل يحتفظ  بسلع أخرى، لأنه لن يبيعها أبداً وسرعان ما يصيبه الإفلاس.


والقروي لا يستطيع الحصول على الحبوب والخضر إلا في يوم السوق، وذلك أن كل بوصة مربعة من الأرض في الريف تخصص للمحاصيل المُجزية، فلا مكان لحدائق منزلية للخضر، والخضروات إنما تأتي من بساتين الخضر قرب المدينة.


وفي يوم السوق وحده يستطيع الفلاح شراء حيوانات جديدة وتستطيع الفلاحة شراء مشابكها وإبرها.


وفي السوق يحصل الفلاح وزوجته على القماش والملابس والأحذية وأدوات التجميل؛ والمفروشات مثل السجاد والأبسطة والبياضات؛ والأواني والحلل ومواقد الغاز؛ والفئوس والمجاريف والسلال.


وهناك في السوق يمكنك أن ترى في لمحة -أو ما يكاد يكون لمحة- مدى غنى القرية، ليس هذا فحسب، بل ويمكنك أيضاً أن تتفحص ذوق القرويين في الأمتعة المنزلية.


والتجول خلال مواقف البيع في السوق يعطي الدليل على ما أصاب الفلاح من تَغَيُّرٍ في الذوق.


فالسلع الرائجة لم تعد بعد أجمل السلع.


وكم من منسوجات محلية قد اختفت أمام المنافسة الساحقة لأقمشة المصانع المطبوعة المُبتذلة، وكم من مشغولات تراثية وقورة طردتها من السوق البضائع البلاستيكية المبهرجة


إن المصنوعات المحلية لتتراجع ببساطتها أمام سلع المدينة المُزخرفة المُبهرجة التي تُصنع بالجملة؛ وكلما وجدت أداة ما جميلة مصنوعة في القرية، سيُقال لك أن زمنها قد ولّى ولم تعد بعد مما يُصنع، فأي قدرة دفاعية يمكن أن تكون لثقافة الفلاح الهشَّة إزاء الهُجُوم الصاخب للصناعة الغربية؟


ومع كل ما يجلبه يوم السوق من إثارة وحيوية كل أسبوع في القرية فإن ساحة السوق نفسها في معظم القرى هي مكان تجاري بما هو مبتذل، وساحات السوق في مصر حِكْرٌ تمتلكه شركات خاصة، ولا يمكن الحصول على رخصة للسوق إلا على ممتلكات هذه الشركة.


وعادةً فإن قطعة أرض مربعة جرداء تسوَّر بسلك شائك، وتزود ببوابة، وجابٍ للضرائب، ولا يكاد يُقام شيءٌ لراحة الناس الذين يدخلون السوق محتشدين متدافعين ببضائعهم وحيواناتهم.


ونادراً ما يُظلِّل الموقع من الشمس، ولا يكون فيه الكثير من المباني الدائمة أو مصادر المياه.


وقد خططت لساحة سُوق القرنة أنها ينبغي أن تكون ذات خلفية توفر أكثر الوسائل إراحة للسوق الأسبوعي.


فالحيوانات تأوي إلى مذاود دائمة، يُقام كل منها بالارتفاع المناسب للجمل، أو العنزة، أو الحمار، وكلها مُظلّلة بأشجار عديدة توزَّع في خط منظم.


وأصحاب مواقف البيع ينبغي أن يوفر لهم صف من أقبية ظليلة ينشرون سلعهم من تحتها، ويكون هناك مقهى ليجلس الرجال فيه.


وساحة السوق كما قلت، تحدد موقعها في الركن الجنوبي الشرقي من القرية، بما يناسب محطة السكة الحديد.


وحتى يدخل المرء إليها من جانب السكة الحديد فإنه يمر أسفل نصب من بوابة ذات عقدين، حيث يمكنه أن يتطلع مباشرة إلى الطريق الواسع جداً المؤدي للبوابة الأخرى التي إلى جانب القرية، والتي لها عقد واحد وعلى يسارها برج حمام كبير.


وفي يوم السوق يكون هذا الطريق محط تُجَّارُ الحُبُوب، الذين ينشرون أكوام القمح الذهبي بطول الطريق أسفل مظلّات مُخطّطة.


وإلى اليمين مباشرة سوف ترى المقهى مسقوفاً بست قباب، وهناك صف من أربعة عشر قبواً عميقاً يمتد بطول الجدار الشمالي الشرقي إلى البوابة الأخرى، حيث توجد مواقف البيع فيه.


وفي عمق كل من هذه الأقبية يجلس التاجر القرفصاء من فوق مصطبة منخفضة وسط بضائعه ليُساوم مع حشد النساء من أمامه.


وسترى إلى يسارك كتلة من الأشجار، قد وُزِّعَتْ على مسافات منتظمة كالبُستان لتظّلل أكبر مساحة ممكنة، ومن أسفلها المذاود الطولية، ولكل منها مصدر ماء عند طرفه، وقد عقل في كل منها عدد من الحيوانات، ويمشي الرجال ما بين هذه المذاود ويتفحصون البهائم، بينما يمكن استعراض أحد الحيوانات المتفوقة، من جمل أو حمار أو بقرة، بأن يمشي به صاحبه جيئة وذهاباً.


ولما كانت هذه الحيوانات معروضة للبيع، فإن هناك رَسْمٌ يُدفع عنها عند دخولها للسوق؛ أما الحيوانات الأخرى التي تُقَوَّمُ فحسب بحمل أصحابها هم والبضائع إلى السوق، فإنها تظل بالخارج.


ووفرت موقفاً للحمير، زرعتُ فيه بالمثل أشجاراً لتوفير الظّلِّ وبه مَذاود ومصادر مياه، في الخارج مباشرة من ساحة السوق، بجوار السكة الحديد.

* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 10:41 pm

المسرح

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit452
المجتمع الريفي في مصر ما زال يختلف تماماً عن المجتمع الحضري، والقرية مازال يوجد فيها كل صنوف الفن -كما مثلاً في الفخار، والنسيج، والأشغال المعدنية- ونسيج الحياة في القرية يدخل فيه الكثير من أشكال الترفيه والاحتفالات التي تُعَدُّ جُزءاً من الفن الشعبي مثلها مثل الفنون الإنتاجية.


ففي حفل الزفاف مثلاً، توجد فرقة للموسيقى ومعها راقصة، بينما يأتي شُبَّانُ القرية متبخترين ليستعرضوا براعتهم في التحطيب وليتحَدُّوا بطل البدنة.


والتحطيب رياضة ترجع وراء زمن الفراعنة، وما زالت تُمارس على نطاق واسع في كل ريف مصر.


وحيثما اجتمع معاً فلاحان أو ثلاثة في الحقول، ربما حول النار في المساء، فإن اثنين منهم سيبدآن المباراة بنبوتيهما.


وفي المناسبات الأكثر جماهيرية، كحفلات الزفاف، قد يُصبح النزال حادّاً نوعاً، وأحياناً يُصاب المُتنازلان بالأذى.


على أنه سواء كان هذا النزال خطراً أو آمناً، فإنه كنوع من التسلية يكون أفضل للمشاهد واللاعب من أي تسلية توفرها المدينة.


فالسينما والراديو لا يمكن أن توفر للمتفرجين هذا الإحساس بالمُشاركة الذي يوفره العرض الحي.


والمتفرجون لا يستطيعون الإحساس بأنهم روح متوحدة تتطلع كفرد واحد إلى مصير اللاعب أو الممثل إلا في المسرح أو عند مشاهدة مباراة حقيقية.


ونفس هؤلاء المتفرجين عندما ينفصلون في عُزلة كُلٌ في منزله، فإنهم لا يستطيعون مطلقاً الوعي بذاتهم كمجموعة.


وحتى في ظلام دور السينما، فإن القصة تتواصل على الشاشة تواصلاً صارماً، فلا تُغَيِّرُ أو تُعَدِّلُ من سرعتها ونغمتها حسب مزاج المشاهدين أو عددهم.


وإذن فلماذا لا يوفر للقرنة مسرح دائم، حيث يمكننا عرض الرقصات والأغاني، والألعاب الرياضية للحياة اليومية، وحيث يمكن أيضاً الحفاظ على هذه الفنون كلها مما ينتظرها من مصير محتوم بالانقراض لو تركت لمواجهة منافسة الأفلام والراديو دون حماية لها.


فالمسرح يُمَكِّنُهَا من أن تحصل على خلفية بهية، وعلى نظّارةٍ متحمسين، وسيمكنها فوق كل شيء الحصول على مقر دائم يجعل في الإمكان إقامة عروض أكثر مما تتيحه حفلات الزفاف العارضة في حياة القرية.


ولست بالذي يزعم أن المسرح ظاهرة معتادة في القرى المصرية، والحقيقة أن مسرح القرنة هو المسرح الوحيد في الريف.


على أن المسرح فيما أعتقد ضروري للقرية مثل ضرورة قاعتها أو المدرسة، وقد أثبت مسرحنا أهميته المَرَّةَ بعد الأخرى بما أقيم فيه من عروض لا تُنسى، شدَّت الخيال، لا عند القرويين أنفسهم فحسب بل وأيضاً خيال السَّائحين والزوار من الأقطار الأخرى.


كان المسرح من نمط بين الإغريقي والأليزابيثي.


وهو في شكل شبه منحرف غير مسقوف، تشغل منصة العرض الجانب الطويل منه، بينما صفوف مدرجات المقاعد تحاذي الجوانب الثلاثة الأخرى، أما الساحة أو الأوركسترا ففي وسطه.


ومنصة العرض مصطبة حجرية بسيطة يقرب ارتفاعها من ثلاثة أقدام وعرضها من 35 قدماً، وهي مفتوحة للسماء، وقد جُعلت تمتد أماماً بحذاء جدار مقدمة المسرح.


ويوجد عليها ترتيب ثابت يوفر منظرين اثنين، أحدهما لمنظر داخلي أو فناء، والآخر لشارع، والمنظر الداخلي  يشغل معظم المنصة، ويتكون من مدخل في وسط الحائط الخلفي، من فوقه شرفة، يمكن الوصول إليها بسلم على يسار المشاهد أو بباب من الكواليس يؤدي إليها مباشرة.


وهناك أبواب أخرى جانبية، أحدها إلى يسار المشاهد والأخرى من وراء حاجز دائم متعرج إلى يمين المشاهد.


وهذا الحاجز، الذي يخترقه باب ونافذتان أقيمت إزاء خطوط المنظور، يوهم بواجهة على الشارع (لمن له خيال طيع).


وكل مساحة منصة العرض فيما عدا فتحة المقدمة يحيط بها جدار ارتفاعه حوالي 25 قد ماً.


وعلى كل جانب من مساحة قاعة العرض هذه يوجد دهليز مسقوف بست قباب، يعمل كمدخل.


ومساحة الكواليس الكبيرة تستخدم كمخزن وكغرفة لارتداء ملابس الممثلين.


وأمام منصة العرض ساحة تبلغ ما يقرب من 36 قدماً مربعاً، مفروشة بالرمال، يمكن استخدامها لتمثيليات أو لعروض من مثل مباريات التحطيب.


ويمكن الوصول إليها بمجموعة من الدرجات على كل جانب من منصة العرض.


والمتفرجون قد هيأ لهم مكانهم في ست صفوف من المقاعد الحجرية، مدرجة كما في المسرح الإغريقي، إلا أنها من حول الجوانب الثلاثة للساحة المربعة.


وتسع هذه المقاعد حوالي خمسمائة متفرج، بينما يمكن أن يقف مائتان آخرون في الممر العريض الذي يدور من خلف مدرجات المقاعد.


وهذا الممر مغطى بتعريشة ومسور بجدران محلاة بالمخرمات على كل جانب، وله من الخلف جدار بسيط فيه غرفة آلة عرض لعروض السينما.


وعروض التمثيل لم يكن فيها ما يشبه مسرحيات المسرح الأوروبي.


فليس هناك نص مكتوب ولا منتج.


وهناك مدير للمسرح يقرر ترتيب العرض، ويخطط لأن يدخل المسرح ويخرج منه تتال الراقصين، والمقلدين، والشعراء، بحيث تتم رواية قصة متشابكة.


وهناك منصة المسرح تنتصب خاوية مظلمة أمام نظارة يثرثرون وقد تكدَّسُوا فوق المقاعد الحجرية ووقفوا في الممرات من خلفها، تحت سماء باردة مليئة بالنجوم.


وفي هدوء، يُسمع من مكان ما خلف المنصة صوت وحيد يغني.


ويتخافت الحديث لينتهي وينحني المتفرجون للأمام في انتباه بينما يزداد الغناء اقتراباً، ولا يظهر ضوء بعد، بينما يبرز المغني ليعبر المنصة، كشبح قاتم متمهل، يتخذ مكانه ببطء وراحة في أحد الأركان.


ثم إنه يحك ثقاباً فيشعل ناراً وضعت هناك من قبل، ويواصل غناءه وقد أعطى ظهره للمتفرجين، وتُفتح نافذة في الشرفة من فوقه، ثم أحد الأبواب، وتخرج فتاة لتستمع.


وتعلق مصباحاً صغيراً بجوار الباب، وتمشي الهوينا وهي تهبط السلم متجهة إلى المغنى، الذي يواصل الغناء، دون أن يلحظها، وتتسلل الفتاة عبره، لتخرج من الباب الذي على واجهة الشارع.


ويأتي صديق أو صديقان للمغني ويجلسان حول ناره مستمعين.


ويأخذ رجال القبيلة المنافسة في الدخول ليحتشدوا متجمعين على الجانب الآخر من المسرح، حيث يشعلون ناراً ويحضرون مغنيهم الخاص بهم.


وتبدأ القبيلتان في التنافس على يد الفتاة في تبادل تقليدي للتحديات والسخريات.


ويغني كل شاعر في دوره أبياتاً عن منافسه ليلتقطها رفاقه ويرددونها جماعياً، ثم يجلسون بعدها وهم يدعون اللامبالاة بينما الشاعر الآخر يؤلف إجابة فيها الرَّدَّ على السخرية.


وإذ يتبارى المغنيان في براعة، فإنهما يتبادلان الرد بالأبيات الشعرية عبر المنصة، ويتردد الغناء الجماعي المرة تلو الأخرى، بينما يهز الشبان نبابيتهم في انفعال وزهو، متحفزين للقتال من أجل الفتاة.


ثم إنهم ينحدرون إلى الساحة واحداً فواحد ثم اثنين فاثنين، وهناك تُشعل نار ثالثة، و إذا ترتسم ظلالهم إزاء ضوء النار المرتعش فإنهم يبدءون الضربات الأولى الحادة في نزالهم.


ويتحلق المزيد من الرجال من حولهم، على أرجلهم وفوق جيادهم وحميرهم، وعندما ينهزم أحد المقاتلين أو الآخر يحل رجل آخر مكانه.


وإذ تزيد المباراة سرعة وتشتد الإثارة،شعل  المزيد من النيران، حتى يصبح المسرح كله متواثبا صاخبا في لهيب ستة نيران،يكون للنزال ظلاله الضخمة على الجدران إذ يقفز الشبان ويتواثبون.


وتقعقع النبابيت وتصفر في الهواء، ويردد المتفرجون ثانية صدى صيحات الممثلين، وكل منهم ينتصب على قدميه ويصرخ مؤيداً بأعلى صوته، والحقيقة أن المتفرجين ينضمون عادةً إلى القتال، فيثب الرجال نازلين من مقاعدهم ليحلوا مكان المقاتل المهزوم.


على أن النزال ينتهي؛ ذلك أن أحد الرجال يشق طريقه محارباً للقمة، ويهزم كل المتحدين، ويكسب الفتاة ويُحمل في انتصار إلى المنصة، بينما يتفرق الجمهور، بعضهم إلى المنصة في أثره، والبعض يعودون إلى مقاعدهم في النظارة.


ويُعَدُّ حفل الزفاف، حيث يوضع المنتصر على العرش في منتصف المنصة، ويتجمع الموسيقيون، وتقام الرقصات وموكب للزفاف كلها في ضوء النيران المرح، حتى ينفض الحفل في النهاية، وإذ تنطفئ النيران واحدة بعد الأخرى، ينصرف الضيوف، وهم يغنون ويرحلون بعيداً.


وتظل نار واحدة مشتعلة حيث يجلس المغني الأول، الذي هُزمت قبيلته، وهو يولي ظهره للعروسين.


ويمتلئ المسرح بنغمات مَوَّالِهِ الرقيقة بينما نيرانه تذوي لتنطفئ، ويكون الضوء الوحيد الآن آتياً من المصباح الوحيد الصغير على الشرفة.


وينهض العريس، ويقود العروس لترتقي السلالم , فتدخل من خلال الباب إلى الشرفة.


وتنزل المصباح ثم تغلق الباب وينهض المغني وحيداً في الظلمة ويهيم مبتعداً ببطء، وتظل أغنيته الشعبية مسموعة لبرهة قصيرة، وهي تشحب، حتى تذوي تماماً.


وينتهي العرض.

* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 10:57 pm

المدارس

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit453
في حوالي ذلك الوقت هيَّأت الحكومة المصرية لنفسها فرصة نادرة في العمارة، فقد وضع برنامج جديد لبناء المداس لتوفير أربعة آلاف مدرسة في مصر، معظمها في القرى.


وهكذا فإنه كان يمكن لو وجد تأييد رسمي حماسي، المُضي بالأفكار الجديدة في العمارة إلى أقصى أركان الريف، لصنع مباني ستصبح في التو جزءاً من حياة الناس اليومية، فتبدأ عصر نهضة معمارية تتواءم مع عصر النهضة الثقافية الذي ستبعثه المدارس الجديدة.


وإذا كانت مصر ستبدأ ذلك جِدُّ متأخرة بالمقارنة بالبلاد الأخرى، فإن هذا يجعلها في وضع يتيح لها أن تتعلم من خبرة كل بلاد العالم الأخرى في بناء المدارس.


ولدى هذه البلاد الكثير مما تُعلّمه لمصر، ففي انجلترا مثلاً، وجد أن كل المدارس التي بنيت قبل 1939 لا تفي بالمعايير التي أرسيت للمدارس الجديدة ما بعد الحرب.


وفي أمريكا استمرت الدراسات طيلة سنوات لينتج عنها إنشاء مدارس رائعة للغاية في رحابتها وغنى تجهيزها.


فلم يكن لديهم نقص في المشورة الطيبة بشأن بناء المدارس.


على أن وزارة الأشغال العمومية أخذت تقيم نمطاً موحداً من المدارس في كل هذه القرى المختلفة.

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit454
وعرض عليَّ تصميم لنمط مدرسة موضعها سيكون في الأسكندرية والنوبة، واحدهما تبتعد عن الأخرى بستمائة وخمسين ميلاً، ولكل منهما مناخ وتلميذ من نوع مختلف تماماً.


وقد كان هناك فيما مضى أسلوب معماري معتاد يسمى ((الأميري))، أدخله الخديو أو الأمير لبناء القصور والمباني الحكومية في البلاد.


وهذا الأسلوب الذي اتخذه أولئك الحكام الأجانب ليميزوا أنفسهم عن المواطنين الذين يحتقرونهم، هو أسلوب لا يزيد في أحسن أحواله عن أن يكون محاكاة زرية للفخامة الأوروبية، ويُغرس هذا الأسلوب في القرى الطينية بمصر العليا، وقد قلّص من مقاييسه من باب الاقتصاد، وأبرز من موقعه ليؤثر في الفلاحين، وهكذا يصبح عامل تخريب بصري مثله كمثل صندوق قمامة يغرس فوق حوض للزهور، ويكون واجهة المدرسة، وهي تجثم بنوافذها المصطنعة، ما يبشر بما في الداخل من حجرات دراسة مستطيلة مليئة بالتراب، وكان في هذا الموقف، المُشبَع بالروح غير الموائمة التي أتت من المدينة، ما يعلن أن المدرسة هي الأخ التوأم لنقطة الشرطة، وقبحها الخالص فيه ما ينبغي أن يؤكد أنها مما لا يمكن قط أن يكون له أدنى علاقة بالتعليم.


وداخلها يمكن أن يكون لمكتب البريد بمثل ما يكون لمدرسة كهذه.


وإني لأذكر مبنى كهذا، كانت إضاءة حجرات الدراسة فيه غاية في السُّوء رغم توهج شمس مصر أقصى توهج، حتى أنه كان يلزم الإضاءة بالنور الكهربائي من الثامنة صباحاً حتى السابعة مساءً.


فالأسلوب الحكومي يحكم على قُرَانَا باسم الاقتصاد والحداثة، بأن يكون فيها مدارس تنقصها الأولويات من أدنى وسائل الراحة المتفق عليها دولياً.


وقد سقط الأسلوب الأميري بما يستحقه من سوء السمعة، إلا أن الروح التي ألهمته ما زالت مزدهرة، وها هنا اليوم أسلوب أميري جديد -تقليد كالح للعمارة الفرنسية الحديثة- يُنْشَرُ عَبْرَ مصر حيث يقوم جيل بعد جيل من المهندسين المعماريين بمجاراة النمط السائد.


على أنه إذا كان الأسلوب الحكومي لا علاقة له باحتياجات التعليم في البلد، فإن هذه لا يعني أننا ينبغي أن نحتضن دون تمحيص أفكار ومعايير المعماريين الأجانب حتى ولو كانوا على أقصى درجة من التنوُّر، بل إن أكثر المهندسين المعماريين تنوُّراً في بناء المدرسة ينتشر بينهم انتشاراً واسعاً طريقة لتناول مشكلة بناء المدرسة هي طريقة مغلوطة أساساً، فالمهندس المعماري يضع في اعتباره وظيفة المبنى، ويرصد لتدفق حركة التلاميذ، ولوتيرة اليوم الدراسي، ولعمليات نقل المعرفة في حجرة الدراسة وهو يحسب درجة الحرارة المُثلى وشدة الإضاءة المُثلى، وينظر للمدرسة من أول الأمر على أنها مصنع يُكَرِّسُ مهارته لانسياب تنظيم الأطفال فيه.


والأطفال هكذا يتم حقاً تناولهم برقة ولكنها تماثل رقة تناول الخنازير في مصنع لتعليبهم، فينقلون من طور لآخر من أطوار خبرتهم التعليمية بكفاءة تامة من حيث الجو الصحي الناعم.


وتكييف الهواء وعزل الصوت، ومع هذا فإن المهندس المعماري لم يكد حتى يبدأ في توجيه خطابه لمهمة تصميم المدرسة.


والمهندس المعماري لا يستطيع البدء في نظر المشكلة الحقيقية لتصميم بناء المدرسة إلا بعد أن يوفر تلك الشروط الميكانيكية، التي ينبغي أن تكون مضمّنة في كل مدرسة دون أي سؤال أو نقاش والتي ينبغي أن يتقبَّلها المهندس المعماري، كأدنى حد للقياس عليه، فوجدها في المدرسة أمر طبيعي مثل وجود السقف أو الأرضية.


والمعماري هنا أشبه بعازف البيانو.

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit455
الذي لا يستطيع أن يبدأ في تفسير الموسيقي التي يعزفها إلا بعد أن يسيطر على تقنية عزف البيانو.


أما تصميم المدرسة فيجب أن يتناوله المهندس المعماري كما يتناول تصميم مسجد أو كنيسة.


لأنها من نفس النوعية من البناء.


فالمدرسة إنما هي لتنمو فيها روح الأطفال، يجب أن يكون البناء بحيث يدعوهم إلى التحليق وليس إلى التقلص كما يفعل بهم حذاء صيني*.


والمهندس المعماري بخطوط المصيرية المعدودة التي يخطها على لوحة رسمه، يصدر قرار بمدى ما سيكون للخيال من حدود، وللعقل من سلام، قرار بالوضع الإنساني طيلة أجيال قادمة.


وطالما ظلت مدرسته قائمة، فإن جدرانها ونوافذها تظل تتحدث إلى الأطفال الصغار في سنوات عمرهم المستهدفة أقصى استهداف.


إن عليه واجباً خطيراً بأن يخلق من هذا البناء مصدراً للحب والتشجيع لهؤلاء الأطفال، ويجب ألا يدع شيئاً يقف في سبيل ذلك.


وإذا سرى الحُبُّ في عمل، فإنه دائماً سوف يبدو طاهراً.


ولو نظر المهندس المعماري نظرة حُبٍّ لكل تفصيل رَائِياً للأطفال وهم يعيشون ويتعلمون داخل جدرانه، ومتابعاً إيَّاهم في عملهم ولعبهم، ولو نظر إليهم كما هم حقاً وليس ككائنات مُصَغَّرَةٍ للكبار، فإنه لن يمكنه إلا أن يهبهم البناء الذي يحنو عليهم.


إن الرجل البالغ العادي، الذي ظلَّ جلده يزيد سُمكاً من حوله لثلاثين عاماً، لا يكاد يستطيع تخيُّل الأساس الهشِّ الذي تستقر عليه ثقة الطفل.


على أن المهندس المعماري للمدرسة يجب أن يرى العالم بعين الطفل, ليس لمجرد أن يفهم احتياجات الطفل من الحجم والفراغ, بل وأكثر من ذلك، حتى يفهم ما يُريح الطفل وما يُروِّعُه.


إن الطفل منذ لحظة مولده ثم ما يتلوها، يُمارس استنزافاً يومياً لذلك الإحساس بالأمان المُطلق الذي أحسَّه ذات مرَّة، أي ذلك الأمان البيولوجي في الرَّحِمِ.


وهو تقريباً بدرجة أو أخرى, يتعلّم حسب رعاية والدته له, كيف يعتمد على نفسه فيما يُجابهه من بيئة مُعادية، على أن هذا على أن هذا يتطلب منه وقتاً طويلاً.


وما زال الكثيرون من الرجال البالغين يحسّثون بقلوبهم تغوص من داخلهم عندما يواجهون ظرفاً مناوئاً في حياتهم, ويتمنّون لو عادوا طائرين إلى ملاذهم الأمين في أحضان أمَّهاتهم.


فكم ينبغي أن يكون يأس الطفل ساحقاً بأكثر عندما يلاقي عالماً غير ودود.


إن المهندس المعماري يجب أن يُوظّف كل مهارته ليجعل حجرة الدراسة حجرة تُوَلِّدُ الثقة والإحساس بالأمان كما يفعل البيت الطيب.


وهو إن لم يفعل, فإنه يعُوق لذلك أفضل جهد للمربي منذ البداية.


وهذا هو السبب في أن المدرسين والمعماريين الذين يحاولون التحوُّط بالنسبة لتغيُّرات المستقبل في النظريَّات التربويَّة فيصممون حجرات دراسية ذات جدران من فواصل متحركة يمكن تعديل مكانها لتناسب المعاير الجديدة، هم بذلك إنما يناقضون أهدافهم ذاتها.


فحجرات الدراسة التي لا شكل لها والتي تغير دائماً من مظهرها، بأن تقطع فيها الحواجز وبأن يُعاد تنظيم أثاثها، إنما هي تُنتج أطفالاً قلقين عصبيين.


إنها حُجُرات دراسة بلا قسمات, صفحة بيضاء مثل نافذة عرض أو قاعة عرض خاوية، ولا يمكن لها أن تصبح مألوفة ودودة للأطفال الذين ((يعيشون)) فيها، في حين أن التردد وعدم اليقين اللذين أوحيا بهذا التصنيف لن يكون منهما إلا أن يخربا ثقة الطفل بنفسه، تلك الثقة التي تنضج نضجاً وئيداً.


لقد استخدمت كلمة ((يعيشون)) عن عمد كامل، ذلك أن المدرسة التي يرتادها الأطفال لساعات معدودة في النهار، لتحشي رؤوسهم بالدروس ثم يرسلون إلى بيوتهم، لهي وسيلة تربية خرقاء معوقة.


فحجرة الدراسة ينبغي أن تكون بيتاً للأطفال، حيث يمكنهم أن تكون لهم حياتهم الخاصة بهم، وهي ليست مجرد مكان لتجميعهم معاً تحت أعين المدرس.


ولننظر مثلاً أمر المساحة التي يوصي بها لحجرة الدراسة.


لقد تمَّت دراسة خصائص نمو الطفل في مكان ما وتبيَّن أن الطفل بين السادسة والثامنة من عمره يحتاج إلى ثلاثة أمتار مربعة من مساحة أرضية حجرة الدراسة.


وبالإضافة فإن من المفروض أن المدرس الواحد يستطيع التعامل مع ثلاثين طفلاً، وهكذا فإن حجرة الدراسة الوافية تحتاج إلى تسعين متراً مربعاً من مساحة الأرضية ولكن هذا يعني أن تكون الحجرة من 9م × 10م، وهي بذلك تبدو ضخمة كحظيرة للسيارات.


ولن تبدو بأي حال ودودة للطفل ولا جديرة بثقته.


إذن فالحساب البسيط لا يمد بالحلول اللازمة لتصميم حجرات دراسة جميلة حقاً.


وبالنسبة لأيام دراستي، فإني لا أكاد أحتفظ بأي ذكريات لمدرستي الابتدائية (مدرسة محمد علي)، التي صَمَّمَتْهَا وبنتها وزارة الأشغال العمومية بالخطة المعتادة لصف حجرات الدراسة المتماثلة لها ممر من أمامها.


وهي هكذا إن لم تكن قبيحة بالفعل، فإنها بالتأكيد بلا طابع ومحايدة فنياً.


أما مدرستي الثانوية -المدرسة الخديوية- فهي تختلف تماماً، وإني لاحتفظ لها بذكريات غاية في الحيوية، والبهجة، عن أركان هي غير متوقعة، ومساحات مفتوحة ذات شكل عجيب، وأبهاء وحجرات دراسة من كل الأشكال والأحجام، وحدائق رائعة.


ولابد أن وجود المفاجآت المعمارية العارضة قد استثار خيال وإدراك الكثير من التلاميذ، وهم ولا شك قد تشرَّبوا أيضاً مناهجهم التعليمية، إلا أن البناء لم يُصَمَّمْ قط كمدرسة، لقد كان قصراً قديماً.


والقرنة القديمة لم يكن فيها مدرسة، وحسب الطريقة المُعتادة كان على القرية أن تنتظر دورها في برنامج بناء المدارس، لتنال في النهاية بناء يخلو من أي سحر ومبنى حسب الطراز الحكومي الحديث.


وقد تصوَّرت أن سيكون من حُسن التفكير أن أبادر بالسَّبق ببناء مدرسة -أو بالأحرى مدرستين، إحداهما للبنين والأخرى للبنات- وذلك حسب معاييري الخاصة بي.


فلعل هذا أن يَحُثَّ الوزارة على توفير بعض المدرسين في سبق للحظة.

----------------------------------------------------

* المقصود الحذاء الصيني الذي كانت توضع فيه قديماً أقدام الفتيات لتظل صغيرة.

(المترجم).

----------------------------------------------------

بل وربما أصبح ذلك نموذجاً لبناء المدارس بالمنطقة فيما بعد، وعندما انتهى البناءان، سُرّت بهما الوزارة أيُّمَا سُرُور؛ فأعجبوا بالطراز بل وأكثر من ذلك فقد أعجبوا بالتكلفة.


وكنت بالطبع قد بنيتهما بطوب اللبن، وعندما قمتُ بُنَاءً على دعوة الوزارة بتشييد مدرسة أخرى في فارس، بلغت ما يقرب من ثلث ثَمَنِ التصميم المعتاد.


وحتى تظل حجرات الدراسة هادئة وخالية من التراب، فإنها وزعت من حول أفنية ممهدة، بما يشبه إيوانات المدارس التقليدية في المساجد التي تطوق الفناء الأوسط للمسجد.


وتخطيط التصميم في عناية -وليس مجرد التخطيط لمساحة مفتوحة عارضة فيها حوض زهور لهو أمر على أقصى درجة من الأهمية عند تنظيم عدد من البلوكات المنفصلة في تكوين متماسك.


وكثيراً ما يحدث أن يكون تصميم كل بلوك وحده تصميماً جيداً، مع تنظيم حجراته وممراته العديدة تنظيماً بهيجاً، ولكن البلوكات نفسها تكون مبعثرة في الموقع كيفما اتفق وبلا معنى، ويترك الأمر للجنايني ليحاول أن يربطها معاً بالزهور والممرات.


والآن فلو أن المهندس المعماري عامل مساحة الفضاء الخارجي بين مبانيه بنفس الاحترام الذي يعامل به المساحة الداخلية التي تضمُّها الحجرات.


واستخدام البلوكات المختلفة بوعي لتُضفي شكلاً على فضائه، فإنه لن يضيع أي جزء من الموقع.


وسوف يساهم كل قدم مربع، مسقوف أو مفتوح، في إعطاء المعنى للكيان الكلي.


بل إن هذه المساحات المفتوحة يمكن أن تحوَّل إلى استخدامات عملية للغاية؛ فقد يكون في موقع مُعيَّن تتجاور فيه المباني، ما يطرح موضعاً للمسرح، كذلك فإن مستطيلاً قد يُصبح منه قاعة اجتماع، أو قد يثبت أن باحة يمكن استخدامها كفصل أو كساحة للاجتماع في الهواء الطلق.


ومرة أخرى فإن سلسلة من المساحات المفتوحة تؤدي من حجرة الدراسة إلى الشارع، بحيث يمر الطفل من خلال رواق إلى باحة، فساحة مستطيلة، فملعب، وكل منها له طابعه الخاص، كل هذا سيعطي الطفل قدراً من الأحاسيس وهو في طريقه إلى المدرسة.


عندما يأتي الأطفال إلى المدرسة، فإنهم يدخلون فناء صغير تزينه بركة في منتصفه.


وتصميم هذه منقول عن لوحة حائطية في مقبرة رخمير من الأسرة الثامنة عشرة، وهي تشكل حوضاً مربعاً صغيراً تَحُفُّ بطرفه مجموعة من أشجار نخيل سامقة، غُرِسَتْ بانتظام لتعطي إيحاءً ساحراً بشموع فوق كعكة عيد ميلاد، كما تظهر المياه من بين سيقانها.


ويفتح على هذا الفناء قاعة الاجتماعات، ومكاتب المدرسة بما فيها حجرة الناظرة، وحجرة الطبيب الزائر.


ويمشي الأطفال في هدوءٍ من خلال هذا الفناء، الذي سَيُرَحِّبُ بهم بجماله، ثم يمرُّون أسفل بوابة بعقد إلى الفناء الرئيسي بين صفَّين من حُجُرات الدراسة.


وهذا الفناء مُمَهَّدٌ حتى لا يكون مُترباً، وقد غُرِسَتْ الأشجار في منتصفه.


وهناك أربع حجرات للدراسة في كل جانب، وكل منها مسقوف بقبة كبيرة ضحلة ومساحته تقرب من 400 قدم مربع.


وبسبب الحاجة إلى شكل مربع تجلس عليه القبة، فإن المساحة الإضافية اللازمة تضاف في شكل إيوانات مقببه على جانبين من المربع.


ويوفر هذا التنظيم حُجُرات دراسة واسعة بما يكفي ولكنها تنقسم إلى ثلاث مساحات واضحة مميزة.


وفي رأيي أن هذا النوع من حُجُرات الدراسة هو نوعٌ عطوفٌ جداً، ذلك أن الصَّبي لا يحسُّ بضياعه في حُجْرَةٍ واسعة غير ودودة، وإنما هو يجلس دائماً في مساحة جُعلت حسب مقاسه هو.


وهذه الغُرف هي نتاجٌ سعيدٌ للعمل بمادة بناءٍ بالغة التَّواضع كطوب اللبن، فهي تفرض قيوداً إنشائيةً تُقْسِرُنَا على أن نبني من الأرض إلى أعلى، نحن متنبهون طول الوقت إلى مشكلة تسقيف مبنانا.


فلا يمكننا أن نضع فحسب لوحاً إسمنتياً من فوق جدراننا لتسقيفها؛ وإنما يساهم كل قالب طوب بنصيب ما في السقف ويتحمل مسئولية ما بالنسبة للشكل النهائي للفراغ الذي نحيط به؛ والقيود الطبيعية لتحمل هذه المادة تجعلنا نقسم مساحة السقف إلى عدة عناصر حسب القياس البشري.


وفي الطرف الأقصى من فناء حجرات الدراسة يوجد مسجد المدرسة، وفي الداخل منه يثبت أن أكثر الملامح إثارة للاهتمام هي الإضاءة، وتتوافر هذه بواسطة أربع نوافذ صغيرة أقيمت مرتفعة في القبة، بحيث تتخلل المساحة الداخلية كلها إنارة تنتشر متساوية مريحة وبهيجة للغاية، وإضاءة هادئة هكذا تجعل للبناء جواً وقوراً، وتَحُثُّ على التأمُّل في سلام.


وليس هناك وهج من نور مُبهر من نوافذ غير محجوبة، ولا أي مشاهد للخارج تُلهى الانتباه، وإنما كما في مسجد القرية الكبير، فإن هذا المسجد الصغير يرتدُّ بأفكار المُصلي إليه هو ذاته ويحثّهُ أن يتأمَّل.


ولقد خطر لي وقتها أن هذه هي أحسن طريقة لإضاءة حُجَر الدراسة.


والمَرْءُ لا يستطيع، على الأقل في مصر، أن يتحمَّل نوراً ساطعاً كثيراً، ولو وضعت نوافذ حجرات الدراسة على مستوى العين، لتسمح بالضوء الخارجي المباشر -كل الوهج المرتعش الذي ينعكس من الشوارع المتربة والجدران البيضاء المبهرة- فإنها ستخلق أوجه تباين هائلة في شدة الضوء، بحيث تصبح القراءة يقيناً مزعجة.


إلا أن حُجُرات الدراسة عندما تُضاء بنوافذ عالية فحسب فإن هذا يجعلها جد منغلقة وقاتمة، وحجرة الدراسة ليست بالمسجد.


على أنه من الأفكار الطيبة أن نوفر شيئاً من الخصوصية في الخارج في شكل حديقة صغيرة ذات أزهار وحشائش تنمو منخفضة، وتسمح للتلاميذ بأن يرونها من خلال نوافذ منخفضة تقام بمستوى الأرضية على الطريقة اليابانية.


ويمكن أن نجعل من هذه الحديقة جداراً لا يعكس الضوء، بحيث تصبح كل نافذة لوحة حيَّة من نغمات خفيضة ومُريحة تنعش الأطفال أثناء دروسهم.


وهذه النوافذ بالاشتراك مع النوافذ العالية في القبة ستوفر إضاءة لطيفة متساوية، وربما لو استخدمنا زجاج نوافذ مُعشَّق وملوَّن لإمتاع الأطفال مُتعةً أكبر، فإن هذا سينتج عنه حُجْرة دراسة مُفعَّمة بالحيوية والبهجة وإن كانت هادئة، وهذا بلا شك ما سأفعله لو كان عليَّ أن أصَمِّمَ مدرسة أخرى.


وقد زودت حُجُرات الدراسة بنظام بسيط جد فعال للتهوية، ففوق كل غرفة يوجد برج مربع يشبه المدخنة به فتحة كبيرة تواجه الشمال.


وتدخل نسمة الشمال اللطيفة من خلال الفتحة، عالياً خالية من التراب، وتسري لأسفل فوق صفحات من فحم مُبلَّل، جعلت كالحواجز من داخل المدخنة.


وهذا التَّجهيز ينتج عنه انخفاض الحرارة بعشرة درجات مئوية.

* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Empty
مُساهمةموضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا   لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 11:10 pm

الحمَّام

لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا Untit456
في رغبة محمودة لتشجيع على النظافة بين الفلاحين، قامت الحكومة بتوفير حمَّامات عُمومية ذات أدشاش في عدد من القرى.


ورغم جودة الفكرة, إلا أن هذه الأدشاش لم تستخدم عند التطبيق.


وما زالت تنتصب كنصب تذكارية يائسة لمن أقاموها من محبي صنع الخير من أصحاب التفكير المدرسي الأخرق.


والفلاحون لم يستخدموها لأن الحكومة في المكان الأول لم تتوسع في الإنفاق عليها بما يكفي لتزويدها بالماء الساخن، ولا يمكن أن نلوم أحداً عندما لا يشعر بالتحمس لدش بارد.


وثانياً، فإن المشرفين كانوا موظفين حكوميين، لا يبالون حتى بأداء عملهم الأصلي من المحافظة على نظافة المنشآت، دع عنك أن يحاولوا جعلها جذّابة، كما أن الإجراءات البطيئة لروتين الحكومي كثيراً ما كانت تترك الحمَّامات بدون صابون.


والحمَّام العُمومي الذي يُتَّخذ موضعه في بناءٍ غير مُشجع, أو يندس بعيداً في شارع خلفي، أو يلحق بالمراحيض في المسجد، سوف تقل حرارة جاذبيته  لتصبح في برودة ماءه، ولم يُصبح أبداً المؤسسة الاجتماعية التي ينبغي أن يكونها.


على أن الحمَّام كان فيما مضى بمثابة المركز لأرقى طبقات المجتمع في كل مدينة في مصر.


وعندما غزا نابليون مصر، كان الحمَّام أو المغسل التركي مؤسسة مزدهرة.


وقد وصل إلى أن يكون بمثابة العنصر المُكَمِّل للمسجد، فهو يُيَسِّرُ ما اعتاده المُصلّون من الاغتسال ((الأكبر)) صباح الجمعة، وهو يُعتبر من الأهمية بحيث أصبح بناء الحمَّام يُعَدُّ عمل بِرٍ من أعلى المراتب.


ويقول صفوان الثوري -رحمه الله-: أنه مهما كان ما ينفقه المؤمن من دراهم فلن يكون ذلك خيراً من ((درهم)) ينفقه صاحبُ حمَّام في تحسين مؤسسته.


ومزايا الحمَّام الصحية مشهورة بما تستحق، ويشهد عليها اليوم انتشار الحمَّامات التركية في الكثير من مدن أوروبا وأمريكا.


ومن المؤكد أنه في تلك الأيام كان كُلُّ مَنْ يُحِسُّ بأنه سيُصابُ بمرض, يُبادر ليسبقه، فيذهب مباشرةً إلى الحمَّام ليغتسل بحمَّام بخار مُنعش، ذلك أنه كان من المُعتقد أن الأمراض تنشأ عن قلة إفراز العرق.


والعرق الغزير الذي يُحدثهُ البُخار يُفيدك فائدة جلية حتى لقد أصبح للاستحمام أهمية طقس من طقوس الحياة، ولم يكن الشفاء من المرض يُعَدُّ مُكتملاً إلا عندما يغتسل المريض ((بغُسل الصحة))، أو حمَّام العافية الذي يؤكد شفاءه.


على أن الحمَّام فوق ذلك، هو مكانٌ للاجتماع حيث يتبادل الرجال الأخبار، والقيل والقال, ويُجرُون الصفقات ويناقشون أمور السياسة في جو من التنعُّم.


أما بالنسبة للنساء فهناك حتى ما هو أكثر، فالحمام يوفر لهنَّ عذراً للفرار من قيد البيت.


وعندما كان الحمَّام عُرفاً سائداً.


فإنه كان يلعب دوراً مهماً جداً في حياة نساء المدينة اللائى كنا يرتدين أحسن ثيابهنَّ وأغلى حُليهنَّ للقيام بزيارتهنَّ الأسبوعية له.


وهناك كُنَّ يخترن العرائس لأبنائهنَّ وأخواتهنَّ ويرتبن زيجاتهم، كما أنه في اليوم السابق مباشرةً ليوم الزفاف نفسه تؤخذ العروس إلى الحمَّام لتُمشَّط وتُطيَّب, ويُنتف الشعر الزّائد، وتُعَدُّ لحفل الزفاف.


وينبغي التأكيد على أن الحمَّام كان مِمَّا يستخدمه أي فرد فقيراً كان أم غنياً, وحتى أولائك الذين يمتلكون حمَّامات خاصة في بيوتهن ذاتها, فالحمَّام كان مكاناً عاماً للاجتماع، ولم ينحدر حال الحمَّام في المدن إلا عندما انتقل الأغنياء إلى أحياء حديثة لم تزود بالحمَّامات.


وعندها، حين أصبح الزبائن الوحيدون هم الفقراء، انخفض مستوى الخدمة والنظافة، وانحدر الحمَّام إلى حالته المُزرية الحالية، ظل قذراً في الأحياء الفقيرة بمُدُنِناَ الكبيرة.


وفكَّرْتُ أنه لو أعيد إدخال الحمَّام إلى القرية المصرية، فسوف يثبت في التَّو أنه مقبول قبولاً أكثر من حمَّامات الدُّش الحكومية.


فالحمام التقليدي له جو وتراث من الترفُّه، وعندما يكون الحمَّام تحت إشراف مالك خاص سينال مرتادوه رعاية أكثر تدقيقاً عمَّا في حمَّامات الدُّش.


وليس هذا فحسب، ولكنه سيكون أكثر جاذبية لأنه ساخن.


وحمَّام البُخار يُنظّف البَشرة أنظف كثيراً من الدُّش البارد، وإذا تم أيضاً تدليك المَرْءِ فإن الجسم كله يسترخي وينتعش بحيث يُصبح الحمَّام إنعاشاً بدنياً وعقلياً معاً، ويزول التوتر العصبي والقلق، والانزعاج.


وإذا كان علينا أن نُعيد إنشاء الحمَّام، فمن الواضح أنه من المُستحسن عدم تغيير طابعه العام بحيث يظلُّ جذاباً لِمَنْ كانوا على معرفة سابقة بفوائده.


وعندما يرغبُ أحَدُ المرشدين الاجتماعيين في توجيه الناس إلى الأنماط والأنشطة التي يُحبِّذُها لهم، فإن أقصى نجاح يصل إليه في ذلك إنما يكون عن طريق منشآت من نوح الحمَّام.


وكما أن الطبيعة تُنجزُ مهامَّها الضرورية بأن تجعل منها أمراً مُمتعاً، حتى ليتناقل البشر هم والحيوانات من أجل الطعام، وتكاثر الأنواع، فإن الاجتماعي أو السياسي الحكيم يستخدم أيضاً نوع من المُغريات التي لا تقاوم للوصول إلى هدفه بدلاً من أن يستخدم القهر.


والحمَّام، فيما آمُلُ، سيُغري الناس أيضاً بالدخول في شبكة أخرى من التكامل الاجتماعي ويساعد على أن يوفر لكل فرد مجموعة من الاتصالات الاجتماعية الواسعة المُنوَّعة القوية كما يوفر له في نفس الوقت فرصة لتطهير نفسه من الحشرات.


وأبسط طريقة لإعداد الحمَّام في إحدى القرى هي استخدام غلاية يوصل بخارها إلى حُجرة للبُخار، يمكن أن تخرج منها مواسير الماء السَّاخن إلى المُستحمِّين في حُجُراتهم الفردية.


والمغتسل في حمَّام القرنة يدخل ليدفع الأجر إلى ((الحمَّامجي)) عند طاولة على المدخل، فيُعطيه المناشف وكيساً للملابس القذرة.


وهو يدخل بعدها إلى ((المسلخ))، أو حجرة خلع الملابس، فيخلع ملابسه في حُجيرة هناك.


ثم يناول ملابسه إلى حيث تُغسل، ويذهب إلى إحدى حجيرات الاغتسال وهو هنا يمزج الماء السَّاخن والبارد من الحنفيات في ((قُرنة)) أي وعاء لمزج الماء، ثم يجلس على مقعد منخفض بغير سند ليصب على نفسه الماء من (طاسة الحمام))، وهي وعاء صغير تقليدي، وبعد أن يغتسل يمر إلى داخل حجرة البخار، ويبقى هناك زمناً، وربما يتم أيضاً تدليكه، ثم يخرج إلى غرفة دافئة، ثم بعدها إلى الطاولة حيث يتلقّى ملابسه وقد تَمَّ غسلُها.


ثم هو يذهب إلى إحدى حُجيرات ارتداء الملابس -التي تكون معزولة عن حُجيرات خلع الملابس للتأكُّد من أن الملابس نظيفة حقاً- وإذ يرتدي ملابسه فإنه يمر إلى حجرة للاستراحة ليثرثر مع زملائه ولعله أيضاً يدخن النرجيلة معهم.


وهذا المسار يضمن قدر الإمكان، أن الملابس القذرة أو المُصابة بالحشرات لن تُلامس الملابس النظيفة، ونظام الماء السَّاخن هذا رخيص وعملي بالنسبة للقرية التي لا تتحمل تكلفة أدشاش ساخنة.

* * *



لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الأول: الدولة والمجتمع
» آثار الإباحية المدمرة على الدماغ والعلاقات والمجتمع
» • الأسرة والمجتمع: 1ـ ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم-
» العقل عند الإنسان
» سورة الإنسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: عمــــــارة الفقـــــــراء-
انتقل الى: