منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الرعد الآيات من 26-30

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الرعد الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الرعد الآيات من 26-30   سورة الرعد الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 03 ديسمبر 2019, 1:39 pm

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (٢٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والبَسْط هو مَدُّ الشيء.

وقد أقام العلماء معركة عند تحديد ما هو الرزق، فهل الرزق هو ما أحلَّه الله فقط؟

أم أن الرزق هو كل ما ينتفع به الإنسان سواء أكان حلالاً أم حراماً؟

فمن العلماء مَنْ قال: إن الرزق هو الحلال فقط؛ ومنهم من قال: إن الرزق هو كل ما يُنتفع به سواء أكان حلالاً أم حراماً؛ لأنك إن قُلْتَ إن الرزق محصور في الحلال فقط؛ إذن: فَمنْ كفر بالله من أين يأكل؟         

ألم يخاطب الحق سبحانه المكابرين قائلاً: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ) (يونس: 31).

وقال سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ) (الذاريات: 58).

ويقول تعالى: (وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) (الذاريات: 22-23).

إذن: فالرزق هو من الله؛ ومن بعد ذلك يأمر "افعل كذا" و"لا تفعل كذا”.

وقول الحق سبحانه: (ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ..) (الرعد: 26).

أي: أنه سبحانه يمُد الرزق لِمَن يشاء: (وَيَقَدِرُ..) (الرعد: 26).

من القَدْر.

أي: في حالة إقداره على المُقَدَّر عليه؛ وهو مَنْ يعطيه سبحانه على قَدْر احتياجه؛ لأن القَدْر هو قَطْع شيء على مساحة شيء، كأنْ يعطي الفقير ويبسط له الرزق على قَدْر احتياجه.

 والحق سبحانه أمرنا أنْ نُعطِي الزكاة للفقير؛ ويظل الفقير عائشاً على فقره؛ لأنه يعيش على الكفاف.

 أو: يقدر بمعنى يُضيِّق؛ وساعة يحدث ذلك إياك أنْ تظن أنَّ التضييق على الفقير ليس لصالحه، فقد يكون رزقه بالمال الوفير دافعاً للمعصية؛ ومن العِفَّة ألا يجد.

 أو: يقدر بمعنى يُضيِّق على إطلاقها، يقول سبحانه: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (الطلاق: 7).

ولأن الله قد آتاه فهذا يعني أنه بَسَط له بقدره.

ويتابع سبحانه: (وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا..) (الرعد: 26).

وطبعاً سيفرح بها مَنْ كان رزقه واسعاً؛ والمؤمن هو مَنْ ينظر إلى الرزق ويقول: هو زينة الحياة الدنيا؛ ولكن ما عند الله خَيْر وأبقى.

 أما أهل الكفر فقد قالوا: (لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

ويردُّ الحق سبحانه عليهم: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) (الزخرف: 32).

وساعةَ تبحث في تحديد هذا البعض المبسوط له الرزق؛ والبعض المُقدَّر عليه في الرزق؛ لن تجد ثباتاً في هذا الأمر؛ لأن الأغيار قد تأخذ من الغنيّ فتجعله فقيراً؛ وقد تنتقل الثروة من الغنيّ إلى الفقير.

وسبحانه قد ضمن أسباباً عُلْيا في الرزق؛ لكل من المؤمن والكافر؛ والطائع والعاصي؛ وكلنا قد دخل الحياة ليأخذ بيده من عطاء الربوبية؛ فإنْ قصَّر واحد؛ فليس لهذا المَرْء من سبب سوى أنه لم يأخذ بأسباب الربوبية وينتفع بها.

وقد يأخذ بها الكافر وينتفع بها.

 والحق سبحانه هو القائل: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) (الشورى: 20).

إذن: فليس هناك تضييق إلا في الحدود التي يشاؤها الله، مثل أن يزرع الإنسان الأرضَ، ويتعب في الريِّ والحَرْث؛ ثم تأتي صاعقة أو برد مصحوب بصقيع فيأكل الزرع ويُميته.

 وفي هذا لَفْتٌ للإنسان؛ بأنه سبحانه قد أخذ هذا الإنسان من رزقه؛ وهو العطاء منه؛ كي لا يُفْتَنَ الإنسان بالأسباب، وقد يأتي رزقه من بعد ذلك من منطقة أخرى، وبسبب آخر.

 (ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا..) (الرعد: 26).

والفرح في حَدِّ ذاته ليس ممنوعاً ولا مُحرّماً، ولكن الممنوع هو فرح البطر كفرح قارون: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ) (القصص: 76).

والحق سبحانه قد قال: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ) (القصص: 76).

وهذا هو فرح البطر الذي لا يحبه الله؛ لأنه سبحانه قال في موقع آخر: (قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58).

وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يأتي بفرحهم؛ وبسبب هذا الفرح وهو الحياة الدنيا؛ أي: أنه سبب تافه للفرح، لأنها قد تُؤخذ منهم وقد يُؤخَذون منها، ولكن الفرح بالآخرة مختلف، وهو الفرح الحق.

 ولذلك يقول فيه الحق سبحانه: (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58).

ويقيس الحق سبحانه أمامنا فرح الحياة الدنيا بالآخرة، فيقول: (وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ) (الرعد: 26).

ومتاع الرجل هو ما يعده إعداداً يُنفِقه في سفر قصير، كالحقيقة الصغيرة التي تضع فيها بعضاً من الملابس والأدوات التي تخصُّك لسفر قصير.

والعاقل هو مَنْ ينظر إلى أقصى ما يمكن أنْ يفعله الإنسان في الحياة؛ فقد يتعلم إلى أنْ يصل إلى أرْقى درجات العلم؛ ويسعى في الأرض ما وَسِعه السَّعْي؛ ثم أخيراً يموت.

والمؤمن هو مَن يَصِل عمل دُنْياه بالآخرة؛ ليصلَ إلى النعيم الحقيقي، والمؤمن هو مَنْ يبذل الجهد لِيصِلَ نفسه برحمة الله؛ لأنها باقية ببقاء الله، ولأن المؤمن الحق يعلم أن كل غاية لها بَعْد؛ لا تعتبر غاية.

ولذلك فالدنيا في حَدِّ ذاتها لا تصلح غايةً للمؤمن، ولكن الغاية الحَقَّة هي: إمَّا الجنة أبداً، أو النار أبداً.

يقول الحق سبحانه بعد ذلك: (وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ...).



سورة الرعد الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الرعد الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 26-30   سورة الرعد الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 03 ديسمبر 2019, 1:40 pm

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونعلم أن "لولا" إذا دخلت على جملة اسمية فلها وَضْع يختلف عنه وَضْعها إذا دخلتْ على جملة فعلية، فحين نقول: "لولا زيد عندك لَزُرْتُكَ" يعني امتناع حدوث شيء لوجود شيء آخر.

وحين نقول: لولا تُذاكِر دروسك.

فهذا يعني حضاً على الفعل.

والحق سبحانه يقول: (لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ) (النور: 13).

والجملة التي دخلت عليها "لولا" في هذه الآية هي جملة فعلية، وكأن الحق سبحانه يحضُّنا هنا على أن نلتفتَ إلى الآية الكبرى التي نزلت عليه -صلى الله عليه وسلم-، وهي القرآن.

 وقد تساءل الكافرون -كَذِباً- عن مجيء آية؛ وكان تساؤلهم بعد مجيء القرآن، وهذا كذب واقع؛ يناقضون به أنفسهم؛ فقد قالوا: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

وهم بذلك قد اعترفوا أن القرآن بلغ حَدَّ الإعجاز وتمنَّوْا لو أنه نزل على واحد من عظماء القريتين - مكة أو الطائف.

وهم مَنْ قالوا أيضاً: (وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر: 6).

ثم يعودون هنا لينكروا الاعتراف بالقرآن كمعجزة، على الرغم من أنه قد جاء من جنس ما نبغوا فيه، فهم يتذوقون الأدب، ويتذوقون البيان، ويتذوقون الفصاحة؛ ويقيمون الأسواق ليعرضوا إنتاجهم في البلاغة والقصائد، فهم أمة تطرَبُ فيها الأذن لما ينطقه اللسان.

 ولكنهم هنا يطلبون آية كونية كالتي نزلت على الرسل السابقين عليهم السلام، ونَسُوا أن الآية الكونية عمرها مَقْصور على وقت حدوثها؛ ومَنْ رآها هو مَنْ يصدقها، أو يصدقها مَنْ يُخبره بها مصدر موثوق به.

ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المبعوث لتنظيم حركة الحياة في دنيا الناس إلى أنْ تقوم الساعة؛ ولو أنه قد جاء بآية كونية؛ لأخذتْ زمانها فقط.

 ولذلك شاء الحق سبحانه أنْ يأتي بآية معجزة باقية إلى أنْ تقومَ الساعةُ، فضلاً عن أنه -صلى الله عليه وسلم- قد جاءتْ له معجزات حِسيِّة؛ كتفجُّر الماء من بين أصابعه؛ وحفنة الطعام التي أشبعتْ جيشاً؛ وأظلَّتْه السحابة؛ وحَنَّ جِذْع الشجرة حنيناً إليه ليقف من فوقه خطيباً وجاءه الضَّبُّ مسلماً.

كل تلك آيات كونية هي حُجَّة على مَنْ رآها، وكذلك معجزات الرُّسل السابقين، ولولا أنَّ رواها لنا القرآن لَمَا آمنَّا بها، وكانت الآيات الكونية التي جاءت مع الرسل هي مجرد إثبات لِمَنْ عاشوا في أزمان الرسل السابقين على أن هؤلاء الرسل مُبلِّغون عن الله.

وقد شرح الحق سبحانه هذا الأمر بالنسبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ) (الإسراء: 59).

أي: أن الرسل السابقين الذين نزلوا في أقوامهم وصحبتْهم الآياتُ الكونية قابلوا أيضاً المُكذِّبين بتلك الآيات، وقوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا أيضاً: (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً) (الإسراء: 90-92).

ويقول الحق سبحانه في موقع آخر: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ) (الأنعام: 111).

وهكذا يُبيِّن لنا الحق سبحانه أنهم غارقون في العِنَاد ولن يؤمنوا، وأن أقوالهم تلك هي مجرد حُجَج يتلكئون بها.

وهم هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقولون: (لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ..) (الرعد: 27).

وهكذا نجد أنهم يعترفون أن له رباً؛ على الرغم من أنهم قد اتهموه من قبل أنه ساحر، وأنه -والعياذ بالله- كاذب، وحين فَتَر عنه الوحي قالوا: "إن ربَّ محمد قد قَلاَه”.

وأنزل الحق سبحانه الوحي: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) (الضحى: 3-5).

أي: أن الوَحْي سوف يستمر، وهكذا فضح الله كَذِبهم على مَرِّ سنوات الرسالة المحمدية.

وهم هنا يتعنتون في طَلبِ الآية الحِسِّية الكونية؛ وكلمة آية كما عرفنا من قبل هي: إما آية كونية تُلفِت إلى وجود الخالق.

 أو: آية من القرآن فيها تفصيلٌ للأحكام؛ وليستْ تلك هي الآية التي كانوا يطلبونها.

 أو: آية معجزة تدلُّ على صِدقْ الرسالة.

 وكأنَّ طلبَ الآيات إنما جاء لأنهم لم يقتنعوا بآية القرآن؛ وهذا دليل غبائهم في استقبال أدلَّة اليقين بصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن القرآن جاء معجزةً، وجاء منهجاً.

والمعجزة -كما أوضحنا- إنما تأتي من جنس ما نبغ فيه القوم، ولا يأتي سبحانه بمعجزة لقوم لم يُحْسِنوا شيئاً مثلها ولم ينبغُوا فيه.

 فالذين كانوا يمارسون السِّحْر جاءتْ المعجزة مع الرسول المرْسَل إليهم من نفس النوع، والذين كانوا يعرفون الطبَّ، جاء لهم رسول، ومعه معجزة مِمَّا نبغُوا فيه.

وقد جاءت معجزة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جنس ما نبغُوا فيه؛ فضلاً عن أن القرآن معجزة ومنهج في آنٍ واحد، بخلاف معجزة التوقيت والتقيد في زمن.

 ومع ذلك، فإن كفار مكة تعنتُوا، ولم يكتفُوا بالقرآن معجزةً وآيات تدلُّهم إلى سواء السبيل؛ بل اقترحوا هم الآية حسب أهوائهم؛ ولذلك نجدهم قد ضَلُّوا.

ونجد الحق سبحانه يقول بعد ذلك: (قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) (الرعد: 27).

وهنا نقف وَقْفة؛ لأن البعض يحاول أن يُسقِط عن الإنسان مسئولية التكليف؛ ويدَّعي أن الله هو الذي يمنع هداية هؤلاء الكافرين.

ونقول: إننا إن استقرأنا آياتِ القرآن؛ سنجد قَوْل الحق سبحانه: (وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ) (البقرة: 264).

ونجد قول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ) (المائدة: 51).

ويقول سبحانه أيضاً: (وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ) (المائدة: 108).

ومن كل ذلك نفهم أن العمل السابق منهم هو الذي يجعله سبحانه لا يهديهم، لأن الإنسان ما دام قد جاء له حُكْم أعلى، ويؤمن بمصدر الحكم؛ فمن أنزل هذا الحكم يُعطِي للإنسان معونة، لكن مَنْ يُكذِّب بمصدر الحُكْم الأعلى فسبحانه يتركه بلا معونة.

 أما مَنْ يرجع إلى الله؛ فسبحانه يهديه ويدلُّه ويعينه بكل المَدَد.

ويواصل الحق ما يمنحه سبحانه من اطمئنان لمن يُنيب إليه، فيقول: (ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ...).



سورة الرعد الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الرعد الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 26-30   سورة الرعد الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 03 ديسمبر 2019, 1:41 pm

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ومعنى الاطمئنان سكونُ القلب واستقراره وأُنْسُه إلى عقيدة لا تطفو إلى العقل ليناقشها من جديد.

ونعلم أن الإنسانَ له حواسٌّ إدراكية يستقبل بها المُحسَّات؛ وله عقل يأخذ هذه الأشياء ويهضمها؛ بعد إدراكها؛ ويفحصها جيداً، ويتلمس مدى صِدْقها أو كَذِبها؛ ويستخرج من كل ذلك قضية واضحة يُبقِيها في قلبه لتصبح عقيدة، لأنها وصلت إلى مرحلة الوجدان المحب لاختيار المحبوب.

وهكذا تمرُّ العقيدة بعدة مراحلَ؛ فهي أولاً إدراك حِسِّي؛ ثم مرحلة التفكّر العقلي؛ ثم مرحلة الاستجلاء للحقيقة؛ ثم الاستقرار في القلب لتصبح عقيدة.

ولذلك يقول سبحانه: (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ..) (الرعد: 28).

فاطمئنان القلب هو النتيجة للإيمان بالعقيدة؛ وقد يمرُّ على القلب بعضٌ من الأغيار التي تزلزل الإيمان، ونقول لمن تمرُّ به تلك الهواجس من الأغيار: أنت لم تُعْطِ الربوبية حقَّها؛ لأنك أنت المَلُوم في أيِّ شيء يَنَالُكَ.

فلو أحسنتَ استقبال القدر فيما يمرُّ بك من أحداث، لَعلِمْتَ تقصيرك فيما لك فيه دَخْل بأيِّ حادث وقع عليك نتيجة لعملك، أما مَا وقع عليك ولا دَخْل لك فيه؛ فهذا من أمر القَدَر الذي أراده الحقُّ لك لحكمة قد لا تعلمها، وهي خَيْرٌ لك.

إذن: استقبال القدر إن كان من خارج النفس فهو لك، وإن كان من داخل النفس فهو عليك.

ولو قُمْتَ بإحصاء ما ينفعك من وقوع القدر عليك لَوجدتَّه أكثرَ بكثير مما سَلَبه منك.

والمَثَل هو الشاب الذي استذكر دروسه واستعدَّ للامتحان؛ لكن مرضاً داهمه قبل الامتحان ومنعه من أدائه.

هذا الشاب فعلَ ما عليه؛ وشاءَ الله أن ينزل عليه هذا القدر لحكمة ما؛ كأنْ يمنع عنه حسَد جيرانه؛ أو حسدَ مَنْ يكرهون أًمه أو أباه، أو يحميه من الغرور والفتنة في أنه مُعتمِد على الأسباب لا على المُسبِّب.

أو تأخير مرادك أمام مطلوب الله يكون خيراً.

 وهكذا فَعَلى الإنسان المؤمن أن يكون موصولاً بالمُسبِّب الأعلى، وأنْ يتوكل عليه سبحانه وحده، وأن يعلم أنْ التوكل على الله يعني أن تعمل الجوارح، وأنْ تتوكَّل القلوب؛ لأن التوكل عملٌ قلبي، وليس عملَ القوالب.

ولينتبه كُلٌّ مِنّا إلى أن الله قد يُغيب الأسباب كي لا نغتر بها، وبذلك يعتدل إيمانك به؛ ويعتدل إيمان غيرك.

وقد ترى شاباً ذكياً قادراً على الاستيعاب، لكنه لا ينال المجموع المناسب للكلية التي كان يرغبها؛ فيسجد لله شكراً؛ مُتقبِّلاً قضاء الله وقَدَره؛ فَيُوفِّقه الله إلى كلية أخرى وينبغ فيها؛ ليكون أحدَ البارزين في المجال الجديد.

ولهذا يقول الحق سبحانه: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216).

وهكذا نجد أن مَنْ يقبل قَدر الله فيه، ويذكر أن له رباً فوق كل الأسباب؛ فالاطمئنان يغمرُ قلبه أمام أيِّ حدَثٍ مهْمَا كان.

وهكذا يطمئن القلب بذكر الله؛ وتهون كُلّ الأسباب؛ لأن الأسباب إنْ عجزتْ؛ فلن يعجز المُسبِّب.

وقد جاء الحق سبحانه بهذه الآية في مَعْرِض حديثه عن التشكيك الذي يُثيره الكافرون، وحين يسمع المسلمون هذا التشكيك؛ فقد توجد بعض الخواطر والتساؤلات: لماذا لم يَأْتِ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمعجزة حِسِّية مثل الرُّسُل السابقين لتنفضّ هذه المشكلة، وينتهي هذا العناد؟

ولكن تلك الخواطر لا تنزع من المؤمنين إيمانهم؛ ولذلك يُنزِل الحق سبحانه قوله الذي يُطمئِن: (ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ..) (الرعد: 28).

والذِّكْر في اللغة جاء لِمَعَانٍ شتّى؛ فمرّة يُطلق الذِّكر، ويُرَاد به الكتاب أي: القرآن: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

ويأتي الذكر مرّة، ويُرَاد به الصِّيت والشهرة والنباهة، يقول تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف: 44).

أي: أنه شَرَفٌ عظيم لك في التاريخ، وكذلك لقومك أنْ تأتي المعجزة القرآنية من جنس لغتهم التي يتكلمون بها.

 وقد يُطلَق الذكر على الاعتبار؛ والحق سبحانه يقول: (وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً) (الفرقان: 18).

أي: نسوا العِبَر التي وقعتْ للأمم التي عاشتْ من قبلهم؛ فنصَر الله الدينَ رغم عناد هؤلاء.

وقد يطلق الذِّكْر على كُلِّ ما يبعثه الحق سبحانه على لسان أيِّ رسول: (فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43).

وقد يُطلق الذِّكْر على العطاء الخيّر من الله.

 ويُطْلق الذِّكْر على تذكُّر الله دائماً؛ وهو سبحانه القائل: (فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ) (البقرة: 152).

أي: اذكروني بالطاعة أذكرْكُم بالخير والتجليّات، فإذا كان الذِّكْر بهذه المعاني؛ فنحن نجد الاطمئنان في أيٍّ منها، فالذكر بمعنى القرآن يُورثِ الاطمئنان.

ويقول الحق سبحانه: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب: 41-43).

فكُلُّ آية تأتي من القرآن كانت تُطمئِنُّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه صادقُ البلاغِ عن الله؛ فقد كان المسلمون قلة مُضطهدة، ولا يقدرون على حماية أنفسهم، ولا على حماية ذَوِيهم.

 ويقول الحق سبحانه في هذا الظرف: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45).

ويتساءل عمر -رضي الله عنه-: أيُّ جمع هذا، ونحن لا نستطيع الدفاع عن أنفسنا؛ وقد هاجر بعضنا إلى الحبشة خوفاً من الاضطهاد؟

ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير إلى بدر، ويُحدِّد أماكن مصارع كبار رموز الكفر من صناديد قريش؛ ويقول: "هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان"؛ بل ويأتي بالكيفية التي يقع بها القتل على صناديد قريش؛ ويتلو قول الحق سبحانه: (سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ) (القلم: 16).

وبعد ذلك يأتون برأْس الرجل الذي قال عنه رسول الله ذلك؛ فيجدون الضربة قد جاءت على أنفه.

فمنْ ذَا الذي يتحكم في مواقع الموت؟

إن ذلك لا يتأتى إلاَّ من إله هو الله؛ وهو الذي أخبر محمداً -صلى الله عليه وسلم- بهذا الخبر: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45).

وقد طمأنَ هذا القولُ القومَ الذين اتبعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يعلم الغيب، ولا يعلم الكيفية التي يموت عليها أيُّ كافر وأيُّ جبار؛ وهو -صلى الله عليه وسلم- يخبرهم بها وهُمْ في منتهى الضَّعْف.

وهذا الإخبار دليل على أن رصيده قويّ عند علاَّم الغيوب.

 إذن: فقول الحق سبحانه: (أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ) (الرعد: 28).

يعني: أن القلوب تطمئن بالقرآن وما فيه من أخبار صادقة تمام الصدق، لتؤكد أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- مُبلِّغ عن ربِّه؛ وأن القرآن ليس من عند محمد -صلى الله عليه وسلم- بل هو من عند الله.

وهكذا استقبل المؤمنون محمداً -صلى الله عليه وسلم- وصَدَّقوا ما جاء به؛ فها هي خديجة -رضي الله عنها وأرضاها- لم تكُنْ قد سمعت القرآن؛ وما أنْ أخبرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمخاوفه من أنَّ ما يأتيه قد يكون جناً، فقالت: "إنك لتَصِلُ الرَّحِم، وتحمل الكَلَّ، وتَكسِب المعدوم، وتَقْري الضَّيْف، وتُعينَ على نوائب الحق، واللهِ ما يخزَيك الله أبداً”.

وها هو أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- يصدق أن محمداً رسول من الله، فَوْرَ أن يخبره بذلك.

وهكذا نجده -صلى الله عليه وسلم- قد امتلك سِمَاتاً؛ وقد صاغ الله لرسوله أخلاقاً، تجعل مَنْ حوله يُصدِّقون كُلَّ ما يقول فَوْر أنْ ينطق.

ونلحظ أن الذين آمنوا برسالته -صلى الله عليه وسلم-؛ لم يؤمنوا لأن القرآن أخذهم؛ ولكنهم آمنوا لأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن أن يَكْذِبهم القول، وسيرته قبل البعثة معجزة في حَدِّ ذاتها، وهي التي أدَّتْ إلى تصديق الأوَّلين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 أما الكفار فقد أخذهم القرآن؛ واستمال قلوبهم، وتمنَّوا لو نزل على واحد آخر غير محمد -صلى الله عليه وسلم-.

وحين يرى المؤمنون أن القرآن يُخبرهم بالمواقف التي يعيشونها، ولا يعرفون لها تفسيراً؛ ويخبرهم أيضاً بالأحداث التي سوف تقع، ثم يجدون المستقبل وقد جاء بها وِفْقاً لما جاء بالقرآن، هنا يتأكد لهم أن القرآنَ ليس من عند محمد، بل هو من عند رَبِّ محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ولذلك فحين يُثير الكفار خزعبلاتهم للتشكيك في محمد -صلى الله عليه وسلم- يأتي القرآن مُطَمْئِناً للمؤمنين؛ فلا تؤثر فيهم خزعبلات الكفار.

 والمؤمن يذكر الله بالخيرات؛ ويعتبر من كل ما يمرُّ به، وبكل ما جاء بكتاب الله؛ وحين يقرأ القرآن فقلبه يطمئِنُّ بذكر الله؛ لأنه قد آمن إيمانَ صِدْقٍ.

وقد لمس المؤمنون أن أخبار النبي التي يقولها لهم قد تعدَّتْ محيطهم البيئيّ المحدود إلى العالم الواسع بجناحَيْه الشرقي في فارس، والغربي في الروم.

وقد أعلن لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -على سبيل المثال- خبر انتصار الروم على الفرس، حين أنزل الحق سبحانه قوله: (الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) (الروم: 1-4).

فأروني أيّ عبقرية في العالم تستطيع أن تتحكم في نتيجة معركة بين قوتين تصطرعان وتقتتلان؛ وبعد ذلك يحدد مِنَ الذي سينتصر، ومنِ الذي سَيُهزم بعد فترة من الزمن تتراوح من خَمْس إلى تِسْع سنوات؟

وأيضاً تأتي الأحداث العالمية التي لا يعلم عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، وتوافق ما جاء بالقرآن.

 وكُلُّ ذلك يجعل المؤمنين بالقرآن في حالة اطمئنان إلى أن هذا القرآن صادق، وأنه من عند الله، ويُصدّق هذا قول الحق سبحانه: (ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ) (الرعد: 28).

ونعلم أن الكون قد استقبل الإنسان الأول، وهو آدم -عليه السلام- استقبالاً، وقد هُيِّئ له فيه كُلُّ شيء من مُقوِّمات الحياة؛ وصار الإنسانُ يعيش في أسباب الله، تلك الأسباب المَمْدودة من يَدِ الله؛ فنأخذ بها وتترقَّى حياتنا بِقَدْر ما نبذل من جَهْد.

وما أنْ نموتَ حتى نصِلَ إلى أرْقى حياة؛ إنْ كان عملُنا صالحاً وحَسُنَ إيماننا بالله؛ فبعد أنْ كُنّا نعيش في الدنيا بأسباب الله الممدودة؛ فنحن نعيش في الآخرة بالمُسبِّب في جنته التي أعدَّها للمتقين.

وقول الحق سبحانه: (أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ) (الرعد: 28).

يعني: أن الاطمئنان مُستْوعِب لكل القلوب؛ فكل إنسان له زاوية يضطرب فيها قلبه؛ وما أنْ يذكر الله حتى يجِدَ الاطمئنان ويتثبتَ قلبه.

 وقد حاول المستشرقون أن يقيموا ضَجَّة حول قوله تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ) (الرعد: 28).

وتساءلوا: كيف يقول القرآن هنا أن الذِّكْر يُطمئِن القلب؛ ويقول في آية أخرى: (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال: 2).

فأيُّ المعنيَيْنِ هو المراد؟

ولو أن المستشرقين قد استقبلوا القرآن بالمَلَكة العربية الصحيحة لَعلِموا الفارق بين: (أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ) (الرعد: 28).

وبين قول الحق سبحانه: (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال: 2).

فكأنه إذا ذُكِر الله أمام الناس؛ وكان الإنسان في غَفْلة عن الله؛ هنا ينتبه الإنسان بِوجَلٍ.

 أو: أن الحق سبحانه يخاطب الخَلْق جميعاً بما فيهم من غرائز وعواطف ومواجيد؛ فلا يوجد إنسان كامل؛ ولكُلِّ إنسان هفوة إلا مَنْ عصم الله.

وحين يتذكر الإنسانُ إسرافه من جهة سيئة؛ فهو يَوْجَل؛ وحين يتذكر عَفْو الله وتوبته ومغفرته يطمئن.

ويقول سبحانه بعد ذلك: (ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ...).



سورة الرعد الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الرعد الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 26-30   سورة الرعد الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 03 ديسمبر 2019, 1:42 pm

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وطُوبَى من الشيء الطيِّب؛ أي: سيُلاقُونَ شيئاً طيباً في كُلِّ مظاهره: شكلاً ولَوْناً وطَعْماً ومزاجاً وشهوة، فكُلُّ ما يشتهيه الواحد منهم سيجده طيباً؛ وكأن الأمر الطيب موجوداً لهم.

وقول الحق سبحانه: (وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرعد: 29).

أي: حَسُنَ مرجعهم إلى مَنْ خلقهم أولاً، وأعاشهم بالأسباب؛ ثم أخذهم ليعيشوا بالمُسبِّب الأعلى؛ وبإمكانية "كُنْ فيكون”.

ويريد الحق سبحانه من بعد ذلك أنْ يُوضِّح لرسوله -صلى الله عليه وسلم- أنه رسول من الرُّسُل؛ وكان كل رسول إلى أيِّ أمة يصحب معه معجزة من صِنْف ما نبغ فيه قومه.

وقد أرسل الحق سبحانه محمداً -صلى الله عليه وسلم- ومعه المعجزة التي تناسب قومه؛ فَهُمْ قد نبغوا في البلاغة والبيان وصناعة الكلام، وقَوْل القصائد الطويلة وأشهرها المُعلَّقات السبع؛ ولهم أسواقٌ أدبية مثل: سوق عكاظ، وسوق ذي المجاز.

ولذلك جاءت معجزته -صلى الله عليه وسلم- من جنس ما نبغُوا فيه؛ كي تأتيهم الحُجَّة والتعجيز.

ولو كانت المعجزة في مجال لم ينبغوا فيه؛ لقالوا: "لم نعالج أمراً مثل هذا من قبل؛ ولو كُنَّا قد عالجناه لَنبغْنَا فيه”.

وهكذا يتضح لنا أن إرسالَ الرسولِ بمعجزة في مجال نبغَ فيه قومه هو نَوْعٌ من إثبات التحدِّي وإظهار تفوُّق المعجزة التي جاء بها الرسول.

وهكذا نرى أن إرسال محمد -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن -وإنْ لم يُقنِع الكفار- إنما كان مُطَابقاً لمنطق الوحي من السماء للرسالات كلها.

ولذلك يقول الحق سبحانه هنا: (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ...).



سورة الرعد الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة الرعد الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 26-30   سورة الرعد الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 03 ديسمبر 2019, 1:44 pm

كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (٣٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فكما أرسلك الله إلى أمتك؛ فقد سبق أنْ أرسل سبحانه رُسُلاً إلى الأمم التي سبقتْ؛ ولم يُرسِل مع أيٍّ منهم معجزة تناقض ما نبغَ فيه قومُه؛ كَيْ لا يقولَ واحدٌ أن المعجزة التي جاءتْ مع الرسول تتناولُ ضَرْباً لم يَأْلفوه؛ ولو كانوا قد أَلِفوه لَمَا تفوَّق عليهم الرسول.

وقول الحق: (كَذَلِكَ) (الرعد: 30).يعني: كهذا الإرسال السابق للرسل جاء بَعْثُكَ إلى أمتِك، كتلك الأمم السابقة.

ويأتي الحق سبحانه هنا بالاسم الذي كان يجب أن يَقْدروه حَقَّ قَدْره وهو "الرحمن" فلم يَقُلْ: وهم يكفرون بالله بل قال: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ..) (الرعد: 30).

فهم يعيشون -رغم كُفْرهم- في رزقٍ من الله الرحمن، وكُل ما حولهم وما يُقيتهم وما يَسْتمتعون به من نِعَم عطاءاتٌ من الله.

وهم لا يقومون بأداء أيٍّ من تكاليف الله؛ فكان من اللياقة أن يذكروا فَضْل الله عليهم؛ وأنْ يؤمنوا به؛ لأن مطلوب الألوهية هو القيام بالعبادة.

وهو سبحانه هنا يأتي باسمه "الرحمٰن"؛ والذي يفيد التطوع بالخير؛ وكان من الواجب أن يقدرُوا هذا الخيْر الذي قدَّمه لهم سبحانه، دون أن يكون لهم حَوْلٌ أو قوة.

وكان يجب أن يعتبروا ويعلنوا أنهم يتجهون إليه سبحانه بالعبادة؛ وأنْ يُنفّذوا التكليف العباديّ.

وفي صُلْح الحديبية دارتْ المفاوضات بين المسلمين وكفار قريش الذين منعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دخول مكة، ولكنهم قَبِلوا التعاهد معه، فكان ذلك اعترافاً منهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وصَحْبه الذين صاروا قوة تُعاهِدُ؛ تأخذ وتعطي.

ولذلك نجد سيدنا أبا بكر -رضي الله عنه- يقول: "ما كان في الإسلام نصرٌ أعظم من نَصْر الحديبية”.

فقد بدأتْ قريش في الحديبية الاعترافَ برسول الله وأمة الإسلام؛ وأخذوا هُدْنة طويلة تمكَّن خلالها محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته من أنْ يغزُوا القبائل التي تعيش حول قريش؛ حيث كانت تذهب سَرِية ومعها مُبشِّر بدين الله؛ فتُسلِم القبائل قبيلة من بَعْد قبيلة.

وهكذا كانت الحديبية هي أعظم نصْر في الإسلام؛ فقد سكنتْ قريش؛ وتفرَّغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَنْ معه لدعوة القبائل المحيطة بها للإسلام.

ولكن الناس لم يتسع ظنُّهم لما بين محمد وربِّه.

والعباد دائماً يَعْجلون، والله لا يَعْجل بعَجلةِ العباد حتَّى تبلغَ الأمورُ ما أراد.

وحين جاءت لحظة التعاقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين قريش في الحُديْبية، وبدأ عليُّ بن أبي طالب في كتابة صيغة المعاهدة، كتب "هذا ما صَالح عليه محمد رسول الله" فاعترض سهيل بن عمرو وقال: لو شهدتُ أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب: "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو”.

وأصر صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن تُكتب صفة محمد كرسول، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني.

اكتب محمد بن عبد الله".

ولكن علياً -كرَّم الله وجهه- يُصِرُّ على أن يكتب صفة محمد كرسول من الله؛ فيُنطق الحق سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليقول لعليّ: "سَتُسَام مثلها فتقبل”.

ولما تولَّى عليٌّ -كرَّم الله وجهه- بعد أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم أجمعين-، وقامت المعركة بين علي ومعاوية؛ ثم اتفق الطرفان على عَقْد معاهدة؛ وكتب الكاتب "هذا ما قاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" فقال عمرو بن العاص مندوب معاوية: "اكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم وليس أميرنا”.

وهنا تذكَّر علي -كرم الله وجهه- ما قاله سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سَتُسَام مثلها فتقبَّل" وقَبِلها فقال: "امْحُ أمير المؤمنين، واكتب هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب" وتحققت مقولة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ومن الوقائع التي تُثبِّتُ الإيمانَ؛ نجد قصة عمار بن ياسر، وكان ضمن صُفوف علي -كرَّم الله وجهه وأرضاه- في المواجهة مع معاوية؛ وقتله جُنود معاوية؛ فصرخ المسلمون وقالوا: "وَيْحَ عمار، تقتله الفئة الباغية”.

وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال.

وبذلك فَهِم المسلمون أن الفئة الباغية هي فئة معاوية، وانتقل كثير من المسلمين الذين كانوا في صَفِّ معاوية إلى صَفِّ علي بن أبي طالب؛ فذهب عمرو بن العاص إلى معاوية وقال: تفشَّت في الجيش فَاشِية، إنِ استمرتْ لن يبقى معنا أحد؛ فقد قتلنا عمار بن ياسر؛ وذكر صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: "وَيْحَ عمار، تقتله الفِئة البَاغِية".

وقد فَهِم المقاتلون معنا أن الفئة الباغية هي فئتنا.

وكان معاوية من الدهاء بمنزلة؛ فقال: اسْعَ في الجيش وقُلْ: "إنما قتله مَنْ أخرجه" ويعني عليّاً.

ولما وصل هذا القول لعليٍّ قال: ومَنْ قتل حمزة بن عبد المطلب، وقد أخرجه للقتال محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ وهنا في قول الحق سبحانه: (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ..) (الرعد: 30).

إنما يعني أن الحق قد أرسلك يا محمد بمعجزة تُناسب ما نبغَ فيه قومك، وطَلَبُ غير ذلك هو جَهْل بواقع الرسالات وتعَنُّتٌ يُقصَد منه مزيدٌ من ابتعادهم عن الإيمان.

وقول الحق سبحانه: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي..) (الرعد: 30).

أي: أنهم حين يُعلنون الكفر فأنت تصادمهم بإعلان الإيمان، وتقول: (هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ..) (الرعد: 30).

وكلمة "ربي" تنسجم مع كلمة "الرحمٰن" الذي يُنعِم بالنعم كلها؛ وهو المُتولِّي تربيتي؛ ولو لم يفعل سِوَى خَلْقي وتربيتي ومَدّي بالحياة ومُقوِّماتها؛ لَكانَ يكفي ذلك لأعبده وحده ولا أشرك به أحداً.

ولو أن الإنسان قد أشرك بالله؛ لالتفتَ مرة لذلك الإله؛ ومرة أخرى للإله الآخر؛ ومرة ثالثة للإله الثالث وهكذا، وشاء الله سبحانه أن يريح الإنسان من هذا التشتت بعقيدة التوحيد.

ويأتي القرآن ليُطمئن القلوب أيضاً وليذكر: (ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 29).

وهكذا يعرض لنا  القرآن صورتين: الصورة الأولى: لرجل يملكه أكثر من سيد، يعارضون بعضهم البعض.

والصورة الثانية: لرجل آخر، يملكه سيد واحد.

ولابد للعقل أن يعلمَ أن السيد الواحد افضل من الأسياد المتعددين؛ لأن تعدُّد الأسياد فساد وإفساد، يقول الحق سبحانه: (لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء: 22).

والعاقل هو مَنْ لا يُسلِّم نفسه إلا لسيّد واحد يثق أنه أمين عليه، ونحن في حياتنا نقول: ما يحكم به فلان أنا أرضى به؛ وقد وَكَلْته في كذا.

ولا أحد مِنّا يُسلِّم نفسه إلا لمَنْ يرى أنه أمين على هذا الإسلام، ولابد أن يكون أمينا وقوياً، ويقدر على تنفيذ مطلوبه.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- في المعركة العنيفة مع صناديد قريش قال: "إنِّي متوكل على الله"، وهذه شهادة منه على أنه توكل على القوي الأمين الحكيم؛ والرسول لم يَقُلْ توكلت عليه؛ ولكنه قال: (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ..) (الرعد: 30).

والفارق بين القَوْلَيْنِ كبير، فحين تقول "عليه توكلت" فأنت تَقْصر التوكُّل عليه وحده؛ ولكن إنْ قُلت: "توكلت عليه”.

فأنت تستطيع أن تضيف وتعطف عدداً آخر مِمَّنْ يمكنك التوكل عليهم.

ولذلك نقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (الفاتحة: 5).

ونحصر العبادة فيه وله وحده سبحانه؛ فلا تتعداه إلى غيره؛ ولو أنها أُخِرَّتْ لَجازَ أن يعطف عليه.

ويُقَال في ذلك "اسم قصر" أي: أن العبادة مَقْصورة عليه؛ وكذلك التوكُّل.

(قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ..) (الرعد: 30).

أي: أنني لا آخذ أوامري من أحد غيره ومَرْجعي إليه.

ويقول سبحانه من بعد ذلك: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ...).



سورة الرعد الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الرعد الآيات من 26-30
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الرعد الآيات من 01-05
» سورة الرعد الآيات من 06-10
» سورة الرعد الآيات من 11-15
» سورة الرعد الآيات من 16-20
» سورة الرعد الآيات من 21-25

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الرعد-
انتقل الى: