أحكام العلاقة الزوجية في فترة ما بين العقد والزفاف
فقهاً وقانوناً - رؤية معاصرة *
الدكتور: محمد فالح بني صالح
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

الملخص
يهدف هذا البحث الموسوم بـ: (أحكام العلاقة الزوجية في فترة ما بين العقد والزفاف، فقهاً وقانوناً، رؤية معاصرة) إلى معالجة مسألة فقهية ومسلكية مهمَّة، وهي انتشار ثقافة التبسُّط بين العاقدين أثناء فترة ما قبل الزفاف، بحيث تجاوزت العلاقة بينهما حُدود الخطوط الحمراء، وقد بيَّنت الدراسة أن عقد الزواج، هو ربط بين شخصين مؤهلين لذلك العقد، في حدود المُجالسة والمُحادثة والمُصافحة فقط، وأن المعقود عليها محجوزة لصالح العاقد بحيث لا يصح للغير خطبتها ولا العقد عليها.

كما أن الخلوة والمُسافرة والدُّخول السِّري حرام ديانة، لما قد تؤول إليه من جُحُود إزالة العُذرية والحمل المُبكّر، وإنكار نَسَبِ الذريَّة، مما يُفضي إلى الفُرقة غالباً قبل الزفاف، مع احتمال التغرير بالزوج الجديد الذي لم يعلم بحقيقة الحال، وجميع هذه الاعتبارات عند حصولها، تعتبر مناقضة لقصد الشارع من الزواج وغاياته الشريفة، من استقرارٍ وتناسلٍ وتعاونٍ على خيري الدنيا والآخرة، وكل ذلك يجعل الإذن الشرعي إذا أدَّى إلى الحرام إذناً مقيَّداً، سداً لذريعة الفساد، خصوصاً أن الإحصاءات ما قبل الأخيرة، أشارت إلى أن نسبة (70%) من حالات الطلاق تحصل قبل الزفاف، فقد جاء في إحصائيات 2006 أن عدد حالات الطلاق البائن قبل الدخول بلغت (2038) من مجموع حالات الطلاق لذلك العام وعددها (2604) حالة (1)، ولذا على المهتمين بأمور الشريعة من الشباب وأولياء البنات، إيلاء هذه المسألة كل اهتمام وحذر في فترة ما قبل الزفاف، حفاظاً على البناء السليم للأسرة السليمة، وبسلامتها سلامة الأمة جمعاء.

المقدمة
الحمد لله الذي خصنا بالشريعة الإسلامية وما فيها من الأحكام التفصيلية، ومن أهمها الأحوال الشخصية، بدءاً من الخطبة وعقد الزواج والآثار المترتبة عليها، وانتهاء بالفرقة والموت وآثارهما.

وموضوع بحثنا، يقتصر على (أحكام العلاقة الزوجية في الفترة الواقعة بين العقد والزفاف) حيث تنشأ بعد العقد الصحيح وقبل الزفاف، بعض العلاقات والممارسات بين العاقدين من جهة، وبينهما وبين أسرتيهما من جهة ثانية، بعضها موافق للشرع، وبعضها معارض للشرع أو الآداب العامة.

ولذا فإن طبيعة البحث تقتضي محاكمة تلك التصرفات على ضوء مقاصد الشريعة والأعراف الصحيحة ومآلات الأفعال وذرائعها.

وقد بَنيتُ هذا البحث الموسوم بـ: (أحكام العلاقة الزوجية في فترة ما بين العقد والزفاف رؤية معاصرة) على مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة.

المقدمة:
المبحث الأول: عقد الزواج والأحكام المتعلقة به، وآثاره المالية.
المطلب الأول: عقد الزواج والإشهاد والإشهار والإعلان والزفاف.
المطلب الثاني: الآثار المالية المتعلقة بعقد الزواج.


المبحث الثاني: الآثار القوامية والاجتماعية المتعلقة بعقد الزواج.
المطلب الأول: حرمة الخطبة والعقد على المعقود عليها.
المطلب الثاني: ثبوت حرمة المصاهرة بين الزوجين وأسرتيهما.
المطلب الثالث: حكم طاعة الزوجة وآثارها وهي في بيت أهلها.
المطلب الرابع: حكم ومخاطر الدخول السري بالزوجة قبل موعد زفافها.


المبحث الثالث: أحكام انحلال العقد قبل الزفاف.
المطلب الأول: الطلاق والمخالعة قبل الزفاف.
المطلب الثاني: الإيلاء والظهار قبل الزفاف.
المطلب الثالث: الملاعنة قبل الزفاف.
المطلب الرابع: عدة الوفاة قبل الزفاف.


النتائج والتوصيات
المراجع
الفهارس

مشكلة الدراسة
بناءً على أن الزواج، هو الوسيلة الشرعية لتحقيق مقصد من مقاصد الشارع، المتمثلة في حفظ النسل وبناء المجتمع وتكوينه على أسس متينة وثابتة ومتوازنة وعادلة، فقد استفرغ الأصوليون والفقهاء، رحمهم الله، جهدهم في تقرير الأحكام الناظمة لهذا المشروع، ضمن مسائل تفصيلية، متدرجة، بدءاً من إثارة الفكرة وتصورها والترغيب فيها، ورسم طريق الوصول إليها، وتشريع الأحكام اللازمة، ووصولاً إلى إنجاحها على الوجه الأكمل، بأقل التكاليف وأيسرها.

وقد استجدَّ على مشروع تكوين الأسرة أحوال كثيرة في عصرنا الحاضر لم تكن في حسبان الفقهاء السابقين، نتج عنها عدة مشكلات، حالت في كثير من الأحيان دون وقوفها على ساقيها، ومنها الترخص بالخلوات والأسفار المؤدية إلى المُقاربة الجنسية، وذلك بسبب إطالة المدة الزمنية بين الخطبة والعقد، وبين العقد والزفاف، بذريعة إتمام المستلزمات، من مهرٍ ومسكنٍ وأثاث قد يمكن الاستغناء عن أكثرها، نتج عنها تجاوزات كثيرة، وأوقعت أصحابها في كثير من الحرج والمنازعات، وربما انتهى بعضها بالطلاق، حيث تشير إحصائيات المحاكم الشرعية إلى أن نسبة الطلاق قبل الدخول تزيد عن سبعين بالمائة من نسبة الطلاق العامة (2).

وهذا مؤشر بات يدق ناقوس الخطر في تدمير الأسر، لذا رأيت كغيري من المهتمين في خدمة البيت المسلم، أن أكتب في موضوع أظنه لم يأخذ نصيبه في الفقه وقوانين الأحوال الشخصية الأردنية المتعاقبة، من تسليط الضوء على جزئياته في دراسة مستقلة متكاملة...

للإجابة على عدة أسئلة منها:
*  ما حكم قوامة العاقد على المعقود عليها أثناء إقامتها في بيت وليها مدّة ما قبل الزفاف؟
* هل تجب عليها طاعة العاقد أثناء تلك الفترة؟
*  على مَنْ تكون نفقة المعقود عليها قبل زفافها؟
*  ما حكم طلب الخلوة والمسافرة قبل الزفاف؟
*  هل عقد الزواج يعطي حق العلاقة الجنسية قبل الزفاف الذي يقتضيه العرف والعادة؟
*  هل هناك أضرار نفسية واجتماعية تترتب على الدخول السري عند نشوء خلاف بين العاقدين، من تجاحدٍ وإنكارٍ لفقد العذرية أو الحمل المبكر، وحدوث ذرية؟
*  هل الزفاف الذي يبهج الجميع حق مشروع للزوجة وأوليائها في العرف والقانون؟ أم هو حقها وحدها، ولها التنازل عنه وتجاهل الأهل والمجتمع في ذلك؟

أهمية الدراسة
بناءً على الأسئلة المطروحة في مشكلة الدراسة، تبدو أهمية الإجابة عليها وتقرير الأحكام اللازمة لها، لبيانها للمجتمعات المقبلة على الزواج من الطرفين، وبيان مخاطرها، لتداركها والحؤول دون فشل الحياة الزوجية، والنزاعات الناتجة عن تجاوز أحكام الشريعة وآدابها.

منهج الدراسة
اعتمدت هذه الدراسة المنهج التوصيفي التحليلي ثم الاستنباطي، من خلال تتبع الحالات الاجتماعية مما يخص هذه المسألة، وملاحظة فشل كثير من الزواجات أثناء فترة ما قبل الزفاف، لأسباب تعود إلى الممارسات الخاطئة في العلاقة بين العاقدين، والتي غالباً ما أدت إلى الفرقة بينهما قبل الزفاف، مصحوبة بجملة من الخسائر، المادية والنفسية والاجتماعية.

الدراسات السابقة
من خلال تتبع كل ما يتعلق بعنوان هذه الدراسة من كتابات، لم أجد حسب اطلاعي دراسة مستقلة ومفصلة تعنى بهذا الموضوع، إلا ما درجت عليه كتب الفقهاء وقوانين الأحوال الشخصية الأردنية المتعاقبة بما فيها القانون المعدل لسنة 2010م، والذي نحن بصدده في بحثنا عن بسط قضايا النكاح ببيان أركانه وآثاره، وحقوق الزوجين المتبادلة بعد اجتماعهما في بيت الزوجية الشرعي دون تعرض مباشر لأحكام العلاقة بين العقد والزفاف.

أما الدراسات المعاصرة فقد اطلعت على كتابات وفتاوى على الشبكات الإسلامية، ومنها ما يلي:
1.  الحياة الزوجية من البداية إلى النهاية والحقوق الإرثية، وهو كتاب للمرحوم المحامي: حمزة العربي –منشور في مكتبة الرسالة الحديثة– عمان 1976م.

2.  فتاوى ومقالات، لكل من العلماء والباحثين أسماؤهم: سماحة الشيخ عبد الله بن باز، والأستاذ الدكتور محمد السيد الدسوقي، ود.حسام عفانة، الأستاذ بجامعة القدس في فلسطين، والشيخ محمد المنجد، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ صالح الفوزان، والأستاذ عمرو خالد، والشيخ حسن الصفار، وآخرون.

إلا أن هذه الفتاوى، كانت على شكل أسئلة وإجابات ظاهرة غير تحليلية ولا مؤصلة، ولا كاشفة عن المعاني المقاصدية التي ترتكز عليها الدراسة في تلك الفترة، وذلك ما تم تأصيله وبيانه والكشف عن مفاصله ودقائقه في هذه الدراسة.