منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الأنعام الآيات من 046-050

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الأنعام الآيات من 046-050   سورة الأنعام الآيات من 046-050 Emptyالجمعة 12 يوليو 2019, 8:18 pm

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ [٤٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هنا يأمر الحق نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يستنطقهم: ماذا يفعلون إن سلب الله السمع وغطى قلوبهم بما يجعلها لا تدرك شيئاً، وسلب منهم نعمة البصر، هل هناك إله آخر يستطيع أن يرد لهم ما سلبه الحق سبحانه منهم؟

لقد أخذوا نعمة الله واستعملوها لمحادَّة الله وعداوته، أخذوا السمع ولكنهم صموا عن سماع الهدى، وأخذوا الأبصار ولكنهم عموا عن رؤية آيات الله.

ومنحوا القلوب ولكنهم أغلقوها في وجه قضايا الخير.

فماذا يفعلون إن أخذ الله منهم هذه النعم؟

هل هناك إله آخر يلجأون إليه ليستردوا ما أخذه الله منهم؟

وترى في الحياة أن الحق قد حرم بعضاً من خلقه من نعم أدامها على خلق آخرين .

إن في ذلك وسيلة إيضاح في الكون.

وإياك أن تظن أيها الإنسان أن الحق حين سلب إنساناً نعمة، أنَّه يكره هذا الإنسان، إنه سبحانه أراد أن يذكر الناس بأن هناك منعماً أعلى يجب أن يؤمنوا به.

فإن أخذ الحق هذه النعم من أي كافر فماذا سيفعل؟

إنه لن يستطيع شيئاً مع فعل الله.

وهاهوذا النبي يوضح لهم بالبراهين الواضحة، ولكنهم مع ذلك يُعْرِضون عن التدبر والتفكر والإيمان {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} والمؤمن حين يرى إنساناً من أصحاب العاهات فهو يشكر الله على نعمه، إن الحق -سبحانه- بواسع رحمته يعطي صاحب العاهة تفوقاً في مجال آخر.

ولنذكر قول الشاعر:
عميت جنيناً والذكاء من العمى فجئت عجيب الظن للعلم موئلا
وغاض ضياء العين للقلب رافداً لعلم إذا ما ضيع الناس حصلا

إننا قد نرى أعمى يقود ببصيرته المبصرين إلى الهداية.

ونرى أصم كبيتهوفن -على سبيل المثال- قد فتن الناس بموسيقاه وهو أصم.

وهكذا نجد من أصيب بعاهة فإن الله يُعوضه بجودٍ وفضل منه في نواحٍ ومجالات أخرى من حياته.

ولا يوجد إله آخر يمكن أن يعوض كافراً ابتلاه الله؛ لأن الله هو الواحد الأحد.

{ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ}، أي انظر يا محمد وتعجب كيف نبّين لهم الآيات ونصرفها من أسلوب إلى أسلوب ما بين حجج عقلية وتوجيه إلى آيات كونية وترغيب وترهيب وتنبيه وتذكير ومع ذلك فإن هؤلاء الكافرين لا يتفكرون ولا يتدبرون، بل إنهم يعرضون ويتولون عن الحق بعد بيانه وظهوره.

ويقول الحق من بعد ذلك: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ...}.



سورة الأنعام الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 046-050   سورة الأنعام الآيات من 046-050 Emptyالجمعة 12 يوليو 2019, 8:20 pm

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [٤٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونلحظ أن "تاء الضمير" في هذه الآية قد فتحت، بينما الآية السابقة لها جاءت فيها "تاء الضمير" مضمومة، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 46].

ونلحظ أيضاً أن الآية التي نحن بصددها الآن تأتي فيها كاف الخطاب: "أرأيتكم" بينما الآية السابقة لها لا تحمل كاف الخطاب "أرأيتم" ونعرف أن كل لفظة من هذه الألفاظ قد جاءت لتؤدي معنىً لا يؤدى بغيرها، وإن تشابهت الأساليب، فقوله: (أرأيتكم) يشمل ويضم ضمير المخاطب وهو التاء المفتوحة ويشمل أيضا كاف الخطاب والجمع بين علامتي الخطاب (التاء) و (الكاف) يدل على أن ذلك تنبيه على شيء ما عليه من مزيد.

إنه تنبيه إلى أن هلاكهم سيكون هلاك استئصال وإبادة، ومرة يقول الحق: "أرأيتم" أي أخبروني أنتم وأعلموني إعلاماً يؤكد لي صدق القضية، ويأتي الاستفهام هنا من مادة "أرى" و "رأى".

إن السبب في ذلك أنك حين تستفهم عن شيء إما أن يكون المستفهم منه قد حضر حدوث الشيء، وإما أن يكون المستفهم منه لم يحضر حدوث الشيء.

فإن كان قد حضر حدوث الشيء فإنك تقول له: أرأيت ما حدث لفلان وفلان؟

فيقول لك: نعم رأيت كذا وكذا وكذا.

وإن كان المستفهَم منه لم يعلم بالأمر ولم يره فهو يجيب بالنفي، وهذا ما يحدث بين البشر، لكن حين يكون الاستفهام من الله، ويكون الحادث المستفهَم عنه قد حدث من قبل وجود المستفهَم منه، فالإيمان يقتضي أن يجيب المستفهم منه عن هذا الحادث بـ "نعم".

ومثال ذلك قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ} [الفيل: 1].

وهذا خطاب من الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- عنا حدث لأصحاب الفيل في عام ولادته -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن الحدث موضع رؤية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ولقائل أن يقول: كيف يخاطب الله ورسوله باستفهام عن حادث لم يره؟

ونقول: إن الحق بهذا الاستفهام يوضح لرسوله: اسمع مني، وسماعك مني فوق رؤية عينيك للحدث، فإذا ما قلت لك: "ألم تر" فمعناها: اعلم علماً يقينياً، وهذا العلم اليقيني يجب أن تثق في صدقه كأنك رأيته رؤية العين وفوق ذلك أيضاً فإن عينك قد تخدعك أو تكذب عليك، ولكن حين يخبرك ربك لا يخدعك ولا يكذب عليك أبداً.

إذن فالحق يريد أن يخرج هذه الأساليب مخرج اليقين.

وأضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى- فحين يحاول إنسان قد أحسنت إليه كثيراً أن يجحد إحسانك، فأنت لا تقول له: أنا أحسنت إليك، ولكنك تقول له: أرأيت ما فعلته معك يوم كذا، ويوم كذا؟

وهنا يبدو كلامك كاستفهام منك، لأنك واثق أنه حين يدير رأسه في الجواب فلم يجد إلا ما يؤيد منطقك من وقوفك إلى جانبه، وإحسانك إليه، ولن يجد إلا أن يقول لك: نعم رأيت أنك وقفت بجانبي في كل المواقف التي تذكرها.

وفي مثل هذا القول إلزام لا من موقع المتكلم، ولكن من واقع المخاطب.

وبعد أن تكلم الحق عن تعنت الكافرين أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعدم اكتفائهم بالآيات التي أنزلها الله مؤيدة لصدق رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم تماديهم في اقتراح آيات من عندهم، وقد اقترحوها في شيء من الصفاقة والسماجة، فقالوا: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} [الإسراء: 90-93].

وكلها أسئلة مليئة بالتعنت، والحق سبحانه وتعالى هو الذي اختار القرآن معجزة ومنهجاً لرسوله -صلى الله عليه وسلم-.

ويعلم سبحانه صدق رسوله في البلاغ عنه، لكل ذلك يبين الحق لرسوله أن يبلغ هؤلاء الكافرين أنه سبحانه وتعالى لن يعود عليه أي نفع أو ضر نتيجة إيمانهم به سبحانه، لكن النفع بالإيمان يكون للعباد ويعود خيره إليهم؛ لأنه سبحانه وتعالى له صفات الكمال كلها قبل أن يخلق الخلق.إنها له أزلا وأبداً.

فبصفات الكمال -علماً وقدرة؛ وحكمة؛ وإرادة- خلق الخلق جميعاً.

فإياكم أيها الناس أن تفهموا أن إيمانكم بالله يزيده صفة من صفات الجلال أو الجمال، وإنما الإيمان عائد إليكم أنتم، فإذا كان منكم متكبرون ومتعنتون، فالحق سبحانه لا يترك من تكبر وتعنت ليقف أمام منهجه الذي يحكم حركة الحياة في الأرض، ولكنه سبحانه يأخذ أهل التكبر والتعنت أخذ عزيز مقتدر.

واستقرئوا أيها الناس ما حدث لمن كذبوا رسل الله، وماذا صنع الله بهم؟

إنه بقدرته سبحانه وتعالى يستطيع أن يصنع معكم ما صنعه معهم.

وإذا ما استقرأتم قصص الرسل مع المكذبين لله وجدتم العذاب قد جاء للقوم بغتة، فهاهوذا الحق يقول عن قوم عاد: {فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} [فصلت: 15-16].

لقد تكبر قوم عاد على سيدنا هود عليه السلام والذين آمنوا معه، وظنوا أنهم أقوى الأقوياء، وغفلوا عن قدرة الخالق الأعلى وهو القوي الأعظم وأنكروا آيات الله، فماذا كان مصيرهم؟

فاجأهم الحق بإرسال ريح ذات صوت شديد في أيام كلها شؤم ليذيقهم عذاب الهوان والخزي والذل في هذه الدنيا، ويقسم الحق بأن عذاب الآخرة أشد خزياً؛ لأنهم في هذا اليوم لا يجدون ناصراً لهم لأنهم كفروا بالذي ينصف وينصر وهو الحق جلت قدرته.

وماذا عن قوم ثمود؟

لقد بين لهم الحق طريق الهداية.

لكنهم اختاروا الضلال واستحبوا لأنفسهم الكفر على الإيمان، وكذبوا نبي الله صالحاً عليه السلام وعقروا الناقة، فنزلت عليهم الصاعقة لتحرقهم بمهانة بسبب ما فعلوا من تكذيب لرسولهم.

{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [فصلت: 17].

وماذا فعل الحق بأصحاب الفيل؟

لقد جاء قوم أبرهة لهدم الكعبة، فاستقبلتهم الطير الأبابيل.

أي التي جاءت في جماعات كثيرة متتابعة بعضها في إثر بعض بحجارة من طين متحجر محرق قد كتب وسجل عليهم أن يعذبوا به: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 2-5].

وكل حدث من تلك الأحداث أجراه الله بغتة.

ومعنى البغتة أن يفاجئ الخطبُ القومَ بدون مقدمات علم به.

وهناك أيضاً من الأحداث الجسام أنزلها الله بالكافرين جهرة، فهاهم أولاء قوم فرعون يغرقهم الله علناً.

وكذلك قارون أهلكه الله جهرة: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ * وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ} [القصص: 76-81].

لقد أخذ قارون نعمة الله ونسبها إلى نفسه، وصار مفتوناً بما امتلك، وغرق في الغرور، فماذا فعل الله به؟

خسف الله به جهرة وأمام أعين الذين تمَنَّوْا مكانه.

إذن فمن الممكن ان يأتي عذاب الله بغتة للكافرين به أو يأتيهم بالعذاب جهرة.

وما السبب في التلوين بين "بغتة" و "جهرة"؟

البغتة تثبت لمن يعبد غير الله أنه مخدوع في عبادته لغير الله، لأنه لو كان يعبد إلهاً حقاً لما قبل هذه الإله أن يعذب أتباعه من حيث لا يشعر.

إذن فالبغتة تثبت عجز المعبودين من أصنام وغيرها، فقد عجزت تلك الأصنام أن تحتاط للعابدين لها.

وقد يقول قائل منهم: لقد جاءنا العذاب فجأة، لكن لو جاء لنا مواجهة لكنا قادرين على مواجهته والوقوف أمامه.

فيأتي الله أيضاً بالعذاب جهرة فلا يستطيعون مواجهته فتنتقطع حجتهم، وعلى الرغم من ذلك تموت في قلوب هؤلاء المعاندين القدرة على إبصار ضرورة الإيمان.

ويعامل سبحانه خصوم رسولنا -صلى الله عليه وسلم- مثل هذه المعاملة، فعندما عانده القوم جاءهم الله سبحانه بأمور معجزة لعلهم يتفكرون.

فهاهم أولاء قد اتفقوا على قتله قبل الهجرة، ويقفون على باب بيته، ويخرجه الحق من بينهم وهم لا يبصرون، ولا يفلحون في التآمر على رسول الله، ولا ينجح لهم تبييت ضد رسول الله، ويكون مكر الله فوق كل مكر يريد به أعداء الرسول -صلى الله عليه وسلم- إيذاءه به.

وهم قد ذهبوا إلى الجن ليسحروا له، لكن لا هذا السحر قد نفع، ولا ذاك التبييت أتى بنتيجة.

وكانت تكرمة الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فوق كل شيء.

ويقول الحق سبحانه وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّالِمُونَ} [الأنعام: 47].

ويكون تذييل الآية -أيضاً- على هيئة استفهام، والاستفهام هنا - كما علمنا من قبل - إنما جاء ليؤكد المعنى، وليكون الإقرار من أفواه من يتلقون هذا الاستفهام وعن يقين منهم، وليكون الاعتراف منهم إجابة بالإقرار، والإقرار -كما نعلم- هو سيد الأدلة.

وهب أن صاعقة نزلت أو خسفاً حدث فيه عذاب، فكيف ينجي الله المؤمنين به من هذا العذاب أو ذلك الخسف؟

إن الهلاك فقط يكون للقوم الظالمين؛ لأن الهلاك هو إعدام الحياة للحي المتمتع بالحياة، والذي لا يؤمن إلا بهذه الدنيا إذا جاءته مصيبة لتهلكه فهو يشعر بمرارة الخسران؛ لأنه لا يعتقد ولا يؤمن بالحياة الأخرى، لكن المؤمن الذي يتيقن أن له إلهاً وأنه سيعود إليه ليحاسبه ويجزيه عن إيمانه خير الجزاء إن حدثت له محنة في طي محنة كبرى للكافرين فهو يذهب إلى الجنة ويكون ذلك منحة له لا محنة عليه لتستمر حياته إلى خلود.

وهكذا نجد أن الهلاك إنما يحدث للقوم الظالمين فقط لأنه يُفْقِدهم كل ما كانوا يتمتعون به في دنياهم وليس لهم في الآخرة إلا البوار والخسران والعذاب الدائم، أما غير الظالمين فالحق سبحانه وتعالى ينقلهم إلى حياة خالدة هي خير من هذه الحياة، إذن فالمؤمنون إنما يتلقون فيوضات الله عليهم في النعماء وفي البلاء أيضاً.

ويتكلم الحق سبحانه وتعالى في الآية التالية عن التصور الإيماني الذي يجب أن يرسخ في أذهان المؤمنين برسول مبلغ عن الله، وعندما يسمع العقل الطبيعي الفطري البلاغ عن الرسول فهو يصدقه فوراً؛ لأن الفطرة عندما ترى فساد الكون، وترى أن هناك من جاء بمنهج لإصلاح الكون لابد أن تتجه إلى الإيمان بالمبلغ عن الله وهو الرسول.

وعندما ترى الفطرة أن الكون كله قد تم إعداده لخدمة الإنسان، لابد لها أن تتساءل عن الخالق لهذا الكون وعن المنهج الذي يجب أن تسير عليه لصيانة هذه النعمة، نعمة الوجود في الكون.

ويقتضي الإحساس السليم من الإنسان أن يتعرف إلى حقيقة واضحة، وهي أن الإنسان قد طرأ على الكون، وأن هذا الكون مليء وغني بالخيرات، ولم يدع أحد أبداً أنه خلق السمٰوات أو الأرض أو الماء أو الهواء.

ولابد أن يدور في خلد صاحب الفطرة السليمة تساؤل عن هذا الخالق الأكرم الذي وهب للإنسان حق الاستخلاف في كل هذا الكون.

فإذا ما جاء رسول ليقطع هذا القلق وذلك الصمت ويقول: أنا جئتكم لأخبركم بمن خلقكم، وبمن خلق السمٰوات، وبمن خلق الأرض، وبمن رزقكم هذا الرزق.

هنا تنصت الفطرة إلى سماع الخبر الذي كانت تستشرف له.

وإذا ما جاء هدا الرسول مؤيداً بآية من الله ومعجزة لا يقدر عليها البشر، فالعقل البشري يعترف اعتراف الإقرار على الفور؛ لأنه وجد حاجته عند ذلك الرسول.

ولكن على الذين يؤمنون بما جاء به الرسول، وعلى الرسول نفسه، وحتى على الكافرين به، عليهم جميعاً ألا يتعدوا الحدود، وألا يضعوا أي رسول في مكان أعلى من منزلته، لأنه رسول من الله، إنه واحد من البشر تفضل الله عليه بالوحي واصطفاه للمهمة التي جاء بها.

ولابد للجميع أن يفهم أن الرسول مبلغ عن الله فقط، وأنه لا يستطيع أن يأتي بالآيات التي يقترحها بعض من القوم؛ لأن الرسول لا يقترح الآيات ولا يصنعها، الرسول مقصور على أداء الأمانة الموكلة إليه وهي أمانة البلاغ عن الله.

ولذلك يقول لنا الحق: {وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ...}.



سورة الأنعام الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 046-050   سورة الأنعام الآيات من 046-050 Emptyالجمعة 12 يوليو 2019, 8:21 pm

وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٤٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي أن الحق سبحانه لم يعط الرسل قدرته ليفعلوا ما شاءوا، ولكنهم فقط مبلّغون عن الله، فلا يطلبن منهم أحد آيات؛ لأنهم لا يستطيعون أن يأتوا بالآيات، وكل رسول يعلم أنه من البشر، وهو يستقبل عن الله فقط، ولذلك فلنأخذ الرسل على أنهم مبشرون ومنذرون {وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}.

ونعرف أن البشارة هي الإخبار بما يسر قبل أن يقع.

والسبب في البشارة هو تهيئة السامع لها ليبادر إلى ما يجعل البشارة واقعاً بأن يمتثل إلى المنهج القادم من الإله الخالق.

ونعرف أن الإنذار هو الإخبار بما يسوء قبل أن يقع ليحترز السامع أن يقع في المحاذير التي حرمها الله.

والبشارة -كما نعلم- تلهب في الراغب في الفعل والمحب له أن يفعل العمل الطيب، والإنذار يحذر ويخوف من يرغب في العمل السيىء ليزدجر ويرتدع.

إذن فمهمة الرسل هي البشارة والإنذار، فلا تخرجوا بهم أيها الناس إلى مرتبة أخرى أو منزلة ليست لهم فتطلبوا منهم آيات أو أشياء؛ لأن الآيات والأشياء كلها من تصريف الحق تبارك وتعالى، ومن سوء الأدب أن نُخطّئ الله في الآيات التي أرسلها مع الرسل ونطلب آيات أخرى.

إنكم بهذا تستدركون على الله.

ويبيّن الحق لنا حدود مهمة الرسل فيقول: {وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [الأنعام: 48].

هذا هو عمل الرسل، فماذا عن عمل الذين يستمعون للرسل؟

إن الحق يقول: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأنعام: 48].

فالمطلوب -إذن- من الذين يستمعون إلى الرسل أن يقبلوا على اختيار الإيمان، وأن يستمعوا إلى جوهر المنهج وأن يطبقوه.

فمن آمن منهم وأصلح فلا خوف عليه لأنه قد ضمن الفوز العظيم، ولا يصيبه أو يناله حزن، لأن ناتج عمله كله يلقاه في كتابه يوم القيامة.

والإيمان هو اطمئنان القلب إلى قضية عقدية لا تطفو إلى الذهن لتناقش من جديد.

ولذلك نسمي الإيمان عقيدة، أي شيئاً انعقد عقداً لا ينحل أبداً.

إنّ على المؤمن بربه أن يستحضر الأدلة والآيات التي تجعل إيمانه بربه إيماناً قوياً معقوداً؛ وهذا عمل القلب.

ويعرف المؤمن أن عمل القلب لا يكفي كتعبير عن الإيمان؛ لأن الكائن الحي ليس قلباً فقط، ولكنه قلب وجوارح وأجهزة متعددة، وكل ما في الكائن الحي المؤمن يجب أن ينقاد إلى منهج ربه، فلابد من التعبير عن الإيمان بأن يصلح الإنسان كل عمل فيؤديه بجوارحه أداء صحيحا سليما.

إنني أقول ذلك حتى يسمع الذي يقول: إن قلبي مؤمن وسليم.

لا.

فليست المسألة في الإيمان هكذا، صحيح أنك آمنت بقلبك ولكن لماذا عطلت كل جوارحك عن أداء مطلوب الإيمان؟

لماذا لا تعطي عقلك فرصة ليتدبر ويفكر ويخطط ويتذكر، لماذا لا تعطي العين فرصة لتعتبر وتستفيد من معطيات ما ترى؟

وكذلك اليد، واللسان، والأذن، والقدم، وكل الجوارح.

والإصلاح هو عمل الجوارح، فيفكر الإنسان بعقله في الفكرة التي تنفع الناس، ويسمع القول فيتبع أحسنه، ويصلح بيديه كل ما يقوم به من أعمال.

ويعلم المؤمن أنه حين أقبل على الكون وجده محكماً غاية الإحكام، ويرى الإنسان الأشياء التي لا دخل له فيها في هذا الكون وهي على أعلى درجات الصلاحية الراقية، فالمطر ينزل في مواسمه، والرياح تهب في مواسمها ومساراتها، وحركة الشمس تنتظم مع حركة الأرض، وكل عمل في النواميس العليا هو على الصلاح المطلق.

إن الفساد يأتي مما للإنسان دخل فيه، فالهواء يفسد من بناء المنازل المتقاربة، وعدم وجود مساحات من الخضرة الكافية، ويفسد الهواء أيضاً بالآلات التي تعمل ولها من السموم ما تخرجه وتدفعه من أثر عملية احتراق الوقود.

وعندما صنع الإنسان الآلات نظر إلى هواه في الراحة، وغابت عنه أشياء كان يجب أن يحتاط لها، ومثال ذلك: "عادم" السيارات الذي يزيد من تلوث البيئة، ورغم اكتشاف بعض من الوسائل التي يمكن أن تمنع هذا التلوث.

إلا أن البعض يتراخى في الأخذ بها.

ونحن حين نأخذ بقمة الحضارة ونركب السيارات فلماذا ننسى القاعدة التي تقوم عليها الحضارة وهي الدراسة العلمية الدقيقة لنصنع الآلات ونأخذ من الآلات ما يفيد الناس، فنعمل على الأخذ بأسباب تنقية البيئة من التلوث ونمنع الأذى عن حياة الناس.

فالعادم الذي من صناعتنا -مثل عادم السيارات والآلات- يُفسد علينا الهواء فتُفسد الرئة في الإنسان.

إن علينا أن نعرف أن من مسئولية الإيمان أن ننظر إلى الشيء الذي نصنعه وكمية الضر الناتجة عنه، وكل إنسان يحيا في مدينة مزدحمة إنما يضار بآثار عادم السيارات على الرغم من أنه ليس في مقدور كل إنسان أن يشتري سيارة ليركبها، فكيف يرتضي راكب السيارة لنفسه ألا يصلح من تلك الآلة التي تسهل له حياته ويصيب بعادمها الضر لنفسه ولغيره من الناس؟         

 لذلك فعلى المسلم ألا يأخذ الحضارة من مظهرها وشكلها بل على المجتمع المسلم أن يعمل على الأخذ بأسباب الحضارة من قواعدها الأصلية، وأن يدرس كيفية تجنب الأضرار حتى لا نقع في دائرة الأخسرين أعمالاً، هؤلاء الذين قال فيهم الحق سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 103-104].

ولنا أن نأخذ المثل الأعلى دائماً من الكون الذي خلقه الله لنصونه، إن عادم وأثر وناتج أي شيء مخلوق لله يفيد الإنسان ويفيد الكون حتى فضلات الحيوان يُنتفع بها في تسميد الأرض وزيادة خصوبتها.

وهكذا نعرف معنى: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.

فالإيمان عمل القلب، والإصلاح عمل الجوارح، ولذلك يجب أن نصلح في الكون بما يزيد من صلاحه.

ولنعلم أن الكون لم يكن ناقصاً وأننا بعملنا نستكمل ما فيه من نقص، ليس الأمر كذلك، ولكننا أردنا أن نترف في الحياة، وما دمنا نريد الترف فلنزد من عمل العقل المخلوق لله في المواد والعناصر التي أمامنا وهي المخلوقة لله.

وأن نتفاعل معها بالطاقات والجوارح المخلوقة لله، ما دمنا نريد أن نتنعم نعيماً فوق ضروريات الحياة.

ومثال ذلك أننا قديماً وفي أوائل عهد البشرية بالحياة، كان الإنسان عندما يعاني من العطش، يشرب من النهر، وبعد ذلك وجد الإنسان أنه لا يسعد بالارتواء عندما يمد يده ليأخذ غرفة من ماء النهر، فصنع إناءً من فخار ليشرب منه الماء، ثم صنع إناءً من الصاج، ثم صنع إناء من البلور، فهل هذه الأشياء أثرت في ضرورة الحياة أو هي ترف الحياة؟

إنها من ترف الحياة.

فإن أردت أن تترف حياتك فلتُعمل عقلك المخلوق لله في العناصر المخلوقة لله، بالطاقة والجوارح المخلوقة لله، وبذلك يهبك الله من الخواطر ما تستكشف به آيات العلم في الكون.

ومثال ذلك: أن أهل الريف قديماً كانوا يعتمدون على نسائهم ليملأن الجرار من الآبار أو الترع ثم تقوم سيدة البيت بترويق المياه.

وعندما ارتقينا قليلاً، كان هناك من الرجال من يعمل في مهنة السقاية، ويمر بالقرب المملوءة بالماء على البيوت.

وعندما قام أهل العلم بالاستنباط والاعتبار اكتشفوا قانون الاستطراق، فرفعوا المياه إلى خزانٍ عالٍ، وامتدت من الخزان "مواسير" وأنابيب مختلفة الأقطار والأحجام، وصار الماء موجوداً في كل منزل، هذا ما فعله الناس الذين استخدموا العقول المخلوقة لله.

وكان الناس من قبل ذلك يكتفون بالضروري من كميات المياه، فالأسرة كانت تكتفي بملء قربة أو قربتين من الماء، ولكن بعد أن صارت المياه في كل منزل، أساء الكثير من الناس استخدام المياه، فأهدروا كميات تزيد عن حاجتهم، وتمثل ضغطاً على "مواسير" الصرف الصحي، فتنفجر ويشكو الناس من طفح المجاري.

إن على المسلم أن يرعى حق الله في استخدامه لكل شيء، فالماء الذي يهدره الإنسان قد يحتاج إليه إنسان آخر، وعندما نتوقف عن إهداره، نمنع الضرر عن أنفسنا وعن غيرنا من طفح "مواسير" الصرف الصحي.

وليحسب كل منا -على سبيل المثال- كم يستهلك من مياه في أثناء الوضوء.

إن الإنسان منا يفتح الصنبور ويغسل يديه ثلاثاً ويتمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، ويغسل ذراعيه ثلاثاً، ويمسح برأسه، ويغسل أقدامه.

ويترك الإنسان الصنبور مفتوحاً طَوال تلك المدة فيهدر كميات من المياه، ولو فكر في حسن استخدام المياه التي تنزل من الصنبور لما اشتكى غيره من قلة المياه.

فلماذا لا يفكر المسلم في أن يأخذ قدراً من المياه يكفي الوضوء ويحسن استخدام الماء؟

وكان الإنسان يتوضأ قديماً من إناء به نصف لتر من الماء، فلماذا لا نحسن استخدام ما استخلفنا الله فيه؟

على الإنسان منا أن يعلم أن الإيمان كما يقتضي أو يوجب ويفرض الصلاة ليصلح الإنسان من نفسه، يقتضي -أيضاً- إصلاح السلوك فلا نبذر ونهدر فيما نملك من إمكانات، وأن ندرس كيفية الارتقاء بالصلاح، فلا نتخلص من متاعب شيء لنقع في متاعب ناتجة من سوء تصرفنا في الشيء السابق، بل علينا أن ندرس كل أمر دراسة محكمة حتى لا يدخل الإنسان منا في مناقضة قوله الحق: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36].

أي عليك أن تعرف أيها المسلم أنك مسئول عن السمع والبصر والقلب وستسأل عن ذلك يوم القيامة، لذلك لا يصح أن تتوانى عن الأخذ بأحسن العلم ليحسن قولك وفعلك.

وبذلك لا يكون هناك خوف عليك في الدنيا أو الآخرة؛ لأنك آمنت وأصلحت، وأيضاً لا حزن يمسك في الدنيا ولا في الآخرة: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.

إنك بذلك تصون نفسك في الآخرة وفي الدنيا أيضاً؛ لأنك تسير في الحياة بإيمان وتصلح في الدنيا متبعاً قوانين الله.

وإن رأيت أيها المسلم متعبة في الكون فاعلم أن حكماً من أحكام الله قد عطِّل، إن رأيت فقيراً جائعاً أو عرياناً فاعلم أن حقاً من حقوقه قد أكله أو جحده غيره؛ لأن الذي خلق الكون، خلق ما يعطيه الغني من فائض عنه للفقير ليسد عوزه، لكن الغني قبض يده عن حق الله، وأيضاً جاء قوم يتسولون بغير حاجة للتسول، والفساد هنا إنما يأتي من ناحيتين: ناحية إنسان استمرأ أن يبني جسمه من عرق غيره، أو من إنسان آخر غني لا يؤدي حق الله في ماله، بذلك يعاني المجتمع من المتاعب.

ويقول الحق من بعد ذلك: {وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا...}.



سورة الأنعام الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 046-050   سورة الأنعام الآيات من 046-050 Emptyالجمعة 12 يوليو 2019, 8:22 pm

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [٤٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والذين كذبوا بآيات الله هُمْ إمَّا مَنْ كَذَّبَ الرسول في الآيات الدالة على صدقه وهو المبلغ عن الله، وهؤلاء دخلوا في دائرة الكفر.

وإمّا هم الذين كذبوا بآيات المنهج، فلم يستخدموا المنهج على أصوله وانحرفوا عن الصراط المستقيم والطريق السوي.

وهؤلاء وهؤلاء قد فسقوا، أي خرجوا عن الطاعة، ونعلم أن كلمة "الفسق" مأخوذة من خروج "الرطبة" عن قشرتها عندما يصير حجمها أصغر مما كانت عليه لاكتمال نضجها.

والذي يفسق عن منهج الله هو الذي يقع في الخسران؛ لأن منهج الله هدفه صيانة الإنسان المخلوق لله بـ "افعل كذا" و"لا تفعل كذا".

إن الإنسان يفسق عندما لا يفعل ما أمره الله أن يفعله، أو يفعل ما نهاه الله عن أن يفعله.

ونجد الإنسان منا يخاف على جهاز التسجيل أو جهاز التليفزيون من أن يفسد فيتبع القواعد المرعية لاستخدامه.

فلا يمد -مثلاً- جهازاً من الأجهزة الكهربية بنوعية من الطاقة غير التي يحددها الصانع، فإن قال لصانع: استخدم كهرباء مقدارها مائتان وعشرون فولتاً حتى لا تفسد الآلة فالإنسان ينصاع لما قاله الصانع، فما بالنا بالإنسان، إن الله -جلت قدرته- خلق الإنسان ووضع له قوانين صيانته.

إذن فمن يفسد في قوانين صيانة نفسه يمسه العذاب، وكلمة يمسهم العذاب تعطي وتوحي بأن العقوبة تعشق أن تقع على المجرم، كأن العذاب سعى إليه ليناله ويمسه وهاهوذا قول الحق عن النار.

{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8].

وهو سبحانه القائل عن النار: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30].

إذن فالعقوبة نفسها حريصة على أن تنفذ إلى من أساء.

ولذلك يلح العذاب في أن يمس الذين فسقوا.

ويأتي الحق هنا بكلمة "المس" لحكمة، ذلك أن عقوبة الله لا تقارن بعقوبة البشر.

فالإنسان يعاقب إنساناً بمقياس قدرته وقوته، وليس لأحد من الخلق أن يتمثل قدرة الله في العذاب، ولذلك يكفي المس فقط، لأن التعذيب يختلف باختلاف قدرة المعذِّب، فلو نسبنا التعذيب إلى قدرة الله لكان العذاب رهيباً لا طاقة لأحد عليه.

ويقول الحق بعد ذلك: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي...}.



سورة الأنعام الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 046-050   سورة الأنعام الآيات من 046-050 Emptyالجمعة 12 يوليو 2019, 8:25 pm

قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [٥٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

و"قل" -كما نعلم- هي أمر من الله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والرسول يُبَلّغُ ما أمر به الله، وكان يكفي أن يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لا أقول لكم عندي خزائن الله.

لكنها دِقَّةُ البلاغ عن الله، إنّ القرآن توقيفي بمعنى أن كل كلمة فيه نزلت من الله كما هي وبلغها الوحي الأمين لسيدنا رسول الله، وبلغها لنا -صلى الله عليه وسلم- كما هي، ويدل ذلك على أن أحداً لا يملك التصرف حتى في اللفظ، بل لابد من أمانة النقل المطلقة.

وأبلغنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الحق قد أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً بآية دالة على صدق البلاغ عنه وهي القرآن.

وكان يجب على مَن يستقبل هذا البلاغ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن يستقبله بحق فلا يطلب منه إلا ما يتمشى مع الوصف الذي ادعاه -صلى الله عليه وسلم- لنفسه.

فليس من حق أحد أن يطلب من الرسول آيات غير التي أنزلها الله؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يدَّع إلا أنه مبلغ عن الله، فيجب أن تكون المقابلة له في إطار هذا الادعاء.

وقد تجاوز الكافرون ذلك عندما طلبوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آيات أخرى، كتفجير بعض الأرض ينابيع مياه، أو أن يكون له بيت من زخرف، ولذلك يوضح له الحق سبحانه أن يبلغهم أنه لا يملك مع الله خزائن السماوات والأرض، فكيف تطلبون بيوتا وقصورا، وكيف تطلبون معرفة الغيب حتى تقبلوا على النافع وتتجنبوا الضار؟         

ألا يكفيكم المنهج الإلهي الذي يهديكم إلى صناعة كل نافع لكم ويجنبكم كل أمر ضار بكم؟

ثم إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقل لهم إنه يعلم الغيب.

وهو بشهادتهم هم يقولون عنه ما جاء بالقرآن الكريم: {وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الفرقان: 7-8].

لقد سخروا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وطالبوا أن تكون له آيات أخرى، وتساءلوا كيف يمكن أن يزعم أنه رسول وهو يأكل الطعام كما يأكلون، ويغشى الأسواق لكسب العيش كما يفعل البشر، ولو كان رسولاً لكفاه الله مشقة كسب العيش، ولأنزل إليه مَلكاً يساعده في البلاغ عن الله، أو يلقي إليه الله من السماء بكنز ينفق منه، أو تكون له حديقة غناء يأكل من ثمارها.

هذا ما قاله كبار المشركين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وأرادوا أن يصدوا الناس عن الإيمان بدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمرة يتهمونه بأنه مسحور، ومرة بأنه مجنون، وثالثة بأنه يهذي، ورابعة بأنه كذاب، وخامسة بأنه يتلقى القرآن من أعاجم، ويدحض الحق كل هذه الأكاذيب وكل تلك الافتراءات التي ضلوا بها وأضلوا بها سواهم.

إنه -صلى الله عليه وسلم- رسول من الرسل: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان: 20].

إن الرسل من قبلك يا رسول الله كانت تأكل الطعام، وتكسب العيش من العمل ويترددون على الأسواق، فإذا كان المشركون يعيبون عليك ذلك ويحاولون إضلال الناس بكل الأساليب، فأنت ومن معك يا رسول الله من المؤمنين سيكتب الله لكم النصر ويَجْزِي كُلاً بما عمل.

ثم إن الآيات التي يطلبها المشركون من رسول الله كانت كلها تعنتاً؛ فهو لم يقل لهم: إنه ملك.

لقد قال لهم: إنه رسول مبلغ عن الله، وكل ما يؤديه هو صدق الأداء عن الله، فكيف يطلبون منه أشياء لا تتعلق إلا بملكية الله لخزائن الأرض؟وكيف يطلبون منه أن يعلمهم الغيب؟

وكيف ينتقدون أنه رسول وبشر يأكل ويتزوج ويمشي في الأسواق؟

إن كل تلك الأقوال دليل التعنت؛ لأنهم قد طلبوا أشياء تخرج عن مجال ما ادعاه رسول الله لنفسه من أنه رسول مبلغ عن الله؛ إنهم طلبوا الخير النافع والينابيع التي تجري، والجنات والقصور، وأشياء كلها ليست في مقدور رسول مبلغ عن الله، لأن الذي يهبها هو الله سبحانه وتعالى وكلمة "خزائن" هذه مفردها "خِزانة" وهي الشيء الذي يكنز فيه كل نفيس ليخرج منه وقت الحاجة.

ولا تقل: خِزانة إلا لشيء جعلته ظرفاً لشيء نفيس تخاف عليه من أن تخرجه في غير أَوَانِ وزمان إخراجه.

وخزائن الأرض كلها يملكها الله، فهو سبحانه وتعالى القائل: {وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 19-21].

إذن فالحق جاء بالقضية الكلية، وهي أن أسرار الله ونفائسه في الكون هي بيد الله في خزائنه، وهو سبحانه يجليها ويظهرها ويكشفها لوقتها.

كيف؟

إن الحق سبحانه وتعالى تكلم عن بدء الخلق، وتكلم عن خلق السماوات والأرض، وتكلم عن هذا الموضوع كلاماً مجملاً تفسره الآيات الأخرى.

فالحق سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ * ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [فصلت: 9-11].

يأمر الحق رسوله أن يبلغ هؤلاء المشركين كيف يكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين وكيف يجعلون له شركاء وهو الخالق للأرض التي هي مناط الحركة لابن آدم.

لقد خلق فيها سبحانه ما يقيت ابن آدم وتقوم به حياته إلى أن تقوم الساعة.

والقوت -كما نعلم- هو الذي يبقي للإنسان حياته وإن أراد الترف فلابد له من الطموح في الحياة.

وهو سبحانه جعل في الأرض رواسي -أي جبالاً- وبارك في الأرض وفي الرواسي.

ثم جاء بتقدير الأقوات بعد ذكر الرواسي وهي الجبال، فكأن الجبال في حقيقة أمرها هي مخازن القوت.

وقد يقول قائل: كيف ذلك؟

ونقول: إن الواقع قد أثبت هذه الحقيقة؛ فأنت إن نظرت إلى الأنهار التي تجري، لوجدتها تتكون من الماء الذي تساقط من الأمطار على الجبال، فالمياه المكونة من ذرات صغيرة دقيقة تنزل على هذه الجبال لتفتتها، وكأن المياه هي "المِبْرَد" الذي يزيل من سطح الجبال هذه الرمال المليئة بالعناصر الغذائية للأرض، وهو ما نسميه نحن "الغرين"، والغرين -كما نعلم- هو ما ينزل مع المياه من سطوح الجبال إلى مجرى النهر، وباندفاع المياه في مجرى النهر تنتقل المادة الخصبة إلى الأرض، وتتكون تلك الطبقة الخصبة التي تتغذى منها النباتات.

ولو شاء الحق سبحانه وتعالى لجعل سطح الأرض كله مستوياً، وفيه الخصوبة التي تنبت النبات.

لكن حكمته سبحانه شاءت أن تصنع للنبات غذاءه بهذه الطريقة.

فأنت إذا ما نظرت إلى النبات وجدته يختلف من نوع إلى نوع في أسلوب امتصاصه للعناصر الغذائية اللازمة له، فهناك نوع من النبات يمتص غذاءه من عمق نصف المتر، ونوع ثانٍ يأخذ غذاءه من عمق المتر، وهكذا.

وإن لم نأت للأرض المزورعة بسماد أو مخصبات أو غرين، فإن الأرض تضعف؛ لأن الحق يريد لعملية الزراعة أن تستمر وتمتد وتتوالى، فجعل الجبال مكونة بشكل صُلب، وتمر على الجبال عوامل التعرية من حرارة وبرودة وتشققات ثم ينزل عليها المطر فيذيب من سطوح الجبال بعضاً من تلك المواد الغذائية اللازمة للأرض، تنتقل هذه المواد الغذائية عبر المياه إلى الأرض، وبهذا يتوالى الإمداد بالخصب من الجبال إلى الأرض.

وهكذا نجد أن الجبال في حقيقتها هي مخازن لخيرات الله.

وهل مقومات الحياة زرع فقط؟

لا.

لأنك إن نظرت إلى نموذجٍ مصغرٍ للكرة الأرضية، ستجده يشبه البطيخة الكبيرة، وإن جئت لتقطع مثلثاً من محيط القشرة إلى مركز البطيخة، وجعلت هذا المثلث يشبه الهرم، ثم أخذت منها مثلثاً آخر من أي ناحية سواء أكان من ناحية الأرض الخصبة، أم من البحار أم من الجبال أم من الوديان، أم من الصحاري، ثم نظرت من بعد كل ذلك إلى الخير المطمور في كل جزء من هذه الأجزاء لوجدته مساوياً للجزء الآخر.

لماذا؟

لأن الحياة لا تعتمد على ألوان محصورة من القوت، ولكنها تحتاج في عمارتها إلى أدوات ومواد الحضارة من حديد وبترول ومنجنيز وغير ذلك من كنوز الأرض التي تقوم عليها الحضارة.

إننا نجد هذه الخيرات مكنوزة إما في الجبال وإما في الصحاري.

ولكن كل خير من هذه الخيرات له ميعاد، وله ميلاد، وانت لو قست ووزنت الخيرات الموجودة في أي مثلث هرمي من الأرض من مركزها إلى محيطها، وقارنتها بوزن قياس الخيرات الموجودة في مثلث هرمي آخر مساوٍ له من الكرة الأرضية نفسها، لوجدت الخيرات متساوية في كل من المثلثين.

ولكن لكل لون من هذه الخيرات ميلاد وميعاد.

{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}[الحجر: 21].

فما يقال له شيء، فإن له خزانة عند الله يُنْزِلُ منها سبحانه بقَدَر.

ونرى ذلك من قمة الوجود، وهو العقل، إن العقل شيء، وله خزائن عند الله، فما كان موجوداً من أفكار من عشرة قرون لدى البشرية جميعا لا يقاس بكمية الأفكار التي يمتلكها.

العقل الجمعي للعالم الآن، ذلك أن كل جيل قد استفاد مقدمات من أفكار الجيل السابق له ليصل إلى نتاج جديد.

إذن فهناك خزائن للأفكار وللخواطر.

وكذلك كل شيء في الوجود له عند الله خزائن لا ينزل منها إلا بِقَدَر معلوم: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}[الحجر: 21].

وساعة يريد الحق أن يظهر ميلاد سر ما، فهو سبحانه يهيىء الأسباب لذلك.

وعلى سبيل المثال -ولله المثل الأعلى- كنا قديما نقطع الأخشاب من الأشجار لنصنع منها وقوداً، وكنا بعد أن نقطع الأخشاب نخشى عليها من الفساد، لذلك وضع الحق بعضاً من إلهاماته للعقل البشري حتى يستطيع تحويل الخشب إلى فحم ليضمن الإنسان صيانة الخشب، وليضمن وجود مصدر للطاقة هو الفحم النباتي.

ومن بعد ذلك اكتشف الإنسان الفحم الحجري.

ومن بعد ذلك اكتشفنا البترول، كل ذلك من خيرات الطاقة كان مكنوزاً في الأرض، ولم يكتشفه الإنسان إلا بعد أن أعطاهم الله الاستعداد لاستقبال هذا الخير، وسيظل عطاء الله قائماً إلى أن تقوم الساعة.

فمع الفحم دخلنا عصر البخار، ثم دخلنا عصر الكهرباء، ثم دخلنا عصر الذرة.

وكل هذه الأشياء كان لكل منها ميلاد، ولكل منها مكان في خزائن الله، وعندما ينزل الله أي خاطر من الخواطر على عبد من عباده فإن العبد يأخذ بالأسباب ويكتشف ميلاد السر المكنوز.

وكل لاحق يأخذ من خير السابق ويبني عليه.

وهكذا ينمو الخير دائماً.

والأشياء في خزائن الله إما أن تكون مطمورة وإما تكون محكمة إحكاماً رقمياً، وعلى سبيل المثال، هذا هو الراديوم الذي اكتشفته "السيدة كوري" أظهره الله على يديها في وقت الحاجة إليه.

وكان العلماء قبل اكتشاف الراديوم يعلمون أن هناك عنصراً لم يعرفوه له تركيب ذري معين؛ لأن عناصر الكون مصنوعة بحكمة جليلة كبيرة.

وقد ينزل الشيء شائعاً في غيره، ومثال ذلك أن تقطف وردة وتستمتع بأريجها وجمال منظرها إلى أن تذبل، وقد يغيب عنك أن الوردة مكونة من تركيب معين، فالرطوبة هي التي تعطي الوردة نضارة، وكل شيء في الوردة هو من مادة الأرض، وعندما تذبل الوردة فهي تعود إلى عناصر الأرض بعد أن تتبخر منها المياه وتذهب كبخار مع غيرها من المتبخرات إلى السحاب الذي تحركه الرياح فيسقط مطراً.

وهكذا نجد أن قطرات المياه التي كانت في الوردة تبخرت وانضمت إلى السحاب، قد عادت مرة أخرى إلى الأرض من خلال المطر، ومادة الماء نفسها لم تزد ولم تنقص منذ أن خلق الله الخلق في هذا الكون، ونحن ننتفع بهذا الماء، وعندما ينتهي انتفاع إنسان بجزء من المياه فالماء يعود من خلال عمليات أرادها الله إلى خزانة الماء في الكون.

وليسأل الإنسان منا نفسه: كم طناً من الماء قد شربته في حياتك؟

وستجد أنك قد شربت وانتفعت بمئات أو بآلاف من الأطنان، وخرج منك الماء في شكل عرق أو بول أو مخاط، أو غير ذلك.

وكم بقي من الماء في جسمك؟

إنها نسبة قد تزيد على تسعين بالمائة من وزن جسمك أياً كان الوزن، ومن بعد أن يأتي أجلك كما قدره الله.

فتتبخر كمية المياه التي في هذا الجسم لتنضم إلى السحاب ثم تنزل مع المطر.

إذن فكمية المياه لم تنقص في الكون ولم تزد.

وهذا ما نسميه الرزق المخزون بالتحول، تماماً كما تبخرت كمية المياه التي في الوردة، وتبخرت رائحتها في الجو وكذلك مادتها الملونة ذابت في الأرض.

وساعة نزرع شجرة ورد تأخذ كل وردة لونها من المواد الملونة المخزونة في الأرض.

إذن فكل شيء إما مخزون بذاته في خزائن الله، وإما مخزون بعناصره المحولة إلى غيره.

وكل الوجود على هذا الشكل.

وحركة الحياة هي بين الاثنين.

إن الإنسان -على سبيل المثال- من لحم ومن دم، والبقرة أيضاً من لحم ودم، ويموت الإنسان ليعود إلى الأرض، ويستفيد الإنسان من الحيوان، وتعود كل مادة الحيوان إلى الأرض.

وتدخل العناصر في دورة جديدة.

إذن هي خزائن للحق، إما محولة، وإما خزائن حافظة؛ فالشيء الذي نستنبطه بحالته هو في خزائن حافظة، والشيء الذي يدور في غيره ويرجع إلى الأصل هو في خزائن محولة.

ومن رحمة الحق بالخلق أنه لم يملك خزائن الأرض أو السمٰوات لأحد من البشر حتى لا يستعلي إنسان على آخر.

ولم يعط الحق حتى للرسل أي حق للتصرف في هذه الخزائن؛ لأن الرسل بشر، وقد احتفظ الحق لنفسه بخزائن الأرض والسمٰوات ليطمئننا على هذه الخزائن.

ولذلك يقول الحق سبحانه: {قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء: 100].

الحق سبحانه يعلم أن الإنسان مطبوع على الحرص الشديد أو البخل، وهو سبحانه الغني الكريم؛ لذلك ينزل ما يشاء من خزائنه لعباده حتى ينتفعوا.

ولم يدع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخزائن لنفسه، فكيف يطالبه المشركون بما في خزائن الله، وهو -صلى الله عليه وسلم- يوضح ذلك ويوضح أيضاً أنه لا يعلم الغيب: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ} [الأنعام: 50].

وهو بذلك -صلى الله عليه وسلم- ينفي عن نفسه أي صفة من صفات الألوهية؛ لأن الخزائن الكونية هي في يد الله، وكذلك ينفي عن نفسه علم الغيب.

ولقائل أن يقول: ولكن ماذا عن الأشياء والأحداث التي كان يخبرنا بها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهي أحداث مستقبلية؟

ونقول: إن ذلك ليس علماً بالغيب، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مُعَلَّم غيب، أي أن ربنا سبحانه وتعالى قد علمه، ومثال ذلك قول القرآن الكريم: {ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44].

إن الحق سبحانه هو الذي علَّم رسوله -صلى الله عليه وسلم- تلك الأخبار التي كانت من أنباء الغيب، ويحسم الحق هذه المسألة عندما يقول: {عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} [الجن: 26-27].

فسبحانه وتعالى هو وحده عالم الغيب، ولا يُطْلِع أحداً من خلقه على الغيب.

إلا الرسول الذي يرتضيه الله ليخبره ببعض من الغيب، ويحفظ الحق رسوله في أثناء ذلك بملائكة حفظة تحميه من تعرض الجن لما يريد إطلاعه عليه لئلا يسترقوه ويهمسوا به إلى الكهنة قبل أن يبلغه الرسول وحتى يصل الوحي إلى الناس خالصا من تخليط الجن وعبثهم.

إذن فالرسول مُعَلَّم غيب وليس عالم غيب.

والغيب -كما نعلم- هو ما غاب عن الحس، ولم توجد له مقدمات تدل عليه، فهناك أشياء تغيب عنك ولكن لها مقدمات، فإن التزمت بالمقدمات من بدايتها يمكنك أن تصل إلى النتيجة.

مثال ذلك: إن أعطيت تلميذاً مسألة حسابية ليقوم بحلها، وعندما يحل التلميذ هذه المسألة فهو لم يعلم الغيب، ولكنه أخذ المقدمات والمعطيات، وبحث عن المطلوب، وأخذ يرتب المعلومات ليستنبط منها النتيجة.

وكذلك حال الذين اكتشفوا أسراراً في الوجود، أعلموا غيباً؟

لا.

إنهم فقط استخدموا بعضاً من المقدمات التي كانت موجودة أمامهم في الكون، وتوصلوا إلى نتائج جديدة، صحيح أن هذه النتائج كانت غائبة عنا، ولكن مقدماتها كانت موجودة، وكذلك كل النظريات الهندسية، كل نظرية نجدها تعتمد على سابقتها، وكل نظرية -حتى أعقدها وأصعبها- هي ملاحظة لأمر بدهي في الكون.

وكل علم من العلوم له مقدمات إن بحث فيها باحث فإنه يصل إلى النتائج الجديدة، وهذا ما نسميه "غيبا إضافيا"، أي كان غيباً في وقت ما لكنه غير غيب في وقت آخر، ولذلك يُنسب هذا العلم إلى البشر دائماً، ولنقرأ قول الحق سبحانه: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ} [البقرة: 255].

والإحاطة بالعلم كلها لله، وهو سبحانه الذي يأذن لبعض من خلقه بالإحاطة ببعضٍ من هذا العلم، وكل سر من أسرار هذا الكون لا يولد إلا بإذن منه سبحانه وتعالى، وهو سبحانه يوفق العلماء أن يبحثوا في المقدمات ليصلوا إلى النتائج.

ولكن ماذا عن العلم الذي لا توجد له مقدمات؟

هذا من الغيب المطلق الذي لا يظهره الحق لأحد إلا لمن ارتضى من رسول.

أقول ذلك حتى لا يخطئ أحدنا فيظن أن إخبار إنسان لإنسان بمصير شيء ضاع منه هو معرفة للغيب، فقد يكون هذا غيباً بالنسبة لصاحب الشيء الضائع، ولكنه ليس غيباً بالنسبة للص الذي سرقه، ولا هو غيب بالنسبة للشخص الذي أخفى المسروقات، ولا هو غيب بالنسبة للجان المحيطين باللص، إذن فهذا ليس غيباً مطلقاً، ولكنه غيب معلوم للغير.

إذن فخزائن الحق سبحانه وتعالى ملأى بكل أنواع الخير التي تؤدي للإنسان مهمة البقاء في الأرض سواء من جهة الضرورات أو الأشياء الترفية.

{وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50].

إذن فالرسول -صلى الله عليه وسلم- ينفي عن نفسه بقول الحق ثلاثة أشياء: منها شيئان ينفيان الألوهية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهي ملكية خزائن الكون، وعلم الغيب، وشيء ثالث وهو أنه ليس مَلَكاً، فهل يعني ذلك أن المَلَكَ أرفع من النبي؟

لا.

ولكنهم قالوا له: إنما يمشي في الأسواق ويتكسب العيش بالعمل، والمَلَك لا يفعل ذلك.

ولكن الرسول بالطبع أرقى منزلة من المَلَك؛ لأنه يقوم بهداية الإنس والجن ويتبع ما يوحيه إليه ملِكُ الملوك، وهو الحق سبحانه وتعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰإِلَيَّ}.

إنه من فرط ارتفاعه في الصدق المبلغ عن الله يعلن حقيقته -صلى الله عليه وسلم- بأنه من البشر، والبشر ابن أغيار، ويعلم شيئاً، ويجهل شيئاً، ومن مصلحة المرسل إليهم أن يكون الرسول متبعاً لا مبتدعاً، ذلك أنه ينقل لهم تكاليف الخالق بألفاظها لا أفكار البشر التي قد تتغير أو تتبدل.

فلو ابتدع لابتدع في إطار بشريته، وفي ذلك نزول لا ارتقاء، لكنه في الاتباع يأتي بالارتقاء للبشر؛ لأنه يتبع ما أوحى به الإله الذي اصطفاه رسولاً.

ولذلك كانت الأمية في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرفاً له ولنا.

أما أُمّيَّة الإنسان العادي فهي عيب، إنما أُمّيَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- هي الكمال.

و"أُمّيّ" -كما نعلم- تعني أنه كما ولدته أمه، لم يأخذ ثقافة ولم يتعلم من أحد من البشر، لكن علمه وثقافته فوقية كلها.

إن ذلك وحي من الله، وهو -صلى الله عليه وسلم- عندما يعلن أنه نبي أمي، فهذا معناه أنّ كل ما دخل في ذهنه لم يأخذه عن أحد من خلق الله، وإنما كل ما جاء إلى هذا الذهن قد أخذه رسول الله عن الله.

وهكذا تكون أميته شرفاً لنا، ولكن الأمية فينا - نحن المسلمين - تختلف يجب أن نعمل جميعاً على القضاء عليها: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ}.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى بل يبلغ ما جاء به الوحي.

ويذيل الحق الآية بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50].

وساعة يأتي الحق بقضية يستخدمها كمثل، فلابد أن يأتي بقضية متفق عليها حتى من الخصوم المواجهين له؛ فهم يعرفون أن الأعمى لا يستوي مع البصير، تماماً مثلما لا يستوي الظل والحرور أو الظلمات والنور.

إن الفطرة لا تقبل الخلاف في هذه الأمور.

والعمى -كما نعرف- هو عدم الرؤية لمن مِن شأنه وحاله أن يرى، فلا يقول إنسان عن حجر: إن الحجر أعمى؛ لأن الأحجار لا تبصر.

إذن لا نقول العمى إلا كوصف لمن يفترض فيه أن يرى.

وماذا تفعل عدم الرؤية في الأمر المحس؟

إن عدم الرؤية يؤذي الإنسان لأنه كائن متحرك.

فقد يقع في حفرة أو يصطدم بشيء يؤذيه، وبإقرار الجميع نعرف أن الأعمى تضطرب حركته ويتعرض للمتاعب، والذي يحمي الإنسان من ذلك أن يكون مبصراً أو مستعيناً بمن يبصر حتى يمكن أن يستقبل المرئيات.

وكان العلماء قديماً يظنون أن الإبصار هو نتيجة خروج شعاع من العين ليذهب إلى الشيء المرئي ونقض هذه القضية عالم إسلامي هو ابن الهيثم الذي علم العلماء أن الشعاع إنما يخرج من المرئي إلى عين الرائي بدليل أن الشيء المرئي لا يراه الإنسان في الظَّلام.

والعمى يمنع العين من استقبال الشعاع، ولا يختلف أحد في أن العمى مهلك وضار ومتعب، والإبصار مريح.

وكأن الحق يقول للخلق: إياكم أن تظنوا أن حياتكم كلها تعتمد على المحيط المُحَسْ.

لا.

إن هناك قيماً إن لم يعرفها الإنسان فهو يتعثر ويضطرب ويتخبط.

إذن فمنهج السماء قد جاء ليهدي النفس البشرية إلى القيم، كما يهدي النور الحسي الإنسان إلى المحسات.

فإذا كان البصر هو وقاية للإنسان لتفادي العقبات، فكذلك المنهج هو الذي يبين للإنسان ألا يصطدم بالعقبات في الأمور المعنوية.

والإنسان يحيا بقيمه، بدليل أن الأعمى قد يجد من يقوده من المبصرين، ولكنه قد لا يجد هدايته في هداية مهتد.

إذن فالإنسان قد يستغني عن البصر، ولكنه لا غنى له عن الهدى؛ لأن الضلال سيصيبه، والضلال في القيم أبلغ وأشد قسوة من الضلال في الأمور المحسّة.

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} هناك تفكر، وتذكر، وتدبر.

التفكر هو شغل العقل ابتداء بأمر ظاهر، يريد أن يستنبط منه شيئاً.

وعندما يقول إنسان لآخر: فكر في هذا الأمر.

أي أدر عقلك في كل ما يتعرض لهذا الأمر.

والذي يطلب من آخر التفكير في هذا الأمر كأنه واثق من أن الذي يتفكر في أمر لن يصل إلا إلى الرأي الذي قاله من عرض عليه التفكير.

وأما التذكر فهو أن يصل الإنسان إلى حكم انتهى إليه بالتفكر ثم نسيه، ويأتي من يلفت الذهن إلى ذلك الحكم الذي انتهى منه فكرياً.

إذن فالفكر يأتي بحكم أَوَلِيٍّ ناضج، والتذكر يأتي بحكم كان معلوماً للإنسان ولكنه غفل عنه.

أما التدبر فهو ألا يكتفي الإنسان بالنظر إلى واجهة الأمور ولكن إلى ما وراء ذلك أيضاً؛ لأن كل شيء له واجهة، وقد تخفى الواجهة ما خلفها، لذلك يطلب الحق من الإنسان أن ينظر إلى أعقاب الأشياء وأقفائها، أي يدير الأمر على كل جهاته ولا يكتفي بالنظر إلى واجهاتها، مثلما يشتري الإنسان شيئاً من تاجر أمين، ويعرض التاجر على المشتري مواصفات الشيء بأمانة ويطلب منه أن يختبر الشيء حسب مواصفاته، لكن التاجر الغشاش يحاول أن يخفي المواصفات لأنه يريد خداع المشتري.

وعندما يطلب الحق منا أن التفكر والتذكر والتدبر إنما يوقظ فينا المقاييس الحقيقية التي نصل بها إلى المطلوب الذي يريده الله.

ولذلك يقول الحق: {وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ...}.



سورة الأنعام الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الأنعام الآيات من 046-050
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الأنعام الآيات من 036-040
» سورة الأنعام الآيات من 116-120
» سورة الأنعام الآيات من 031-035
» سورة الأنعام الآيات من 121-125
» سورة الأنعام الآيات من 126-130

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الأنعام-
انتقل الى: