منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة المائدة الآيات من 086-090

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: سورة المائدة الآيات من 086-090   سورة المائدة الآيات من 086-090 Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 8:29 pm

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [86]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونعرف أن كلمة "صاحب” وكلمة "صحبة” وكلمة "أصحاب"، هذه الكلمات تدل على الملازمة، والملازمة في الحياة تكون اختيارية لا قهرية؛ فلا أحد يصاحب أحداً بالقهر.

ونفهم من قوله: {أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} أن هذا يعني العشق المتبادل بين النار وأهلها، وليس هذا مرادا، فهو إما أن يكون على سبيل السخرية والاستهزاء بهم، وإما أن يكون المراد هو الملازمة التامة والمصاحبة الدائمة التي لا تنفك ولا تنهى.

وبعد أن تكلم الحق عن المشركين وتكلم عن اليهود وتكلم عن النصارى.

فهو يتكلم عن المؤمنين، إنه ينفض أذهاننا أولا ليزيل عنها ما علق بها من أمر المخالفين ومناهجهم، ويأتي لنا من بعد ذلك بالأحكام، وقد فعل ذلك في هذه السورة التي تبدأ بآية العقود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

وعقد الإيمان هو ما يرتفع ويسمو على ما يقوله المشركون ويخرج عما يقوله اليهود والنصارى.

ومن بعد ذلك نلاحظ أن الحق بعد أن تكلم عن ضرورة الوفاء بالعقود، فهو يلزم المؤمنين بالمنهج الذي يحمي حركة الحياة.

وحركة الحياة يتم استبقاؤها أولاً بالطعام والشراب.

لذلك قال: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1].

ومن بعد استبقاء حركة الحياة بالطعام والشراب، ها هوذا يقول: {حُرِّمَتْ}.

وهنا لنا وقفة، فعندما يحلل الله شيئاً من أجناس الوجود؛ وحينما يحرم شيئاً آخر من أجناس الوجود فللسائل أن يسأل بعقلانية ويقول: ما دام الحق قد حرم هذه الأشياء فلماذا أوجدها؟

ونعلم في حياتنا العادية أن كل صانع إنما يحدد خصائص لصنعته.

ومثال ذلك صانع الطائرة يصمم طائرته ويحدد الوقود اللازم لها، ولا يمكن أن تسير بوقود سيارة، فإذا كانت الآلات التي من صنع البشر تفسد إن استخدمنا لها ما لا يناسبها.

فكيف إذن نقول لصانعنا: لماذا خلقت الأشياء التي لا تناسبنا؟

لابد أن لها مهمة في الكون واستخداماً آخر يجعلها تنتج الأشياء المفيدة لنا.

مثال ذلك سمّ الحية، إنه يقتل الإنسان، ولكن الله ألهم الإنسان القدرة على استخراج السّم من الحيّة لقتل بعض الميكروبات.

إذن فالعالم قد خلقه الله بتركيب معين.

ومثال ذلك نجد التمساح وهو راقد على الشاطئ والطيور تلتقط من فمه بعضاً من غذائها ولا يؤذيها؛ لأن هذه الطيور هي التي تنبه التمساح إذا جاء صياد ليقتنصه، فالطيور تحرص على مصدر قوتها وتحافظ على حياة التمساح، والكهرباء نستخدمها في مجالها، أما في عكس مجالها فهي تصعق وتدمر.

إذن فليس للإنسان أن يسأل لماذا حرم الله أشياء على الإنسان؟

لأن لتلك الأشياء دورة في الحياة.

ولا يصح أن ننقل الوسيلة لتكون غاية.

والحق أراد بالحلال والحرام أن ينتفع الإنسان بالصالح له.

مثال ذلك أن حرم الله أكل لحم الخنزير.

والخنزير إنما وُجد ليأكل ميكروبات.

إذن فليس للإنسان أن يُحَوِّل الوسيلة إلى غاية.

ويعطي الحق كل يوم للإسلام قوة تأييد تأتيه من خصوم الإسلام.

ومثال ذلك: إننا نجد أن الأمراض تنتشر بنسب عالية في الأمم التي تستهلك لحم الخنزير، وتشرب الخمر، وهناك مرض اسمه: "تشمع الكبد” ينتشر في تلك البلدان، فهل كنا نؤخر تنفيذ أمر الله إلى أن تنشأ المعامل وتقول لنا نتائج أكل الخنزير؟

أو كان يكفي أن نحرم على أنفسنا ما حرم الله؟

إن علينا أن ننفذ أوامر الله صيانة لنا: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53].

وكل يوم تظهر لنا آية تؤكد صدق إيماننا بالله؛ لذلك فلا يقولن أحد: لماذا خلق الله تلك الأشياء المحرمة؟

لقد خلقها الله وسيلة لا غاية.

ومثال ذلك أن خلق الله لنا البترول لنستخرج منه الوقود؛ فهل أحد منا يقدر على شرب البترول؟! إذن فالتحليل والتحريم لصالح الإنسان.

فإن خرج الإنسان عن ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

ولذلك يقول الحق: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً} [يونس: 59].

كأن الحق يستنكر أن نصنع من حلال ما خلق أشياء محرمة.

وأن نحرم أشياء حللها الله.

كترك البحيرة والسائبة والوصيلة؛ وكلها أرزاق من الله.

هو سبحانه خالق كل الأشياء وهو الذي يحدد نفعها وعدم نفعها للإنسان.

والبحيرة هي الناقة التي كانوا يشقون أذنها حتى لا يتعرض لها أحد بعد أن تكون قد نتجت خمسة أبطن آخرها ذكر، وكانوا يطلقونها في المراعي لا تُركب ولا تُحلب ولا يُمنع عنها مرعى أو ماء.

وكانوا يقولون إنها للآلهة.

وعندما نستكشف آفاق من يستفيد منها، كنا نجد الكهنة هم الذين يستفيدون منها.

وكذلك السائبة وكانوا يتركونها تطوعاً لا يركبها أحد ولا يحلبها أحد وكان المستفيد منها الكهنة أيضاً.

وكذلك الوصيلة وهي الأنثى التي جاءت في بطن واحد مع ذكر وقالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.

وكذلك كانوا يطلقون الفحل الذي نتج من صلبه عشرة أبطن وقالوا قد حمى ظهره فلا يركب، ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى، والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا: أنا لم أحرم هذه الأشياء فلماذا تحرمونها؟

هو سبحانه قد حرم الميتة والدم لأنه هو الذي حدد وبيّن ما هو حلال وما هو حرام.

وسبحانه الذي يرزق الرزق فيكون مرة رزقاً مباشراً ومرة يكون رزقاً غير مباشر.

ولذلك جاء الحق بالقول الكريم: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...}.



سورة المائدة الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 086-090   سورة المائدة الآيات من 086-090 Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 8:31 pm

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [87]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إذن فأمر التحريم موكول إلى خالق الآله الإنسانية، وأمر التحليل موكول إلى خالق الآله الإنسانية.

وأنت أيها الإنسان لا تتدخل في ذلك أبداً.

لأن تدخل الإنسان يكون أحياناً بتحريم ما أحل الله، وأحياناً يكون تدخل الإنسان بتحليل ما حرم الله.

إيَّاك أيها الإنسان أن تحرم ما أحل الله لك، وإيَّاك أن تحلل ما حرم الله عليك.

ونحن هنا أمام مراحل عدة، لا تعتقد أن هناك أمراً حلَّلهُ اللهُ هو حرام، ولا تقل إن هناك أمراً حَلَّلَهُ اللهُ هو حرام، ولا تمتنع عن أمر حَلَّلَهُ اللهُ ظناً أنه حرام، ولا تُفْتِ بأمر حَلَّلَهُ اللهُ على أنه حرام، ولا تجعل أمراً حَلَّلَهُ اللهُ فتحرِّمَهُ على نفسك، فلا ينذر أحد ألا يأكل لحم الضأن أو البرتقال -على سبيل المثال- لأن النذر في ذلك ليس حلالاً، لأن تحريم الأشياء المُحلّلة بالنَّذر هو أمْرٌ مُحَرَّمٌ.

ولذلك علمنا الحق قائلاً لرسوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1].

لابد لنا أن نعي ذلك الأمر وأن نعرف مراحله: لا تعتقد، لا تقل، لا تمتنع، لا تُفْتِ، لا تنذر، لماذا؟

لأن في ذلك اعتداء.

يقول الحق تبارك وتعالى: {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87].

وما الاعتداء؟

إنه تجاوز الحد فيما حرم الله أو فيما حلل الله.

أي أن الله يحب من يقف عند الحدود.

وهو سبحانه يقول مرة: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّه فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187].

ومرة يقول:  {تِلْكَ حُدُودُ اللَّه فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229].

فهي المنهيات: لا تقترب.

وفي ما أحله الله: لا تتعدَّ؛ لذلك جاء القول على لسان الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "الحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ وبينهما مُشْتَبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المُشْتَبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه؛ ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".

إذن فكل كائن له مميزات وله مهمة في الوجود.

وأنت أيها الإنسان لا تقلب الوسيلة إلى غاية، فهناك كثير من المخلوقات هي وسائل ولا تصلح أن تكون غايات؛ ولذلك أمرنا الحق بأن نأخذ ما ننتفع به مباشرة وأن نترك الأشياء التي حرمها علينا؛ فلا نقرب -على سبيل المثال- لحم الخنزير؛ لأن الخنزير مخلوق ليخلصك من الميكروبات، فإن أكلته تكون قد قلبت الوسيلة إلى غاية.

وعليك أيها الإنسان أن تحتفظ بالوسيلة كوسيلة وأن تحتفظ بالغاية كغاية.

والذي يُحَدِّدُ لكَ ذلك هو مَنْ صَنَعَكْ.

إنه الله.

ودليل ذلك أن خصوم الإسلام يكتشفون كل يوم المميزات التي جاء بها الإسلام فيتجهون إليها.     

 إن الله بتحريمه وبإيماننا بهذا التحريم منعنا من متاعب التجربة إلى أن تثبت، والكفار الذين لم يأمنوا اضطرتهم الظروف إلى تناوله، وعلى ذلك فكل شيء محلل أو محرم بأوامر الله يظهر لنا فائدته أو ضرره طبقاً لقول الحق سبحانه وتعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].

إذن فلا اعتقاد في شيء حلال أنه حرام ولا قول بمثل ذلك ولا امتناع عنه ولا يفتي إنسان بمثل ذلك.

ويأتي الأمر: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

ونعرف أن الاعتداء إنما هو أن نتجاوز الحد فيما حرم أو فيما حلل، والحق سبحانه يحب من يقف عند حدود الله.

فلا يقربها الإنسان حتى لا تحدثه نفسه بمعصية.

وعندما يبتعد المسلم عنها فهو يتقي الشبهات.

والحق يبين لنا قد أحللت لكم كذا وحرمت عليكم كذا وهو الخالق.

فيجب أن نأخذ من الخالق مواصفات ما يبقي لنا الحياة؛ هذا الإبقاء هو ما نصنعه نحن حينما نخترع آلة توفر علينا الحركة وتعطينا الثمرة بأقل مجهود، فحين يصنع الصانع آلة من الآلات يصنع لها ما يوجد لها الطاقة لتقوم بعملها، ولا يستطيع المستعمل لهذه الآلة أن يغير وقود هذه الطاقة، فإن غير نوع الطاقة، فالآلة لا تؤدي مهمتها.

فما بالنا بالذي خلق؟

إنه حين يوضح أنّ هذه الآلة لا تصلح إلا بما أحللت، ولا يصح أن تدخل عليها ما حرمت عليك.

هنا يجب أن نطيع الخالق؛ لأنه هو الذي يعلم ما يصلح لنا وما لا يصلح.

ولم يدع أحد في الكون أنه خلق نفسه، فلنرد اقتياتنا وحفظ حياتنا إلى خالقنا، ولنأخذ ما حلله ونبعد عما حرمه، فالآلة -الإنسان- تصلح بأن تفعل الحلال وأن تترك فعل الحرام.

إذن هناك أشياء تُفعل، وهناك أشياء لا تُفعل.

وهناك أشياء لم يأت فيها الحل أو الحرمة، فإن أقبل عليها الإنسان فهي تصلح، وإن لم يقبل عليها الإنسان فهي تصلح أيضاً.

والحق سبحانه وتعالى يوضح: أنكم لم تخلقوا هذه الآلة -الإنسان- وأنا الذي خلقتها، فإنا أعلم بما يعطيها مدد الطاقة ومدد البقاء، فإن صنعتم غير ذلك كنتم معتدين.

ولذلك يخاطب الحق الذين آمنوا بأنه خلقهم من عدم وأمدهم من عدم ورزقهم لاستبقاء حياتهم ونوعهم، وعليهم أن يأخذوا من الله هذه الأحكام: {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ}.

وسبحانه يوضح: إن الذي يؤمن بأني إله فليأخذ مني مواصفات استبقاء حياته.

وعندما يقول سبحانه ذلك فلابد أن يكون هناك سبب داعٍ لهذا القول ولما نزل قوله -سبحانه-: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82].

الحق جاء في هذا القول الكريم بحيثيات مدحهم وحيثيات قربهم من مودتنا، فمنهم القسيسون والرهبان الذين زهدوا في الحياة.

ولما سمع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك بكوا واجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي، وفيهم أبو بكر الصديق وعمر وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا الودك أي الدسم.

ويجبوا المذاكير ويسيحوا في الأرض كما يفعل الرهبان، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجمعهم فحمد الله وأثنى عليه فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وأنزل الحق سبحانه وتعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ} [المائدة: 87].

وكلمات الرسول -صلى الله عليه وسلم- لصحابته وللناس منطقية، فإذا كانوا يريدون أن يمتنعوا عن طيبات ما أحل الله حتى يعلنوا الزهد مثل السابقين عليهم، ومن يريد الرهبنة أَلا يصلي؟

إنه يقيم الصلاة؛ والصلاة لابد لها من حركة، والحركة لابد لها من قوة، والصلاة لابد لها من ستر العورة، وستر العورة يقتضي اللباس، وهذا اللباس يحتاج إلى تفكير من أين يأتي هذا.

القماش يأتي من تاجر أقمشة، وتاجر الأقمشة لابد أنه يأتي به من المصانع التي تنسجه، والمصانع التي تنسجه لابد أن تأتي من المصانع التي غزلته، والمصانع التي غزلته لابد أن تأتي به من المحالج التي حلجت، ثم لابد من الحيوانات التي أخذ منها إن كان صوفاً، وأن تُربى وتربيتها تحتاج إلى زراعة.

إذن فكل هذه الأشياء تتطلب حركة واسعة، أنت لا تشعر بها إلا حين تحتاج إلى الثوب.

فإن كنت تريد أن تنقطع للعبادة فإيَّاك أن تنتفع بحركة من يقيم أركان الإسلام، ويتحرك في الحياة في ضوء منهج الله ساعياً إلى الرزق، وهذا أمر لا يتأتى.

وأيضاً، ألا يأكل الذي يريد الانقطاع إلى العبادة؟

إنه يأكل ليقوم إلى الصلاة.

وكلنا يعرف كيف يجيء رغيف الخبز.

صحيح أن الإنسان يذهب إلى المخبز ليشتري رغيف الخبز، والمخبز جاء بالدقيق من المطحن.

والمطحن جاءته الغلال من المخازن، والغلال جاءت من الذي زرع.

والذي زرع احتاج إلى الآت تحرث وآلات تغرس وإلى آلات تجنى، وبعد ذلك احتاج إلى أشياء أخرى كالسماد وغيره، إن هذا يحتاج إلى طاقة هائلة.

إذن فالإنسان في حركته في الصلاة محتاج إلى كل هذه الأعمال، فإيَّاك أن أردت أن تعتزل الحياة أن تنتفع بعمل من لم يعتزل الحياة.

والعمل الذي لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ولذلك يكون على ولي الأمر إن رأى حرفة يتطلبها الوجود الإنساني والوجود الإيماني ولم يذهب إليها أناس طوع أنفسهم عليه أن يلزم قوماً بأن يفعلوها.

وكل صناعة هي فرض كفاية إن قام بها البعض سقطت عن الباقين.

وإن لم يقم بها البعض أثم الجميع.

إذن فلابد من حركة الحياة.

وحركة الحياة تُسْلم حلقة إلى حلقة أخرى.

فلا تأخذ الثمرة وأنت مع ذلك تعتزل الحياة.

والحق سبحانه وتعالى يقول: {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّه}.

إنكم إن فعلتم ذلك تكونوا قد أخذتم صفة المشرع واعتديتم على حقه في أن يحلل وأن يحرم، وهذا اعتداء.

وإذا كان الله قد حرم أشياء وحلل أشياء فهذا بمقتضى صلاحية الأشياء المحللة للإنسان.

وعلى الإنسان أن ينظر إلى الأشياء الموجودة المحرمة على أنها رزق غير مباشر لأنها وسيلة إلى رزق مباشر، كما عرفنا أننا نستخلص من سم الثعبان علاجاً، إذن فالثعبان مخلوق لمهمة تخدم الإنسان.

والعالم كله حلقات، حيوانات تستفيد من أذى بعضها إلى أن يصل الخير كله إلى المؤمن، فلا يقولن إنسان "لماذا خلق إذا كان قد حرم”.

فلا تعتد لتحلل ما حرمه الله وتحرم ما حلله الله، فبترك الاعتداء ينتظم الوجود، وحين ينظر الإنسان إلى الغابة يجد أن لكل حيوان مهمة مع غيره، هذه المهمة تؤدي إلى الصلاح فيما يصلح للإنسان.

لقد حرم الحق بعض الأشياء كرزق مباشر؛ لأنها رزق غير مباشر.

والرزق المباشر هو ما يأكله الإنسان مباشرة وما يلبسه، والرزق غير المباشر هو وسيلة إلى الرزق المباشر، وما حرمه الله هي أشياء مخلوقة كوسائل إلى صحة غيرها.     

{ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ} أي لا تجعلوا الحرام حلالاً، ولا تجعلوا الحلال حراماً، و "لا تعتدوا” أي كلوا من الطبيات دون أن تتجاوزوا الحد، وهذا هو معنى قوله الحق: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [الأعراف: 31].

ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله...}.



سورة المائدة الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 086-090   سورة المائدة الآيات من 086-090 Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 8:33 pm

وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ [88]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أولا نسأل: ما هو الرزق؟

الرزق هو ما انتفع به.

فالذي تأكله رزق، والذي تشربه رزق، والذي تلبسه رزق، والذي تتعلمه رزق، والصفات الخلقية من حلم وشجاعة وغيرها هي رزق، وكل شيء ينتفع به يُسمى رزقاً.

ولكن حين يقول الحق: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه حَلاَلاً طَيِّباً} فهو ينصرف إلى ما يطعمه الإنسان.

وحين يقول سبحانه ذلك فالمقصود به أن يأكل الإنسان من الرزق الحلال الطيب.

إذن فهناك رزق حرام، مثال ذلك اللص الذي يسرق شيئا ينتفع به، هذا رزق جاء به طريق حرام، ولو صبر لجاءته اللقمة تسعى إلى فمه لأنها رزقه.

أو الرزق هو ما أحله الله، وهنا اختلف العلماء وتسائل البعض: هل الرزق هو الحلال فقط والباقي ليس رزقاً؟

وتسائل البعض الآخر: هل الرزق هو ما ينتفع به ومنه ما يكون حلالاً ومنه ما يكون حراماً؟

الحق يقول: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه حَلاَلاً طَيِّباً} [المائدة: 88].

كلوا ما رزقكم هذا أسلوب،{مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه} هذا أسلوب آخر.

فما رزقكم الله أي نأكله كله، وهذه لا تصلح؛ لإننا لا نأكله كله طبعا بل إننا سنأكل بعضه؛ لأن الذي يؤكل ويطعم إما أن يكون صالحاً لإيجاد مثله، وإما أن يكون غير صالح لإيجاد مثله، فعندما يحتفظ الإنسان بالدقيق مثلاً فهو لا ينتج سنبلة قمح، إذن يجب علينا أن نأكل بعضاً ونستبقي بعضاً صالحاً لأن ينتج مثله، فعندما نحتفظ بالقمح فهو يصلح أن يأتي بسنابل القمح؛ لذلك جاء الأمر بأن نأكل بعض ما رزقنا الله حتى نحتفظ ببعض الرزق لا نأكله، وهذا يعني أن نحتفظ بامتداد الرزق، فلو أكل الإنسان كل القمح الذي عنده فكيف يحدث إن أراد أن يزرع؟

إذن فاستبقاء الرزق يقتضي أن نحتفظ ببعض الرزق لنصنع به امتداداً رزقياً في الحياة.

والرزق الحلال هنا نوعان: ما يصلح لامتداده فيحجب احتجاز بعض منه من أجل أن يستخدمه الإنسان في استجلاب رزق آخر.

وما لا يصلح لامتداده كالدقيق مثلاً.

نأكل بعضه ونحتفظ ببعضه لمن لا يقدر على الحركة.

ولذلك نجد الحق في سورة يوسف يقول عن رؤيا الملك: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ياأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43].

هنا قال أهل تفسير الرؤيا: {قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: 44].

إنه اضطراب في الجواب؛ لأن كونها أضغاث أحلام أنها لا معنى لها، وقولهم بعد ذلك: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: 44].

فمعنى ذلك أن لها تأويلاً وقد كان لها تأويل، ثم من الذي رأى الرؤيا؟

إنه الملك.

ويأتي الحق بيوسف مفسراً للرؤيا.

إذن فلا ضرورة أن يكون الرائي مؤمناً ولا صالحاً.

وقد يقول قائل: كيف يطلعه الله على مثل هذه المسائل؟

ونقول: قد تكون الرؤيا إكراماً للرائي، وقد تكون الرؤيا إكراماً للمعبر الذي يعرف التأويل، وهي هنا إكرام للمعبر وهو سيدنا يوسف.

وعرف سيدنا يوسف كيف يفك "شفرة” الرؤيا، والعجيب في الرؤيا أن البقر الهزيل يأكل البقر السمين: وهنا قال يوسف: {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47].

أي كلوا البعض وليكن قليلا قليلا، لا تسرفوا فيه لتنتفعوا في السبع الشداد وهن سنين الجدب لتأكلوا فيها ما جمعتموه في سنين الخصب، اتركوا البعض الآخر.

لاستمرار النوع.

وتبين أن أفضل وسيلة لحفظ حبوب القمح في عصرنا هي أن نتركه في سنابله وكذلك الذرة نتركها في غلافها.

وكان تعبير الرؤيا دقيقاً لأنه يريد أن يستبقي للناس حياتهم في زمن الجدب، ويستبقي لهم كذلك الضرع الحيواني، فتأكل الناس الحب، وتأكل الماشية التبن المتبقي، وكذلك ضمن الحق مقومات الحياة لكل ما يلزم للحياة.

ونلحظ أن المأكول في هذه الآية هو القليل، أما الباقي فهو الكثير في سنابله، هذا في أيام الرخاء؛ فماذا عن أيام الجدب؟

{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذالِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48].

أي أن الناس ستأكل في أعوام الجدب الكثير من الحبوب التي في المخازن ويجب أن يحتفظوا بقليل مما يحصنون في هذه المخازن، وذلك لاستبقاء جزء من القمح للزراعة.

إذن فـ (من) في قول الحق سبحانه وتعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه حَلاَلاً طَيِّباً} للتبعيض أي كلوا بعض ما رزقكم الله، فإن كانت الأشياء مما يكون بقاؤها سبباً لامتداد نوعها فالنوع يكون متصلاً.

مثال ذلك رجل عنده بذور البطيخ وزرعها، وبعد أن جاءت الثمار أكلها هي والبذور فمن أين يزرع في العام القادم؟

كان يجب أن يحتفظ ببعض منها لتكون بذوراً.

وكان يجب أن يحتفظ بجزء من البطيخ ليعطي منه الجار أو المحتاج.

إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه} تصلح لاستبقاء النوع وتصلح لصرف الزائد إلى غير القادر.

{وَاتَّقُواْ اللَّه الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} أي أنك حين تتقى من تؤمن به إلهاً فليس في ذلك غضاضة؛ لأنك آمنت أنه إله وقوي، والغضاضة في أن تأتمر بأمر مُساوٍ لك، أما الانقياد والائتمار لأمر الأعلى منك، فهذا لا يكون سبباً في الغضاضة إنما هو تشريف لك وتكريم.

ونجد الحق يشرع لنا ذلك في قصة سيدنا موسى على السحرة، فألقى موسى عليه السلام عصاه، ورآها السحرة حية، والساحر ينظر إلى الشيء الذي تم سحره فيراه على حقيقته وصورته الأصلية، أما المسحورون بالرؤية فهم الذين يرون الشكل المراد لهم رؤيته.

ورأى السحرة حبالهم مجرد حبال؛ وعصا موسى هي التي صارت حية.

هنا عرفوا أنها مسألة أخرى فماذا قالوا؟:

{قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: 47-48].

لقد عرفوا أن هذا أمر خارج عن نطاق البشرية.

إذن فما كان من أمر السحرة تجاه قوم فرعون هو تخييل للنظر: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66].

وقال الحق: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف: 116].

أما موسى عليه السلام فحين ألقى العصا أول مرة ووجدها حية خاف لأنه رأى في ذلك قلباً للحقيقة.

أما عند السحرة فليست حبالهم حيات حقيقية ولكنها سحر لأعين الناس أي تخييل للناظر.

ومثال آخر هو سيدنا سليمان عندما أرسل لبلقيس ملكة سبأ.

وجاء رسوله يقول لها: {أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31].

فماذا قالت لحاشيتها من رجال القتال؟:

{مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل: 32].

وهنا عرفت الحاشية أن المسألة تتطلب رأياً سياسياً؛ فقالوا: {قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33].

الرأي إذن هو من حق السياسي الذي يزن الأمور بموازين العقل وموازين الاحتمال الواقعة، وموازين رد الفعل، وأدارت بلقيس المعركة سياسياً، فأرسلت هدية من مقام ملكة، فإن راقته الهدية فهو طالب دنيا ويريد خيرها، وعندما وصل رسلها بالهدية، ماذا قال سليمان؟

{فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ اللَّه خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 36-37].

وهنا عرفت بلقيس أن الإسلام أمر ضروري، وها هي ذي الدقة لنعرف أن الأمر من المساوى هو الذي يعطي عزة في الآمر وذلة في المأمور، أما إذا كان الأمر من غير المساوى ومن الأعلى -سبحانه- فلا ذلة فيه لأحد.

وكان إيمان بلقيس إيماناً ملوكياً.

فقالت: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].

إنها لم تقل أسلمت لسليمان وإنما قالت: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ} [النمل: 44].

إذن فلا غضاضة في إيمانها.

وذلك حتى لا يظن شعبها أنها ذهبت به إلى حضيض الذلة في أن يحكمهم إنسان آخر.

لكن هي وسليمان محكومان لله رب العالمين، ولا غضاضة في ذلك: ونعود إلى قوله جل شأنه: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللَّه الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 88].

أي: اجعلوا للإيمان حيثية، وما دمت قد آمنت وتأتمر بأمر من تؤمن به.

فأنت لا تؤمن إلا بمن تثق في أنه يستحق الإيمان.

وقوله أولاً في الآية السابقة: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللَّه الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 88].

وقوله في تذييل هذه الآية: {وَاتَّقُواْ اللَّه الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 88].

هو تسوير وإحاطة لطاعة بإيمانين، إيمان خوطبوا به، وإيمان أقروه به.

ومن بعد ذلك يقول الحق: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ...}.



سورة المائدة الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 086-090   سورة المائدة الآيات من 086-090 Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 8:35 pm

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [89]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

عندما ننظر في قول الحق: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} نعرف أن "يؤاخذ” من "أخذ” ويأخذ من أخذ، فإن قلت: "أخذت فلاناً بكذا” فذلك دليل على أنك أنزلت به نكالاً لأنه لم يدخل في تعاقد خيري معك، ولكن أن تقول: "آخذته”.

كأن المفاعلة حدثت بأن دخل معك في عقد الإيمان ولذلك يأخذ الحق الكافرين أخذ عزيز مقتدر.

ولكنه يؤاخذ المؤمنين، لماذا؟

لأن المؤمنين طرف في التعاقد، أما الكافرون فليسوا طرفاً في التعاقد؛ لذلك يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

إذن فالمؤاخذة غير الأخذ، المؤاخذة هي إنزال عقوبة بمن له معك عهد فخالفه بعمل جريمة نُصَّ عليها؛ فلا يؤاخذه أبداً بجريمة لم ينص عليها، ولا يتم توقيع عقاب على أحد دون تحذير مسبق.

ولذلك ففي القانون المدني يقولون: لا عقوبة إلا بجريمة ولا جريمة إلا بنص.

إذن لابد من النص أولاً على العقاب على الجريمة؛ لأن النص على فعلٍ ما بأنه جريمة يجعل الإنسان يراجع نفسه قبل الإقدام على مثل هذا الفعل.

أما عدم وجود نص على أن ذلك الفعل جريمة يجعل الإنسان حراً في أن يفعله أو لا يفعله لأنه فعل مباح.

وعلينا أن نلحظ التعاقد في قوله الحق: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}.

وعندما ننظر إلى معنى: "اللغو” نجده الشيء الذي يجري على اللسان بدون قصد قلبي؛ مثل قول الإنسان في اللغة العامية: لا والله أو: والله أن تأتي للغداء معنا، هذا هو اللغو.

أي هو الكلام من غير أن يكون للقلب فيه تصميم.

وسبحانه وتعالى قد خلقنا وهو الأعلم بنا علم -سبحانه- أن هناك كلمات تجري على ألسنتنا لا نعنيها.

ودليل ذلك أن الأم التي تحب وحيدها قد تدعو عليه، لكن ذلك بلسانها، أما قلبها فيرفض ذلك.

ولهذا يقول المثل الشعبي: أَدْعي على ابني واكره من يقول آمين.

إذن الحق سبحانه وتعالى علم بشريتنا، وعلم أن اللسان قد يأتي بألفاظ لم تمر على قلبه فيقول سبحانه: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} واتبع الحق ذلك: {وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}.

وساعة نرى كلمة "ولكن” نعرف أن هناك استدراكاً، والاستدراك هو إثبات ما يتوهم نفيه أو نفي ما يتوهم ثبوته.

وساعة نرى كلمة "عقَّدتُم” فهي دليل على أنها عملية جزم قلبية، وأن الإنسان قبل أن ينطق بالقسم قد أدار المسألة في ذهنه وخواطره وانتهى إلى هذا الرأي.

إذن فاللغو هو مرور كلمة على اللسان دون أن تمر على القلب، وضربنا مثلاً على ذلك وهو دعاء الأم على وحيدها.

ونحن نرى أن هناك ألفاظاً كثيرة تمر على ألسنة قد تؤدي إلى الكفر ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المبلغ عن الله يضع لنا صدق النية فيقول: "أخطأ من شِدَّةِ الفرح”.

قالها رسول الله تعليقاً على رجل قال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك".

هذا هو اللغو ومن رحمة الله بنا أنه يعفو بعميق وواسع رحمته فيقول لنا: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}.

وكلمة "عقدتم” دليل على أن اللسان لم يعقد شيئاً فحسب ولكن عقده بإحكام قوي.

فساعة تبالغ في الحدث فأنت تأتي له باللفظ الذي يدل على المعنى تماماً بتمكين وتثبيت.

وعلى ذلك فكلمة "عقَّد” غير "عَقَدَ” إذن فكلمة "عقَّد” أي أن الإنسان قد صنع عقدة محكمة.

ومثال على التأكيد قول الحق سبحانه وتعالى: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} [يوسف: 23].

قد يقول قائل: ألم يكن يكفي أن يقول الحق سبحانه: "وغلقت الأبواب"؟

ونقول: لا إن الحق قد أتى بالفعل الذي يؤكد إحكام الإغلاق.

فإغلاق الأبواب يختلف من درجة إلى أخرى؛ فهناك غلق للباب بلسان "طبلة” الباب؛ وهناك غلق بالمزلاج، وقوله الحق: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} [يوسف: 23].

أي أن امرأة العزيز بالغت في غلق الأبواب.

وكذلك قوله الحق: {عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}.

أي جالت في قلوبكم جولة تُثبِّت صدق نيتكم في الحلف.

وهناك صورة أدائية أخرى تلتقي مع هذه الصورة في المعنى، حين قال سبحانه: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّه بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّه غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 225].

ونلحظ هنا أن القلوب قد كسبت، فما الذي تكسبه القلوب في مثل هذه الحالة؟

نعرف أن الكسب هو وجود حصيلة فوق رأس المال.

والكسب الزائد في القسم، هو أن يؤكد الإنسان بقلبه هذا القسم؛ أي أن القسم انعقد باللسان والقلب معاً وسبب نزول آية سورة المائدة: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} أن الصحابة الذين حرموا على أنفسهم طيبات المطاعم والملابس والمناكح وحلفوا على ذلك فلما نزل قوله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللَّه الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 87-88].

قالوا: كيف نصنع بأيماننا؟

فنزلت هذه الآية أي أن تحريم الحلال لغو لا كفارة فيه، ونعلم أن الإنسان لا يصح له أن يحلف على شيء ليس له دخل فيه؛ كقول إنسان ما: والله لن أصلي.

إن مثل هذه اليمين لا تنعقد، ولذلك لا كفارة لها.

لكن إن قال: والله لأشربن الخمر.

هنا نقول له: امتثل إلى ما جاء في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه".

والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} إذن فهناك استدراك يتعلق باليمين المؤكدة وهي تستدعي المؤاخذة.

فكيف تكون المؤاخذة وهي عقوبة، على الرغم من أنه لا عقوبة إلا بنص؟

إن الحق سبحانه وتعالى ستر العقوبة ومنعها بالكفارة: "فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام”.

والكفارة هي ستر للعقوبة.

فهل معنى ذلك أن الإنسان تلزمه الكفارة ما دام قد عقَّد الأيمان؟

لا، تكون الكفارة فقد حين تحنث في القسم فلم تبر فيه.

فتكون الكفارة في هذا المجال كالآتي: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أو صوم ثلاثة أيام لمن لم يجد.

والمناسب في الكفارة يختلف في مفهوم المفتين باختلاف الحانث، ومثال ذلك أن خليفة في الأندلس حلف يميناً وأراد أن يؤدي عن اليمين كفارة، فجاء إلى القاضي منذر بن سعيد وسأله عن كفارة هذه اليمين؛ فقال: لابد أن تصوم ثلاثة أيام.

وكان يجلس شخص آخر فأشار للقاضي إشارة فلم يعبأ القاضي منذر بن سعيد بتلك الإشارة.

وخرج القاضي ومعه ذلك الشخص، فسأل القاضي: يا أبا سعيد، إن في نفسي شيئاً من فتواك؛ لماذا لم تقل للخليفة إن كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين؟

فقال القاضي منذر بن سعيد: أمثل أمير المؤمنين يزجر بعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين؟

وهذا يدلنا على أن القاضي منذر بن سعيد قد أجهد نفسه ليختار الكفارة التي تزجر.

وهذا يعلمنا أن الكفارة في جانب منها زجر للنفس وفي جانب آخر جبر للذنب.

وقد رجح القاضي منذر بن سعيد جانب الزجر على جانب جبر الذنب؛ لأن الخليفة لن يرهقه إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق أكثر من رقبة.

وفي الإطعام لعشرة مساكين من أواسط ما نطعم به الأهل، قد يقول قائل: هل الأوسطية هنا للكمية أو الكيفية؟

ونقول: يراعى فيها الكمية والكيفية.

فإن كانت وجبة الإنسان مكونة من رغيف واحد فليعرف أن مِن أهله من يأكل في الوجبة الواحدة ثلاثة أرغفة فيكون الأوسط في مثل هذه الحالة رغيفين مع ما يكون من أدم كلحم ودسم.

وكذلك الكسوة؛ أن يكسو الإنسان الذي يُكَفِّرُ عن يمينٍ عشرة مساكين بما يستر العورة وتصح به الصلاة؛ كإزار ورداء أو قميص وعمامة، أو أي ملابس تسترهم.

وها نحن أولاء نجد أن كفارة تحرير رقبة تأتي في المرتبة قبل الأخيرة ويأتي بعدها قول الحق: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}.

إذن فالحق لم يرتب الكفارة وإنما علينا أن نختار منها الكفارة الملائمة.

ويأتي الحق من بعد ذلك بالقول: {وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ} والحفظ هو عدم التضييع.

أما كيف نحفظ أيماننا؟

فنقول: إن على الإنسان ألا يجري اليمين على لسانه، هذه واحدة.

والثانية: أن يحاول الإنسان ألا يحنث في اليمين.

وهذا يقتضي ألا يحلف الإنسان على شيء يقوله بلسانه ويخضعه لقلبه إى إذا كان على ثقة من أنه سيجند كل جوارحه للقيام بهذا العمل الذي أقسم أن يقوم به، وهذا هو معنى قوله الحق: {وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ}.

ويذيل الحق الآية الكريمة: {كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللَّه لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

والشكر هو الثناء من المّنعم عليه على المُنْعِمِ بالنعمة، فكأن هذه التشريعات تستحق منا الشكر؛ لأنها جعلت اللغو غير مؤاخذ عليه، ولأنها جعلت اليمين الذي عقَّدته له كفارة، وفي كل من الأمرين تيسير يستحق الشكر لله.     

ويتابع الحق القول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ...}.



سورة المائدة الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 086-090   سورة المائدة الآيات من 086-090 Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 8:38 pm

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [90]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ساعة تسمع كلمة: "إنما” فاعلم أنهم يسمونها في اللغة "أداة قصر” كقولنا: إنما زيد مجتهد، وهذا يعني أننا قَصَرْنا زيداً على الاجتهاد.

لكن إن قلنا: إنما المجتهد زيد، فنحن في هذه الحالة قَصَرْنا الاجتهاد على زيد.

وساعة تقصر إنساناً على وصف فذلك يسمونه: "قصر موصوف على صفة"، وعندما نقول: إنما زيد شاعر.

فهذا يعني أن زيداً شاعر فقط وهو ليس بكاتب أو خطيب.

أما إن قلت: إنما الشاعر زيد، فهذا يعني أنه لا يوجد شاعر إلا زيد؛ فكأنك نفيت عن الآخرين أنهم شعراء، وأن زيداً فقط هو الشاعر ويحتمل أن يكون كاتباً وخطيباً وعالماً مع كونه شاعراً.

إذن فساعة ترى "إنما” فاعرف أنها أداة من أدوات القصر.

والحق سبحانه يقول هنا: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

أي أن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام كلها رجس من عمل الشيطان.

والرجس هو الشيء الرديء الخبيث القذر.

والقذارة والخبث هما من الأمور التي قد تكون حسية مثل الخمر، وقد تكون معنوية كالأنصاب والأزلام؛ وجمع الحق سبحانه في هذه الآية الأمرين معاً.

ولم يقل إن الخمر هي عصير العنب أو عصير التفاح، إنما جاء بالخمر التي تشمل كل ما يخامر العقل ويستره.

وتعجَّب بعض العلماء من أن هذه الآية نزلت في البلاد التي ليس فيها شيء من عصير العنب، ذلك أنهم ظنوا أن عصير العنب فقط هو الذي يستر العقل، لكن الحق جاء بالتحريم الشامل لكل ما يستر العقل.

لماذا إذن تكون الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجساً من عمل الشيطان؟

إنّ الحق سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض وسخر له كل شيء في الوجود وطلب منه أن يعبده وحده وأن يعمر هذه الأرض.

وأراد الحق أن يضمن للإنسان سلامة أشياء متعددة؛ سلامة نفسه فلا يُعتدى عليها بالقتل أو غير ذلك، وسلامة عقله فلا يُجنى عليه بما يستر آلية الاختيار بين البدائل، وسلامة عرضه فلا يَلغ فيه أحد وحتى تأتي الأنسال التي تعمر الكون وهي أنسال طاهرة، وسلامة ماله حتى يحفظ على الإنسان أثر حركته في الحياة وحتى لا يأخذ غيره أثر حركته، وذلك حتى لا يزهد العامل في العمل ولا يعود الطاقات أن تأخذ من غير عملها فتكسل وتتواكل، فالإنسان إذا ما اعتاد أن يأخذ من غير عمل صار العمل صعباً عليه، وهكذا كانت صيانة المال لا تبدد طاقة ولا تهدر حقا، ولا تعطي غير ذي حق حقا لغيره، وهكذا حتى لا يشيع العجز الاصطناعي في الكون.

ولذلك قال الحق وهو مانح كل مال: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّه قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: 245].

أي أنه -وهو المانح سبحانه وتعالى- قد احترم حركة الإنسان فلا يستمرئ أحد البطالة.

وعندما تنتشر البطالة في الإسلام يعالج الأمر بحكمة بالغة؛ فهو يطلب من الوالي أن يسبب لهم الأسباب ليعملوا.

وذلك حتى لا يتعودوا على الأخذ بغير عمل لئلا تكون مصيبة على المجتمع.

وأراد سبحانه بالشريعة السمحاء أن يحمي الإنسان من كل ما يبدده، فحينما حرم الخمر، أي منع عن الإنسان ستر العقل، ذلك أن ميزة الإنسان على الحيوان هي العقل.

إن الإنسان يختلف عن الحيوان بأنه يحفظ حياته بالعقل، أما الحيوان فيحفظ حياته بالغريزة.

ولذلك فالحيوان لا يملك إلا رداً واحداً إذا ما تم الاعتداء عليه؛ الكلب يعض المعتدي والقطة تخمش المعتدي، أما الإنسان فعندما يعتدي عليه أحد فهو يختار بين بدائل للرد على العدوان، إما أن يضرب وإما أن يقتل وإما أن يسامح.

ومثال لذلك نراه في الريف، عندما يحاول راكب الحمار أن يجبر الحمار على القفز على قناة صغيرة فيها مياه يرفض الحمار ذلك تماماً ومهما ضربه راكبه فهو يرفض القفز؛ لأن غريزته تمنعه من ذلك.

أما الإنسان فقد ينتابه الغرور ويظن أنه قادر على القفز فوق القناة فيقفز لكنه قد يقع في المياه.

وتوجد المجازفة عند الإنسان، لكنها لا توجد عند الحيوان بمقتضى الغريزة.

ومثال آخر من عالم الحيوان.

نجد ذكر الجاموس يقترب من الأنثى ليشمها فإن وجدها حاملاً لا يقربها، هكذا الحيوان.

أما الإنسان فلا.

والحمار يتناول طعامه من البرسيم مثلا ما يشبعه ولا يزيد أبداً في الطعام مهما ضربه صاحبه؛ لأنه محكوم بالغريزة، أما الإنسان فقد يأكل فوق طاقته.

وهكذا نجد الغريزة هي التي تعصم الحيوان، والعقل هو الذي يعصم الإنسان.

ولذلك لا يملك الحيوان القدرة على الاختيار، ولكن ميزان غرائزه لا يختل أبداً.

أما ميزان الغرائز عند الإنسان فقد يختل.

لقد ميز الله الإنسان عن الحيوان بالاختيار بين البدائل بالعقل، ولذلك لا يصح ولا يستقيم من الإنسان أن يطمس هذه القدرة بالخمر.

فإن طمس قدرة الاختيار، فإن غرائزه في هذه الحالة لا تنفعه لأنها غير مؤهلة لحمايته، ولذلك نجد الذي يطمس عقله يضع نفسه في مرتبة أقل من الحيوان؛ لأن الحيوان تحميه الغريزة، والإنسان يحفظه عقله، وهو في هذه الحالة قد طمسه وغطاه، وقد حرم الله الخمر لأنها تستر العقل.

وكل ما يستر العقل خمر ولو كان أصله حلالاً؛ وذلك لأن العقل هو مناط التكليف.

وكذلك حرم الله الميسر.

ولنر دقة الاسم الذي اختاره الله للقمار، إنه "الميْسر” ولم يسمه "المعسر” ذلك أن أحداً لا يقبل على الميسر وهو يظن أنه سوف يخسر، وكل من يلعبون القمار إنما يفعلون ذلك على أمل الكسب؛ لذلك جاء بالاسم الذي يعبر عن حالة اللاعب للقمار إنه يلعب على وهم الكسب، وإن كسب فالمكسب يُغْريه بالمزيد من اللعب.

والخسران يغري باللعب أكثر لعل كسباً يعرض الخسارة التي مني بها، وقد يبيع اللاعب للميسر كل ما يملك كي يعوض خسارته ومع ذلك فالكسب من الميسر هين على النفس تبدده وتنفقه فيما لا ينفع بل قد ينفقه فيما يضر، فالمكسب ليس له والخسارة محسوبة عليه.

والذين يلعبون الميسر مع بعضهم لا تربطهم صداقة أو محبة.

فكل منهم حريص على أن يأخذ ما في جيب الآخر.

وهذا اللون من اللعب يعطل القدرة على الكسب الحلال؛ لأن الكسب الحلال يحتاج إلى حركة في الكون.

والميسر يشل حركة الكاسب لأنه يزهد في العمل.

والخسران يشل حركة الخاسر لأنه مهما سعى في الأرض فقد لا يستطيع أن يسدد ديونه.

إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يضمن للناس ألا ينتفع أحد بشيء إلا نتيجة كده وعمله.

والحق يريد أن يكون جسد كل إنسان من ناتج عرقه في عمل مشروع وكذلك أجساد من يعول.

وأبلغنا أيضاً أن الأنصاب رجس من عمل الشيطان.

والأنصاب ثلاثة قداح كانت توجد عند الكاهن؛ قدْح مكتوب عليه أمرني ربي، والقدح الثاني: مكتوب عليه نهاني ربي، والقدح الثالث: غفل من الكتابة أي خال منها فلا علامة فيه.

فإن كان في نية إنسان السفر أو الزواج أو التجارة فهو يذهب إلى الكاهن ليضرب له هذه القداح.

فإن خرج القدح المكتوب عليه أمرني ربي فعل.

وإن خرج نهاني ربي لم يفعل.

أما أن خرج القدح الغفل فهو يعيد ضرب القداح حتى يخرج أحد القدحين: إما الذي يحمل الأمر، وإما الذي يحمل النهي.

ولم يتساءل أحد لماذا عندما يخرج القدح الغفل لا يعتبر أن هذا أمر خارج عن نطاق التحريم.

ويؤخذ على أنه إباحة واختيار يعمل أو لا يعمل.

لقد أنساهم الحق ذلك حتى يدلنا على أن ذلك أمر كاذب جاء به الكهنة من عندهم.

فإن سألهم سائل: من الإله الذي أمر ونهى؟

هنا يقول القائل منهم: الله هو الذي أمر وهو الذي نهى.

(والله يعلم إنهم لكاذبون).

والحق سبحانه وتعالى حين ينهانا عن تلك الأمور فهو يريد للإنسان أن ينمي ملكة الاختيار بين البدائل.

وعلى الإنسان أن يستنبط وأن يحلل وأن يعرف المقدمات فيدرسها ويحلل الخطوات ليصل إلى النتائج.

لا أن يعطل القوة المدركة التي تختار بين البديلات، فالخمر تستر العقل، وكذلك الميسر يضع الإنسان بين فكي الوهم، وكذلك الأنصاب تعطل القدرة على السعي والرضوخ للكهنة.

وعندما تسأل شارب الخمر: لماذا تشربها؟

يجيب: إنني أريد أن أستر همومي.

وستر الهموم.

لا يعني إنهاءها.

ولكن مواجهة الهموم هي التي تنهي الهموم بالأسباب المتاحة للإنسان.

فإن لم تقو أسبابك فالجأ إلى المسبب في إطار قول الحق: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62].

وعندما تستنفد أسبابك وتلجأ إلى الله فهو يعينك على الأمر الشاق المسبب للهموم.

ولنا في الرسول -صلى الله عليه وسلم- القدوة.

فقد كان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة.

ومعنى "حزبه” أي خرج عن نطاق أسبابه.

ولذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلجأ إلى رب الأسباب.

وقد نجد من يقول: إنني أدعو الله كثيراً ولكنه لا يستجيب لي.

ونقول له: إما لأنك قد دعوت في غير اضطرار، وإما لأنك لم تلتفت إلى الأسباب، وأنت حين تتجنب الأسباب فأنت ترفض يد الله الممدودة لك بالأسباب.

وأنا أتحدى أن يوجد مضطر أنهى الأسباب، ولا يأتي له الفرج.

وأنت حين تدعو بحاجة وتتأخر عليك، نقول لك: إنك دعوت بغير اضطرار.

وكثيراً ما أضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى المُنَزَّهُ دائماً- وأقول: هب أن تاجراً من تجار الجملة الكبار يجلس أمام المخازن التي يملكها وجاءت السيارات الشاحنة بصناديق بضائعه.

والعمال يحملون البضائع ليضعوها في المخازن.

وفجأة رأى عاملاً من عماله يكاد يقع بالصندوق الذي يحمله، هنا نجد التاجر يهب بلا شعور لنجدة العامل.

فما بالنا بالحق الذي خلق لنا الأسباب؟

إنك إن استنفدت الأسباب فإن الله يعينك مصداقاً لقوله: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].

إذن فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان.

والأزلام هي نوع من الميسر؛ فقد كانوا يحضرون الناقة أو الجزور ويذبحونها ويقسمونها إلى ثمانية وعشرين قسماً ويخصصون لإنسان نصيباً وللثاني نصيبين وللثالث ثلاثة أنصبة، وللرابع أربعة أنصبة وللخامس خمسة أنصبة، وللسادس ستة أنصبة، والسابع له سبعة أنصبة.

وكانوا يأتون بالقِداح السبعة.

قدح اسمه "الفذ” ويأخذ الفائز به نصيباً، والقدح الثاني: "التوأم” ويأخذ نصيبين، والقدح الثالث اسمه "الرقيب” يأخذ ثلاثة.

والقدح الرابع اسمه "المُسْبِل” ويأخذ ستة.

والسابع اسمه "المُعَلَّى"ويأخذ سبعة أنصبة.

وهناك ثلاثة قداح هي المنيح والسفيح والوَغْد، وهؤلاء الثلاثة لا يأخذون شيئا بل يدفعون ثمن الذبيحة.

وذلك رجس من عمل الشيطان.

إن النفس العاقلة لا تقبل على مثل هذه الأعمال، بل لابد أن يحرك أحد تلك الأطماع، ذلك أن المخالفات إنما تنشأ من أمرين؛ إما أن تكون من النفس، وإما أن تكون من الشيطان.

والمخالفة التي تكون من النفس هي التي تحقق شهوة من نوع خاص بحيث إذا زحزحت النفس عنها فهي تريدها.

والمخالفة التي من نزغ الشيطان تختلف، فقد يوعز الشيطان لإنسان بالسرقة، فيرفض، فيعرف الشيطان أن لهذا الإنسان مناعة ضد هذه المعصية، فيوعز بمعصية أخرى، فإذا وجد مناعة انتقل إلى معصية ثالثة؛ لأن وسوسة الشيطان تطلب الإنسان عاصياً على أي لون من الألوان.

فإذا وقفت عند معصية بذاتها فاعلم أن ذلك من عمل نفسك، وإن انتقلت بالوسوسة من معصية عزت على الشيطان إلى معصية أخرى فاعلم أنها من عمل الشيطان ولا دخل للنفس بها.

والعاقل الذي يتمعن في كل تلك المسائل المحرمة يرى أن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام هي أمور لا تستطيبها النفس غير المنزوعة من الشيطان، فكأن قوله الحق: {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} يدلنا على أن العاقل لا يمكن أن يصنع هذه الأشياء.

ويذيل الحق الآية: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

ويأمرنا سبحانه باجتناب الرجس الذي جمع الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، والاجتناب هو أن يعطي الإنسان الشيء المجْتَنَب جانَبَه، أي المنع للذرائع والأسباب والسد لها؛ لأنك إن لم تجتنبها فمن الجائز أن قربك منها يغريك بارتكابها.

وبعض الناس يظنون أن الخمر لم يأت لها تحريم وإنما جاء الأمر فيها بالاجتناب.

ونقول لهم: إن التحريم هو النص بعدم احتسائها، وأما الاجتناب فهو أقوى من التحريم لأنه أمر بعدم الوجود في مكانها.

فإذا كان الحق قد قال في قمة العقائد: {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30].

فقد قال هنا اجتنبوا الرجس الذي يجمع الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.

والحق سبحانه وتعالى واجه العادات التي شاعت قبل الإسلام ليخلع الفاسد منها ولم يجابهها دفعة واحدة وذلك لتعليق النفس بها والإلف لها، وإنما كان التحريم لها بالتدريج.

لقد حزم الإسلام الأمر أولاً في مسائل العقائد، أما الأمور التي تترتب على إلف العادة فكان تحريمها على مراحل.

وحين يقول الحق سبحانه وتعالى عن شيء إنه: "رجس"، فذلك حكم الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ونحن نقبل هذا الحكم حتى ولو لم نفهم نحن معنى الرجس، أو لم نتأكد مادياً من أن الشيء المحرم هو من الرجس، ذلك أنه يكفي في ذلك حكم الله الذي يرضخ له العبد المؤمن الذي قبل التكليف من ربه؛ لأن ربه مُؤتمن على كل مصالحه.

وما دام الحق قد قال عن شيء إنه رجس، فهو رجس ولا جدال في ذلك.

أقول ذلك لأن بعضاً يظل متصيداً لأي ثغرة مفتعلة متسائلاً: كيف يكون ذلك العمل أو ذلك الشيء من الرجس؟

ونقول: إننا نرضخ لحكم الله تعالى وننفذ ما أمر به، فهو إله مأمون على كل الخلق، وتثبت لنا الأيام دائماً صدق قول الحق في أن الأشياء التي قال عنها سبحانه إنها رجس، هي من الرجس فعلاً، فحين يقول سبحانه لخلقه: افعلوا كذا، لا نسأله: وما علة ذلك التكليف، ولكننا ننفذ أمر الحق، ونكتشف في أعماقنا فائدة ذلك التكليف.

أما عندما يكلفنا عبد مساوٍ لنا بشيء فلابد أن نسأل: لماذا؟

والعبد المساوى لنا عليه أن يقدم لنا العلة لأي فعل يطلب منا القيام به، ولكننا لا نسأل الله عن علة التكليف لنا؛ لأننا نؤمن بأنه إله حكيم، والأيام ستثبت لنا أن قول الله حق.

ومثال على ذلك نجد أن الذي لا يشرب الخمر امتثالاً لنهي الله عن ذلك الفعل، هو إنسان مستقيم السلوك، طاهر القصد، ولا يتأتى منه نشاز في الكون.

أما الذي يشرب الخمر فهو معوج السلوك، غير طاهر القصد، ويتأتَّى منه نشاز في الكون.

وقد أثبتت التجربة أن شارب الخمر إنما يصاب بأمراض في الكبد ويعاني من ارتباك في إدارة حياته وكلماته.

نحن نقرأ قول الله سبحانه: {وَاتَّقُواْ اللَّه وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّه} [البقرة: 282].

والتقوى -كما علمنا- أن نجعل بيننا وبين غضب الله وقاية؛ لذلك نفعل ما أمرنا به.

وحين نفعل أوامر الإله الحق فإننا نتعلم حكم الله في الفعل.

ومثال ذلك قوله الحق: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].

ونحن نعرف كيف تنهانا الصلاة عن الفحشاء والمنكر؛ لأننا نسلم وجوهنا وقلوبنا لله فننفذ ما أمر به.

وكذلك نجد في الزكاة نماء.

ونجد الحج يصفي النفس من أي كبر ويغسل الذنوب.

وكل فعل أمر به الحق نجد له الأثر في نفوسنا بعد أن نقوم به.

أما إن فعلت الحكم للعلة فذلك يبعد بك عن مرتبة الإيمان.

ونجد أن الطبيب يأتي لشارب الخمر بصورة ملتقطة للكبد بواسطة الموجات الصوتية أو الأشعة فيجد شارب الخمر صورة كبده وقد امتلأت بالتهرؤ وصارت عرضة لأمراض كثيرة ثقيلة وربما تعطلت وظائف الكبد في بعض الأحيان، وهنا يأمر الطبيب شارب الخمر أن يمتنع عن شرب الخمر.

فهل امتناع شارب الخمر في مثل هذه الحالة هو امتناع بسبب الإيمان أو بسبب الأمر الطبي؟

إنه امتناع بسبب الأمر الطبي، ويستوي في ذلك المسلم العاصي والكافر.

ولكن المؤمن الذي يمتنع عن شرب الخمر ابتداءً، فهو قد امتنع لا لعلة الأمر ولكن لأن الأمر من الله، وهو يتبع أوامر الحق دون سؤال عن العلة.

والمؤمن يأخذ الحكم من الله دون طلب تعليل منه ليشرح له أسباب المنع في سلوكه.     

والحق سبحانه قال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} والعداوة المُسبقة بين الشيطان وأبينا آدم عليه السلام بَيَّنَهَا -سبحانه- بقوله للملائكة: {اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} [البقرة: 34].

وكان الشيطان موجوداً مع الملائكة، وكان الأولى أن يسجد هو؛ لأن الأمر إذا كان للجنس الأعلى وهو الملائكة، فيجب أن ينسحب على الأدنى، لكنه عصى وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61].

إذن فالعداوة مُسبقة بين آدم والشيطان، فكيف إذن نقبل نحن أبناء آدم وسوسته؟

وكيف نقبل نزغه؟

وكيف نقبل إغراءه؟

لابد إذن أن نتجنَّب ذلك لأنه رجسٌ ومن عمل الشيطان، حتى ننجو من كل سوء، ويأتي لنا كل فلاح.

ويقول الحق: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ...}.



سورة المائدة الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة المائدة الآيات من 086-090
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة المائدة الآيات من 031-035
» سورة المائدة الآيات من 111-115
» سورة المائدة الآيات من 036-040
» سورة المائدة الآيات من 116-120
» سورة المائدة الآيات من 041-045

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: المائدة-
انتقل الى: