منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة يوسف الآيات من 106-111

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 106-111 Empty
مُساهمةموضوع: سورة يوسف الآيات من 106-111   سورة يوسف الآيات من 106-111 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 12:14 am

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهكذا نرى المصافي التي يمر بها البشر ليصلوا إلى الإيمان.

المصفى الأول: قوله تعالى: (وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يُوسُف: 103).

أي: أن الكثير من الناس لن يَصِلوا إلى الإيمان، حتى ولو حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يكونوا مؤمنين.

وقلنا: إن مقابل "كثير" قد يكون "قليل"، وقد يكون "كثير"، وبعض المؤمنين قد يشوب إيمانهم شبهةٌ من الشِّرك، صحيح أنهم مؤمنون بالإله الواحد، ولكن إيمانهم ليس يقينياً، بل إيمان متذبذب، ويُشرِكون به غيره.

والمصفى الثاني: قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ) (يُوسُف: 106).

ومثال هذا: كفار قريش الذين قال فيهم الحق سبحانه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ) (الزخرف: 87).

ويقول فيهم أيضاً: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ) (لقمان: 25).

ورغم قولهم هذا إلا أنهم جعلوا شفعاء لهم عند الله، وقالوا: إن الملائكة بنات الله، وهكذا جعلوا لله شركاء.

ومعهم كل مَنْ ادعى أن لله ابناً من أهل الكتاب.

وأيضاً مع هؤلاء يوجد بعض من المسلمين الذي يخصُّون قوماً أقوياء بالخضوع لهم خضوعاً لا يمكن أن يُسمَّى في العرف مودة؛ لأنه تَقرُّب ممتلئ بالذلة؛ لأنهم يعتقدون أن لهم تأثيراً في النفع والضر؛ وفي هذا لون من الشرك.

ويأتي الواحد من هؤلاء ليقول لِمَنْ يتقرب منه: أرجو أن تقضي لي الأمر الفلاني.

ويرد صاحب النفوذ: اعتمد على الله، وإن شاء الله سيقضي الله لك حاجتك.

لكن صاحب الطلب يتمادى في الذِّلة، ليقول: وأنا اعتمد عليك أيضاً، لتقضي لي هذه الحاجة.

أو يرد صاحب النفوذ ويقول: أنا سوف افعل لك الشيء الفلاني؛ والباقي على الله.

وحين أسمع ذلك فأنا أتساءل: وماذا عن الذي ليس باقياً، أليس على الله أيضاً؟

وينثر الله حِكَماً في أشياء تمنَّاها أصحابها؛ فَقُضِيتْ؛ ثم تبين أن فيها شراً، وهناك أشياء تمناها أصحابها؛ فلم تُقْضَ؛ ثم تبين أن عدم قضائها كان فيه الخير كل الخير.

نجد الأثر يقول:
وَاطلبُوا الأشياءَ بِعزَّةِ الأنفُسِ فَإِنَّ الأُمورَ تَجْرِي بِمقَادِير

وربما منعك هذا فكرهته، وكان المنع لك خيراً من قضائه لك، فإن المنع عَيْن العطاء، ولذلك فعلى الإنسان أن يعرف دائماً أن الله هو الفاعل، وهو المسبب، وأن السبب شيء آخر.

ودائماً أذكِّر بأننا حين نحجُّ أو نعتمر نسعى بين الصفا والمروة لنتذكر ما فعلتْه سيدتنا هاجر التي سَعَتْ بين الصفا والمروة؛ لتطلب الماء لوليدها بعد استنفدت أسبابها؛ ثم وجدت الماء تحت رِجْل وليدها إسماعيل.

فقد أخذتْ هي بالأسباب، فجاء لها رَبُّ الأسباب بما سألت عنه.

ولم يَأْتِ لها الحقُّ سبحانه بالماء في جهة الصفا أو المروة؛ ليثبت لها القضية الأولى التي سألت عنها إبراهيم -عليه السلام- حين أنزلها في هذا المكان.

فقد قالت له: ءأنزلتنا هنا برأيك؟

أم أن الله أمرك بهذا؟

قال: نعم أمرني رَبِّي.

قالت: إذن لا يضيعنا.

وقد سَعَتْ هي بحثاً عن الماء أخذاً بالأسباب، وعثرتْ على الماء بقدرة المسبِّب الأعلى.

وقول الحق سبحانه: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ) (يُوسُف: 106).

يتطلب منا أن نعرف كيف يتسرَّب الشرك إلى الإيمان، ولنا أن نتساءل: ما دام يوجد الإيمان؛ فمن أين تأتي لحظة الشرك؟

ويشرح الحق سبحانه لنا ذلك حين يقول: (فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ) (العنكبوت: 65-66).

هم إذن قد آمنوا وهم في الفُلْك، وأخذوا يدعُون الله حين واجهتهم أزمة في البحر؛ لكنهم ما أن وصلوا إلى الشاطئ حتى ظهر بينهم الشرك.

حين يسألهم السائل: ماذا حدث؟

فيجيبون: أنهم كانوا قد أخذوا حذرهم، واستعدوا بقوارب النجاة.

ونَسَوْا أن الله هو الذي أنقذهم فانطبق عليهم قول الحق سبحانه: (وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ) (إبراهيم: 30).

وفي حياتنا اليومية قد تذهب لتقضي حاجة لإنسان؛ وبعد أن يُسَهِّل لك الله قضاء تلك الحاجة؛ تلتفت فلا تجده، ولا يفكر في أن يُوجِّه لك كلمة الشكر.

وحين تلقاه يقول لك: كل ما طلبته منك وجدته مقضياً، لقد كلَّمْتُ فلاناً فقضاها.

وهو يقول لك ذلك ليُبعد عنك ما أسبغه الله عليك من فضل قضائك لحاجته؛ وذلك لأنه لحظة أن طلب منك مساعدته في قضاء تلك الحاجة تذلَّل وخضع، وبعد أن تنقضي يتصرف كفرعون ويتناسى.

ولا ينزعه من فرعنته إلا رؤياك؛ لأنه يعلم أنك صاحب جميل عليه، بل قد يريد بك الشر؛ رغم أنك أنت مَنْ أحسنتَ إليه، لماذا؟

لأن هذه هي طبيعة الإنسان.

يقول تعالى: (كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ) (العلق: 6-7).

ولذلك يقال في المثل: "اتَّقِ شَرَّ من أحسنت إليه".

وأنت تتقي شره، بأن تحذر أن تمُنَّ عليه بالإحسان؛ كي لا تنمي فيه غريزة الكره لك.

والناصح يحتسب أيَّ مساعدة منه لغيره عند الله؛ فيأخذ جزاءه من خالقه لحظة أداء فعل الخير، ولا ينتظر شيئاً ممَّنْ فعل الخير له؛ لأنك لا تعلم ماذا فكَّر لحظة أن أدَّيْتَ له الخدمة، فحين يجد ترحيبَ الناس بك في الجهة التي تُؤدِّي له الخدمة فيها؛ قد يتساءل: لماذا يحترمونك أكثر منه؟

وهو يسأل هذا السؤال لنفسه على الرغم من أنك مُتواجِد معه في هذا المكان لتخدمه.

ولذلك يقول العامة هذا المثل: "اعمل الخير وارْمه في البحر"؛ لأن الله هو الذي يجازيك وليس البشر؛ فاجعل كل عملك مُوجَّهاً لله، وانْسَ أنك فعلْتَ معروفاً لأحد.

والمعروف المنكُور هو أجْدى أنواع المعروف عليك؛ لأن الذي يُجازِي عليه هو الله؛ وهو سبحانه مَنْ سيناولك أجره وثوابه بيده؛ ولذلك عليك أن تنسى مَنْ أحسنتَ إليه؛ كي يُعوِّضك الله بالخير على ما فعلت.

ويُقال في الأثر: إن موسى -عليه السلام- قال: يا ربِّ، إني أسألك ألاّ يُقال فيّ ما ليس فيّ.

فأوضح له الله: يا موسى لم أصنعها لنفسي؛ فكيف أصنعها لك.

ويعرض الحق سبحانه هذه المسألة في القرآن بشكل آخر فيقول سبحانه: (وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ) (الزمر: 8).

والإنسان لحظةَ أن يمسَّه الضُّر؛ فهو يدعو الربوبية المتكفِّلة بمصالحه: يا ربّ أنت الذي خلقتني، وأنت المتكفِّل بتربيتي؛ وأنا أتوكل عليك في مصالحي، فأنقذني ممَّا أنا فيه.

ومثل هذا الإنسان كمثل الرُّبان الذي ينقذه الله بأعجوبة من العاصفة؛ لكنه بعد النجاة يحاول أن ينسب نجاة السفينة من الغرق لنفسه.

ولذلك أقول دائماً: احذروا أيها المؤمنون أن تنسَوْا المُنعِم المُسبِّب في كل شيء، وإيَّاكم أن تُفْتنوا بالأسباب؛ فتغفلوا عن المُسَبِّبِ؛ وهو سبحانه مُعْطِي الأسباب.

وأقول ذلك حتى لا تقعوا في ظلم أنفسكم بالشرك بالله؛ فسبحانه القائل: (ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82).

والظلم -كما نعلم- هو أن تُعطِي الحق لغير صاحبه؛ فكيف يَجْرؤ أحد على أن يتجاهل فَضْل الله عليه؟

فيقع في الشرك الخفي، والظلم الأكبر هو الشرك.

وسبحانه القائل: (إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13).

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ...).



سورة يوسف الآيات من 106-111 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 106-111 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 106-111   سورة يوسف الآيات من 106-111 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 1:03 am

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٠٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ألم يحسب هؤلاء حساب انتقام الله منهم بعذاب الدنيا الذي يَعُمُّ؛ لأن الغاشية هي العقاب الذي يَعُمُّ ويُغطِّي الجميع؛ أم أنهم استبطئوا الموت، واستبطئوا القيامة وعذابها؛ رغم أن الموت مُعلَّق على رقاب الجميع، ولا أحد يعلم ميعاد موته.

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ مات قامت قيامته".

فما الذي يُبطئهم عن الإيمان بالله والإخلاص التوحيدي لله، بدون أنْ يمسَّهم شِرْكٌ؛ قبل أن تقوم قيامتهم بغتةً؛ أي: بدون جرس تمهيدي.

ونعلم أن مَنْ سبقونا إلى الموت لا يطول عليهم الإحساس بالزَّمن إلى أن تقومَ قيامة كُلِّ الخَلْق؛ لأن الزَّمن لا يطول إلا على مُتتبع أحداثه.

والنائم مثلاً لا يعرف كَمْ ساعةً قد نام؛ لأن وَعْيَه مفقود فلا يعرف الزَّمن، والذي يوضح لنا أن الذين سبقونا لا يشعرون بمرور الزَّمن هو قوله الحق: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) (النازعات: 46).

ويأتي قول الحق سبحانه من بعد ذلك: (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو...).



سورة يوسف الآيات من 106-111 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 106-111 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 106-111   سورة يوسف الآيات من 106-111 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 1:04 am

قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: قُلْ يا محمد هذا هو منهجي.

والسبيل كما نعلم هو الطريق، وقوله الحق: (هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ) (يُوسُف: 108).

يدلُّ على أن كلمة السبيل تأتي مرة مُؤنَّثة، كما في هذه الآية، وتأتي مرة مُذكَّرة؛ كما في قوله الحق: (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) (الأعراف: 146).

وأعْلِنْ يا محمد أن هذه الدعوة التي جِئْتَ بها هي للإيمان بالله الواحد؛ وسبحانه لا ينتفع بالمنهج الذي نزل عليك لِيُطبِّقه العباد، بل فيه صلاح حياتهم، وسبحانه هو الله؛ فهو الأول قبل كل شيء بلا بداية، والباقي بعد كل موجود بلا نهاية؛ ومع خَلْق الخَلْق الذين آمنوا هو الله؛ وإن كفروا جميعاً هو الله، والمسألة التكليفية بالمنهج عائدة إليكم أنتم، فمَنْ شاء فَلْيؤمن، ومَنْ شاء فَلْيكفر.

ولنقرأ قوله الحق: (إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) (الانشقاق: 1-2).

فهي تنشقُّ فَوْرَ سماعها لأمر الله، وتأتي لحظة الحساب.

وقوله الحق: (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ) (يُوسُف: 108).

أي: أدعو بالطريق المُوصِّل إلى الله إيماناً به وتَقبُّلاً لمنهجه، وطلباً لما عنده من جزاء الآخرة؛ وأنا على بصيرة مما أدعو إليه.

والبصر -كما نعلم- للمُحسَّات، والبصيرة للمعنويات.

والبصر الحسيُّ لا يُؤدِّي نفس عمل البصيرة؛ لأن البصيرة هي يقينٌ مصحوبٌ بنور يُقنِع النفس البشرية، وإنْ لم تَكُنْ الأمور الظاهرة مُلجئة إلى الإقناع.

ومثال هذا: أم موسى حين أوحى الله لها أن تقذف ابنها في اليَمِّ، ولو قاسَتْ هي هذا الأمر بعقلها لما قَبِلَتْه، لكنها بالبصيرة قَبِلَتْه؛ لأنه وارد من الله لا مُعانِدَ له من النفس البشرية.

فالبصيرة إذن: هي يقين ونور مبني على برهان من القلب؛ فيطيعه العبد طاعة بتفويض، ويُقال: إن الإيمان طاعة بصيرة.

ويمكن أن نقرأ قوله الحق: (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ) (يُوسُف: 108).

وهنا جملة كاملة؛ ونقرأ بعدها: (أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي) (يُوسُف: 108).

أو نقرأها كاملة: (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ) (يُوسُف: 108).

وقول الحق: (وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ) (يُوسُف: 108).

أي: أنه سبحانه مُنزَّه تنزيهاً مطلقاً في الذات، فلا ذاتَ تُشبِهه؛ فذاته ليست محصورة في القالب المادي مثلك، والمنفوخة فيه الروح، وسبحانه مُنزَّه تنزيهاً مُطْلقاً في الأفعال، فلا فعلَ يشبه فِعله؛ وكذلك صفاته ليست كصفات البشر، فحين تعلم أن الله يسمع ويرى، فخُذْ ذلك في نطاق: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).

وكذلك وجوده سبحانه ليس كوجودك؛ لأن وجوده وجود واجد أزليّ، وأنت حَدَثٌ طارئ على الكون الذي خلقه سبحانه ولذلك قاس بعض الناس رحلة الإسراء والمعراج على قدرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولم ينتبهوا إلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لقد أُسري بي".

ونزل قول الحق سبحانه: (سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ) (الإسراء: 1).

وهكذا تعلم أن الفعل لم يكن بقوة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ولكن بقوة من خلق الكون كله، القادر على كل شيء، والذي لا يُمكِن لمؤمن حقٍّ أن يشرك به، أمام هذا البرهان.

ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً...).



سورة يوسف الآيات من 106-111 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 106-111 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 106-111   سورة يوسف الآيات من 106-111 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 1:05 am

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٠٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وينتقل الحق سبحانه هنا إلى الرسل الذين سبقوا محمداً -صلى الله عليه وسلم-؛ فالحق سبحانه يقول: (وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً) (الإسراء: 94).

أي: أنهم كانوا يطلبون رسولاً من غير البشر، وتلك مسألة لم تحدث من قبل، ولو كانت قد حدثتْ من قَبْل؛ لقالوا: "ولماذا فعلها الله مع غيرنا؟”.

ولذلك أراد سبحانه أن يَرُدُّ لهم عقولهم؛ فقال تعالى: (قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً) (الإسراء: 95).

والملائكة بطبيعتها لا تستطيع أن تحيا على الأرض، كما أنها لا تصلح لأنْ تكون قُدْوة أو أُسْوة سلوكية للبشر.

فالحق سبحانه يقول عن الملائكة: (لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).

والملاك لا يصلح أن يكون أُسْوة للإنسان؛ لأن المَلَك مخلوق غيبيّ غير مُحَسٍّ من البشر؛ ولو أراده الله رسولاً لَجسَّده بشراً؛ ولو جعله بشراً لبقيتْ الشبهةُ قائمةً كما هي.

أو: أن الآية جاءت لِتسُدَّ على الناس ذرائع انفتحت بعد ذلك على الناس في حروب الرِّدة حين ادَّعَتْ سجاح أنها نبية مُرْسَلة.

لذلك جاء الحق سبحانه من البداية بالقول: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ) (يُوسُف: 109).

ليوضح لنا أن المرأة لا تكون رسولاً منه سبحانه؛ لأن مهمة الرسول أن يلتحم بالعالم التحامَ بلاغٍ، والمرأة مطلوب منها أن تكون سَكناً.

كما أن الرسول يُفترض فيه ألاّّ يسقط عنه تكليف تعبديّ في أي وقت من الأوقات؛ والمرأة يسقط عنها التكليف التعبدي أثناء الطمث، ومهمة الرسول تقتضي أن يكون مُسْتوفي الأداء التكليفي في أيِّ وقتٍ.

ثم كيف يطلبون ذلك ولَمْ تَأْتِ في مهام الرسل من قبل ذلك إلا رجالاً، ولم يسأل الحق أيّاً منهم، ولم يستأذن من أيِّ واحد من الرسل السابقين ليتولى مهمته؛ بل تلقَّى التكليف من الله دون اختيار منه، ويتلقى ما يُؤمر أن يبلِّغه للناس، ويكون الأمر بواسطة الوحي.

والوحي كما نعلم إعلام بخفاء، ولا ينصرف على إطلاقه إلا للبلاغ عن الله.

ولم يوجد رسول مُفوَّض ليبلغ ما يحب أو يُشرِّع؛ لكن كل رسول مُكلَّف بأن ينقل ما يُبلِّغ به، إلا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد فوَّضه الحق سبحانه في أن يُشرِّع، ونزل في القرآن: (مَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ) (الحشر: 7).

ويقول الحق سبحانه عن هؤلاء الرسل السابقين أنهم: (مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ) (يُوسُف: 109).

والقرية كانت تأخذ نفس مكانة المدينة في عالمنا المعاصر.

وأنت حين تزور أهل المدينة تجد عندهم الخير عكس أهل البادية، فالبدويّ من هؤلاء قد لا يجد ما يُقدِّمه لك، فقد يكون ضرع الماشية قد جَفَّ؛ أو لا يجد ما يذبحه لك من الأغنام.

والفارق بين أهل القرية وأهل البادية أن أهل القرية لهم توطُّن؛ ويملكون قدرة التعايش مع الغير، وترتبط مصالحهم ببعضهم البعض، وترِقُّ حاشية كل منهم للآخر، وتتسع مداركهم بمعارف متعددة، وليس فيهم غِلْظة أهل البادية.

فالبدويُّ من هؤلاء لا يملك إلا الرَّحْل على ظهر جَمله؛ ويطلب مساقط المياه، وأماكن الكلأ لما يرعاه من أغنام.

وهكذا تكون في أهل القرى رِقَّة وعِلْم وأدبُ تناولٍ وتعاملٍ؛ ولذلك لم يَأْتِ رسول من البدو كي لا تكون معلوماته قاصرة، ويكون جافاً، به غِلْظة قوْلٍ وسلوك.

والرسول يُفترض فيه أن يستقبل كل مَنْ يلتقي به بالرِّفق واللِّين وحُسْن المعاشرة؛ لذلك يكون من أهل القرى غالباً؛ لأنهم ليسوا قُسَاة؛ وليسوا على جهل بأمور التعايش الاجتماعي.

ويتابع الحق سبحانه: (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (يُوسُف: 109).

أي: أنهم إنْ كانوا غير مؤمنين بآخرة يعودون إليها؛ ولا يعلمون متى يعودون؛ فليأخذوا الدنيا مِقْياساً؛ وَلْينظروا في رُقْعة الأرض؛ وينظروا ماذا حدث للمُكذِّبين بالرسل، إنهم سيجدون أن الهلاك والعذاب قد حاقا بكل مُكذِّب.

ولو أنهم ساروا في الأرض ونظروا نظرة اعتبار، لرأوا قُرَى مَنْ نحتوا بيوتهم في الجبال وقد عصف بها الحق سبحانه، ولَرأوْا أن الحق قد صَبَّ سَوْط العذاب على قوم عاد وآل فرعون، فإن لم تَخَفْ من الآخرة؛ فعليك بالخوف من عذاب الدنيا.

وقول الحق سبحانه: (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (يُوسُف: 109).

وهذا القول هو من لَفتاتِ الكَونيّات في القرآن، فقديماً كنا لا نعرف أن هناك غلافاً جوياً يحيط بالأرض، ولم نَكُنْ نعرف أن هذا الغلاف الجوي به الأكسوجين الذي نحتاجه للتنفس.

ولم نَكُنْ نعرف أن هذا الغلاف الجوي من ضمن تمام الأرض، وأنك حين تسير على اليابسة، فالغلاف الجوي يكون فوقك؛ وبذلك فأنت تسير في الأرض؛ لأن ما فوقك من غلاف جوي هو من مُلْحقات الأرض.

والسَّيْر في الأرض هو للسياحة فيها، والسياحة في الأرض نوعان: سياحة اعتبار، وسياحة استثمار.

ويُعبِّر الحق سبحانه عن سياحة الاعتبار بقوله: (أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (الروم: 9).

ويعبر سبحانه عن سياحة الاستثمار بقوله: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ) (العنكبوت: 20).

إذن: فسياحة الاعتبار هي التي تَلْفتك لقدرة الله سبحانه، وسياحة الاستثمار هي من عمارة الأرض، يقول الحق سبحانه: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (النساء: 100).

وأنت مُكَّلف بهذه المهمة، بل إن ضاق عليك مكان في الأرض فابحث عن مكان آخر، بحسب قول الحق سبحانه: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) (النساء: 97).

ولك أن تستثمر كما تريد، شرطَ ألاَّ يُلهِيك الاستثمار عن الاعتبار.

ويتابع الحق سبحانه: (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (يُوسُف: 109).

ويا لَيْتَ الأمر قد اقتصر على النكال الذي حدث لهم في الدنيا؛ بل هناك نَكَالٌ أشدُّ وَطْأة في انتظارهم في الآخرة.

يقول الحق سبحانه: (وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (يُوسُف: 109).

وحديث الحق سبحانه عن مصير الذين كَذَّبوا؛ يَظهر لنا كمقابل لما ينتظر المؤمنين، ولم تذكر الآية مصير هؤلاء المُكذِّبين بالتعبير المباشر، ويُسمُّون ذلك في اللغة بالاحتباك.

مثل ذلك قوله الحق: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) (الرعد: 41).

وكل يوم تنقص أرض الكفر، وتزيد رقعة الإيمان.

وهكذا يأتي العقاب من جانب الله، ونأخذ المقابل له في الدنيا؛ ومرة يأتي بالثواب المقيم للمؤمنين، ونأخذ المقابل في الآخرة.

ولقائل أن يقول: ولماذا لم يَقُلِ الحق سبحانه أنه سوف يأتي لهم بما هو أشد شراً من عذاب الدنيا في اليوم الآخر؟

وأقول: إن السياق العقلي السطحي الذي ليس من الله؛ هو الذي يمكن أن يُذكِّرهم بأن عذاب الآخرة هو أشدُّ شراً من عذاب الدنيا.

ولكن الحق سبحانه لا يقول ذلك؛ بل عَدل عن هذا إلى المقابل في المؤمنين؛ فقال: (وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (يُوسُف: 109).

فإذا جاء في الدنيا بالعذاب للكافرين؛ ثم جاء في الآخرة بالثواب لِلمُتقين؛ أخذ من هذا المقابل أن غير المؤمنين سيكون لهم حسابٌ عسير، وقد حذف من هنا ما يدل عليه هناك؛ كي نعرف كيف يُحْبَك النظم القرآني.

ويقول سبحانه من بعد ذلك: (حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ...).



سورة يوسف الآيات من 106-111 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 106-111 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 106-111   سورة يوسف الآيات من 106-111 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 1:06 am

حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة: (حَتَّىٰ) (يُوسُف: 110)، تدل على أن هناك غاية، وما دامتْ هناك غاية فلابُدَّ أن بداية ما قد سبقتْها، ونقول: "أكلتُ السمكة حتى رأسها".

أي: أن البداية كانت أَكْل السمكة، والنهاية هي رأسها.

والبداية التي تسبق: (ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ..) (يُوسُف: 110).

هي قوله الحق: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ) (يُوسُف: 109).

وما دام الحقُّ سبحانه قد أرسلهم؛ فهم قد ضَمِنوا النصر، ولكن النصر أبطأ؛ فاستيأس الرسل، وكان هذا الإبطاء مقصوداً من الحق سبحانه؛ لأنه يريد أن يُحمِّل المؤمنين مهمة هداية حركة الحياة في الأرض إلى أن تقوم الساعة، فيجب ألا يضطلع بها إلا المُخْتَبر اختباراً دقيقاً.

ولابُدَّ أن يمر الرسول -الأُسْوة لمَنْ معه- ومَنْ يتبعه من بعده بمحن كثيرة، ومَنْ صبر على المِحَن وخرج منها ناجحاً؛ فهو أَهْلٌ لأن يحمل المهمة.

وهو الحق سبحانه القائل: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ) (البقرة: 214).

إذن: لابُدَّ من اختبار يُمحِّص.

ونحن في حركة حياتنا نُؤهِّل التلميذ دراسياً؛ ليتقدم إلى شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، ثم نُؤهِّله لِنَيْل شهادة إتمام الدراسة الإعدادية؛ ثم نؤهله لنيل شهادة إتمام الدراسة الثانوية، ثم يلتحق بالجامعة، ويتم اختباره سنوياً إلى أن يتخرج من الجامعة.

وإنْ أراد استكمال دراسته لنيل الماجستير والدكتوراه، فهو يبذل المزيد من الجَهْد.

وكل تلك الرحلة من أجل أن يذهب لتوليّ مسئولية العمل الذي يُسند إليه وهو جدير بها، فما بَالُنا بعملية بَعْث رسول إلى قوم ما؟

لابُدَّ إذن من تمحيصه هو ومَنْ يتبعونه، وكي لا يبقى على العهد إلا المُوقِن تمام اليقين بأن ما يفوته من خير الدنيا؛ سيجد خيراً أفضل منه عند الله في الآخرة.

ولقائل أن يقول: وهل من المعقول أن يستيئس الرسل؟

نقول: فَلنفهم أولاً معنى "استيأس"؛ وهناك فرق بين "يأس" و"استيأس"، فـ "يأس" تعني قطع الأمل من شيء.

و"استيأس" تعني: أنه يُلِحّ على قَطع الأمل.

أي: أن الأمل لم ينقطع بعد.

ومَنْ قطع الأمل هو مَنْ ليس له منفذ إلى الرجاء، ولا ينقطع أمل إنسان إلا إنْ كان مؤمناً بأسبابه المعزولة عن مُسبِّبه الأعلى.

لكن إذا كان الله قد أعطى له الأسباب، ثم انتهت الأسباب، ولم تَصِلْ به إلى نتيجة، فالمؤمن بالله هو مَنْ يقول: أنا لا تُهمّني الأسباب؛ لأن معي المُسبِّب.

ولذلك يقول الحق سبحانه: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ) (يُوسُف: 87).

ولذلك نجد أن أعلى نسبة انتحار إنما تُوجَد بين الملاحدة الكافرين؛ لأنهم لا يملكون رصيداً إيمانياً، يجعلهم يؤمنون أن لهم رباً فوق كل الأسباب؛ وقادر على أن يَخْرِق النواميس.

أما المؤمن فهو يأوي إلى رُكْن شديد، هو قدرة الحق سبحانه مُسبِّب كل الأسباب، والقادر على أن يَخْرِق الأسباب.

ولماذا يستيئس الرسل؟

لأن حرصهم على تعجُّل النصر دفع البعض منهم أن يسأل مثلما سأل المؤمنون: (مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ) (البقرة: 214).

فضلاً عن ظَنِّهم أنهم كُذّبوا، والحق سبحانه يقول هنا: (وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ) (يُوسُف: 110).

ومادة "الكاف"، و"الذال" و"الباء" منها "كَذَبَ"، و"كُذِبَ عليه" و"كُذِّب".

والكذب هو القول المخالف للواقع، والعاقل هو من يُورِد كلامه على ذِهْنه قبل أن ينطق به.

أما فاقد الرشد الذي لا يمتلك القدرة على التدبُّر؛ فينطق الكلام على عَواهِنه؛ ولا يمرر الكلام على ذهنه؛ ولذلك يقال عنه "مخرف".

وقد سبق لنا أن شرحنا الصدق، وقلنا: إنه تطابق النسبة الكلامية مع الواقع، والكذب هو ألاَّ تتطابق النسبة الكلامية مع الواقع.

ومَنْ يقول كلاماً يعلم أنه لا يطابق الواقع؛ يقال عنه: إنه مُتعمِّد الكذب، ومَنْ يقول كلاماً بغالبية الظن أنه لا يطابق الواقع، ونقله عن غيره؛ فهو يكذب دون أن يُحسب كَذبه افتراءً، والإنسان الذي يتوخَّى الدِّقة ينقل الكلام منسوباً إلى مَنْ قاله له؛ فيقول "أخبرني فلان" فلا يُعَدُّ كاذباً.

ولذلك أقول دائماً: يجب أن يُفرِّق العلماء بين كذب المُفْتين، وكذب الخبر؛ وكذب المُخْبر.

فالخبر الكاذب مسئول عنه مَنْ تعمَّد الكذب، أما الناقل للخبر ما دام قد نسبه إلى مَنْ قاله، فموقفه مختلف.

وفي الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها- نجد لها قراءتين؛ قراءة هي: "وظنوا أنهم قد كُذبوا" أي: حدَّثهم غيرهم كَذِباً؛ وقراءة ثانية هي: "وظنوا أنهم قد كُذِّبوا" وهي تعني: أنهم قد ظنُّوا أن ما قيل لهم من كلام عن النصر هو كذب.

ولقائل أن يسأل: كيف يظن الرُّسُلُ ذلك؟

وأقول: إن الرسول حين يطلب من قومه الإيمان؛ يعلم أن ما يُؤكِّد صدق رسالته هو مجيء النصر؛ وتمرُّ عليه بعض من الخواطر خوفاً أن يقول المقاتلون الذين معه: "لقد كذب علينا"؛ لأن الظن إخبار بالراجح.

ولا يخطر على بال الرسل أن الله سبحانه وتعالى -معاذ الله- قد كَذَبهم وعده، ولكنهم ظَنُّوا أن النصر سيأتيهم بسرعة؛ وأخذوا بطء مجيء النصر دليلاً على أن النصر لن يأتي.

أو: أنهم خافوا أن يُكذِّبهم الغير.

ولذلك نجد الحق سبحانه يُعْلِم رسله أن النصر سيأتي في الموعد الذي يحدده سبحانه، ولا يعرفه أحد، فسبحانه لا يَعْجَلُ بعجلة العبادة حتى تبلغ الأمور ما أراد.

ويقول سبحانه: (وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا) (يُوسُف: 110).

وهكذا يأتي النصر بعد الزلزلة الشديدة؛ فيكون وَقْعه كوقع الماء على ذي الغُلَّة الصَّادي، ولنا أن نتخيل شَوْق العطشان لكوب الماء.

وأيضاً فإن إبطاء النصر يعطي غروراً للكافرين يجعلهم يتمادون في الغرور، وحين يأتي النصر تتضاعف فرحة المؤمنين بالرسول، وأيضاً يتضاعف غَمُّ الكافرين به.

ومجيء النصر للمؤمنين يقتضي وقوع هزيمة للكافرين؛ لأن تلك هي مشيئة الله الذي يقع بَأْسه وعذابه على الكافرين به.

ويقول سبحانه من بعد ذلك: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ...).



سورة يوسف الآيات من 106-111 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 106-111 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 106-111   سورة يوسف الآيات من 106-111 Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2019, 1:07 am

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونلحظ أن هذه الآية جاءت في سورة يُوسُف؛ أي: إنْ أردتَ قصة يُوسُف وإخوته؛ ففي السورة كل القصة بمَراميها وأهدافها وعِظَتها، أو المهم في كل قصص الأنبياء.

يقول الحق سبحانه: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود: 120).

ونعلم أن معنى القَصَص مأخوذ من قَصِّ الأثر؛ وتتبُّعه بلا زيادة أو نقصان.

ويقول الحق سبحانه هنا: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ) (يُوسُف: 111).

وفي أول السورة قال الحق: (إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) (يُوسُف: 43).

ونعرف أن مادة "العين" و"الباء" و"الراء" تفيد التعدية من جَليّ إلى خَفيّ.

والعِبْرة في هذه القصة -قصة يُوسُف- وكذلك قصص القرآن كلها؛ نأخذ منها عِبْرة من الجَليِّ فيها إلى الخَفيِّ الذي نواجهه؛ فلا نفعل الأمور السيئة؛ ونُقدِم على الأمور الطيبة.

وحين نُقبل على العمل الطيّب الذي جاء في أيّ قصة قرآنية؛ وحين نبتعد عن العمل السَّيءِ الذي جاء خَبرُه في القصة القرآنية؛ بذلك نكون قد أحسنَّا الفهم عن تلك القصص.

وعلى سبيل المثال: نحن نجد الظالم في القصَص القرآني؛ وفي قصة يُوسُف تحديداً؛ وهو ينتكس، فيأخذ الواحد مِنَّا العبرة، ويبني حياته على ألاّ يظلم أحداً.

وحين يرى الإنسان منا المظلومَ وهو ينتصر؛ فهو لا يحزن إنْ تعرَّض لظلم؛ لأنه أخذ العبرة لما ينتظره من نصر بإذن الله.

ونحن نقول: "عبر النهر" أي: انتقل من شاطئ إلى شاطئ.

وكذلك قولنا "تعبر الرُّؤْيا" أي: تؤوّلها؛ لأن الرُّؤْيا تأتي رمزية؛ وتعبرها أي: تشرحها وتنقلها من خفيّ إلى جليّ؛ وإيضاح المطلوب منها.

ونَصِفُ الدَّمْعة بأنها "عَبْرة"؛ والحزن المدفون في النفس البشرية تدل عليه الدَّمْعة.

وهنا قال الحق سبحانه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ) (يُوسُف: 111).

والعِبْرة قد تمرُّ، ولكن لا يلتفت إليها إلا العاقل الذي يُمحِّص الأشياء، أما الذي يمرُّ عليها مُرور الكرام؛ فهو لا يستفيد منها.

و"أولو الألباب" هم أصحاب العقول الراجحة، و"الألباب" جمع "لُبّ".

واللب: هو جوهر الشيء المطلوب؛ والقِشْر موجود لصيانة اللُّبِّ، وسُمِّي العقل "لُبّاً" لأنه ينثرُ القشور بعيداً، ويعطينا جوهر الأشياء وخيرها.

ويتابع الحق سبحانه: (مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) (يُوسُف: 111).

أي: أن ما جاء على لسانك يا محمد وأنزله الحق وَحْياً عليك ليس حديث كَذبٍ مُتعمَّد؛ بل هو الحق الذي يطابق الكتب التي سبقتْه.

ويُقال: "بين يديك" أي: سبقك؛ فإذا كنت تسير في طابور؛ فَمَنْ أمامك يُقال له "بين يديك"، ومَنْ وراءك يُقال له "مَنْ خلفك".

والقرآن قد جاء ليصدق الكتب التي سبقتْه؛ وليست هي التي تُصدِّق عليه؛ لأنه الكتاب المهيمن، والحق سبحانه هو القائل: (وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (المائدة: 48).

ويضيف الحق سبحانه في نفس الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها-: (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) (يُوسُف: 111).

فالقرآن يُصدِّق الكتب السابقة، ويُفصِّل كل شيء؛ أي: يعطي كل جزئية من الأمر حُكْمها في جزئية مناسبة لها.

فهو ليس كلاماً مُجْملاً، بل يجري تفصيل كل حُكْم بما يناسب أيَّ أمر من أمور البشر.

وفي أعرافنا اليومية نقول: "فلان قام بشراء بذلة تفصيل".

أي: أن مقاساتها مناسبة له تماماً؛ ومُحْكمة عليه حين يرتديها.

وفي الأمور العقدية نجد -والعياذ بالله- مَنْ يقول: إنه لا يوجد إله على الإطلاق، ويقابله مَنْ يقول: إن الآلهة مُتعددة؛ لأن كل الكائنات الموجودة في الكون من الصعب أن يخلقها إله واحد؛ فهناك إله للسماء، وإله للأرض؛ وإله للنبات؛ وإله للحيوان.

ونقول لهم: كيف يوجد إله يقدر على شيء، ويعجز عن شيء آخر؟

وإنْ قال هؤلاء: "إن تلك الآلهة تتكاتف مع بعضها".

نردُّ عليهم: ليست تلك هي الألوهية أبداً، ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى يقول: (ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 29).

وحين يكون الشركاء مختلفين؛ فحال هذا العبد المملوك لهم يعيش في ضَنْك وعذاب؛ أما الرجل المملوك لرجل واحد فحاله يختلف؛ لأنه يأتمر بأمر واحد؛ لذلك يحيا مرتاحاً.

ونجد الحق سبحانه يقول عن الآلهة المتعددة: (مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون: 91).

أما مَنْ يقول بأنه لا يوجد إله في الكون، فنقول له: وهل يُعقل أن كل هذا الكون الدقيق المُحْكم بلا صانع.

ولذلك شاء الحق سبحانه أن يُفَصّلَ هذا الأمر ليؤكد أنه لا يوجد سوى إله واحد في الكون، ونجد القرآن يُفصِّل لنا الأحكام؛ ويُنزِل لكل مسألة حُكْماً مناسباً لها؛ فلا ينتقل حُكْم من مجال إلى آخر.

وكذلك تفصيل الآيات، فهناك المُحْكم والمُتَشابه؛ والمَثَل هو قول الحق سبحانه (وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ) (آل عمران: 114).

ويقول في موقع آخر: (وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) (آل عمران: 133).

جاء مرة بقول "إلى"، ومرة بقول "في"؛ لأن كلاً منها مناسبة ومُفصَّلة حَسْب موقعها.

فالمُسَارعة إلى المغفرة تعني أن مَنْ يسارع إليها موجود خارجها، وهي الغاية التي سيصل إليها، أما مَنْ يسارع في الخيرات؛ فهو يحيا في الخير الآن، ونطلب منه أن يزيد في الخير.

وأيضاً نجد قوله الحق: (وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) (لقمان: 17).

ونجد قوله الحق: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) (الشورى: 43).

وواحدة منهما وردتْ في المصائب التي لها غَرِيم، والأخرى قد وردتْ في المصائب التي لا غريم فيها؛ مثل المرض حيث لا غَرِيم ولا خُصومة.

أما إذا ضربني أحد؛ أو اعتدى على أحد أبنائي؛ فهو غريمي وتوجد خصومة؛ فوجوده أمامي يَهِيج الشر في نفسي؛ وأحتاج لضبط النفس بعزيمة قوية، وهذا هو تفصيل الكتاب.

والحق سبحانه يقول: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) (فصلت: 3).

أي: أن كل جزئية فيه مناسبة للأمر الذي نزلتْ في مناسبته.

ومثال هذا هو قوله سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) (الإسراء: 31).

وقوله الحق: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (الأنعام: 151).

وكل آية تناسب موقعها، ومعناها مُتَّسق في داخلها، وتَمَّ تفصيلها بما يناسب ما جاءت له، فقوله: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ) (الأنعام: 151).

يعني أن الفقر موجود، والإنسان مُنْشغل برزقه عن رزق ابنه.

أما قوله: (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء: 31).

أي: أن الفقر غير موجود، وهناك خَوْف أن يأتي إلى الإنسان؛ وهو خوف من أمر لم يَطْرأ بعد.

وهكذا نجد في القرآن تفصيل كل شيء تحتاجونه في أمر دنياكم وآخرتكم، وهو تفصيل لكل شيء ليس عندك؛ وقد قال الهدهد عن ملكة سبأ بلقيس: (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) (النمل: 23).

وليس معنى هذا أنها أوتيت من كل شيء في هذه الدنيا، بل هي قد أُوتيَت من كل شيء تملكه، أو يُمكِن أن تملكه في الدنيا.

وقول الحق سبحانه: (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) (يُوسُف: 111).

لا يعني أن نسأل مثلاً: "كم رغيفاً في كيلة القمح؟”.

وقد حدث أن سأل واحد الإمام محمد عبده هذا السؤال؛ فجاء بخباز، وسأله هذا السؤال؛ فأجاب الخباز؛ فقال السائل: ولكنك لم تَأْتِ بالإجابة من القرآن؟

فقال الإمام محمد عبده: لماذا لا تذكر قوله الحق: (فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43).

وهكذا نعلم أنه سبحانه لم يُفرِّط في الكتاب من شيء.

ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله: (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يُوسُف: 111).

ونعلم أن الهُدى هو الطريق المُؤدي إلى الخير، وهذا الطريق المؤدي إلى الخير ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: الوقاية من الشر لمن لم يقع فيه.

والقسم الثاني: علاج لمَنْ وقع في المعصية.

وإليك المثال: هَبْ أن أُناساً يعلمون الشر؛ فنردهم عنه ونشفيهم منه؛ لأنه مرض، وهو رحمة بمعنى ألاَّ يقعوا في المرض بداية.

إذن: فهناك ملاحظتان يشيران إلى القسمين: الملاحظة الأولى: أن المنهج القرآني قد نزل وقايةً لمَنْ لم يقع في المعصية.

والملاحظة الثانية: أن المنهج يتضمن العلاج لِمَنْ وقع في المعصية.

ويُحدِّد الحق سبحانه مَنْ يستفيدون من المنهج القرآني وقاية وعلاجاً، فيقول: (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يُوسُف: 111).

أي: هؤلاء الذين يؤمنون بإله واحد خلقهم وخلق الكون، ووضع للبشر قوانين صيانة حياتهم، ومن المنطقيِّ أن يسمع المؤمن كلامه ويُنفذه؛ لأنه وضع المنهج الذي يمكنك أن تعود إليه في كل ما يصون حياتك، فإنْ كنت مؤمناً بالله؛ فُخُذ الهُدَى، وخُذ الرحمة.

ونسأل الله أن نُعطَى هذا كله.



سورة يوسف الآيات من 106-111 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة يوسف الآيات من 106-111
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة يوسف الآيات من 041-045
» سورة يوسف الآيات من 046-050
» سورة يوسف الآيات من 051-055
» سورة يوسف الآيات من 056-060
» سورة يوسف الآيات من 061-065

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: يوسف-
انتقل الى: