منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الأول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالإثنين 21 يناير 2019, 10:36 pm

الباب الأول
عظمة الدلائل والمقاصد والتأثير.

وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: دلائل عظمة القرآن.
الفصل الثاني: عظمة القرآن في أسلوبه ومقاصده.
الفصل الثالث: عظمة تأثير القرآن.


الفصل الأول
دلائل عظمة القرآن.

وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: عظمة القرآن كما بَيَّنَتْها آياته الحكيمة.
المبحث الثاني: مظاهر عظمة القرآن.
المبحث الثالث: دلائل عظمة القرآن.
المبحث الرابع: عظمة أسماء وأوصاف القرآن.

 
تمهيد
إنَّ الحديث عن عظمة القرآن الكريم أعظم من أن يُحيط بها بشر، فكيف بمن يكتب أوراقًا محدودة، في أشهر معدودة، فأني له أن يفي عما يكتب بحقه، أو قريب منه، إنَّه القمَّةُ العليا والتي لن نصل إليها مهما اجتهدنا ولكنَّنا نقترب منها كلَّما اجتهدنا؛ لأنه كتاب الله، به تكلَّم، وفيه أودع تلك العظمة، ومع ذلك فلابد من استجلاء هذه العظمة، وتلك الخصوصية فقد استولى على العقول، وهيمن على القلوب، فأبدعت الألسن في وصفه، وسالت الأقلام في نعته، حتى لا يكاد الواحد منا يجد مثل الكتب التي كتبت عنه كمًا وكيفًا.

ولا غرابة في ذلك فهو أحسن الحديث وأعظمه وأطيبه وأحكمه، وهو الكتاب الذي لا ريب فيه، ولا نقص يعتريه، لبلاغة آياته، وسمو إرشاداته، ودقة معلوماته، وقوة دلائله وبياناته، وجمال عباراته.

وسيكون الكلام في هذا الفصل عن عظمة القرآن، ومظاهر هذه العظمة، ودلائلها، على النحو التالي:
المبحث الأول
عظمة القرآن كما بَيَّنَتها آياته الحكيمة.

وفيه تسعة مطالب:
المطلب الأول: ثناءُ الله على كتابه.
المطلب الثاني: عظمة منزِّله تعالى.
المطلب الثالث: فضل من نزل بالقرآن.
المطلب الرابع: القرآن تنزيل ربِّ العالمين.
المطلب الخامس: القرآن مستقيمٌ ليس فيه عوج.
المطلب السادس: خشوع الجبال وتصدُّعها.
المطلب السابع: انقياد الجمادات لعظمة القرآن.
المطلب الثامن: تحدِّي الإنس والجن بالقرآن.
المطلب التاسع: خمس مزايا إعجازيَّة.

 
المطلب الأول
ثناء الله على كتابه:
أثنى الله تعالى على كتابه العزيز في آيات كثيرة ممَّا يدلُّ على عظمته كما وصفه «بالعظيم» (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ) (الحجر: 87).

ووصفه «بالإحكام» في قوله تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود: 1).

وذكر «هيمنته على الكتب السابقة» في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (المائدة: 48).

فهذا الكتاب هو المهيمن الحافظ لمقاصد الكتب المنزلة قبله، الشاهد المؤتمن على ما جاء فيها، يقر الصحيح فيها، ويصحح الخطأ.

ووصفه في أمِّ الكتاب بأنه «عليٌّ حكيم» في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الزخرف: 4).

فهذه شهادة من الله تعالى بعلو شأن القرآن وحكمته.

ولا ريب أن من عظمة القرآن أنه: (عَلِيٌّ) في محله، وشرفه، وقدره، فهو عال على جميع كتب الله تعالى؛ بسبب كونه معجزًا باقيًا على وجه الدهر (89).

ومعنى الحكيم:
المنظوم نظمًا مُتقنًا لا يعتريه أيٌّ خلل في أيِّ وجه من الوجوه، فهو حكيم في ذاته، حاكم على غيره.
 
والقرآن (حَكِيمٌ) كذلك فيما يشتمل عليه من الأوامر، والنواهي، والأخبار، فليس فيه حكم مخالف للحكمة، والعدل والميزان (90).

ومن ثناء الله تعالى على القرآن أن وصفه في ثلاث سور بأنه «كتاب مبارك» (91).

وبركة هذا الكتاب تمتد إلى يوم القيامة فعطاؤه نامٍ لا ينفد..يواكب الحياة بهذا العطاء، ثم يأتي شفيعًا لأصحابه.

المطلب الثاني
عظمةُ منزِّله سبحانه وتعالى:
العظيم: ذو العظمة والجلال في مُلكه وسلطانه -عز وجل-، كذلك تعرفه العرب في خُطبها ومحاوراتها، يقول قائلهم: من عظيمُ بني فُلان اليوم؟

أي: من له العظمة والرِّئاسة منهم؟

فيُقال:
فلانٌ عظيمهم، ويقولون: هؤلاء عظماءُ القوم أي: رؤساؤُهم، وذوو الجلالة والرئاسة منهم (92)، (93).
 
«قال الأصبهاني» (94):
العظمةُ صفةٌ من صفات الله، لا يقوم لها خلقٌ، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يُعَظِّمُ بها بعضهم بعضًا، فمن الناس من يُعَظِّمُ لمالٍ، ومنهم من يعظم لفضلٍ، ومهم من يُعظم لعلمٍ، ومنهم من يُعظم لسلطانٍ، ومنهم من يُعظم لجاهٍ.

وكلُّ واحد من الخلق إنما يعظَّم بمعنى دون معنى، والله -عز وجل- يُعظَّم في الأحوال كلها.

فينبغي لمن عرف حقَّ عظمة الله، ألاَّ يتكلَّم بكلمة يكرهها الله، ولا يرتكب معصية لا يرضاها الله، إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت» (95).

فالله تعالى هو العظيم المطلق؛ لأنه عظيم في ذاته وأسمائه وصفاته كلها فلا يجوز قصر عظمته في شيء دون شيء منها؛ لأنَّ ذلك تحكُّم لم يأذن به الله.
 
قال ابن القيم (96) -رحمه الله- مقررًا ذلك (97):
«وهو العظيمُ بكلِّ مَعنىً يُوجِبُ التَّـ        ـعظِيمَ لا يُحصيه مِن إِنسَانِ»

فمن عظمته تعالى: أنه لا يشق عليه أن يحفظ السَّماوات السَّبع والأرضين السَّبع، ومن فيهما، وما فيهما، كما قال تعالى: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة: 255) (98).

وتتجلى عظمة القرآن العظيم في عظمة منزله جل جلاله، ويتضح ذلك جليًا في عدة آيات منها: قوله تعالى: (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (السجدة: 1 - 3).

وقوله تعالى: (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الجاثية، الأحقاف: 1 - 2) (99).

المطلب الثالث
فضل مَنْ نزل بالقرآن:
نوَّه الله تعالى بشأن من نزل بالقرآن على رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو جبريل عليه السَّلام، أمين الوحي الإلهي.

وذكر فضله في عدة آيات، منها:
* قوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: 102).

و (روح القدس): جبريل عليه السَّلام.

والرُّوحُ: الملك، كما قال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا) (مريم: 17)، أي: ملكًا من ملائكتنا.

و (القدس): بضمَّتين، وبِضمٍّ فسكون، مصدر، أو اسم مصدر، بمعنى: النزاهة والطهارة، أو الطُهر.

والمراد به هنا: معنياه الحقيقي والمجازي، الذي هو الفضلُ وجلالةُ القَدْر.

وإضافة الروح إلى القُدُس، من إضافة الموصوف إلى الصفة، كقولهم: حاتمُ الجود، وزيدُ الخَير.

والمراد: حاتمٌ الجواد، وزيدٌ الخيِّر.

فالمعنى: الملكُ المُقَدَّس (100).

* وقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء: 192-194).
 
وسمي جبريلُ عليه السَّلام بالرُّوح لعدة أوجه:
1-    لأنه روح مُقَدَّسة فوصفُهُ بذلك تشريفٌ له وبيانٌ لعلو مرتبته.
2-    لأن الدِّين يحيا به، كما يحيا البدنُ بالروح، فهو المتولي لإنزال الوحي إلى الأنبياء.
3-    لأن الغالب عليه الرَّوحانية، وكذلك سائر الملائكة، غير أن روحانيته أتمُّ وأكمل.
4-    لأنه ما ضمَّته أصلاب الفحول، وأرحام الأمهات (101).


* وقد وصف الله تعالى جبريل عليه السلام بخمس صفات في قوله تعالى:
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) (التكوير: 19-21).

وهذه الصفات الخمس تتضمَّن تزكية سند القرآن العظيم، وأنه سماع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من جبريل عليه السَّلام، وسماع جبريل الأمين من ربِّ العالمين فناهيك بهذا السند علوًا وجلالة.

* صفات جبريل الأمين عليه السَّلام
الصفة الأولى: أنه كريم.
فهو رسول كريم وليس كما يقول أعداؤه: إن الذي جاء به شيطان، فإن الشيطان خبيث مخبث، لئيم، قبيح المنظر، عديم الخير، باطنه أقبح من ظاهره، وظاهره أشنع من باطنه، وليس فيه ولا عنده خير، فهو أبعد شيء عن الكرم.
 
والرسول الذي ألقى القرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم- كريمٌ، جميلُ المنظر، بَهِيُّ الصورة، كثير الخير، طيب مطيب، معلم الطيبين.

الصفة الثانية: أنه ذو قوة.
كما قال تعالى في موضع آخر: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (النجم: 5).

وفي ذلك تنبيه على أمور:
1- أنه بقوته يمنع الشياطين أن تدنوا منه، وأن ينالوا منه شيئًا، وأن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، بل إذا رآه الشيطان هرب منه ولم يقربه.

2- أنه مُوال لهذا الرسول الذي كذَّبتموه؛ ومُعاضدٌ له، ومواد له ومناصرٌ، كما قال تعالى: (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم: 4).

ومن كان هذا القويُّ وليَّه، ومن أنصاره، وأعوانه، ومعلِّمه، فهو المهتدي المنصور، والله هاديه، وناصره.

3-    أنَّ من عادى هذا الرسول فقد عادى صاحبه ووليَّه جبريل، ومن عادى ذا القوة والشدة فهو عُرضةٌ للهلاك.

4-    أنه قادر على تنفيذ ما أُمِرَ به لقوته، فلا يعجز عن ذلك، مُؤَدٍّ له كما أُمِرَ به لأمانته، فهو القوي الأمين، وهذا يدل على عظمة شأن المرسل، والرَّسول، والرِّسالة، والمرسل إليه والمرسل به؛ لأنه انتدب له الكريم القويَّ المكين عنده، المطاع في الملأ الأعلى، فإن الملوك لا تُرسل في مهماتها إلاَّ الأشراف، ذوي الأقدار والرتب العالية (102).
 
الصفة الثالثة: أنه مكين عند الرب تعالى:
كما قال تعالى: (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (التكوير: 20).

والمكينُ: فعيلٌ، صفةٌ مشبَّهةٌ من مَكُنَ بضم الكاف، مكانةً، إذا علت رتبتُه عند غيره، كما قال الله تعالى في قصة يوسف عليه السَّلام مع الملك: (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) (يوسف: 54).

وتوسيطُ قوله: (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) بين (ذِي قُوَّةٍ) و(مَكِينٍ) ليتنازعه كلا الوصفين على وجه الإيجاز، أي: هو ذو قوة عند الله، أي جعل الله تعالى مقدرة جبريل عليه السلام تخوله أن يقوم بعظيم ما يوكله الله به مما يحتاج إلى قوة القدرة وقوة التدبير، وهو ذو مكانة عند الله وزلفى. والعنديَّةُ: عنديَّةُ تعظيم وعناية.

وَعُدِلَ عن اسم الجلالة إلى (ذِي الْعَرْشِ) لتمثيل حال جبريل عليه السَّلام ومكانته عند الله تعالى بحال الأمير المنفذ لأمر الملك وهو بمحل الكرامة لديه (103).

فجبريل عليه السَّلام له مكانة ووجاهة عند الله تعالى، وهو أقرب الملائكة إليه.

يشهد له قوله تعالى: (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) إشارةً إلى علو منزلته، إذ كان قريبًا من ذي العرش سبحانه.

الصفة الرابعة: أنه مطاعٌ في السماوات.
وفي قوله: (مُطَاعٍ ثَمَّ) إشارة إلى أن جنوده وأعوانه من الملائكة الكرام يطيعونه كما يطيع الجيشُ قائدهم، لنصر صاحبه وخليله محمد -صلى الله عليه وسلم-.
 
وفيه إشارة أيضًا إلى أن هذا الذي تكذبونه وتعادونه سيصبح مطاعًا في الأرض، كما أن جبريل مطاع في السماء، وأن كلًا من الرسولين مطاع في محله وقومه، وفيه تعظيم له بأنه بمنزلة الملوك المطاعين في قومهم، فلم ينتدب لهذا الأمر العظيم إلا مثل هذا الملك المطاع.

الصفة الخامسة: أنه أمين.
وفي وصفه بالأمانة إشارة إلى حفظ ما حمله، وأدائه له على وجهه دون نقص ولا تغيير (104).

وفيما تقدم من عظمة أوصاف جبريل عليه السلام، تتبين لنا -بقياس الأولى- عظمة القرآن الذي نزل به، وعلو شأنه، ومنزلته عند الله تعالى.

المطلب الرابع
القرآن تنزيل رب العالمين:
قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (الشعراء: 192 - 193).

أسند الله -جل جلاله- إنزال القرآن إلى جناب عظمته في خمسين آية من آيات القرآن المجيد أو يزيد، وفي هذا دلالة على كمال العناية الإلهية بالقرآن، مما يهز المشاعر، ويحرك الوجدان، ويبعث على تربية المهابة منه عند سماعه.

كما أن في ذلك تنبيهًا على أن المنزل من لدن حكيم خبير -وكمال القائل يدل على صدق المقول- وتنويهًا بعظمته المكتسبة من عظمة منزله، وإشادة -أيما إشادة- بشرف القرآن، وسمو قدره، وعظيم مكانته (105).

وقال تعالى أيضًا: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1).

«وفي ضمير العظمة وإسناد الإنزال إليه تشريف عظيم للقرآن» (106).

ولا شك أن هذا « تنويه بشأن القرآن الكريم وإجلال لمحله، بإضماره المؤذن بغاية نباهته المغنية عن التصريح به، كأنه حاضر في جميع الأذهان، وبإسناد إنزاله إلى نون العظمة المنبئ عن كمال العناية به» (107).

يقول ابن عاشور (108) -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) (العنكبوت: 51) (109): «و (الْكِتَابَ): القرآن، وعدل عن لفظ القرآن الذي هو كالعلم عليه إلى لفظ الكتاب المعهود لإيمائه إلى معنى تعظيمه بأنه المشتهر من بين كتب الأنبياء».

فمن عظمة القرآن أنه نزل من الله تعالى وحده لا من غيره؛ لنفع الناس وهدايتهم، فاجتمعت في القرآن العظيم خمس فضائل:
1-    أنه أفضل الكتب السماوية.
2-    نزل به أفضل الرسل وأقواهم، الأمين على وحي الله تعالى.
3-    نزل على أفضل الخلق، محمد -صلى الله عليه وسلم-.
4-    نزل لأفضل أمة أخرجت للناس.
5-    نزل بأفضل الألسنة وأفصحها، وأوسعها، وهو اللسان العربي المبين (110).

المطلب الخامس
القرآن مستقيم ليس فيه عوج:
أثنى الله تبارك وتعالى -الذي لا نُحصي ثناءً عليه- على نفسه وذكر أنه مستحق للحمد على إنزاله القرآن العظيم، تنبيهًا منه تعالى على أنه أعظم نعمائه؛ لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد، والداعي إلى ما فيه صلاح المعاش والمعاد - وقد علم عباده كيف يحمدونه على إفاضة هذه النعمة الجليلة فقال سبحانه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) (الكهف: 1 - 2).

قال أهل اللغة:
إن العوج في المعاني كالعوج في الأعيان، ونفي العوج عن القرآن له عدة أوجه، منها:
الأول: نفي التناقض عن آياته، كما قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82).

الثاني: أن كل ما ذكر الله تعالى في القرآن، من التوحيد والنبوة والأحكام والتكاليف فهو حق وصدق ولا خلل في شيء منه البتة (111).

وأخبر تعالى كذلك عن القرآن أنه ليس فيه تضاد ولا اختلاف ولا عيب من العيوب التي في كلام البشر فقال: (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر: 28).

أي: ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه، لا في ألفاظه، ولا في معانيه، وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته (112).

فقد وصف الله تعالى كتابه العزيز بوصفين عظيمين، مشتملين على أنه الكامل من جميع الوجوه، وعظيم بكل ما تعبر عنه الكلمات، وهما:
1- نفي العوج عنه:
وهذا يقتضي أنه ليس في أخباره كذب، ولا في أوامره ونواهيه ظلم ولا عبث.

2- إثبات أنه مستقيم مقيم:
فالقرآن العظيم مستقيم في ذاته، مقيم للنفوس على جادة الصواب، وإثبات الاستقامة، يقتضي أنه لا يخبر ولا يأمر إلا بأجل الإخبارات، وهي الأخبار التي تملأ القلوب معرفة وإيمانًا وعقلًا، كالإخبار بأسماء الله وصفاته وأفعاله، والإخبار بالغيوب المتقدمة والمتأخرة.

وأن أوامره ونواهيه، تزكي النفوس وتطهرها وتنميها وتكملها، لاشتمالها على كمال العدل والقسط، والإخلاص، والعبودية لله رب العالمين، وحده لا شريك له.

فحقيق بكتاب موصوف بما ذكر، أن يحمد الله تعالى نفسه على إنزاله (113).

وبنفي العوج عن القرآن الكريم، وإثبات استقامته تتجلى عظمته وعلو شأنه ومنزلته عند الله تعالى.

المطلب السادس
خشوع الجبال وتصدعها:
فلقد بلغ من شأن القرآن وعظمته وشدة تأثيره أنه لو أنزل على جبل من الجبال وجعل له عقل كما جعل للبشر، لرأيت الجبل- مع كونه في غاية القسوة والصلابة- خاشعًا متصدعًا من خشية الله. كما قال تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر: 21).

أي: لا تعظ الجبل وتصدع صخره من شدة تأثره من خشية الله.

ففي هذا «بيان حقيقة تأثير القرآن وفعاليته في المخلوقات، ولو كانت جبلًا أشم، أو حجرًا أصم» (114).

وضرب التصدع مثلًا لشدة الانفعال والتأثر؛ لأن منتهى تأثر الأجسام الصلبة أن تنشق وتتصدع ولا يحصل ذلك بسهولة.

والخشوع: هو التطأطؤ والركوع، أي لرأيته ينزل أعلاه إلى الأرض.

والتصدع: التشقق، أي لتزلزل وتشقق من خوفه الله تعالى (115).

ولا شك أن هذا تعظيم لشأن القرآن، وتمثيل لعلو قدره وشدة تأثيره في النفوس، لما فيه من بالغ المواعظ والزواجر، ولما اشتمل عليه من الوعد الحق والوعيد الأكيد، فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن -كما فهمتموه- لخشع وتصدع من خوف الله تعالى، فكيف يليق بكم أيها البشر ألا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله، وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه (116).

والمقصود من إيراد الآية:
إبراز عظمة القرآن الكريم، والحث على تأمل مواعظه الجليلة، إذ لا عذر لأحد في ذلك، وأداء حق الله تعالى في تعظيم كتابه، وتوبيخ من لا يحترم هذا القرآن العظيم، وفيه كذلك تمثيل وتخييل لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ (117).

المطلب السابع
انقياد الجمادات لعظمة القرآن:
يقول الله تعالى مبينًا ومنبهًا على عظمة القرآن وتأثيره: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) (الرعد: 31).

فهذا شرط جوابه محذوف، والمراد منه: تعظيم شأن القرآن العظيم.

«كما تقول لغلامك لو أني قمت إليك، وتترك الجواب؛ والمعنى: ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال عن مقارها وزعزعت عن مضاجعها، أو قطعت به الأرض حتى تتصدع وتتزايل قطعًا، أو كلم به الموتى فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف» (118).

وفي بيان المقصود هنا يقول أبو السعود (119) -رحمه الله-:
«والمقصود: بيان عظم شأن القرآن العظيم، وفساد رأي الكفرة، حيث لم يقدروا قدره العلي، ولم يعدوه من قبيل الآيات فاقترحوا غيره، مما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام، فالمعنى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ)، أي: بإنزاله أو بتلاوته عليه، وزعزعت عن مقارها كما فعل ذلك بالطور لموسى عليه الصلاة والسلام.

(أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ).
أي: شققت وجعلت أنهارًا وعيونًا، كما فعل بالحجر حين ضربه عليه السلام بعصاه، أو جعلت قطعًا متصدعة.

أو (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى).
أي: بعد ما أحييت بقراءته عليها، كما أحييت لعيسى عليه السلام، لكان ذلك هذا القرآن، لكونه الغاية القصوى في الانطواء على عجائب آثار قدرة الله تعالى وهيبته» (120).

فمما تقدم تتبين لنا عظمة القرآن وعلو شأنه ومنزلته وتأثيره.

المطلب الثامن
تحدي الإنس والجن بالقرآن:
من مظاهر عظمة القرآن وعلو شأنه، أن الله تعالى تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة مثله.

قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: 88) (121).
 
«(قُلْ) لا يقولها الحق سبحانه بينه وبين رسوله، بل المراد: أعلنها يا محمد على الملأ، وأسمع بها الناس جميعًا؛ لأن القضية قضية تحد للجميع» (122).

ولقد ثبت بما لا يدع ثلمة لمرتاب: أن القرآن العظيم تنزيل من رب العالمين على خاتم المرسلين.

وأن الخلق جميعًا لو تضافرت جهودهم واتحد رأيهم على غاية واحدة هي أن يأتوا بمثل هذا القرآن في قمة فصاحته، وذروة بلاغته، وعمق معناه، وما احتواه من شرائع وآداب، لمن ولن يأتوا بمثله.

ولما لم يعتد المعارض بالوحي، ولم يقتنع بما فيه من المعجزات الدالة على كونه من عند الله تعالى، وعلى حقيقة نبوته -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: إن محمدًا اختلقه عمدًا من تلقاء نفسه، أرخى الله تعالى لهم العنان، وأضرب -عز وجل- عما قالوه، وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم: إن كان الأمر كما تقولون، فأتوا أنتم -أيضًا- بعشر سور مثله في البلاغة وحسن النظم مختلقات من عند أنفسكم -إن صح قولكم: أني اختلقته من عندي- فإنكم أهل العربية وفرسانها، وأقدر على ذلك مني، وادعوا من استطعتم دعاءه والاستعانة به -متجاوزين الله تعالى- إن كنتم صادقين أني افتريته، فإن لم تفعلوا، فاعلموا أن الذي أنزله هو الله تعالى، واعلموا أيضًا أن لا شريك له في الألوهية، ولا يقدر أحد على ما يقدر هو عليه، فهل أنتم مخلصون في الإسلام أو ثابتون عليه؟.

يقول تعالى:
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (هود: 13 - 14).

ومع ذلك كله، ما ثابوا إلى رشدهم، وما وجدوا ما يتكلمون به، فعادوا لما نهوا عنه وقالوا: «اختلقه محمدا عمدًا».

فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون، ووصل بهم إلى غاية التبكيت والخذلان، وتحداهم أن يأتوا بسورة مثل القرآن فعجزوا.

قال الله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس: 38).

ولما بهت الذين كفروا، ولم يستسلموا، صاروا كالذي يتخبطه الشيطان من المس! مرة يقولون استهزاء: (لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (الأنفال: 31).

وأخرى يقولون عابثين: (ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْه) (يونس: 15).

وصار أمرهم على ما يقول الله العظيم: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (يونس: 39) (123).

« (بَلْ كَذَّبُوا) بل سارعوا إلى التكذيب (بِمَا لَمْ يُحِيطُوا) بالقرآن أول ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه، أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علمًا من ذكر البعث والجزاء وسائر ما يخالف دينهم (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) ولم يقفوا بعد على تأويله ولم تبلغ آذانهم معانيه، أو: ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب، والمعنى: أن القرآن معجز من جهة اللفظ والمعنى، ثم إنهم فاجؤوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه ويتفحصوا معناه.

ومعنى التوقع في (لَمَّا):
أنه قد ظهر لهم بالآخرة إعجازه لما كرر عليهم التحدي فزادوا قواهم في معارضته، فتضاءلت دونها، أو لما شاهدوا وقوع ما أخبر به طبقًا لإخباره مرارًا فلم يقلعوا عن التكذيب تمردًا وعنادًا (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أنبيائهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم» (124).

فهذا القرآن العظيم ليس ألفاظًا وعبارات يحاول الإنس والجن أن يحاكوها، كلا وربي، إنه كلام الله تعالى الذي تحدى به الخلق كلهم، فقال عز من قائل حكيمًا: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: 88).

فهذا تنويه بشرف القرآن وعظمته.

وهذا الآية ونحوها تسمى آيات التحدي، وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم أو سورة منه.

«وكيف يقدر المخلوق من تراب أن يكون كلامه ككلام رب العالمين، أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من جميع الوجوه، هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة بأنواع الكلام، إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء ظهر له الفرق العظيم» (125).

«فكما أنه ليس أحد من المخلوقين، مماثلًا لله في أوصافه، فكلامه من أوصافه، التي لا يماثله فيها أحد.

فليس كمثله شيء، في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله تبارك وتعالى.

فتبًا لمن اشتبه عليه كلام الخالق بكلام المخلوق، وزعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، افتراه على الله واختلقه من نفسه» (126).

فعظمة القرآن وعلو شأنه لا تجعل للخلق من إنس وجن مطمعًا في الإتيان بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.
 
المطلب التاسع
خمس مزايا إعجازية:
قال الله تعالى: (أَوّ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت: 51).

ففي هذه الآية الكريمة خمس مزايا للقرآن العظيم على غيره من المعجزات (127):
المزية الأولى: أشار إليها قوله تعالى: (يُتْلَى عَلَيْهِمْ).
من انتشار إعجازه وعمومه في المجامع والآفاق والأزمان المختلفة، فلا يختص بإدراك إعجازه فريق خاص، في زمن خاص، وهذا هو حال المعجزات المشهورة، مثل عصا موسى، وناقة صالح، وبرء الأكمة، فهو يتلى، ومن ضمن تلاوته الآيات التي تحدث الناس بمعارضته، وسجلت عليهم عجزهم عن المعارضة من قبل محاولتهم إياها، فكان كما قال، فالقرآن معجزة باقية، والمعجزات الأخرى معجزات زائلة.

المزية الثانية: كون القرآن مما يتلى.
فإن ذلك أرفع من كون المعجزات الأخرى أحوالًا مرئية؛ لأن إدراك المتلو، إدراك عقلي فكري، وهو أعلى من المدركات الحسية، فكانت معجزة القرآن أليق بما يستقبل من عصور العلم التي تهيأت لها الإنسانية.

المزية الثالثة: أشار إليها قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً).
فقد وردت مورد التعليل للتعجيب من عدم اكتفاء الكفار بالكتاب، والإشارة بـ «ذلك» إلى «الكتاب» للتنويه على تعظيمه، وكذلك تنكير «رحمة» للتعظيم، أي: لا يقادر قدرها.

فالكتاب المتلو مشتمل على ما هو رحمة لهم اشتمال الظرف على المظروف، لأنه يشتمل على إقامة الشريعة، وهي رحمة وصلاح للناس في دنياهم.

ومع أنه معجزة تدل على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وترشد إلى تصديقه كغيره من المعجزات، هو أيضًا وسيلة علم وتشريع وآداب للمتلو عليهم، وبذلك فضل على غيره من المعجزات التي لا تفيد إلا تصديق الرسول الآتي بها.

المزية الرابعة: أشار إليها قوله تعالى: (وَذِكْرَى).
فالقرآن مشتمل على مواعظ ونذر وتعريف بعواقب الأمور، والاستعداد للحياة الثانية، ونحو ذلك مما في تذكره سعادة الدارين، وبذلك فضل على غيره من المعجزات الصامتة، التي لا تفيد أكثر من كون الرسول الذي أتت على يديه صادقًا.

المزية الخامسة: إذا كان القرآن كتابًا متلوًا فيستطيع كل من حذق العربية أن يدرك خصائصه.
فلا يستطيع أي طاعن أن يزعم أنه تخيلات، كما قال قوم فرعون لموسى عليه السلام: (يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ) (الزخرف: 49).

وقال تعالى حكاية عن المشركين حين رأوا معجزة انشقاق القمر:
(وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (القمر: 2)، فأشار قوله: (يُعْرِضُوا) إلى أن ذلك القول صدر عنهم في معجزة مرئية.
 
فهذه مزايا عظيمة لمعجزة القرآن العظيم، حاصلة في حضرته -صلى الله عليه وسلم- وغيبته.

فالذين يقترحون على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم من عنده بآيات هم أعرف الناس إذًا بسلطان هذا الكتاب العزيز، ولكنه العناد والجحود يعمي صاحبه عن الحق، ومن العناد والجحود ما اقترحوه وطلبوه -كما حكى الله تعالى عنهم-: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ) (العنكبوت: 50).

وهم لم يطلبوا الآيات رغبة في الإيمان، ولو رغبوا في الإيمان لكفاهم القرآن، المشتمل على معجزات بعدد آياته... وما يعقلها إلا المؤمنون، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.

الهوامش
89.     انظر: التفسير الكبير، (27/167).
90.     انظر: تفسير السعدي، (4/437).
91.     تأمَّل نماذج لذلك في أرقام السور التالية: (الأنعام: 92، 155)، (الأنبياء: 29).
92.     هناك فرق بين عظمة الخالق والمخلوق: فالمخلوق قد يكون عظيمًا في حال دون حال، وفي زمان دون زمان، فقد يكون عظيمًا في شبابه ولا يكون كذلك عند شيبه، وقد يكون ملكًا أو غنيًا معظَّمًا في قومه، فيذهب ملكه وغناه أو يفارق قومه وتذهب عظمته معها، لكن الله سبحانه هو العظيم أبدًا.
93.     انظر: تفسير أسماء الله الحسنى، لإبراهيم بن السَّري الزجاج (ص 46)، تفسير القرطبي، (16/83).
94.     هو الحافظ إسماعيل بن محمد بن الفضل القرشي التيمي ثم الطلحي الأصبهاني، الملقب بـ «قوام السنة». مولده سنة (457 هـ). حدث عنه: أبو سعد السمعاني وأبو طاهر السلفي وأبو القاسم بن عساكر وأبو موسى المديني وغيرهم. قال السمعاني: «هو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب، عارف بالمتون والأسانيد، كنت إذا سألته عن المشكلات أجاب في الحال». توفي سنة (535 هـ). ومن مصنفاته: «الترغيب والترهيب» و «الحجة في المحجة» ويسمى بـ «السنة» و «دلائل النبوة» و «سير السلف» و «المغازي». انظر: الأنساب، (3/368-369). البداية والنهاية، (12/217). سير أعلام النبلاء، (20/80-88).
95.     نقلًا عن: النهج الأسمى في شرح الأسماء الحسنى، لمحمد بن حمد الحمود، (1/265). وأحال على: الحجة في المحجة، لإسماعيل بن محمد الأصفهاني، (ق 15 ب- 16 أ).
96.     هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزَّرعي ثم الدِّمشقي، شمس الدِّين أبو عبد الله ابن قيم الجوزية، تفقه في مذهب الإمام أحمد وبرع وأفتى، لازم ابن تيميه وأخذ عنه، وتفنن في علوم الإسلام وله في كُلِّ فن اليد الطُّولى. وكان ذا عبادة وتهجُّد، وقد امتحن وأذوي مرات، وصنف تصانيف كثيرة منها: «زاد المعاد في هدي خير العباد» و « الصَّواعق المرسلة على الجهمية المعطلة». توفي سنة (751 هـ). انظر: ذيل طبقات الحنابلة، (2/447). معجم المؤلفين، (9/106).
97.     النونية بشرح أحمد بن إبراهيم بن عيسى، (2/214).
98.     انظر: المصدر السابق، (1/266).
99.     تأمَّل نماذج لذلك أيضًا في أرقام آيات السور التالية: (آل عمران: 2-3)، (الكهف: 1-2)، (المائدة: 48)، (إبراهيم: 1-2)، (النمل: 6)، (يس 1-5)، (غافر: 2)، (فصلت: 1-2)، (الرحمن: 1-2).
100.     انظر: التحرير والتنوير، (1/578)، (13/229).
101.     انظر: التفسير الكبير، للرازي (3/161).
102.     انظر: التبيان في أقسام القرآن، لابن القيم، (1/75-76).
103.     انظر: التحرير والتنوير، (30/138).
104.     انظر: المصدر نفسه والصفحة نفسها. المصدر السابق، (1/77).
105.     انظر: عناية الله وعناية رسوله بالقرآن الكريم، أ.د. أبو سريع محمد (ص 1). وهو بحث مقدم إلى مؤتمر القرآن الكريم وأثره في إسعاد البشرية، كلية الشريعة- جامعة الكويت، بتاريخ (25، 26/11/1415 هـ)
106.     التحرير والتنوير، (30/402)
107.     تفسير أبي السعود، (9/182).
108.     هو محمد الطاهر بن عاشور، رئيس المفتين المالكيين بتونس وشيخ جامع الزيتونة، وهو من أعضاء المجمعين العربيين في دمشق والقاهرة، ولد سنة (1296 هـ)، وتوفي سنة (1393 هـ). من مصنفاته: « مقاصد الشريعة الإسلامية» و « تفسير لتحرير والتنوير« و «أصول الإنشاء والخطابة». انظر: الأعلام، (6/147)«.
109.     التحرير والتنوير، (20/188)
110.     انظر: تفسير السعدي، (3/485).
111.     انظر: التفسير الكبير، للرازي (21/64).
112.     انظر: تفسير ابن كثير (4/53)، تفسير السعدي (1/733-734)، التسهيل لعلوم التنزيل (3/195).
113.     انظر: تفسير السعدي، (3/139).
114.     أضواء البيان، (8/76).
115.     انظر: التحرير والتنوير، (28/104).
116.     انظر: تفسير ابن كثير، (4/343-344).
117.     انظر: تفسير أبي السعود، (8/233). زاد المسير، لابن الجوزي (8/224).
118.     الكشاف، للزمخشري (2/498).
119.     هو محمد بن محمد بن مصطفى العمادي، ولد في قرية قرب القسطنطينية سنة (893 هـ). طلب العلم على جلة من العلماء منهم والده واشتهر في تركيا ودرس في مدارسها، وولي القضاء ببروسة وغيرها ثم تولى منصب الإفتاء نحو ثلاثين سنة، وله عدة مصنفات أشهرها: تفسيره المسمى » إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم»، توفى بالقسطنطينية سنة (982 هـ). انظر: وفيات الأعيان، (2/438).
120.     تفسير أبي السعود، (5/21-22).
121.     تأمل آيات التحدي في أرقام آيات السور التالية: (الطور: 34)، (هود:13)، (يونس: 38)، (البقرة: 23).
122.     تفسير الشعراوي، (14/8727).
123.     انظر: عناية الله وعناية رسوله بالقرآن الكريم، (ص 11-14).
124.     تفسير البيضاوي، (3/199-200).
125.     تفسير السعدي، (1/46).
126.     المصدر نفسه، (3/130-131).
127.     انظر: التحرير والتنوير (20/188-190)، حديث القرآن عن القرآن (ص 297).



الفصل الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 23 يناير 2019, 6:48 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالثلاثاء 22 يناير 2019, 10:20 pm

المبحث الثاني

مظاهر عظمة القرآن.


وفيه اثنا عشر مطلبًا:

المطلب الأول: كثرة أسماء وأوصاف القرآن.

المطلب الثاني: التنويه بالقرآن في مفتتح السور.

المطلب الثالث: الحديث عن القرآن في أواخر السور.

المطلب الرابع: القسم بالقرآن وعليه.

المطلب الخامس: تفضل الله بإنزال القرآن.

المطلب السادس: اقتران أسماء الله بتنزيل القرآن.

المطلب السابع: نزوله في أفضل الأزمنة.

المطلب الثامن: نزوله بأرقى اللغات وأجمعها.

المطلب التاسع: تيسير فهم القرآن وتلاوته للعالمين.

المطلب العاشر: حفظ الله للقرآن.

المطلب الحادي عشر: عالمية القرآن.

المطلب الثاني عشر: تصديق القرآن لكتب الله وهيمنته عليها.

 

تمهيد

إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة ومتنوعة، وإن القرآن العظيم هو أجل نعمة أنعمها الله تعالى على عباده؛ ذلك أن الله تعالى قدمه في الذكر على نعمة خلق الإنسان، وعلى نعم كثيرة: قال تعالى: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن: 1-4).


والمُتدبر للقرآن الكريم يلحظ كثرة الحديث عن عظمة القرآن في جانب كبير من الآيات والسور، ولاسيما في بداية ونهاية السور المكية، وكذلك القسم بالقرآن وعليه، والتنويه بالقرآن في مفتتح السور، والحديث عنه في أواخر السور، واقتران أسماء الله الحسنى بتنزيل القرآن، وكثرة أسماء وأوصاف القرآن، ونزوله في أفضل الأزمنة، وبأرقى اللغات وأجمعها، وتيسير فهمه للعالمين، وهيمنته على سائر كتب الله، وقد نزل للناس أجمعين، ومع ذلك كله تكفل الله تعالى فحظه على مر السنين، كل ذلك يدل على مكانته وعظمته.


والحديث عن مظاهر عظمة القرآن العظيم يدور في الأمور الآتية (128):

المطلب الأول كثرة أسماء وأوصاف القرآن:

لقد سمى الله تعالى القرآن ووصفه بأسماء وأوصاف كثيرة وردت جميعها في القرآن، إظهارًا لشرفه وعظمته، فكثرة الأسماء والأوصاف تدل على شرف المسمى والموصوف (129) (130).


فالمتأمل -على سبيل المثال- في قوله تعالى: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) (الدخان: 1-2)، يجد أن الله تعالى سماه كتابًا، ووصفه بأنه مبين (131).


قال الفيروز آبادي: (132)

"اعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، أو كماله في أمر من الأمور.


أما ترى أن كثرة أسماء الأسد دلت على كمال قوته، وكثرة أسماء القيامة دلت على كمال شدته (133) وصعوبته، وكثرة أسماء الداهية دلت على شدة نكايتها.


وكذلك كثرة أسماء الله تعالى دلت على كمال جلال عظمته، وكثرة أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- دلت على علو رتبته، وسمو درجته.


وكذلك كثرة أسماء القرآن دلت على شرفه، وفضيلته".


المطلب الثاني التنويه بالقرآن في مُفتتح السُّور

فمن مظاهر عظمة القرآن العظيم أن الله تعالى نوه به في مفتتح أربع وثلاثين سورة.


منها قوله تعالى: (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة: 1).


سمى الله تعالى القرآن الكريم بأنه (الْكِتَابُ).


وكلمة (قرآن) معناها: أنه يقرأ، وكلمة (كتاب) معناها: أنه لا يحفظ فقط في الصدور، ولكن يدون في السطور، ويبقى محفوظًا إلى يوم القيامة، والقول بأنه (الْكِتَابُ)، تمييز له عن كل كتب الدنيا، وتمييزًا له عن كل الكتب السماوية التي نزلت قبل ذلك.


فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل أحكام الله تعالى، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة، وهذا تأكيد لارتفاع شأنه وتفرده وسماويته ودليل عظيم على وحدانية منزله جل جلاله.


ولقد نزلت على الأمم السابقة كتب تحمل منهج الله تعالى، ولكن كل كتاب، وكل رسالة، نزلت موقوته، في زمانها ومكانها.


حتى جاء الكتاب الخاتم والمهيمن عليها جميعًا والجامع لمنهج الله سبحانه فيما ذكر فيها، ولذلك بشر في الكتب السماوية السابقة بأن هناك رسولًا سيأتي، ويحمل الرسالة الخاتمة للعالم، وعلى الذين يصدقون بمنهج الله أن يتبعوه، قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) (الأعراف: 157).


والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي لا يصل إليه أي تحريف أو تبديل أبدًا، فكتب الله السابقة ائتمن الله البشر عليها، فنسوا بعضها، وما لم ينسوه حرفوه، وأضافوا إليه من كلام البشر ما نسبوه إلى الله سبحانه وتعالى ظلمًا وبهتانًا، ولكن الكتاب العظيم محفوظ من الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).


وتأمَّل ضمائر العظمة في الآية الكريمة؛ لتعلم أنه الأشم في العناية الإلهية غير قابل للاختراق.


ومعنى ذلك ألا يرتاب إنسان في هذا الكتاب؛ لأن كل ما فيه من منهج الله محفوظ منذ لحظة نزوله إلى قيام الساعة.


وهذا النزول، والحفظ الدائم له، يستوجب حمد الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) (الكهف: 1).

 

وفي السورة نفسها بين الله تعالى أن هذا الكتاب بين الله تعالى أن هذا الكتاب لن يستطيع بشر أن يبدل منه كلمة واحدة، كما قال تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) (الكهف: 27) (134).


فقوله تعالى: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) معناه " لا مغير للقرآن" (135).


وقد نوه الله تعالى أيضًا بالقرآن العظيم في مفتتح سورة آل عمران، فقال تعالى: (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) (آل عمران: 1-3) (136).


وهكذا نعرف أن (الْكِتَابُ) نزل ليؤكد لنا، أن الله واحد أحد، لا شريك له، وأن القرآن يشتمل على كل ما تضمنته الشرائع السماوية من توراة وإنجيل، وغيرها من الكتب السابقة.


ونزل القرآن أيضًا ليفرق بين الحق الذي جاءت به الكتب السابقة، وبين الباطل الذي أضافه أولئك الذين ائتمنوا عليه (137).

 

المطلب الثالث الحديث عن القرآن في أواخر السور:

ومن مظاهر عظمة القرآن كذلك الحديث عنه في أواخر السور والتي بلغ عددها ثلاثًا وعشرين سورة.


من ذلك قوله تعالى: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق: 45).


وقوله تعالى: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (المرسلات: 50).


وقوله تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظ}ٍ(البروج: 21-22) (138).


يعني:

ليس القرآن كما يقولون من أنه شعر أو كهانة أو سحر، بل هو قرآن عظيم، بلغ ذروة المجد وعلو الشرف حتى صار مهيمنًا على سائر الكتب المنزلة، وهو كتاب كريم، لأنه كلام رب العالمين، فهو عظيم الكرم فيما يعطي من الخير، جليل القدر، وهو كريم لما يعطي من المعاني الجليلة والدلائل النفيسة.


يقول الشوكاني (139) رحمه الله:

"ثم رد الله سبحانه تكذيبهم بالقرآن" فقال: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ) أي: متناه في الشرف والكرم والبركة لكونه بيانًا لما شرعه الله لعباده من أحكام الدين والدنيا، وليس هو كما يقولون أنه شعر وكهانه وسحر (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) أي: مكتوب في لوح، وهو أم الكتاب، محفوظ عند الله من وصول الشياطين إليه" (140).


المطلب الرابع القسم بالقرآن وعليه:

ومن مظاهر عظمة القرآن العظيم أن الله تعالى أقسم به وعليه، وقد جاء القسم بالقرآن وعليه على صفات ثلاث.


الصفة الأولى: أقسم الله تعالى بالقرآن في ثلاث سور:

في قوله تعالى: (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (يس: 1-3).


وفي قوله تعالى: (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) (ص: 1-2).


وفي قوله تعالى: (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ) (ق: 1).

 

الصفة الثانية: أن الله تعالى أقسم على القرآن في ثلاثة مواضع أيضًا:

منها قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) (الطارق: 11-14) (141).


الصفة الثالثة: أن الله تعالى أقسم بالقرآن وعلى القرآن في موضعين:

في قوله تعالى: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 1-3).


وفي قوله تعالى: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان: 1-3).


ومن المعلوم أنا لمخاطب، إن كان على الفطرة التي خلق عليها، تلقى الخبر بالقبول والإذعان، فإذا ما اعتراها ما يشوبها، ويكدرها، كانت في حاجة إلى توضيح الخبر وبيانه حتى تؤمن به وتنقاد له.


فإذا أصيبت بضعف فوق ضعف، فأنى لها أن تسمع أخبارًا أو تبصر برهانًا بدون قسم وتأكيد.


والمقسم إذا ما أراد تحقيق أمر أو تأكيد خبر نحو مخاطب منكر أو صوب سامع معرض، فإنما يقسم بأمر عظيم -لأن التعظيم من لوازم القسم- وذلك ليزول إنكار المنكر، وليقبل المُعرِض (142).

 

والله تبارك وتعالى أقسم -مرة- على تحقيق إنزال الكتاب، فقال تعالى: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (الأنبياء: 10).


فهذا " كلام مستأنف مسوق لتحقيق حقيقة القرآن العظيم، الذي ذكر في صدر السورة الكريم إعراض الناس عما يأتيهم من آياته واستهزاءهم به، وتسميتهم تارة سحرًا، وتارة أضغاث أحلام، وأخرى مفترى وشعرًا،... قد صدر بالتوكيد القسمي لمزيد الاعتناء بمضمونه، وإيذانًا بكون المخاطبين في أقصى مراتب النكير، أي: والله لقد أنزلنا إليكم يا معشر قريش" (كِتَابًا) عظيم الشأن نير البرهان" (143).


وأخرى يقسم -جل شأنه- بكل ما في الوجود من صفات حميدة وآيات عجيبة على صدق القرآن وعظمته، وأنه أعلى من تسميتهم الكاذبة، وأسمى من افتراءاتهم الباطلة.


فيقول تبارك وتعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الحاقة: 38-43).


"وقد جمع الله في هذا القسم كل ما الشأن أن يقسم به من الأمور العظيمة من صفات الله تعالى ومن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته إذ يجمع ذلك كله الصلتان (أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ)، فمما يبصرون: الأرض والجبال والبحار والنفوس البشرية والسماوات والكواكب، وما لا يبصرون: الأرواح والملائكة وأمور الآخرة" (144).

 

وثالثة يقسم -عز وجل- بالقرآن على أنه المعجز لكونه من لدنه، إذ لو كان من صنع بشر لما عجزوا عن معارضته، لكونهم أرباب اللغة التي نزل بها، أو يقسم على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- في دعواه الرسالة.


يقول تعالى: (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) (ق: 1-2).


ويقول -عز وجل-: (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) (ص: 1-2).


فقد أقسم الله تعالى بالقرآن قسم تنويه وتشريف.


ووصفه بـ(ذِي الذِّكْرِ) لأن (ذي) تضاف إلى الأشياء الرفيعة الشأن.


والمختار في جواب القسم وجهان:

أولهما:

أن يكون محذوفًا دل عليه حرف (ص)، فإن المقصود منه التحدي بإعجاز القرآن وعجزهم عن معارضته بأنه كلام بلغتهم ومؤلف من حروفها، فكيف عجزوا عن معارضته؟


فالتقدير:

والقرآن ذي الذكر إنه لمن عند الله، لهذا عجزتم عن الإتيان بمثله.


وثانيهما:

أن الجواب محذوف أيضًا، دل عليه الإضراب الذي في قوله: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) (ص: 2).


أي: يجحدون أنه ذكر ويقولون: سحر مفترى وهم يعلمون أنه حق (145).


ولا ريب أن القسم بالقرآن وعليه، فيه تنويه بشأنه، وإبراز لعظمته وشرفه، ومنزلته الرفيعة عند الله تعالى.



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالثلاثاء 22 يناير 2019, 10:36 pm

المطلب الخامس تَفضُّلُ الله بإنزال القرآن:
من مظاهر عظمة القرآن الكريم أن الله تعالى أثنى على نفسه الشريفة لتفضله بإنزاله، وعلّم عباده أيضًا كيف يثنون عليه تعالى من أجل إنزال الكتاب.

فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) (الكهف: 1).

من أسباب هذا الثناء:
أما لماذا تفضل -عز وجل-، ولماذا وجب الحمد؟

فهو ما يوضحه الشنقيطي (146) رحمه الله قوله:
"عَلّمَ اللهُ جل وعلا عباده في أول هذه السورة الكريمة أن يحمدوه على أعظم نعمة أنعمها عليهم؛ وهي إنزاله على نبينا -صلى الله عليه وسلم- هذا القرآن العظيم، الذي لا اعوجاج فيه؛ بل هو في كمال الاستقامة.

أخرجهم به من الظلمات إلى النور.

وبَيَّنَ لهم فيه العقائد، والحلال والحرام، وأسباب دخول الجنة والنار، وحذرهم فيه من كل ما يضرهم، وحضهم فيه على كل ما ينفعهم؛ فهو النعمة العظمى على الخلق؛ ولذا علمهم ربهم كيف يحمدونه على هذه النعمة الكبرى" (147).

والله -عز وجل- "يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتيمها، فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة" (148).

وإذا كان من دواعي تفضله تعالى كونه أنزل الكتاب مستقيمًا لا عوج فيه... فإن من الدواعي أيضًا كونه نذيرًا... ومن أنذرك فقد حذرك، ومن حذرك وقاك من الخطر.

ومن ثناء الله تعالى على نفسه الشريفة لتفضله بإنزال القرآن قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان: 1).

(تَبَارَكَ) تفاعل، من البركة.

أي: تقدس الله ربنا.

والبركة كثرة الخير وزيادته.

وفي كلمة (تَبَارَكَ) معنيان:
1- تزايد خيره وتكاثر، وهو المراد من قوله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) (إبراهيم: 34).
2- تزايد عن كل شيء، وتعالى عنه في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو المراد من قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).

وأصل لفظ (تَبَارَكَ): يدل على البقاء، وهو مأخوذ من بروك البعير، ومن بروك الطير على الماء، وسميت البركة بركة لثبوت الماء فيها.

والمعنى: أنه سبحانه وتعالى باق في ذاته أزلًا وأبدًا ممتنع التغير، وباق في صفاته ممتنع التبدل، ولما كان سبحانه وتعالى هو الخالق لوجوه المنافع والمصالح والمبقي لها، وجب وصفه سبحانه بأنه تبارك وتعالى (149).
 
فهذا بيان لعظمة الله الكاملة، وتفرده بالوحدانية من كل وجه، وكثرة خيراته وإحسانه، فمعنى (تَبَارَكَ): تعاظم وكملت أوصافه، وكثرت خيراته، والتي أعظمها وأفضلها أن نزل هذا الفرقان، الفارق بين الحلال والحرام، والهدى والضلال، وأهل السعادة من أهل الشقاوة (150).

المطلب السادس اقتران أسماء الله بتنزيل القرآن:
فمن مظاهر عظمة القرآن العظيم أن الله تعالى عرف ببعض أسمائه الحسنى، ذات الأثر البالغ في حياة العباد عند الحديث عن تنزيل القرآن، ليكون إقبالهم على الكتاب المنزل إقبال من يعرف قدره ويدرك شأنه وعظمته، ويعلم أن من أنزله يملك تنفيذ وعده ووعيده.

فمن ذلك قوله تعالى: (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (فصلت: 1-3).

وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 41-42) (151).

قال الشنقيطي- رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الزمر: 1).

"دل استقراء القرآن العظيم، على أن الله جل وعلا، إذا ذكر تنزيله لكتابه، أتبع ذلك ببعض أسمائه الحسنى، المتضمنة صفاته العليا. ففي أول هذه السورة الكريمة، ولما ذكر تنزيله كتابه، بين أن مبدأ تنزيله كائن منه جل وعلا، وذكر اسمه؛ الله، واسمه العزيز، والحكيم، وذكر مثل ذلك في أول سورة الجاثية، في قوله تعالى: " (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الجاثية: 1-3)، وفي أول سورة الأحقاف في قوله تعالى: (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) (الأحقاف: 1-3).

وقد تكرر كثيرًا في القرآن، ذكره بعض أسمائه وصفاته، بعد ذكر تنزيل القرآن العظيم،...

ولا يخفى أن ذكره جل وعلا هذه الأسماء الحسنى العظيمة، بعد ذكره تنزيل هذا القرآن العظيم، يدل بإيضاح، على عظمة القرآن العظيم، وجلالة شأنه وأهمية نزوله" (152).

بمعنى: أن عظمة القرآن من عظمة هذه الأسماء الحسنى، والتي ينعكس من جلالها على هذا القرآن ما يجعله وحده (الْكِتَابِ) والكتاب لا ريب.
 
المطلب السابع نزوله في أفضل الأزمنة:
الأزمان ليس لها شأن في ذاتها، وإنما هي بما ينزل فيها، وما يحدث، ومن مظاهر عظمة القرآن العظيم أن الله تعالى نزَّله في أفضل الأزمنة؛ في شهر رمضان المبارك، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185).

وقد نزل في ليلة مباركة من هذا الشهر المبارك، قال تعالى: (أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان: 3-4).

وهذه الليلة المباركة هي ليلة القدر والشرف والرفعة التي قال فيها: "(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر: 1-3).

"وفي ضمير العظمة وإسناد الإنزال إليه تشريف عظيم للقرآن" (153).

"فبركة الليلة التي أنزل فيها القرآن بركة قدرها الله لها قبل نزول القرآن ليكون القرآن بابتداء نزوله فيها ملابسًا لوقت مبارك فيزداد بذلك فضلًا وشرفًا، وهذا من المناسبات الإلهية الدقيقة التي أنبأنا الله ببعضها" (154).

وسميت ليلة القدر بهذا الاسم، لأن قدرها وشرفها عند الله عظيم، ومعلوم أن قدرها وشرفها ليس بسبب ذلك الزمان؛ لأن الزمان شيء واحد في الذات والصفات، فيمتنع أن يكون بعضه أشرف من بعض لذاته، فثبت أن قدره وشرفه بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة عالية، لها قدر عظيم، ومرتبة رفيعة، ومعلوم أن منصب الدين أعلى وأعظم من منصب الدنيا، وأعلى الأشياء وأشرفها منصبًا في الدين هو القرآن، لأجل أن به ثبت نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبه ظهر الفرق بين الحق والباطل في سائر كتب الله المنزلة، وبه ظهرت درجات أرباب السعادات، ودركات أرباب الشقاوات، فعلى هذا لا شيء إلا والقرآن أعظم قدرًا، وأعلى ذكرًا، وأعظم منصبًا منه.

ولو كان نزوله إنما وقع في ليلة أخرى سوى ليلة القدر، لكانت ليلة القدر هي الثانية لا الأولى، وحيث أجمع أهل العلم على أن ليلة القدر وقعت في رمضان، علمنا أن القرآن إنما أنزل فيها (155).

المطلب الثامن نزوله بأرقى اللغات وأجمعها:
لقد اختار الله -عز وجل- اللغة العربية لتكون لغة آخر كتبه، وهذا الاختيار من الحق -عز وجل- لهذه اللغة العظيمة إنما يعود إلى ما تمتاز به من مرونة واتساع وقدرة على الاشتقاق، والنحت والتصريف، وغنى في المفردات والصيغ والأوزان (156).

فكل دارس للغات العالم يقر بأن اللغة العربية هي أرقى اللغات وأجمعها للمعاني الكثيرة تحت الألفاظ القليلة، وأحسنها تهذيبًا، وأكثرها إيضاحًا وبيانًا للمطلوب.

وهذا يدل على عظمة القرآن أنه نزل بأشرف اللغات وأرقاها: اللغة العربية.

ولذلك أشاد القرآن العظيم بها في عدة آيات، منها:
* قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3).

* وقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف: 2) (157).

وإن سأل سائل فقال:
لماذا أنزل القرآن العظيم باللغة العربية دون غيرها من لغات العالم؟

فجوابه فيما يأتي:
لقد "أراد الله تعالى أن يكون القرآن كتابًا مخاطبًا به كل الأمم في جميع العصور، لذلك جعله بلغة هي أفصح كلام بين لغات البشر وهي اللغة العربية، لأسباب يلوح لي منها، أن تلك اللغة أوفر اللغات مادة، وأقلها حروفًا، وأفصحها لهجة، وأكثرها تصرفًا في الدلالة على أغراض المتكلم، وأوفرها ألفاظًا، وجعله جامعًا لأكثر ما يمكن أن تتحمله اللغة العربية في نظم تراكيبها من المعاني، في أقل ما يسمح به نظم تلك اللغة، فكان قوام أساليبه جاريًا على أسلوب الإيجاز؛ فلذلك كثر فيه ما لم يكثر مثله في كلام بلغاء العرب" (158).

والعرب أمة جبلت على ذكاء القرائح وفطنة الأفهام، فعلى دعامة فطنتهم وذكائهم أقيمت أساليب كلامهم؛ لأجل ذلك كثر في كلامهم المجاز، والاستعارة، والتمثيل، والكناية، والتعريض، والاشتراك والتسامح في الاستعمال كالمبالغة، والاستطراد ومستتبعات التراكيب، والأمثال، والتلميح، والتمليح، واستعمال الجملة الخبرية في غير إفادة النسبة الخبرية، واستعمال الاستفهام في التقرير أو الإنكار، ونحو ذلك.

وملاك ذلك كله توفير المعاني، وأداء ما في نفس المتكلم بأوضح عبارة وأخصرها ليسهل اعتلاقها بالأذهان؛ ولما كان القرآن وحيًا من العلام سبحانه أراد أن يجعله آية على صدق رسوله، وتحدى بلغاء العرب بمعارضة أقصر سورة منه، فقد نسج نظمه نسجًا بالغًا منتهى ما تسمح به اللغة العربية من الدقائق واللطائف لفظًا ومعنى.

فجاء القرآن على أسلوب أبدع مما كانوا يعهدون وأعجب، فأعجز بلغاء المعاندين عن معارضته ولم يسعهم إلا الإذعان، سواء في ذلك من آمن منهم، مثل: لبيد بن ربيعة (159) وكعب بن زهير (160) والنابغة النجدي (161)، ومن استمر على كفره عنادًا، مثل: الوليد بن المغيرة (162).

فالقرآن من جانب إعجازه تكون معانيه من المعاني المعتادة التي يودعها البلغاء في كلامهم.

وهو لكونه كتاب تشريع وتأديب وتعليم كان حقيقًا بأن يودع فيه من المعاني والمقاصد أكثر ما تحتمله الألفاظ، في أقل ما يمكن من المقدار، بحسب ما تسمح به اللغة الوارد هو بها، والتي هي أسمح اللغات بهذه الاعتبارات، ليحصل تمام المقصود من الإرشاد الذي جاء لأجله في جميع نواحي الهدى (163).

وإذا "قيس اللسان العربي بمقاييس علم الألسنة فليس من اللغات لغة أوفى منه بشروط اللغة في ألفاظها، وقواعدها، ويحق لنا أن نعتبر أنها أوفى اللغات جميعها، بمقياس بسيط واضح، لا خلاف عليه، وهو مقياس جهاز النطق في الإنسان، فإن اللغة العربية تستخدم هذا الجهاز الإنساني على أتمه وأحسنه، ولا تهمل وظيفة واحدة من وظائفه، كما يحدث ذلك في أكثر الأبجديات اللغوية، فلا التباس في حرف من حروفها بين مخرجين، ولا في مخرج من مخارجها بين حرفين،... وقد تشاركها اللغات في بعض هذه المزايا، ولكنها لا تجمعها كما جمعتها، ولا تفوقها في واحدة منها" (164).
 
قال ابن فارس (165) :
"قال بعض الفقهاء: كلام العرب لا يحيط به إلا نبي، وهذا كلام حري أن يكون صحيحًا، وما بلغنا أن أحدًا ممن مضى ادعى حفظ اللغة العربية كلها".

وقال أيضًا (166) :
"قال بعض علمائنا -حين ذكر ما للعرب من الاستعارة والتمثيل والقلب، والتقديم والتأخير، وغيرها من سنن العرب-: ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة كما نقل الأنجيل عن السريانية إلى الحبشية والروسية، وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله -عز وجل- بالعربية؛ لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب".

وقال كذلك (167) :
"ومما لا يمكن نقله البتة أوصاف السيف والأسد والرمح، وغير ذلك من الأسماء المترادفة، ومن المعلوم أن العجم لا تعرف للأسد اسمًا غير واحد.

أما نحن فنخرج له خمسين ومائة اسم، وحدثني أحمد بن محمد بن بندار، قال: سمعت أبا عبد الله بن خالوية الهمذاني (168) يقول: جمعت للأسد خمسمائة اسم، وللحيَّة مائتين...".



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالثلاثاء 22 يناير 2019, 10:40 pm

المطلب التاسع تيسير فهم القرآن وتلاوته للعالمين:
فمن مظاهر عظمة القرآن العظيم أن الله -تبارك وتعالى- يسر فهمه وتلاوته للعالمين حتى لا يكون لهم على الله حجة إذا لم يحيطوا بمعانيه، ويعلموا ما جاء فيه.

ويدل على ذلك:
قوله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: 17).

وقوله تعالى: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا) (مريم: 97) (169).

لقد نوه الله تعالى بشأن القآن العظيم وأخبر أنه يسره وسهله ليتذكر الخلق ما يحتاجونه من التذكير، مما هو هدى لهم وإرشاد لمصالحهم الشرعية.

وهذا التيسير ينبئ بعناية الله بالقرآن، كما قال تعالى عنه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

وفي هذا التيسير تبصرة وحثًا للمسلمين ليزدادوا إقبالًا على مدارسته، وتعريضًا بالمشركين عسى أن يرعووا عن صدودهم عنه، كما أنبأ عنه قوله تعالى: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

والتيسير:
إيجاد اليسر في الشيء، سواء كان فعلًا، كقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (البقرة: 185).

أو قولًا كقوله تعالى: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (الدخان: 58).
 
وسبب تيسيره:
أنه نزل بأفصح اللغات وأبينها، وجاء على لسان أفضل الرسل -صلى الله عليه وسلم-.

واليسر:
السهولة، وعدم الكلفة في تحصيل المطلوب.

ومعنى تيسيره:
يرجع إلى تيسير ما يُراد منه، وهو فهم السامع المعاني التي ناها المتكلم به بدون كلفة على هذا السامع ولا إغلاق، كما يقولون: يدخل للأذن بلا أذن.

وهذا اليسر يشمل الألفاظ والمعاني.
فأما الألفاظ:
لأنها في أعلى درجات فصاحة الكلمات وفصاحة التراكيب، أي فصاحة الكلام وانتظام مجموعها، بحيث يخف حفظها على الألسنة.

وأما المعاني:
فبوضوحها ووفرتها، ويتولد معان من معان أخل كلما كرر المتدبر تدبره في فهمها (170).

ولقد ذكر الرازي رحمه الله عدة أوجه في معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ).

وهي كالتالي:
1- سهلناه للحفظ، ولم يكن شيء من كتب الله تعالى يحفظ عن ظهر قلب غير القرآن.
2- سهلناه للاتعاظ، حيث أتينا فيه بكل حكمة.
3- جعلناه يعلق بالقلوب ويستلذ سماعه، ومن لا يفهم يتفهمه، ولا يسأم من سماعه وفهمه، ولا يقول قل علمت فلا أسمعه، بل كل ساعة يزداد منه لذة وعلمًا.
4- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر بحال نوح عليه السلام وكان له معجزة، قيل له: إن معجزتك القرآن (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ) تذكرة لكل أحد، وتتحدى به في العالم ويبقى على مر الدهور، ولا يحتاج كل من يحضرك إلى دعاء ومسألة في إظهار معجزة، وبعدك لا ينكر أحد وقوع ما وقع، كما ينكر البعض انشقاق القمر (171).


أما بعد:
فهذا التيسير حق لا ريب فيه، فأين الذاكرون ذلك؟! تلك هي المشكلة!.

المطلب العاشر
حفظ الله للقرآن:
أ- نوه الله سبحانه بعظمة القرآن، بذكر حفظه له قبل نزوله في آيات عدة منها:
قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ) (عبس: 11-16) (172).

ب- أما حفظ الله تعالى للقرآن أثناء نزوله:
فيدل عليه قوله تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (الإسراء: 105).
 
وقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) (الجن: 26-27).

ج- وأما حفظ الله تعالى للقرآن بعد نزوله:
فيدل عليه قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

ولحفظ الله إياه فقد بقي كما هو: طودًا أشم، عزيزًا لا يقتحم حماه، وكل محاولة لتغيير حرف منه مقضي عليها بالفشل.

وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 41-42) (173).

ولقد أولى الله -تبارك وتعالى- كلامه العظيم كل عناية وتقدير في العالم العلوي، وذلك بجعله مكتوبًا في لوح محفوظ، فلا يحفظ على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين، وحمله بأيدي سفرة كرام بررة ليبلغه إلى نبيه ومصطفاه -صلى الله عليه وسلم-.

فالقرآن العظيم مسجل في أم الكتاب، ومكنون في لوح محفوظ، فهو مصون في السماء عن كل ما يثلمه ولا يليق، وذلك كمال له وعناية به (174).

يقول الله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: 77-79).

"والكتاب المكنون: مستعار لموافقة ألفاظ القرآن ومعانيه ما في علم الله تعالى وإرادته وأمره الملك بتبليغه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتلك شؤون محجوبة عنا، فلذلك وصف الكتاب بالمكنون اشتقاقًا من الاكتنان -وهو الاستتار- أي: محجوب عن أنظار الناس، فهو أمر مغيب لا يعلم كهنه إلا الله.

وحاصل ما يفيد معنى الآية:
أن القرآن الذي بلغهم وسمعوه من النبي -صلى الله عليه وسلم- هو موافق لما أراد الله إعلام الناس به، وما تعلقت قدرته بإيجاد نظمه المعجز، ليكمل له وصف أنه كلام الله تعالى، وأنه لم يصنعه بشر" (175).

ولَمَّا أنكر الذين كفروا القرآن واستهزؤوا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر: 6).

رد الله تعالى إنكارهم واستهزائهم بأبلغ رد وأوكده فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

أي: بقدرتنا وعظم شأننا وعلو جنابنا نزلنا ذلك الذكر الذي أنكروه وأنكروا نزوله عليك ونسبوك بسببه إلى الجنون.

ومن ثم فلا يمكن تطرق الخلل إليه على الدوام، ولا يحق لأحد الطعن فيه.

إذ لو كان من عند غير الله لتطرق إليه الخلل والاختلاف، ولحقته الزيادة والنقص، وأصابه الطعن والتناقض.

وصدق الله العظيم إذ يقول: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82).

ثم قرر أنه -عز وجل- المتولي حفظه عن ما لا يليق به أو يقدح فيه من التحريف والتبديل والزيادة والنقص ونحو ذلك.

وأنه -جل شأنه- المتكفل برعايته من إمكانية معارضته، بأن جعله معجزًا مباينًا لكلام البشر بحيث لا يخفي تغيير نظمه على أهل اللغة التي نزل بها فقال: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون).

يقول أبو السعود رحمه الله (176):
"وفي سبك الجملتين من الدلالة على كمال الكبرياء والجلالة وعلى فخامة شأن التنزيل ما لا يخفي.

وفي إيراد الثانية بالجملة الاسمية دلالة على دوام الحفظ".

المقصود بالحفظ:
"شمل حفظه الحفظ من التلاشي، والحفظ من الزيادة والنقصان فيه، بأن يسر تواتره وأسباب ذلك، وسلمه من التبديل والتغيير حتى حفظته الأمة عن ظهور قلوبها من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصار حفاظه بالغين عدد التواتر في كل مصر.

وقد حكى عياض (177) في "المدارك":
أن القاضي إسماعيل بن إسحاق ابن حماد المالكي البصري (178) سُئل: عن السر في تطرق التغيير للكتب السالفة وسلامة القرآن من طرق التغيير له؟

فأجاب:
بأن الله أوكل للأحبار حفظ كتبهم فقال: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) (المائدة: 44)، وتولَّى حِفْظَ القرآن بذاته تعالى فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (179).

"ولكي نعرف دقة حفظ الحق سبحانه لكتابه الكريم؛ نجد أن البعض قد حاول أن يدخل على القرآن ما ليس فيه، وحاول تحريفه من مدخل، يرون أنه قريب من قلب كل مسلم، وهو توقير الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وجاؤوا إلى قول الحق سبحانه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29).

وأدخلوا في هذه الآية كلمة ليست فيها، وطبعوا مصحفًا غيروا فيه تلك الآية بكتابتها (محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) وأرادوا بذلك أن يسرقوا عواطف المسلمين، ولكن العلماء عندما أمسكوا بهذا المصحف أمروا بإعدامه وقالوا: (إن به شيئًا زائدًا)، فرد من طبع المصحف: (ولكنها زيادة تحبونها وتوقرونها)، فرد العلماء: (إن القرآن توفيقي؛ نقرؤه ونطبعه كما نزل)" (180).

من تدبير الله لحفظ كتابه:
نعلم أن الله تبارك وتعالى قد هيأ للقرآن العظيم ظروفًا تختلف عن الكتب السابقة فحفظه دونها.

ومن ذلك:
1- هيأ له أمة قوية في ذاكرتها وحافظتها؛ ذلك أن العرب الأوائل في جاهليتهم كانوا متمكنين من ذلك، حيث يروون ألوفًا من أبيات الشعر بغير تدوين، إنما يعتمدون في ذلك على الحفظ.

2- هيأ للقرآن العظيم سهولة الحفظ: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: 17).

3- هيأ له أمة مستقرة ممكنة في الحفظ، الفهم, والأمانة, فكان الحفاظ يحفظونه على يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يتقنوا الحفظ، ثم يدونونه بعد ذلك، ويقف عليهم -صلى الله عليه وسلم- بنفسه في مراجعة ذلك.

4- هيأ له مراجعة النبي -صلى الله عليه وسلم- له في الملأ الأعلى، حيث كان يحفظ ما يوحي إليه ثم يراجعه على جبريل عليه السلام مرة كل سنة، وفي السنة الأخيرة من حياته المباركة راجع جبريل القرآن كله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرتين.

5- بعد الفراغ من تدوينه لم يعُد هناك مجال لعبث عابث، وظل الحفاظ المتقنون يراجعون كل نسخة تكتب من المصحف مراجعة فاحصة ولما أصبح للصحف مطابع خاصة، كونت لجان متخصصة ومتأهلة من كبار حفاظ العالم الإسلامي تراجع وتدقق كل حرف منه قبل أن تأذن بطبعه.

وبهذه الوسائل تحقق للقرآن العظيم ذلك الحفظ الذي قدره الله له منذ الأزل وهو اللوح المحفوظ، وأنجز وعده الصادق: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

وهذا الحفظ من أبرز مظاهر عظمة القرآن الكريم (181).

ومن آثار ذلك:
1-    قطع أطماع الراغبين في تحريفه.
2-    شعور المسلمين بنعمة الحفظ، وما يترتب عليه من ثقة مطلقة، وبراءة من الشك الذي تورط فيه غيرنا.



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالثلاثاء 22 يناير 2019, 10:47 pm

المطلب الحادي عشر عالمية القرآن:
لقد زعم أعداء الإسلام أن القرآن العظيم كتاب تاريخي، خاطب عصرًا محددًا فقط ثم انتهت صلاحيته بعد ذلك، ولم يبق له في الواقع المعاصر أدنى تأثير!

ونحن المسلمين نعتقد اعتقادًا جازمًا لا مرية فيه، أن القرآن العظيم هو الكتاب الذي خاطب الله تعالى به جميع البشر إلى يوم القيامة، فلم يقيد بزمان ولا بمكان ولا جنس ولا طبقة، بل هو موجة إلى الثقلين، خاطبهم جميعًا بما يسعدهم في الدنيا والآخرة من العقائد الصحيحة، والعبادات الحكيمة، والأحكام الرفيعة، والأخلاق الفاضلة التي تستقيم بها حياتهم.

ولقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة على عالمية القرآن، ومن الصعوبة بمكان استقصاء جميع الآيات التي تحدثت عن عالمية القرآن (182).

وقد ذكر بعضهم:
"أن عدد الآيات الدالة على عالمية القرآن تزيد على ثلاث مائة وخمسين آية" (183).
 
وهناك أربع آيات تعلن بكل وضوح أن القرآن ذكر لجميع العالمين: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) (يوسف: 104)، (القلم: 52)، (التكوير: 27).

والمتأمل في ألفاظ هذه الآيات الأربع، وتعبيراتها، يجد مقصوده منها على عالمية القرآن.

وقد استنبط بعض علماء التفسير من هذه الآيات الآتي:
أولًا: أنها جاءت بصيغة الحصر (184)، فهذه الصيغة الحصرية تنفي عن القرآن كل صفة تنافي عالميته، وتجعل عالميته منصوصًا عليها بكل وضوح.

ثانيًا: أنه مذكر للعالم أجمع، باعتبار أنه مخاطب به الأنس والجن، فهو يذكرهم ويخاطبهم بما يحتاجون إليه فردًا وأسرة ومجتمعًا ودولة.

ولفظ: (لِلْعَالَمِينَ) عام للأنس والجن، ممن عاصروا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وممن جاؤوا بعده إلى قيام الساعة (185).

ثالثًا: العالمين جمع عرفت بـ (ال) فتدل على معنى الاستغراق. فالجمع المعرف بـ (ال) من صيغ العموم في اللغة العربية.

ولفظ (عالم) مفرد للعالمين، فهو يعم كل ما هو في الكون، فإذا جمع بالواو والنون يكون خاصًا بالعقلاء من الأنس والجن أجمعين.

فدلت لفظة (لِلْعَالَمِينَ)على أن القرآن العظيم ذكر لجميع عقلاء الإنس والجن بلا تقييد من مكان، أو زمان، أو طبقة، أو جنس.

يقول الرازي رحمه الله (186):
"لفظ العالمين يتناول جميع المخلوقات، فدلت الآية على أنه رسول للخلق عامة إلى يوم القيامة".

ولا ريب أن عموم رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحقق بعالمية كتابة الذي أرسل به إلى الناس كافة "يتذكرون به ربهم، وما له من صفات الكمال، وما ينزه عنه من النقائص، والرذائل والأمثال.

ويتذكرون به الأوامر والنواهي، وحكمها.

ويتذكرون به الأحكام القدرية، والشرعية والجزائية.

وبالجملة، يتذكرون به مصالح الدارين، وينالون بالعمل به السعادتين" (187).

ومن الآيات التي صرحت بعالمية القرآن العظيم:
1- قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان: 1).
2- وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
3- وقوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) (الإسراء: 89).
4- وقوله تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (الزمر: 27).
5- وقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (الزمر: 41).

يقول ابن عاشور- رحمه الله- (188) في تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ): "صيغت بأبلغ نظم؛ إذ اشتملت هذه الآية -بوجازة ألفاظها- على مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، ومدح مرسله تعالى، ومدح رسالته بأن كانت مظهر رحمة الله تعالى للناس كافة، وبأنها رحمة الله تعالى بخلقه.

فهي تشتمل على أربعة وعشرين حرفًا بدون حرف العطف الذي عطفت به، ذكر فيها الرسول، ومرسله، والمرسل إليهم والرسالة وأوصاف هؤلاء الأربعة، مع إفادة عموم الأحوال، واستغراق المرسل إليهم، وخصوصية الحصر، وتنكير (رَحْمَةً) للتعظيم؛ إذ لا مقتضى لإيثار التنكير في هذا المقام غير إرادة التعظيم، وإلا لقيل: إلا لنرحم العالمين، أو إلا أنك الرحمة للعالمين.

وليس التنكير للإفراد قطعًا لظهور أن المراد جنس الرحمة، وتنكير الجنس هو الذي يعرض له قصد إرادة التعظيم.

فهذه اثنا عشر معنى خصوصيًا، فقد فاقت أجمع كلمة لبلغاء العرب، وهي:
قِفا نبك من ذِكرى حبيبٍ ومنزل

إذ تلك الكلمة قصاراها كما قالوا:
"أنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل" دون خصوصية أزيد من ذلك فجمع ستة معان لا غير".

ويتحدث ابن القيم رحمه الله عن عموم الآية فيقول (189):
"أصحُّ القولين في هذه الآية: أنها على عمومها.

وفيها على هذا التَّقدير وجهان:
أحَدُهما:
أن عموم العالَمين حصل لهم النفع برسالته.

أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة.
 
وأما أعداؤه المحاربون له:
فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم؛ لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء، فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر.

وأما المعاهدُون له:
فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شرًا بذلك العهد من المحاربين له.

وأما المنافقون:
فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم، وأموالهم وأهليهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث، وغيرها.

وأما الأمم النائية عنه:
فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض، فأصاب كل العالمين النفع برسالته.

الوجه الثاني:
أنه رحمة لكل أحد، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا أخرى، والكفار ردوها، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم، لكن لم يقبلوها، كما يقال: هذا دواء لهذا المرض.

فإذا لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض".

وهناك كلمات وتراكيب في القرآن تخاطب الناس كافة بلا تقييد بجنس أو زمن أو مكان أو طبقة، مما يوحي بعالمية القرآن، وخلود أحكامه إلى الأبد، ومن هنا نلحظ أن القرآن يستعمل خطاب العموم دون الخصوص (190)، والإطلاق دون التقييد، وقلما تذكر المخصصات والمحددات والمقيدات؛ كالأمكنة المحددة، أو الأزمنة الخاصة، أو الأشخاص المعينة، وإذا ما وقعت حاجة أثناء البيان القرآني للتخصيص بصفة أو نحوها؛ فإنما ينتفي القرآن منها صفات عامة، خصوصيتها أقل: كالمؤمنين والمتقين والصالحين، والكافرين والمنافقين والغافلين، وأمثالها مما لا يختص بجنس أو طبقة، دون أن يقيد ذلك بالحجازيين، أو المكيين أو المدنيين مثلًا مما يضيق دائرة اللفظ.

تأمَّل -على سبيل المثال- في آيات الإفك، رغم أنها نزلت في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فإنها لا ترى فيها تحديدًا بالاسم، أو النسب أو القرابة للمفترى عليها (191).

ومما يُفصحُ كذلك عن عالمية القرآن العظيم، ما يذكر في معارض بيان فوائد القصص والأمثال، أنه -تبارك وتعالى- ضرب للناس، أو صرف للناس من كل مثل، فيذكر الناس بصيغة الجمع، المعرف باللام، المفيد للاستغراق كما هو معروف عند أهل العربية (192).

ومما سبق يتبين لنا أن عالمية القرآن مظهر جلي من مظاهر عظمته، والتي تدل بوضوح أيضًا على عظمة منزلة سبحانه وتعالى.
 
المطلب الثاني عشر تصديق القرآن لكتب الله وهيمنته عليها:
معنى " مصدق" في اللغة:
وردت لفظ "مُصَدِّق" في اللغة بمعان متعددة ومتنوعة.

نأخذ منها ما يدل على المقصود:
جاء في المعجم الوسيط:
"صدقه، وصدق به، تصديقًا وتصداقًا: اعترف بصدق قوله، وحققه.

وفي التنزيل العزيز:
(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) (سبأ: 20).

ويقال: صدق على الأمر: أقره" (193).

وفي أساس البلاغة:
"صدقه الحديث...، وصادقه ولم يكاذبه، وتصادقا ولم يتكاذبا، وصدقه فيما قال... وعند مصداق ذلك، وهو ما يصدقه من الدليل" (194).

قال ابن منظور: (195)
"وهذا مصداق هذا أي ما يصدقه".

وخلاصة المعاني اللغوية لكلمة "مصدق" ما يلي:
1- الاعتراف بصدق الشيء.
2- الإقرار على الشيء.
3- الدلالة على صدق الشيء.

 
معنى "هيمن" في اللغة:
وردت لفظة "هيمن" في اللغة بعدة معان أيضًا، نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا:
جاء في المعجم الوسيط: "هيمن" فلان: قال: آمين.

و- على كذا: سيطر عليه وراقبه وحفظه...

والمهيمن:
من أسماء الله تعالى، بمعنى الرقيب المسيطر على كل شيء، الحافظ له.

وفي التنزيل العزيز:
(مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (196) (المائدة: 48).

وفي مختار الصحاح:
"المهيمن": الشاهد (197).

وَخُلاصة المعاني اللغوية لكلمة "هيمن" ما يلي:
1-    السيطرة.
2-    الرقابة.
3-    الحفظ.
4-    الشهادة.


ووصف القرآن العظيم بأنه مهيمن ومصدق لكتب الله يقتضي أنه:
أولًا: مسيطر عليها:
بمعنى أنه الحاكم والقاضي عليها، فهو الذي يكبح جماحها إذا جنحت إلى الغلو والباطل، كما قال -تعالى- ردًا على ما زعمه النصارى في المسيح وأمه: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المائدة: 75).

ثانيًا: رقيب عليها:
بمعنى أن المصحح لأخبارها، والممحص لحقائقها، كما في قوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (النساء: 157).

وذلك ردًا على ما يزعمه النصارى أنه -عليه السلام- قتل فوق الصليب، فكان القرآن رقيبًا على ذلك، فأوضح في الآية المتقدمة أن هذا الخبر الذي ألحقه النصارى زورًا وبهتانًا بالإنجيل المحرف، من مزاعمهم، وليس مما أنزل على عيسى -عليه السلام-.

ثالثًا: حفيظ عليها:
وهو قريب من المعنى الثاني.

رابعًا: شهيد عليها:
بمعنى أنه يشهد لها بالصحة والثبات، فيقرر أصولها، ويشهد بما فيها من الحقائق.

خامسًا: أمينٌ عليها:
بمعنى أن ما أخبر عنها، أو أنه فيها فهو الحق، وما عداه مما زعمه أهلها فباطل لا يصدق.

قال ابن جريج (198):
"القرآن أمين على ما قبله من الكتب، فما أخبر أهل الكتاب عن كتابهم، فإن كان في القرآن فصدقوا وإلا فكذبوا" (199).

سادسًا: معترف بصدقها:
بمعنى أنه معترف بأنها من عند الله تعالى، أنزلها على رسله -عليهم السلام- معترف بما فيها من العقائد الصحيحة،
 
والكليات التي لا يختلف عليها العقلاء، كحب الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة العدل وإحقاق الحق إلى غير ذلك.

سابعًا: مقرر لها على ما جاءت به من الحق:
بمعنى أنه لا ينازعها فيما جاءت به من الحق والعقائد والأخبار وغيرها.

ثامنًا: دال على صدقها:
بمعنى أنه هو الدليل على أن هذه الكتب من عند الله، وعلى أن أخبارها الصحيحة حقة، ذلك أن الكتب السابقة جاءت -مثلًا- بأوصاف نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأوصاف أمته وبشرت بمبعثه -صلى الله عليه وسلم-.

فجاء القرآن العظيم مصدقًا بما أخبرت به هذه الكتب، ومطابقًا لهذه الأوصاف فدل على ذلك على صدق هذه الكتب فيما أخبرت به في هذا المجال وصدق كونها من عند الله تعالى (200).

والمتأمل في هذه المعاني المتقدمة يلحظ أن بعضها يقترب من بعض، إلا أنها كلها وأكثر منها وردت فيها نصوص كثيرة من القرآن العظيم تفيد أنه تصديق أو مصدق لما تقدمه من كتب (201).

ولقد تعلق بهذه الآيات أو بعضها أعداء الإسلام وخصومه من غلاة المستشرقين والمنصرين، فزعموا أنها تعني سلامة الكتب السابقة من التحريف والنسخ، وأن ذلك يستتبع وجوب العمل بهذه الكتب، كالقرآن سواء بسواء، ووضعوا في هذا المعنى بعض الكتب والرسائل (202).



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالثلاثاء 22 يناير 2019, 10:51 pm

تصديق القرآن لما سبقه من كتب الله:
فبالإضافة لما تقدم ذكره، يكون تصديق القرآن العظيم لما سبقه من كتب الله، من جهات متعددة:
الجهة الأولى:
أثبت أنه الوحي وقرر إمكانية وقوعه فعلًا، كما قال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) (النساء: 163).

فهذا تصديق لأصل الوحي وللرسالات السابقة وبذلك يكون القرآن مصدقًا لما بين يديه، كما قال تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) (آل عمران: 3).

الجهة الثانية:
أن القرآن العظيم جاء حسب وصفه الموجود في تلك الكتب، حيث اشتمل على وصف خاتم الرسل، وأنه يأتي بكتاب من عند الله تعالى، فنزول القرآن على وفق هذه النعوت تصديق لهذه الكتب.

قال ابن كثير رحمه الله في معنى قوله تعالى: (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) (المائدة: 48)، "أي: من الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه، وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكان نزوله كما أخبرت به، مما زادها صدقًا عند حامليها من ذوي البصائر، الذين انقادوا لأمر الله، واتبعوا شرائع الله، وصدقوا رسل الله" (203).
 
الجهة الثالثة:
أن القرآن العظيم وافق الكتب السابقة في مقاصد الدين، وأصوله والتي لا تختلف باختلاف الشرائع والرسالات.

ومن هنا نلحظ اتفاق القرآن مع غيره من كتب الله فيما يلي:
1- الدعوة إلى الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما يتصل بذلك من تنزيه الله تعالى عن النقائص، ووصفه بكل كمال يليق بذاته المقدسة.

2- تتفق الكتب المنزلة كذلك في: أصول الشرائع الصلاة والصيام والزكاة... حيث أخبر القرآن العظيم أن الله -عز وجل- تعبد بها من قبلنا.

فقال في الصوم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).

وقال في الصلاة والزكاة: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة: 83).

ومن هنا نلحظ أن أصول الشرائع واحدة في جميع الأديان، كما صرح بذلك في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: 13).

وأما تفصيلات الشرائع العملية، فتختلف فيها الكتب السماوية اختلافًا يتلاءم مع زمان كل منها، ويتفق مع مصالح أتباعها، مصداق ذلك قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة: 48).

3- تتفق الكتب المنزلة كذلك في الدعوة إلى الفضائل والترغيب فيها والترهيب من الرذال والتنفير منها، فكل كتب الله أمرت بالعدل والإحسان والصدق والصبر والأمانة والوفاء والرحمة، ما إلى ذلك من الفضائل ومكارم الأخلاق التي تسعد بها البشرية في كل زمان ومكان وكل كتب الله كذلك نهت عن الظلم والخيانة والكذب والغدر، والقسوة وما إلى ذلك من الرذائل التي تورد البشرية موارد الهلاك ويشهد بذلك قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: 83).

وقال تعالى أيضًا في حق إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 73).

الجهة الرابعة:
من جهات تصديق القرآن لما سبقه من الكتب، أن الله تعالى قد جمع فيه ما توزع في هذه الكتب من الفضائل فأنقذ بذلك أصول من سبقه من كتب الله وحفظه وصدقه.

فهذا القرآن العظيم هو خلاصة كاملة للرسالات الأولى، وللنصائح التي بذلت للإنسانية من فجر وجودها، وهذا من أوضح وأبين مظاهر عظمة القرآن (204).
 
هيمنة القرآن على ما سبقه من كتب الله:
وكما جاء القرآن العظيم مصدقًا لما قبله من كتب الله، فقد جاء كذلك مهيمنًا عليها، كما صرح بذلك قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (المائدة: 48).

ومعنى قوله: (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ): أي أن القرآن العظيم رقيب على الكتب السابقة؛ لأنه يشهد بصحتها ويقرر أصولها وما يتأبد من فروعها ويبين أحكامها المنسوخة بتعين وقت انتهاء مشروعيتها.

أو على معنى أنه أمينٌ عليها، فما أخبر عن صدقه مما ورد فيها صدق، وما أخبر بزيفه فهو باطل.

أو على معنى أنه الحافظ لها، فهو الذي حفظ ما جاء فيها التوحيد وكليات الدين إلى يوم القيامة.

أو على معنى أنه دالٌّ على صدقها، أي هو دليل على أنها من عند الله؛ لأنه جاء كما نعتته هذه الكتب (205).

قال ابن كثير رحمه الله: (206)
"وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، فإن اسم (المهيمن) يتضمن هذا كله، فهو أمين وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها وأحكمها، حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وحاكمًا عليها كلها، وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة، فقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

علاقة الهيمنة بالتصديق:
ومما تقدم ذكره "نستطيع أن نقرر أن مفهوم الهيمنة أتم وأشمل من مفهوم التصديق؛ لأن الهيمنة لا تقتصر على مجرد الشهادة لهذه الكتب بصحة إنزال أصولها، وتقرير أصولها وشرائعها بل تتعدى ذلك فتبين ما اعتراها من نسخ أو تحريف وما عرض لها من زيف وفساد.

فالقرآن بذلك مهيمن على المعاني الصحيحة التي كانت في تلك الكتب وشاهد بكونها من عند الله، وبذلك تتلاقى الهيمنة مع التصديق، ولكنه كذلك يشهد على هذه الكتب بما أصابها من تحريف وتسرب إليها من باطل، وبه تنفرد الهيمنة عن التصديق، فمهومها إذا أتم وأشمل من مفهوم التصديق" (207).

مظاهر هيمنة القرآن على الكتب السابقة:
لهيمنة القرآن العظيم على كتب الله المنزلة قبله -فوق ما تقدم من تصديقه لها- مظاهر متعددة, من أهمها ما يلي:
1-إخباره بتحريف الكتب السابقة وتبديلها.
فتناولتها أيدي أهل الكتاب الآثمة بالتحريف والتبديل وتناولوا ما بقي منها بالتأويل الفاسد طبقًا للأهواء والشهوات أو متابعة لذوي السلطان أو محاولة لكسب الجدل على أعدائهم وخصومهم.

بل أخبر القرآن كذلك أنهم كتبوا الكتب بأيديهم ونسبوها -زورًا وبهتانًا- إلى الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة: 79).

2- بيان المسائل الكبرى التي خالفوا فيها الحق:
ففي جانب العقائد -على سبيل المثال- نفى القرآن العظيم ما صرحت به الأناجيل المحرفة من قتل عيسى عليه السلام وصلبه، فقال: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (النساء: 157).

وحكم على النصارى بالكفر لقولهم بالتثليث وألوهية المسيح، فقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) )لمائدة: 72-73).

أما التوراة المحرفة فإنها تنسب إلى الله تعالى كثيرًا من النقائص والتي جاء القرآن العظيم بدحضها وإبطالها.

فلقد أخبر القرآن العظيم أن اليهود نسبوا إلى الله -عز وجل- الولد، كما وصفه اليهود المعاصرون للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالفقر والبخل وغل اليد.

فَكَرَّ القرآن على ذلك بالإبطال والدَّحض، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة: 30).

وقال تعالى: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران: 181).

وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة: 64).

3- بين القرآن كثيرًا من المسائل التي أخفوها:
فمن ذلك: أن الدارس لأسفار العهد القديم يرى أنها قد خلت من ذكر اليوم الآخر ونعيمه وجحيمه -وإذا كانت اليهودية في أصلها تقرر البعث والنشور والحساب والجنة والنار، كما ينبئ بذلك القرآن- فإن ذلك يدل على أن اليوم الآخر وما فيه، وما يتصل به، من المسائل التي أخفاها أهل الكتاب (208).

ومن ذلك أيضًا إخفاؤهم ما يتصل بخاتم الرسل من بشائر ونعوت، وتحريفهم لها بالحذف أو التأويل الفاسد، فجاء القرآن العظيم بالحق في ذلك كله، قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (المائدة: 15).

4- أنهى القرآن العمل بالكتب السابقة:
فلا اعتبار لها بجانبه؛ لأن شغل الفراغ كله بتشريعه المبارك الجديد وليس لأحد أن يركن إلى هذه الكتب بعدما تسرب الباطل إليها، ولعبت الأيدي الآثمة بها.
 
وهذا لا ينافي أن القرآن أقر كثيرًا من أحكام هذه الكتب، ولم يتناوله بنسخ؛ لأن أمر بهذه الأحكام وأقرها من جديد، فعملنا ليس متابعة لهذه الكتب بل لإقرار القرآن لها، وأمره بها.

وكل آية دلت على اتحاد الشرائع فهي محمولة على مقاصد الدين، وأصول العبادات والآيات التي تدل على اختلاف الشرائع فمحمولة على الفروع وما يتعلق بظواهر العبادات، ولله الأمر من قبل ومن بعد (209).

وقد تبين لنا مما سبق ذكره أن تصديق القرآن العظيم لكتب الله السابقة وهيمنته عليها من أهم مظاهر عظمة القرآن وفضله على كتب الأنبياء جميعًا.

أما بعد:
فبعض المتسببين للدعوة اليوم -في محاولة للتقريب بين الأديان- يقول مخاطبًا غيرنا: إيماننا لا يتم إلا بالإيمان بكتبكم، مع أنها مُحَرَّفَةٌ!

وكان عليه أن يكون صريحًا لا مُجَامِلًا أو مُدَلِّسًا.



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالثلاثاء 22 يناير 2019, 10:52 pm

الهوامش:
128.     انظر: تعظيم شأن القرآن في السور المكية، أ.د. عاطف قاسم المليجي (ص 7-40)، عظمة القرآن ودعوته إلى الخير والكمال، د. محمد جمعة عبد الله (ص 15-63)، جوانب من عظمة القرآن، د. عبد الباري محمد داود (ص 47-58).
129.     انظر: المبحث الرابع من هذا الفصل: « عظمة أسماء وأوصاف القرآن«، (ص 147-204).
130.     لقد صنف جماعة من العلماء من أسماء وأوصاف القرآن العظيم: قال القاضي أبو المعاني عزيزي بن عبد الملك بشيذليه- بضم عين عزيزي- المتوفى سنة 494 هـ في كتابه « بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز«: « ذكر الله تعالى للقرآن مائة اسم«. ثم ساقها متتابعة، (1/88-96).
131.     تأمل نماذج لكثرة أسماء وأوصاف القرآن في أرقام آيات السور التالية: (البقرة: 145، 256)، (آل عمران: 62، 103، 138، 193)، (النساء: 174)، (المائدة: 48)، (الأنعام: 115، 153)، (الأعراف: 203)، (التوبة: 6)، (يونس: 1، 57)، (يوسف: 2-3)، (إبراهيم: 52)، (الإسراء: 9، 82)، (الكهف: 2)، (الأنبياء: 50، 105)، (الفرقان:1)، (النمل: 3)، (الشعراء: 192)، (لقمان: 2)، (الواقعة: 77)، (الزخرف: 4، 44)، (فصلت: 3، 4، 41)، (القمر: 5)، (الطارق: 13)، (النبأ: 1-2)، (الزمر: 23، 33)، (الجن: 1)، (الحاقة: 48)، (الطلاق: 5)، (البروج: 21).
132.     بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، (1/88).
133.     ذكر القيامة باعتبار اليوم.
134.     انظر: تفسير الشعراوي، (1/110-112).
135.     تفسير البغوي، (3/158).
136.     نوه الله تعالى بالقرآن كذلك في مفتتح السور التالية: (الأعراف: 1-2)، (يونس:1)، (هود:1)، (يوسف: 1-2)، (الرعد:1)، (إبراهيم: 1)، (الحجر:1)، (الكهف:1)، (طه: 1، 2)، (النور:1)، (الفرقان: 1)، (الشعراء:2)، (النمل: 1-2)، (القصص: 1-3)، (لقمان: 1-2)، (السجدة: 1-2)، (يونس: 1-5)، (ص:1)، (الزمر: 1-2)، (غافر: 1-2)، (فصلت: 1-3)، (الشورى: 1-3)، (الزخرف: 1-4)، (الدخان: 1-3)، (الجاثية: 1-2)، (الأحقاف: 1-2)، (ق:1)، (الرحمن:2)، (الجن: 1-2)، (العلق: 1-5)، (القدر: 1)، (البينة: 1-3)
137.     انظر: تفسير الشعراوي، (1/113).
138.     جاء الحديث عن القرآن في أواخر السور التالية: (الأعراف: 204)، (يونس: 109)، (يوسف: 111)، (إبراهيم: 52)، (الكهف: 110)، (النمل: 91-93)، (الروم: 58-60)، (ص: 86-88)، (فصلت: 52-54)، (الشورى: 52-53)، (الدخان: 58-59)، (النجم: 59-62)، (الواقعة: 95-96)، (القلم: 51-52)، (الحاقة: 48-52)، (المدثر: 54-56)، (الإنسان: 29-31)، (التكوير: 27-29)، (الأعلى: 18-19)، (البلد: 19-20).
139.     هو الإمام محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، الفقيه المجتهد أحد كبار علماء اليمن، ولد بهجرة شوكان، ونشأ بصنعاء وولى قضاءها. له مؤلفات كثيرة أشهرها: « فتح القدير« و « نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار« و «السيل الجرار»، و «البدر الطالع» توفى سنة (1250 هـ). انظر: البدر الطالع، (2/214)، الأعلام (6/698).
140.     فتح القدير، (5/586-587).
141.     وقد أقسم الله تعالى على القرآن في موضوعين آخرين: (في سورة الواقعة: 75-80)، (وفي سورة التكوير: 15-27).
142.     انظر: عناية الله وعناية رسوله بالقرآن الكريم، (ص 1-3).
143.     تفسير أبي السعود، (6/58).
144.     التحرير والتنوير، (29/130).
145.     انظر: التحرير والتنوير، (23/108).
146.     هو العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجنكي الشنقيطي، ولد سنة (1305 هـ) في شنقيط بموريتانيا، وترجع نسبة إلى قبيلة حمير باليمن كان مدرسًا بالمسجد النبوي في المدينة النبوية ودرس في الرياض، وعين في هيئة كبار العلماء بها، ومن مؤلفاته: « أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» و « مذكرة أصول الفقه» و « دفع إبهام الاضطراب عن أي الكتاب». توفي سنة (1393 هـ). «انظر ترجمته في: مقدمة أضواء البيان».
147.     أضواء البيان، للشنقيطي (4/3).
148.     تفسير ابن كثير، (5/141).
149.     انظر: التفسير الكبير، للرازي (24/39)، تفسير البيضاوي، (4/205).
150.     انظر: تفسير السعدي، (3/425).
151.     تأمل نماذج لذلك أيضًا في أرقام آيات السور التالية: (آل عمران: 1-3)، (يس: 1-5)، (الزمر: 1-2)، (غافر: 1-2)، (الشورى: 1-3)، (الجاثية، الأحقاف: 1-2).
152.     أضواء البيان، (7/41-42).
153.     التحرير والتنوير، (30/402).
154.     المصدر نفسه، (25/308).
155.    انظر: التفسير الكبير، للرازي (27/203-204).
156.     انظر: لغة القرآن مكانتها والأخطار التي تهددها، د. إبراهيم بن محمد أبو عبأة، (ص 11-12).
157.     تأمل نماذج لذلك أيضًا في أرقام آيات السور التالية: (الرعد: 37)، (النحل: 103)، (طه: 113)، (الشعراء 192-195)، (الزمر: 27-28)، (فصلت: 3)، (الشورى: 7)، (الأحقاف: 12).
158.     التحرير والتنوير، (1/95-96).
159.     هو الصحابي الجليل: لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، الشاعر المشهور أسلم مع وفد قومه فحسن إسلامه وترك الشعر بعد الإسلام، توفي سنة (41 هـ) وعمره (140) سنة. انظر: أسد الغابة، (4/260-261)«.
160.     هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني شاعر من أهل نجد اشتهر في الجاهلية ولما ظهر الإسلام هجأ النبي ? ، وأقام يشيب بنساء المسلمين فهدر النبي ? دمه، فجاءه كعب مستأمنًا وقد أسلم وأنشد لأميته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول، فعفا عنه النبي ? وخلع عليه بردته، توفى سنة (26 هـ). انظر: معجم المؤلفين (2/669)، الأعلام، (5/226).
161.     هو قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الجعدي، طال عمره في الجاهلية والإسلام، وهو أسن من النابغة الذبياني، عاش: (180) سنة- فيما قال- وكان يذكر في الجاهلية دين إبراهيم- عليه السلام- ويسوم ويستغفر ووفد على رسول الله ? فأسلم، وعاش إلى زمن ابن الزبير ومات بأصبهان وكان من أصحاب علي رضي الله عنه. انظر: أسد الغابة، (4/516-517). الإصابة، (3/573-540).
162.     هو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو عبد شمس من قضاة العرب في الجاهلية، ولد سنة (95 ق. هـ) من زنادقة قريش وزعمائها، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر ودفن بالحجون وهو والد خالد بن الوليد سيف الله المسلول. انظر: الكامل، لابن الأثير (2/26).
163.     انظر: التحرير والتنوير (1/91).
164.     أشتات مجتمعات في اللغة والأدب، لعباس محمود العقاد (ص 11-12).
165.     الصحابي، (ص 26).
166.     المصدر نفسه، (ص 17).
167.     المصدر نفسه (ص 21).
168.     هو الحسين بن أحمد بن خالوية بن حمدان الهمذاني (أبو عبد الله). نحوي، لغوي. أصله من همذان، ودخل بغداد، وأدرك جلة من العلماء بها، فأخذ عن أبي بكر الانباري، وأبي بكر بن دريد، وأبي عمر الزاهد، وقدم الثام، وصحب سيف الدولة، ووقع بينه وبين المتنبي منازعات. ومن تصانيفه: «الاشتقاق» و«الجمل في النحو» و « البديع في القراءات» و «شرح الممدود والمقصور» و «شرح مقصورة ابن دريد»، وله شعر. توفى بحلب سنة (370 هـ). انظر: وفيات الأعيان، (1/197). معجم الأدباء، (9/200-205). معجم المؤلفين (1/602)«.
169.     تأمل نماذج لذلك أيضًا في أرقام آيات السور التالية: (الدخان: 58)، (الإسراء: 89)، (الكهف: 54)، (الروم: 58)، (الزمر: 27).
170.     انظر: التحرير والتنوير، (25/344)، (27/180-181).
171.     انظر: التفسير الكبير، (29/38-39).
172.     تأمل نماذج أيضًا في أرقام آبات السور التالية: (الزخرف 3-4)، (الواقعة: 75-80)، (البروج: 21-22).
173.     تأمل نماذج لذلك أيضًا في أرقام آيات السورتين التاليتين: (الأنعام: 105)، (الكهف: 27).
174.     انظر: عناية الله وعناية رسوله بالقرآن الكريم، (9-11).
175.     التحرير والتنوير، (27/304).
176.     تفسير أبي السعود، (5/96).
177.     هو القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمر اليحصبي السبتي، إمام وقته ببلاد المغرب، في الحديث وعلومه والنحو واللغة، وله مصنفات جيدة، منها: « التنبيهات»، و « مشارق الأنوار»، و «شرح كتاب مسلم» واشتهر بالذكاء وحسن السيرة، توفي سنة (544)، وكانت ولادته سنة (476 هـ). « انظر: وفيات الأعيان، (3/483-485). الأعلام، (5/99)».
178.     هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بم حماد بن زيد الجهضمي الأزدي، فقيه مالكي، ولد سنة (200 هـ)، له مؤلفات منها: « المبسوط» و «شواهد الموطأ» و « الأصول» و« السنن». توفي سنة (282 هـ) « انظر: طبقات الفقهاء، للشيرازي (ص 164-165). الأعلام، (1/310)«.
179.     التحرير والتنوير، (13/17-18).
180.     تفسير الشعراوي، (12/7653).
181.     انظر: ركائز الإيمان، (ص 206-207).
182.     تأمل نماذج للآيات التي تدل على عالمية القرآن في أرقام آيات السور الآتية: (البقرة: 185)، (النساء: 1، 79، 170، 174)، (الأعراف: 158)، (يونس 57، 99، 104، 108)، (يوسف: 104)، (الإسراء: 89، 94، 105، 106)، (الأنبياء: 107)، (الحج: 1، 5، 27، 49، 73)، (الفرقان: 1، 50، 51، 56)، (الأحزاب: 45، 46)، (سبأ: 28)، (فاطر: 24)، (ص: 87)، (القلم: 52)، (التكوير: 27).
183.     دلالة أسماء سور القرآن الكريم من منظور حضاري، د. محمد خليل جيجك، (ص 132).
184.     انظر: التحرير والتنوير، (17/125).
185.     انظر: تفسير أبي حيان، (6/480). تفسير ابن عطيه، (4/199).
186.     التفسير الكبير، (24/40).
187.     تفسير السعدي، (5/379).
188.     التحرير والتنوير، (17/121).
189.     جلاء الأفهام، (ص 181- 182).
190.     من التراكيب والتعبيرات العالمية، الواسعة الدلالات والمفاهيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} {يَا بَنِي آَدَمَ} {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} مما يعم كل فرد من غير فرق، على الرغم من ضيق الدائرة البشرية التي نزل فيها القرآن آنذاك.
191.     انطلاقًا من الاتجاه القرآني إلى التعميم في غالب أحواله، ودلالاته، اتخذ علماء الفقه وأصوله في الآيات المنزلة لسبب خاص قاعدة: « العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب».
192.     انظر: دلالة أسماء سور القرآن الكريم من منظور حضاري، (ص 137-141).
193.     المعجم الوسيط، (ص 510)، مادة « صدق«.
194.     أساس البلاغة، لمحمود بن عمر الزمخشري (ص 251)، مادة: « ص د ق».
195.     لسان العرب، (10/195)، مادة: « صدق».
196.     المعجم الوسيط، (ص 105)، مادة: «هيمن».
197.     مختار الصحاح، (ص 328)، مادة « ه م ن».
198.     هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، فقيه الحرم، وإمام أهل الحجاز في عصره، رومي الأصل، من موالي قريش، مكي المولد والوفاة، توفي سنة (150 هـ). « انظر: سير أعلام النبلاء، (6/325). الأعلام (4/160)«.
199.     تفسير البغوي، (2/43). وانظر: تفسير الطبري، (6/266).
200.     انظر: التفسير الموضوعي للآيات القرآنية المتعلقة بالكتب السماوية، د. عبد العزيز الدردير موسى، (ص 392-393).
201.     تأمل نماذج للآيات التي تحدثت عن هيمنة القرآن العظيم على سائر الكتب السابقة عليه، وتصديقه لها في أربعة عشر نصًا من كتاب الله تعالى، وهي كما يلي: (البقرة: 41، 89-91، 97)، (آل عمران: 3)، (النساء: 47)، (المائدة: 48)، (الأنعام: 92)، (يونس: 37)، (يوسف: 111)، (طه: 133)، (الشعراء: 196)، (فاطر: 31)، (الأحقاف: 12، 30).
202.     من ذلك، رسالة بعنوان: « أبحاث المجتهدين في الخلاف بين النصارى والمسلمين» ومؤلف هذه الرسالة هو: (نيقولا يعقوب غبريل)، وطبعت بمصر سنة (1901 م).
203.     تفسير ابن كثير، (3/152).
204.     انظر: تصديق القرآن الكريم للكتب السماوية وهيمنته عليها، د. إبراهيم عبد الحميد سلامة، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة، (عدد: 46)، (ربيع الآخر 1400 هـ)، (ص 80-82).
205.     تفسير ابن كثير، (3/266-267). تفسير ابن عطيه، (2/200).
206.     تفسير ابن كثير، (3/153).
207.     تصديق القرآن الكريم للكتب السماوية وهيمنته عليها، (ص 85).
208.     انظر: الأسفار المقدسة، علي عبد الواحد وافي، (ص 29).
209.     انظر: المصدر السابق، (ص 77-88).



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالثلاثاء 22 يناير 2019, 11:29 pm

المبحث الثالث
دلائل عظمة القرآن.

وفيه مطلبان:
المطلب الأول: كثرة العلوم المستنبطة من القرآن.
المطلب الثاني: خصوم القرآن وأعداؤه شهدوا بعظمته.

 
تمهيد
المقصود بدلائل عظمة القرآن:
هي الأمور الحسية والواقعية التي تدلنا على أن هذا القرآن عظيم، وإذا أجرينا استقراء لها نجدها قد فاقت الحصر.

ومن أمثلتها إجمالًا:
اتساق القرآن على نمط واحد، وتحقق أخباره الغيبية المستقبلية وأنه معجزة لا تنتهي، وقد بلغ الغاية في البلاغة والفصاحة وجمع كل ما يحتاج إليه البشر في المعاش والمعاد، وهكذا...

وسيكون الحديث عن دلائل عظمة القرآن في أمرين مهمين -حسب اجتهادي القاصر حتى لا يطول بنا المقام-...

وهما إجمالًا:
المطلب الأول كثرة العلوم المستنبطة من القرآن:
لقد تنوعت فنون القرآن وعلومه بحسب استنباط المجتهدين وفهم للقرآن الكريم وما فتح لهم من ذلك.

1- فالقُرَّاء:
اعتنوا بضبط لغاته وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج حروفه وعددها، وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته، وحصر الكلمات المتشابهة، والآيات المتماثلة، من غير تعرض لمعانيه، ولا تدبر لما أودع فيه.

2- والمُفسرون:
اعتنوا بألفاظه، فوجدوا منه لفظًا يدل على معنى واحد ولفظًا يدل على معنيين، ولفظًا يدل على أكثر، فأجروا الأول على حكمه، وأوضحوا معنى الخفي منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني، وأعمل كل منهم فكره، وقال بما اقتضاه نظره.

3- والنُّحاة:
قعَّدوا قواعد النحو: فاعتنوا بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال والحروف العاملة وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال، واللازم والمتعدي، حتى إن بعضهم أعرب مشكله، وبعضهم أعربه كلمة كلمة.

4- وعلماء أصول الدين:
اعتنوا بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: 22).

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده وبقائه وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به تعالى، وسموا هذا العلم: بأصول الدين.

5- وعلماء أصول الفقه:
تأملوا معاني خطابه، فرأوا أن منها ما يقتضي العموم، ومنها ما يقتضي الخصوص، وتكلموا في التخصيص، والنص، والظاهر، والمجمل، والمحكم، والمتشابه، والأمر والنهي، والنسخ، إلى غير ذلك من الأنواع الأقسية واستصحاب الحال والاستقراء، وسموا هذا الفن: بأصول الفقه.

6- الفقهاء:
أحكموا صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام، فأسسوا أصوله، وفرعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك بسطًا حسنًا وسموه: بعلم الفروع، وبالفقه أيضًا.
 
7- والمؤرخون:
تلمحوا ما فيه من قصص القرون السالفة والأمم الخالية، ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم، حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء، وسموا ذلك: بالتاريخ والقصص.

8- والخطباء وأهل الوعظ:
تنبهوا لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد، والتحذير، والتبشير، وذكر الموت، والمعاد، والنشر والحشر، والحساب والعقاب، والجنة والنار فصولًا من المواعظ، وأصولًا من الزواجر، فسموا بذلك: الخطباء والوعاظ.

9- وعلماء الفلك:
نظروا إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار، والشمس والقمر ومنازله، والنجوم والبروج وغير ذلك؛ فاستخرجوا منه: علم المواقيت.

10- والكتَّاب والشُّعراء:
نظروا إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق، والتلوين في الخطاب والإطناب والإيجاز وغير ذلك، فاستنبطوا منه: المعاني والبيان والبديع.
 
وقد احتوى القرآن العظيم أيضًا على علوم أخرى من علوم الأوائل، ومنها:
1- الطِّب:
فإن مداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة؛ وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله تعالى: (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان: 67).

2- والهندسة:
في قوله تعالى: (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ) (المرسلات: 30).

3- والجدل:
فقد حوت آيات القرآن من البراهين، والمقدمات، والنتائج، والقول بالموجب والمعارضة، وغير ذلك شيئًا كثيرًا، ومناظرة إبراهيم نمروذ، ومحاجَّتُه قومَه أصلٌ في ذلك عظيم.

وفي القرآن العظيم أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها (210)، ومنها:
الخياطة في قوله: (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ) (الأعراف: 22).

والحدادة في قوله: (آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) (الكهف: 96)، (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سبأ: 10).

والنجارة: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) (هود: 37).

والغزل: (نَقَضَتْ غَزْلَهَا) (النحل: 92).

والنسج: (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا) (العنكبوت: 41).

والفلاحة: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ) (الواقعة: 63). الآيات.

والصيد والبناء والبيع والشراء والكِيالة والوزن في آيات مختلفة ومتنوعة.

والغوص: (كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) (ص: 37)، (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً) (النحل: 14).

والصياغة: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا) (الأعراف: 148).

والزجاجة: (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ) (النمل: 44)، (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) (النور: 35).

والفخارة: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) (القصص: 38).

والملاحة: (أَمَّا السَّفِينَةُ) (الكهف: 79) الآية.

والكتابة: (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (العلق: 4).

والخبز: (أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا) (يوسف: 36).
 
والطبخ: (بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود: 69).

والجزارة: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) (المائدة: 3).

والصباغة: (جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر: 27).

والنحاتة: (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا) (الشعراء: 149).

والرماية: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) (الأنفال: 17)، (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: 60) (211).

------------------------------------------------

الهوامش
210.     وينبغي أن يتنبه في هذا المقام إلى أمر مهم للغاية: وهو أن القرآن العظيم كتاب هداية وإرشاد ورحمة ونور للعالمين، وليس هو من كتب العلوم الطبيعية فهذه العلوم ليست مقصودة لذاتها بل لما تحمله من عظة وعبرة , وتبين للناس نعمة الله عليهم أن أرشدهم إلى مصالحهم الدنيوية وعلمهم إياها، فلا ينبغي أن ينصرف الناس عن مقصد القرآن الأول والأخير، وهو: هدايته إلى الصراط المستقيم- إلى البحوث العلمية البحتة: كالجغرافيا وعلم النبات وعلم الحيوان وعلم الطيور وعلم الدواب... ونحو ذلك!.

211.     انظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (ص 725- 732). وقد نقله السيوطي – ملخصًا- عن أبي الفضل المرسي في تفسيره.



الفصل الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 23 يناير 2019, 12:39 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالثلاثاء 22 يناير 2019, 11:35 pm

المطلب الثاني خصوم القرآن وأعداؤه شهدوا بعظمته:
من أعظم دلائل عظمة القرآن العظيم أن شهد أعداؤه رغم عدك إيمانهم به، كما قيل: الحق ما شهدت به الأعداء.

فكثير من الكافرين -قديمًا وحديثًا- استمعوا إلى القرآن، وسجلوا إعجابهم في كلمات قالوها تعليقًا على ما سمعوا من آيات الله سبحانه.

كما يقول الشاعر:
وَمَليحَةٌ شَهِدَت لها ضَرَّاتُها         والخَيرُ ما شَهِدت به الأَعدَاءُ

وفي كثير من الحالات التي جرت مع بعض العلماء غير المسلمين في مختلف التخصصات عندما كانوا يقررون بعض الحقائق العلمية التي تم التوصل إليها بعد البحث والدراسة، ثم إذا أخبروا بأن ما توصلوا إليه قد ذكره القرآن الكريم إما تصريحًا وإما تلميحًا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام كانوا يصابون بالدهشة والاستغراب وتختلف تعبيراتهم في ذلك إلا أنهم يكادون يجمعون على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من قول البشر (212).

وسيكون الحديث عن شيء من شهادات هؤلاء الدارسين والباحثين والمفكرين من عقلاء الغرب وعباقرة العالم على النحو الآتي:
1- شهادة الفليسوف الفرنسي «ألكس لوازون» حيث يقول (213):
«خلف محمد -صلى الله عليه وسلم- للعالم كتابًا هو آية البلاغة وسجل للأخلاق وكتاب مقدس وليس بين المسائل العلمية المكتشفة حديثًا مسألة تتعارض مع الأسس الإسلامية فالانسجام تام بين تعاليم القرآن والقوانين الطبيعية».

2- شهادة «لويس سيديو» (214):
حيث يؤكد على ما فعله القرآن العظيم في مجال شد أواصر الشعوب التي انتمت للإسلام بمنحها اللغة المشتركة والمشاعر الواحدة حيث يقول (215): «فمما يجدر ذكره أن يكون القرآن بين مختلف اللغات التي يتكلم بها مختلف الشعوب في آسيا والهند وفي إفريقيا حتى السودان، كتابًا يفهمه الجميع وأن يربط هذه الشعوب المتباينة الطبائع بربطة اللغة والمشاعر...».

3- شهادة وزير المستعمرات البريطانية «غلاد ستون»
فقد صرح في مجلس العموم البريطاني مخاطبًا النواب قائلًا لهم: «ما دام القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود، أو نقطع صلة المسلمين به».

هيهات هيهات... لقد زال الاستعمار وأفل نجمه وبقى القرآن يتلى في جميع محطات الإذاعة في العالم وكثير من قنوات التلفاز ودور المسلمين والحمد لله رب العالمين (216).

4- شهادة المستشرق الألماني «د. شومبس» حيث قال (217):
«... وربما تعجبون من اعتراف رجل أوروبي مثلي بهذه الطريقة فقد درست القرآن فوجدت فيه تلك المعاني العالية والأنظمة المحكمة والبلاغة الرائعة التي لم أجد مثلها قط في حياتي، جملة واحدة منه تغني عن مؤلفات، وهذا ولا شك أكبر معجزة أتى بها محمد -صلى الله عليه وسلم- عن ربه«.

5- شهادة الباحث الفرنسي « الكونت هنري دي كاستري» (218):
حيث يتعجب من التناقض المطلق بين أمية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإعجاز الأداء القرآني من جهة أخرى، ويقول (219): « إن العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمي، وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الاتيان بها لفظًا ومعنى».

6- شهادة جيمس متشتز حيث قال (220):
«لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم وهو بكل تأكيد أيسرها حفظًا وأشدها أثرًا في الحياة اليومية لمن يؤمن به، فليس طويلًا كالعهد القديم وهو مكتوب بأسلوب رفيع أقرب إلى الشعر منه إلى النثر، ومن مزاياه أن القلوب تخشع عند سماعه وتزداد إيمانًا وسموًا».

7- شهادة الباحث النصراني نصري سلهب (221):
حيث تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال عنه أنه (222): «لا يقرأ ولا يكتب، فإذا بهذا الأمي يهدي الإنسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به الإنسانية منذ كانت الإنسانية، ذاك كان القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله هدى المتقين».

ويمضي «سلهب» لكي يشير إلى القيم البلاغية في القرآن ويقول (223):
فالواقع إن هذا القرآن لسحر حلال،... وإنه لمن المستحيل على غير العربي أو في غير الملم باللغة العربية، أن يدرك ما فيه من جمال.

ويتحدث عن عالمية القرآن ومخاطبته للبشر جميعًا ويقول (224):
«القرآن لا يخاطب المسلمين فحسب ولا يعني بشؤونهم فحسب إنه يخاطب البشر على إطلاقهم ويعني بشؤونهم جميعًا... فلو أقبل عليه البشر وعبوا من أحكامه وتوصياته فارتووا منها وعملوا بها، لكانت البشرية في وضع أفضل بكثير مما هي عليه».

ويتوقف عند التأثير القرآني في الشعر ويقول (225):
«فإذا كنا بالأمس واليوم، نطرب لروائع الشعر العربي... سواء في بيروت أو دمشق أو القاهرة أو بغداد أو تونس أو في أي صقع من أصقاع العروبة، فإنما الفضل في ذلك يعود للقرآن والقرآن وحده».

8- شهادة الأمريكي «د. سدني فيشر» (226) حيث يصف القرآن بأنه:
«صوت حي يروع فؤاد العربي، وتزداد روعته حين يتلى عليه بصوت مسموع...» (227).

9- شهادة المستشرق «سيل» حيث قال (228):
«إن أسلوب القرآن جميل وفياض وفي كثير من نواحيه نجد الأسلوب عذبًا وفخمًا وبخاصة عندما يتكلم عن عظمة الله وجلاله، ومن العجيب أن القرآن يأسر بأسلوبه هذا أذهان المستمعين إلى تلاوته سواء منهم به أو المعارضين له».

10- شهادة «كوبولد» حيث يقول (229):
«القرآن هو الذي دفع العرب إلى فتح العالم، ومكنهم من إنشاء إمبراطورية فاقت إمبراطورية الإسكندر الأكبر والإمبراطورية الرومانية سعة وقوة وعمرانًا وحضارة...».

ويضيف قائلًا:

«هذا هو الكتاب الذي خلق العرب خلقًا جديدًا ثم وحد صفوفهم ودفعهم إلى العالم فاقتحموه وحكموه...».

11- شهادة الدكتورة لورا فيشيا فاغليري (230) حيث قالت (231):
«إن عظمة الإسلام الكبرى هي القرآن... ولا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي، هذه الحقيقة هي أن نص القرآن كان صافيًا غير محرف طوال القرون التي ترامت بين نزيله وحتى يومنا هذا،... إن هذا الكتاب الذي يتلى كل يوم في طول العالم الإسلامي وعرضه لا يوقع في نفس المؤمن إيما إحساس بالملل، على العكس إنه من طريقة التلاوة المكررة يحبب نفسه إلى المؤمنين أكثر فأكثر يومًا بعد يوم...، حتى إننا لنجد اليوم -على الرغم من انحسار موجة الإيمان- آلافًا من الناس قادرين على ترديده عن ظهر قلب، وفي مصر وحدها عدد من الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل عن ظهر قلب في أوروبة كلها».

وترتب على هذه الشهادة نتيجتها فتقول (232):
«إن انتشار الإسلام السريع لم يتم، لا عن طريق القوة ولا بجهود المبشرين الموصولة، إن الذي أدى إلى ذلك الانتشار كون الكتاب الذي قدمه المسلمون للشعوب المغلوبة، مع تخييرها بين قبوله ورفضه، كتاب الله، كلمة الحق».

12- شهادة «المسيوبيرك» في بعض خطاباته في البرلمان الإنكليزي حيث قال (233):
«إن تعاليم القرآن أحكم وأعقل وأرحم تشريع عرفه التاريخ».

13- شهادة «هيرشفيلد» حيث قال (234):
«وليس للقرآن مثيل في قوة إقناعه وبلاغته وتركيبه وإليه يرجع الفضل في ازدهار العلوم بكافة نواحيها في العالم الإسلامي».
 
14- شهادة اللبناني النصراني «د. جورج حنا» (235)، حيث يؤكد ويقول (236):
«أنه لابد من الإقرار بأن القرآن فضلًا عن كونه كتاب دين وتشريع، فهو أيضًا كتاب لغة عربية فصحى، للقرآن الفضل الكبير في ازدهار اللغة ولطالما يعود إليه أئمة اللغة في بلاغة الكلمة وبيانها سواء كانوا هؤلاء الأئمة مسلمين أو مسيحيين، وإذا كان المسلمون يعتبرون أن صوابية لغة القرآن هي نتيجة محتومة لكون القرآن منزلًا ولا تحتمل التخطئة فالمسيحيون يعترفون أيضًا بهذه الصوابية بقطع النظر عن كونه منزلًا... ويرجعون إليه للاستشهاد بلغته الصحيحة كما استعصى عليهم أمر من أمور اللغة».
 
15- شهادة «وليم جيفورد بالكراف» حيث يتمنى زوال القرآن بقوله (237):
«متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمد وكتابه».

16- شهادة «الحاكم الفرنسي في الجزائر»:
فقد قال في ذكرى مرور مائة سنة على احتلال الجزائر (238): «إننا لن ننتصر على الجزائريين ماداموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم».

17- شهادة «وزير المستعمرات الفرنسي لاكوست»:
فقد قال حين عجز عن فرسنة الجزائر (239): «ماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا».

فهذا نزر يسير وغيض من فيض لأقوال خصوم القرآن وعقلاء القوم عن القرآن العظيم.

ولا تخلو عن الشهادات من أحد ثلاثة أمور:
1- من يرى القرآن العظيم جدارًا صلبًا بينه وبين تنصير المسلمين، فأعلن فشله واعترف بهزيمته.
2- من كشف لقومه السر في قوة المسلمين فدعا إلى إبعادهم عن القرآن.
3- من اعترف بإنصاف بفضل القرآن العظيم، ومكانته السامية ومنزلته العظمى.

فإذا كان هؤلاء الخصوم قد اعترفوا بعظمة القرآن الكريم، أفلا يجب على المسلمين جميعًا أن يعضوا عليه بالنواجذ ويجعلوه منار سبيلهم وقوام حياتهم وزمام عقولهم وربيع قلوبهم وعلاج سقمهم وعصمة أمرهم؟! نرجو ذلك (240).

يا ابن العروبة سر فأنت الأسبق    بطريق مجــــــدك فالنجاح محقق
هذا هو القرآن نبراس الهدى        دستورك الأسمى المنير المشرق
آياته نبع العلوم جميعها         من قال: لا، فهـــو الغبي الأخرق
علم الطبيعة والحياة وحكمة        الإيجاد من تبيــــــــــــــانه تتدفق
وسياسة الدنيا بأقوم شرعة         بين الورى بســــــــواه لا تتحرك
فيه القضاء لحل كل قضية         عن حلها أهل السيــــاسة أخفقوا
عودوا إلى القرآن عودة باحث     ترك الهوى، والعــــقل حر مطلق
وخذوا دساتير الحياة جميعها         من آية وعلى الخليــــــقة أشفقوا
فهو الدواء لكل أدواء الورى        وهو الطبيب، لكل سقـــم، صدقوا
فالغرب لما سار سار بنوره         وعلا، وقبل الغرب سـار المشرق
يا قوم أحمد مجدكم قرآنكم       فهو الكتاب العالمي الأصدق(241).

--------------------------------

الهوامش

212.     انظر: بالقرآن أسلم هؤلاء لعبد العزيز سيد الغزاوي (ص 47-48).

213.     نقلًا عن: المصدر نفسه، (ص 63) ومجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة، عدد (11)، (محرم 1391 هـ)، (ص 47).

214.     لويس سيديو: (1808- 1876 م) مستشرق فرنسي عكف على نشر مؤلفات أبيه «جان جاك سيديو» الذي توفى عام (1832 م) وصف كتابًا بعنوان «خلاصة تاريخ العرب». فضلًا عن «تاريخ العرب العام» وكتب العديد من الأبحاث والدراسات في المجلات المعروفة. انظر: قالوا عن الإسلام، د. عماد الدين خليل (ص 72).

215.     تاريخ العرب العام، (ص 458).

216.     انظر: عالمية القرآن الكريم، د. وهبة الزحيلي، (ص 14-15).

217.     نقلًا عن: بالقرآن أسلم هؤلاء، (ص 49).

218.     الكونت هنري دي كاستري: (1850- 1927 م) مقدم في الجيش الفرنسي قضى في الشمال الإفريقي ردحًا من الزمن. من آثاره: «مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب (1905)، والأشراف السعوديون (1921) ورحلة هولندي إلى المغرب (1926) وغيرها. انظر: قالوا عن الإسلام، (ص 70).

219.     نقلًا عن القرآن الكريم من منظور غربي، د. عماد الدين خليل، (ص 18).

220.     نقلًا عن: المصدر السابق، (ص 60).

221.     نصري سلهب: مسيحي من لبنان يتميز بنظرته الموضوعية وتحريه للحقيقة المجردة كما عرف بنشاطه الدؤوب لتحقيق التعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية في لبنان- كما يزعم- إن على مستوى الفكر أو على مستوى الواقع. وعبر الستينيات كتب العديد من الفصول وألقى العديد من المحاضرات في المناسبات الإسلامية والمسيحية على السواء، متوخيًا الهدف نفسه ومن مؤلفاته: لقاء المسيحية والإسلام (1970) و في خطى محمد، (ص 69).

222.     في خطى محمد، (ص 94).

223.     المصدر نفسه، (ص 341).

224.     المصدر نفسه، (ص 358).

225.     المصدر نفسه، (ص 344).

226.     د. سدني فيشر: أستاذ التاريخ في جامعة أوهايو الأمريكية وصاحب الدراسات المتعددة في شئون البلاد الشرقية التي يدين الأكثرون من أبنائها بالإسلام. مؤلف كتاب: الشرق الأوسط في العصر الإسلامي والذي يناقش فيه العوامل الفاعلة التي يرجع إليها تطور الشعوب والحوادث في هذه البلاد وأولها الإسلام. انظر: قالوا عن الإسلام، (ص 78) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، (ص 54).

227.     نقلًا عن: القرآن الكريم من منظور غربي، (ص 65) وأحال على: الشرق الأوسط في العصر الإسلامي، (عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 54).

228.     نقلًا عن: المصدر السابق، (ص 61).

229.     البحث عن الله، (ص 51).

230.     لورا فيشيا فاغليري: باحثة إيطالية معاصرة، انصرفت إلى التاريخ الإسلامي قديمًا وحديثًا وغلى فقه العربية وأدابها. من آثارها قواعد العربية في جزئين (1937- 1941) و الإسلام (1946) و دفاع عن الإسلام (1952) والعديد من الدراسات في المجلات الاستشراقية المعروفة. انظر: قالوا عن الإسلام، (ص 75)، دفاع عن الإسلام، (ص 56-57).

231.     دفاع عن الإسلام، (ص 30-32).

232.     المصدر نفسه، (ص 59).

233.     نقلًا عن: المصدر السابق، (ص 63).

234.     التربية في كتاب الله، محمد عبد الوهاب، (ص 52-53).

235.     د. جورج حنا: (1311- 1389 هـ، 1893- 1969م)، مسيحي من لبنان ينطلق في تفكيره من رؤية مادية طبيعية صرفة، كما هو واضح في كتابه المعروف: «قصة الإنسان». وهو طبيب نسائي من الكتاب، مولده ووفاته في الشويفات بلبنان. تخرج في الجامعة الأمريكية طبيبًا وتخصص في باريس بالتوليد وأمراض النساء وأنشأ في بيروت مستشفى للتوليد. له (28) كتابًا مطبوعًا، منها: «من الاحتلال إلى الاستقلال» و «العقم والسلالة البشرية»، و «أنا عائد من موسكو«. و «الوعي الاجتماعي» و«الجديد في الواقع العربي». انظر: قالوا عن الإسلام، (ص 58). معجم المؤلفين، (1/513). الأعلام (2/145).

236.     قصة الإنسان، (ص 79-80).

237.     خصائص القرآن الكريم، (ص 217)، عن: جذور البلاء، عبد الله التل، (ص 201).

238.     قادة الغرب يقولون، جلال العالم (ص 31) عن: مجلة المنار، عدد (9-11)، (1962 م).

239.     المصدر نفسه، (ص 51)، عن جريدة الأيام، عدد (7880) بتاريخ (6 كانون أول 1962 م).

240.     انظر: من أسرار عظمة القرآن، (ص 51-53)، وخصائص القرآن الكريم، (ص 217-221).

241.     انظر: التربية في كتاب الله، محمود عبد الوهاب فايد، (ص 53-54).



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالأربعاء 23 يناير 2019, 5:21 pm

المبحث الرابع
عظمة أسماء وأوصاف القرآن.

أولًا: عظـمة أسمــاء القرآن.
ثانيًا: عظمة أوصاف القرآن.
 
تمهيد
لقد سمى الله تعالى كتابه العظيم بصفات جليلة عظيمة تنطبق على جميعه، إظهارًا لشرفه ومكانته، فإن كثرة الأسماء والأوصاف دالة على شرف المسمى والموصوف، ودالة كذلك على أنه الأصل والأساس لجميع العلوم النافعة والفنون المرشدة لخير الدنيا والآخرة (242).

فيجب علينا -ونحن نتلو القرآن ونتدبره- أن نلحظ هذه الأسماء والأوصاف والسمات الجليلة، وأن نقف طويلًا أمام الآيات التي تعرضها، فإنه لا أحد أعلم بكلام الله تعالى منه -عز وجل- ومهما بالغ الواصفون لكتاب الله تعالى وتفننوا في وصف ما اشتمل عليه، هو -ورب البرية- فوق ذلك وأعظم.

وفيما يلي طائفة لأهم أسماء وأوصاف القرآن العظيم وهي على النحو التالي:
أولًا: عظمة أسماء القرآن.

وفيه تسعة مطالب:
المطلب الأول: الفرقان.
المطلب الثاني: البرهان.
المطلب الثالث: الحق.
المطلب الرابع: النبأ العظيم.
المطلب الخامس: البلاغ.
المطلب السادس: الروح.
المطلب السابع: الموعظة.
المطلب الثامن: الشفاء.
المطلب التاسع: أحسن الحديث.
 
المطلب الأول
الفرقان
معنى «الفرقان» في اللغة:
جاءت لفظة «الفرقان» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود.


الفرقان:
يقوم على ثلاثة حروف أصول، هي الفاء والراء والقاف وهو كما يقول ابن فارس: (243) «أُصيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييزٍ وتنزيلٍ بين شيئين. من ذلك الفَرْق: فَرْق الشَّعَر، يُقال: فَرَقتُه فَرقًا...

والفرقان:
الصُّبح، سُمِّي بذلك؛ لأنه به يُفرق بين اللَّيل والنَّهار ويُقال لأنَّ الظُّلمة تتفرَّق عنه.

و «فَارَقَ فلان امرأته مُفَارقةً وفِراقًا: بَايَنَها» (244).

والفرقُ يُقارب الفلقَ في المعنى، لكن الفلقُ يُقال اعتبارًا بالانشقاق بينما الفرقُ يُقال اعتبارًا بالانفصال، قال تعالى: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) (البقرة: 50).

والفُرقان أبلغ من الفَرْقِ؛ لأنه يُستعمل في الفرق بين الحق والباطل فَرقًا جليًا بغير شبهة، بينما الفَرقُ يستعمل في هذا المعنى وفي غيره (245).
 
«والفرقان في الأصل مصدر فرق كالشُكران والكُفران والبُهتان ثم أطلق على ما يُفرق به بين الحق والباطل قال تعالى: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ) (الأنفال: 41)، وهو يوم بدر (246).

معنى الفرقان اسمًا للقرآن:
سمَّى الله تعالى القرآن فرقانًا في أربع آيات من كتابه المبارك، وهي:
1- قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان: 1).

2- قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ) (آل عمران: 4).

3- قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185).

4- قوله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) (الإسراء: 106).

قال الشَّوكاني -رحمه الله- (247):
قرأ عليُّ وابن عباس وابن مسعود وأُبيُّ بن كعب وقتادة والشَّعبي (248) (فَرَقْنَاهُ) بالتَّشديد: أي أنزلناه شيئًا بعد شيء لا جملةً واحدة.

وقرأ الجمهور (فَرَقْنَاهُ) بالتخفيف: أي بَيَّناه وأوضحناه، وفَرَّقنا فيه بين الحق والباطل.

واختلف المفسِّرون في سبب تسمية القرآن بالفرقان على أقوال (249):
1- سُمِّي بذلك؛ لأن نزوله كان مُتفرقًا أنزله تعالى في نَيِّف وعشرين سنة، في حين أن سائر الكتب نزلت جملة واحدة (250).

وتشهد له قراءة التَّشديد: (فَرَقْنَاهُ).

2- سمِّي بذلك؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام والمجمل والمبين والخير والشر والهدي والضلال والغي والرشاد والسعادة والشقاوة والمؤمنين والكافرين والصادقين والكاذبين والعادلين والظالمين وبه سمِّي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الفاروق.

وتشهد له قراءة الجمهور: (فَرَقْنَاهُ) بالتَّخفيف.
 
وقد بيَّن ابن عاشور -رحمه الله- سبب تسمية القرآن بالفرقان بقوله: (251)
« ووجه تسميته الفرقان أنه امتاز عن بقية الكتب السماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل، فإن القرآن يعضد هديه بالدلائل والامتثال ونحوها، وحسبك ما اشتمل عليه من بيان التوحيد وصفات الله مما لا تجد مثله في التوراة والإنجيل كقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى:11)».

والقرآن العظيم فارقٌ بين نهجٍ الحياة ونهج، وبين عهد للبشرية وعهد، فهو يُقرر منهجًا واضحًا لا يختلط بأي منهج آخر مما عرفته البشرية قبله. فهو فرقان بهذ المعنى الواسع الكبير. فرقان ينتهي به عهد الخوارق المادية ويبدأ به عهد المعجزات العقلية، وينتهي به عهد الرسالات المحلية الموقوتة ويبدأ به عهد الرسالة العامة: (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان: 1) (252).

4-    قيل: الفرقان هو النجاة، وهو قول عكرمة (253) والسُّدِّي (254)، سمي بذلك؛ لأن الخلق في ظلمات الضلالات وبالقرآن وجدوا النجاة.

وعليه حمل المفسرون قوله تعالى: (وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (البقرة: 53) (255).

وسواء كانت سبب تسمية القرآن العظيم بالفرقان؛ لأن نزوله كان متفرقًا في ني وعشرين سنة، بينما سائر كتب الله تعالى نزلت جملة واحدة، أو سمي بذلك؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل؛ أو لأن فيه نجاة من ظلمات الضلالات. فهذا الاختلاف في التنوع يدل دلالة صريحة على عظمة القرآن ورفعة منزلته عند الله تعالى وعلو شأنه.

المطلب الثاني
البرهان
معنى «البرهان» في اللغة:
جاءت لفظة «البرهان» في اللُّغة بمعانٍ عدَّة نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا وهي:
«البُرهان الحُجَّةُ الفاصلة البيِّنة، يُقال: بَرهَنَ يُبَرهِنُ بَرهَنَةً إِذا جاء بِحُجَّةٍ قاطعةٍ للَدَد الخَصم، فهو مُبَرهِنٌ» (256).

والبرهان: مصدَرُ بَرَهَ يَبْرَهُ إذا ابيَضَّ وَرَجُلٌ أَبرَهُ وامرأةٌ بَرهَاءُ، وَقَومٌ بُره،ٌ وَبَرَهرَهَةٌ شابَّةٌ بَيضَاءُ (257).

ومن هنا جاء التشبيه ببياض الحجة وإشراقها كبياض الحق وإشراقه.

«وقد بَرهَنَ عليه: أَقَامَ الحُجَّةَ» (258).

و«البُرهانُ أَوكدُ الأدلَّة وهو الذي يقتضي الصدقَ أبدًا، لا مَحالة» (259).

معنى البرهان اسمًا للقرآن:
سمَّى الله القرآنَ برهانًا في آية واحدة في كتابه العزيز، وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (النساء: 174).

فهذا خطاب لكلِّ أصحاب الملل اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم أن الله تعالى أقام بهذا القرآن الحجة عليهم تبرهن لهم بطلان ما هم عليه من الدين المنسوخ، وهذه الحجة تشمل الأدلة العقلية والنقلية والآيات الآفاقية كما قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصلت: 53).

بل كفى بالقرآن العظيم -وحده- برهانًا على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في دعوى الرسالة (260).

فالقرآن «برهان من الله لعباده أقام به الحُجَّة عليهم وأظهر من خلاله أوضح الدلالات وأقواها، على موضوعاته ومعانيه وحقائقه، في العقيدة والحياة.. وكل من تعامل مع أدلة القرآن في يسرها ووضوحها وتأثر قلبه وعقله بها، وقارنها بالأدلة والبراهين والأقيسة التي أوجدتها العقول البشرية وقررتها وبينتها، كل من فعل ذلك يدرك طرفًا من البرهان القرآني ويسره ووضوحه» (261).

وتتجلى عظمة القرآن الكريم ومنزلته العالية من خلال تسميته بالبرهان؛ ذلك لأن الله تعالى أقام به الحجة على عباده تبرهن لهم بطلان ما هم فيه من الدين المنسوخ، وهي حجة متنوعة في الاستدلال؛ لتستوعبها عقول البشر على اختلاف فهومهم وثقافاتهم، وهذا من رحمة الله تعالى وحكمته.

المطلب الثالث
الحق
معنى «الحق» في اللغة:
جاءت لفظة الحق في اللُّغة بمعانٍ عدة نأخذ منها ما يدل على المقصود.


عَرَّفها ابن فارس بقوله: (262)

«الحاء والقاف أصلٌ واحد وهو يدلُّ على إحكام الشيء وصحَّته».

و«أصلُ الحقِّ المطابقةُ والموافقة» (263).

و«الحقُّ ضدُّ الباطل» (264).

والحقُّ من أسماء الله -عز وجل-، وقيل من صفاته.
 
قال ابن الأثير:
هو الموجود حقيقةً المُتَحَقِّقُ وُجودُه وإِلهيَّتُه. قال تعالى: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ) (الأنعام: 62).

وقال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ) (المؤمنون: 71).

قال ثعلب: الحق هنا الله -عز وجل-، وقال الزَّجاج: ويجوز أن يكون الحق هنا التنزيل، أي: لو كان القرآن بما يُحِبُّونه لفسدت السماوات والأرض.

وقال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ:
«هل تدري ما حقُّ العباد على الله» (265) أي: ثوابهم الذي وعدهم به فهو واجب الإنجاز ثابت بوعده الحق (266).

«والأحقُّ من الخيل: الذي لا يعرق، وهو من الباب؛ لأن ذلك يكون صلابته وقُوَّته وإحكامه» (267).

معنى «الحق» اسمًا للقرآن:
سمَّى الله تعالى القرآن حقًا في مواضع عدة من كتابه، نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا وهي:
1- قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) (الحاقة: 51).

«أي: وإن القرآن لكونه من عند الله حق فلا يحولُ حوله ريب ولا يتطرَّقُ إليه شك» (268).

وهذا القرآن العظيم عميق في الحق، عميق في اليقين، وإنه ليكشف عن الحق الخالص في كل آية من آياته ما ينبئ بأن مصدره هو الحق الأوحد والأصيل (269).

2- قوله تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) (الأنبياء: 18).

قال الواحدي (270) -رحمه الله-:
«نلقي بالقرآن على باطلهم» (271).

و«القذف: الرَّمي، أي نرمي بالحقِّ على الباطل (فَيَدْمَغُهُ) أي: يقهره وهلكه.

وأصل الدَّمغ: شَجُّ الرأس حتى يبلغ الدِّماغ، ومنه الدَّامِغَةُ (272).

 والحقُّ هنا القرآن، والباطل الشيطان في قول مجاهد» (273).

3- قوله تعالى: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام: 66).

قال الثَّعالبي (274) -رحمه الله-:
« الضَّمير في (بِهِ) عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات، قاله السُّدِّي، وهذا هو الظاهر» (275).

وقوله تعالى: (وَهُوَ الْحَقُّ) جملة اعتراضية تتضمن شهادة الله بأن هذا القرآن المنزل على هذا النبيِّ الكريم -صلى الله عليه وسلم- هو الحقُّ من الله (276).

والمعنى:
«(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) أي: بالقرآن الذي جئتم به، والهدى والبيان. (قَوْمُكَ) يعني: قريشًا، (وَهُوَ الْحَقُّ)، أي الذي ليس وراءه حق.

(قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي: لستُ عليكم بحفيظ، ولست بموكل بكم» (277).

4- قوله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (هود: 17).

قوله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي: بالقرآن ولم يُصدِّق بتلك الشَّواهد الحقَّة.

وقوله: (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) أي: في شكٍّ من أمر القرآن وكونه من عند الله -عز وجل- (278).

«وفيه تعريضٌ بغيره -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه معصومٌ عن الشَّك في القرآن» (279).
 
وقوله تعالى: (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي: القرآن حقٌّ من الله تعالى لا مرية ولا شك فيه كما قال تعالى: (آلم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (السجدة: 1-2).

وقال تعالى: (آلم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة: 1-2) (280).

«وتعريف (الْحَقُّ) لإفادة قصر جنس الحقِّ على القرآن.

وهو قصر مبالغة لكمال جنس الحق فيه حتى كأنه لا يوجد حق غيره، مثل قولك: حاتم الجواد» (281).

وقوله تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) إما جهلًا منهم وضلالًا، وإما ظلمًا وعنادًا وبغيًا.

وإلا فمن كان قصده حسنًا، وفهمه مستقيمًا، فلابد أن يؤمن به؛ لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان من كل وجه» (282).

5- قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيد) (سبأ: 48-49).

والقذف: الرَّمي بالسَّهم والحصى والكلام، ومعناه: أتى بالحقِّ وبالوحي ينزله من السَّماء فيقذفه إلى الأنبياء (283).

وقوله تعالى: (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ) «وهو الإسلام والقرآن» (284).

فهذا القرآن العظيم الذي جاء به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هو الحق: الحقُّ القويُّ الذي يقذف به الله تعالى.

فمن ذا يقف للحق الذي يقذف به الله تعالى؟

وكأنما الحق قذيفة تصدع وتخرق وتنفذ ولا يقف لها أحد في طريق، يقذف بها الله تعالى علام الغيوب، فهو يقذف بها عن علم، ويوجهها على علم، ولا يخفى عليه هدف، ولا تغيب عنه غاية، فالطريق أمامه تعالى مكشوف ليس فيه ستور (285).

ومن خلال تسمية القرآن الكريم باسم (الحق) تبرز عظمتُه ومنزلتُه العالية، فلابدَّ أن يؤمن الناس بهذا الحق الأوحد ويستجيبوا له؛ لأن مصدره هو الإله الأوحد جل جلاله، ولا يوجد حق غيره، ففيه تعريض بغيره من الكتب المُحَرَّفَة؛ لاختلاط الحق بالباطل فيها.

المطلب الرابع
النبأ العظيم
معنى «النَّبأ» في اللغة:
جاءت لفظة «النَّبأ» في اللُّغة بمعان عدة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود.

فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: (286)
«النون والباء والهمزة قياسه الإتيانُ من مكان إلى مكان.

يُقال للذي يَنبأ من أرضٍ إلى أرضٍ نابئٌ، وسيلٌ نابئ: أَتَى من بلدٍ إلى بلد، ورجل نابئ مثله، ومن هذا القياس النبأ: الخبر؛ لأنَّه يأتي من مكان إلى مكان، والمُنبئ: المُخبِر».
 
وجمعُ النَّبأ: أنباءٌ، وإنَّ لفلان نبأ أي: خبرًا.

واستنبأ النَّبأ: بحث عنه (287).

و«النَّبأُ: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يُقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحق الخبر الذي يُقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب كالتواتر وخبر الله تعالى وخبر النبي عليه الصلاة والسلام» (288).

معنى «النبأ» اسمًا للقرآن:
سمَّى الله تعالى القرآن نبأ عظيمًا في موضعين:
في سورة ص، وفي سورة النبأ، ولاشكَّ بأن القرآن نبأ عظيم، فمنذ إيجاد البشرية وتكوينها، ما رأت ولا سمعت بمثل هذا القرآن العظيم، فهو عظيم في أسلوبه، وعظيم في روعته، وعظيم في معناه، وعظيم في جمال تركيبه، وعظيم في وعده ووعيده، وعظيم في أحكامه، وعظيم في أمره ونهيه، وعظيم في أخباره وقصصه وأمثاله.

وحكمة الله تعالى تقتضي ذلك؛ لأنه الكتاب الذي جاء مصدقًا ومهيمنًا على كل كتاب قبله؛ ولأنه آخر الكتب السماوية.

ولأنه نزل تشريعًا عامًا لكل أمة ولكل جيل من أجيال العالم، وناسخًا لكل ما خالفه من الكتب قبله، فاقتضت حكمة الله أن يكون نبأ عظيمًا، جاء بالصلاح والإصلاح بالخير والسعادة.

يُنبئ القرآن عن الله وعظمته وكبريائه، ينبئ القرآن عن وجوب توحيد الله وإفراده بالعبادة، ينبئ عن أحكام العبادات، وعن أحكام المعاملات، ينبئ عن كل ما يحتاجه البشر في الدين والدنيا.

يُنبئ القرآن عن الأمم التي تقادم عهدها وما جرى عليها من عذاب ونكال، بسبب تكذيبها وفسقها وطغيانها، ينبئ عن البعث والنشور، والحساب والعقاب، والنعيم والعذاب.

ينبئ النبأ العظيم عن كل شيء، من البداية إلى النهاية، من بداية خلق هذا الكون، حتى يستقر أهل الجنة في النعيم، وأهل النار في الجحيم (289).

قال الله تعالى عن القرآن العظيم: (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (ص: 67-68).

«أي: خبر عظيم وشأن بليغ، وهو إرسال الله إيَّايَ إليكم، (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) أي: غافلون.

قال مجاهد (290)، وشريح القاضي (291)، والسُّدي في قوله -عز وجل-: (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) يعني: القرآن» (292).
 
قال السمرقندي (293) -رحمه الله-:
«قوله -عز وجل- (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) يقول القرآن حديث عظيم؛ لأنه كلام رب العالمين (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) يعني: تاركون فلا تؤمنون به» (294).

وقال ابن الجوزي (295) -رحمه الله-:
«وفي المشار إليه قولان: أحدهما: أنه القرآن.

قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور.

والثاني: أنه البعث بعد الموت» (296).

ولقد جاء هذا النَّبأ العظيم لتجاوز قريشًا في مكة، والعرب في الجزيرة، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض، ليتجاوز هذا المدى المحدود من المكان والزمان، ويؤثِّر في مستقبل البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها، ويُكَيِّف مصائرها منذ نزوله إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
 
ولقد حوَّل هذا النبأ العظيم خطَّ سير البشرية إلى الطريق الأقوم.

ولم يمر بالبشرية في تاريخها كلِّه حادث أو نبأٌ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم، وفيه إبراز لعظمته، وعلو شأنه، ومنزلته وتأثيره.

ولقد أنشأ من القيم والتَّصورات، وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها، وفي أجيال البشرية جميعها، ما لم يخطر للعرب على بال.

وما كانوا يُدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ العظيم إنما جاء ليغير وجه الأرض من شرك إلى توحيد، ومن ظلم إلى عدل، ويحقق قدر الله تعالى في مصير هذه الحياة، ويؤثر في البشرية وفي واقعها.

موقف المسلمين المعاصرين:
المسلمون المعاصرون يقفون مِن هذا النبأ العظيم كما وقف منه العرب أول الأمر، لا يدركون طبيعتَه، ولا يتدبرون الحق الكامن فيه، ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضًا واقعيًا، يعتمدون فيه على نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا النبأ العظيم، الذي يهمُّهم دائمًا أن يصغروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ (297).
 
المطلب الخامس
البلاغ
معنى «البلاغ» في اللغة:
جاءت لفظة «البلاغ» في اللُّغة بمعان عدَّة نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا.

عرَّفها ابن فارس بقوله: (298)
«الباء واللام والغين أصلٌ واحد وهو الوُصول إلى الشيء: تقول بَلَغْتُ المكانَ، إذا وصَلْتَ إليه».

و«بَلَغَ الشيءُ يَبْلُغُ بُلُوغًا وبَلاغًا: وصَلَ وانْتَهَى» (299).

و «البلوغُ والبلاغُ: الانتهاءُ إلى أَقصى المَقصِد والمُنتهى مكانًا كانَ أو زَمانًا أو أمرًا مِنَ الأُمور المُقدَّرةِ» (300).

والبُلغَةُ ما يُبتلَّغُ به من عَيشٍ، كأنَّه يُراد أنه يبلُغُ رُتبةَ المُكثِر إذا رَضي وقَنَع؛ وكذلك البَلاغةُ التي يمدحُ بها الفَصيحُ اللِّسان؛ لأنه يبلُغُ بها ما يريده.

وقولهم بلَّغ الفارسُ، يُرادُ به أنه يمدُّ يَدَه بعنان فَرسه ليزيدَ في عدوهِ (301).
 
معنى «البلاغ» اسمًا للقرآن:
قال الله تبارك وتعالى في مدح القرآن: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) (إبراهيم: 52).

قال السعدي (302) -رحمه الله-:
«فلمَّا بيَّن البيان المبين في هذا القرآن قال في مدحه (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ) أي: يبتلغون به ويتزوَّدون إلى الوصول إلى أعلى المقامات، وأفضل الكرامات، لما اشتمل عليه من الأصول والفروع وجميع العلوم التي يحتاجها العباد (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) لما فيه من الترهيب من أعمال الشر وما أعد الله لأهلها من العقاب» (303).

وذكر السيوطيُّ (304): -رحمه الله- سبب تسمية القرآن بالبلاغ فقال:
«وأمَّا البلاغ؛ فلأنه أبلغ به الناس ما أمروا به ونهوا عنه؛ أو لأن فيه بلاغة وكفاية عن غيره.

قال السلَفِيُّ (305) في بعض أجزائه:
سمعت أبا الكرم النحوي يقول: سمعت أبا القاسم التنوخي، يقول: سمعت أبا الحسن الرماني سُئِلَ: كل كتاب له ترجمة، فما ترجمة كتاب الله؟ فقال: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ)» (306).

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا بجلاء أن القرآن العظيم بلاغ للناس أجمعين يتبلغون به ويتزودون به إلى الجنة إن استجابوا له؛ ذلك أن الله تعالى أبلغهم به ما فيه صلاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة.

وفي القرآن العظيم كذلك بلاغة وكفاية عن غيره من الكتب المُحَرَّفَة فضلًا عن قوانين البشر الوضعية، كل ذلك يدل على عظمته، وعلو شأنه، ومنزلته عند الله تعالى.

فينبغي أن يكون القرآن -في قلوب المؤمنين- عظيمًا ليتبلغوا به إلى جنات النعيم.
 
المطلب السادس
الرُّوح
معنى «الرُّوح» في اللغة:
جاءت لفظة «الرُّوح» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود.

فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: (307)
«الراء والواو والحاء أصلٌ كبير مُطَّرد، يدلُّ على سَعَة وفُسحَةٍ واطراد، وأصل ذلك كلِّه الرِّيح».

الرُّوح: النَّفسُ، يُذكَّر ويؤنَّث، والجمع أرواح.

الرُّوح والنَّفسُ واحد، غيرَ أنَّ الرُّوحَ مُذكَّر، والنَّفسَ مؤنَّثة عند العرب.

قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) (الإسراء: 85).

وتأويلُ الرُّوح أنه ما به حياةُ النَّفس.

الرُّوح:
هو الذي يعيش به الإنسان، لم يخبر الله تعالى به أحدًا من خلقه ولم يعط علمَه العباد.

والرُّوحانيون:
أرواح ليست لها أجسام.

ولا يُقال لشيء من الخلق رُوحانيٌ إلا للأرواح التي لا أجساد لها مثل الملائكة والجن وما أشبههما (308).

معنى «الروح» اسمًا للقرآن:
قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) (الشورى: 52).

قال أبو السُّعود -رحمه الله- في قوله (رُوحًا): (309)
«هو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الرُّوح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية».

«وتنوين (رُوحًا) للتعظيم، أي: روحًا عظيمًا» (310).

والمعنى:
(وَكَذَلِكَ) حين أوحينا إلى الرسل قبلك (أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) وهو: هذا القرآن العظيم، سماه روحًا؛ لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير.

وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال تعالى: (مَا كُنْتَ تَدْرِي) أي: قبل نزوله عليك (مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أميًا، ولا تخط ولا تقرأ.

فجاءك هذا الرُّوح الذي:
(جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم (311).

ولا جرم أنَّ القرآن روحٌ وحياةٌ للإنسانية جَمعاء، الإنسانية التي قتلها الغرور وأماتها الجهل، ونخر في أعضائها السُّوس، وتسربت إليها الأمراض الفاتكة، فانتكست وتعثرت وتدهورت، لا صحة لها.

ولا حياة طيبة إلا بالقرآن العزيز، الذي سماه الله روحًا- روحًا حية نابضة (312).

فمن عظمة القرآن وعلو شأنه أنه بمنزلة الرُّوح للأبدان تحيا به القلوب والأرواح، فهو حياة للإنسانية جمعاء، ومن لم يؤمن بهذا الروح فهو ميت، وإن أكل وشرب، قال الله تعالى: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (النمل: 80-81).

المطلب السابع
الموعظة
معنى «الموعظة» في اللغة:
جاءت لفظة «الموعظة» في اللُّغة بمعانٍ متعددِّة ومتنوِّعة نذكر منها ما له صلة بموضوعنا.

قال ابن فارس: (313)
«الواو والعين والظاء كلمة واحدة».

وقد عرفها الأصفهاني (314) بقوله:
«الوعظُ زَجرٌ مُقترِنٌ بِتخويفٍ.
 
قال الخليلُ:
هو التَّذكيرُ بالخَيرِ فيما يَرِقُّ له القَلبُ، والعِظةُ والمَوعظةُ الاسم» (315).

واتَعَظَ هو: قَبِلَ الموعظة، حين يُذكر الخبر ونحوه.

ويُقال: السَّعيدُ مَن وُعِظ بغيره والشَّقيُّ من اتَّعَظ به غَيرُه (316).

معنى «الموعظة» اسمًا للقرآن:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (يونس: 57).

«يعني القرآن فيه ما يتعظ به من قرأه وعرف معناه» (317).

«والموعظة: القرآن؛ لأن الوعظ إنما هو بقول يأمر بالمعروف، ويزجر ويرقق القلوب، ويعد ويُوعد، وهذه صفة الكتاب العزيز» (318).

والمعنى:
يا أيها الناس قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية، الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها، المرغبة في المحاسن، والزاجرة عن المقابح.

قد جاءكم كتاب جامع لكل المواعظ أو الوصايا الحسنة التي تُصلِح الأخلاق والأعمال وتزجر عن الفواحش، وتشفي الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد، وتهدي إلى الحق واليقين والصراط المستقيم الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة (319).
 
ووصف هذه الموعظة بأنها: (مِنْ رَبِّكُمْ) للتنبيه على حسنها وكمالها وضرورة العالم أجمع إليها (320)، وهل توجد أبلغ من الموعظة الربانية؟ وأكثر نفاذًا منها إلى القلوب؟

والقرآن في الحقيقة موعظة بليغة؛ لأن القائل هو الله جل جلاله، والآخذ جبريل عليه السلام، والمستملي محمد -صلى الله عليه وسلم- فكيف لا تقع به الموعظة (321).

فلو اجتمع الخلقُ كلُّهم إنسُهم وجنُّهم وأتوا بالبلغاء والفصحاء لم يدانوا الموعظة القرآنية ولم يقاربوها في شيء، فأين كلامٌ من كلام، وأين موعظةٌ من موعظة.

وفي هذا إبراز لعظمة القرآن، وعلوِّ شأنه، وتأثيره وفاعليَّته.

والقرآن كذلك موعظةٌ حكيمة مُحكمة، هي سياط القلوب، وفي الوقت نفسه فرحها واستبشارها، أمرت بكل خير ونهت عن كل شر، فيجب تلقيها بالرضا والقبول والتسليم.

فكفى بالقرآن واعظًا، وكفى بالقرآن زاجرًا، وكفى بالقرآن هاديًا ومذكرًا.

قال تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 138).

فالمنتفعون بموعظة القرآن هم: المتقون، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
 
المطلب الثامن
الشِّفاء
معنى «الشفاء» في اللغة:
جاءت لفظة «الشفاء» في اللُّغة بمعانٍ متعددة ومتنوعة نذكر منها ما له صلة بموضوعنا.

فقد عرفها ابن فارس بقوله: (322)
«الشين والفاء والحرف المعتل يدلُ على الإشراف على الشيء.

يُقال أشفي على الشيء إذا أشرف عليه، وسُمِّي الشِّفاء شفاء لغَلَبَته للمرض وإشفائه عليه».

والشِّفاءُ: دواء معروفٌ، وهو ما يُبرئُ من السَّقَم، والجمعُ أشفيَةٌ، وأَشاف جمع الجمع.

واستشفى فلان: طلب الشفاء.

وأشفيت فلانًا إذا وهبت له شفاءً من الدواء.

وشفاه وأشفاه: طلب له الشفاء (323).

معنى «الشفاء» اسمًا للقرآن:
لقد سمَّى الله -عز وجل- القرآنَ العظيم شفاءً في ثلاثة مواضع من كتابه، وهي:
1- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) (يونس: 57).

«أي: دواء للقلوب من أمراضها التي هي أشدُّ من أمراض الأبدان كالشَّك والنفاق والحسد والحقد وأمثال ذلك» (324).

ولا شك أن «هذا القرآن، شفاء لما في الصدور، من أمراض الشَّهوات الصَّادرة عن الانقياد للشَّرع، وأمراض الشُّبهات، القادحة في العلم اليقيني» (325).

2- قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء: 82).

«والشفاء حقيقة زوال الداء، ويستعمل مجازًا في زوال ما هو نقص وضلال وعائق عن النفع من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة والأخلاق الذميمة تشبيهًا ببرء السقم، كقول عنترة (326):
ولقد شَفَى نفسي وأبرأ سُقمها        قيل الفوارس: ويكَ عنترَ قَدِّمِ

والمعنى:
أن القرآن كلَّه شفاء ورحمة للمؤمنين...

وفي الآية دليل على أن في القرآن آيات يُستشفى بها من الأدواء والآلام وَرَدَ تعيينها في الأخبار الصحيحة فشملتها الآية بطريقة استعمال المُشتَرَك في معنييه» (327).
 
3- قوله تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) (فصلت: 44).

ولندع للفخر الرازي -رحمه الله- الحديث عن شفاء القرآن، فقال (328):
«واعلم أن القرآن شفاء من الأمراض الروحانية، وشفاء أيضًا من الأمراض الجسمانية، أما كونه شفاء من الأمراض الروحانية فظاهر، وذلك لأن الأمراض الروحانية نوعان: الاعتقادات الباطلة، والأخلاق المذمومة، أما الاعتقادات الباطلة: فأشدها فسادًا الاعتقادات الفاسدة في الإلهيات والنبوات، والمعاد، والقضاء والقدر.

والقرآن كتاب مشتمل على دلائل المذهب الحق في هذه المطالب، وإبطال المذاهب الباطلة فيها،... وأما الأخلاق المذمومة: فالقرآن مشتمل على تفصيلها، وتعريف ما فيها من المفاسد، والإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة الكاملة والأعمال المحمودة،... وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية: فلأن التبرك بقراءته يدفع كثيرًا من الأمراض...».

وينبغي علينا أن نُوَسِّعَ دائرةَ شفاء القرآن من أمراض القلوب والنفوس والجوارح إلى الأمراض العصرية المزمنة كأمراض السياسة والاقتصاد والحياة والحضارة وغيرها من أمراض العصر المعقدة، بهذا المفهوم الشامل يجب علينا أن ننظر للشفاء القرآني، ولا نقصره على آلام الرأس والبطن والجسد (329).

فمن عظمة القرآن الكريم، وعلوِّ شأنه، وعظمة تأثيره: أنَّ فيه الشفاء الكامل لأمراض الاعتقادات الباطلة، والأخلاق المذمومة، والأمراض الجسدية، وشفاؤه يمتد كذلك إلى الأمراض المعاصرة المزمنة لو أخذ الناس بتعاليمه وأدويته النَّافعة فعملوا بها.
 
المطلب التاسع
أحسن الحديث
معنى «الحديث» في اللغة:
جاءت لفظة «الحديث» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدل على المقصود.

فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: (330)
«الحاء والدال والثاء أصلٌ واحد، وهو كونُ الشيء لم يكن، يُقال حدث أمرٌ بَعْد أن لم يَكُنْ».

والحديثُ: الخبر قليله وكثيره، وجَمعُه أحاديثُ على غير القياس.

والأحدُوثَةُ: بوزن الأعجوبة ما يُتحدَّثُ به، والمُحَدَّثُ: بفتح الدال وتشديدها الرَّجُلُ الصادق الظن (331).

والحديثُ: نقيضُ القديم.

واستحدثتُ خبرًا: أي وَجَدتُ خَبرًا جديدًا (332).

معنى «أحسن الحديث» اسمًا للقرآن:
قال الله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (الزمر: 23).

«يعني أحكم الحديث، وهو القرآن» (333).

فهذا مدح من الله -عز وجل- لكتابه القرآن العظيم المُنزَّل على رسوله الكريم، أنه أحسن الحديث وأحسن الكلام على الإطلاق.
 
«وأحسن الكتب المنزَّلة من كلام الله، هذا القرآن.

وإذا كان هو الأحسن، علم أن ألفاظه أفصح الألفاظ، وأوضحها، وأن معانيه أجل المعاني؛ لأنه أحسن الحديث في لفظه ومعناه، متشابه في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف، بوجه من الوجوه.

حتى إنه كلما تدبره المتدبر، وتفكر فيه المتفكر، رأى من اتفاقه، حتى في معانيه الغامضة ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلا من حكيم عليم» (334).

«وفي هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين، أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريق إلى معرفة أحسنه، حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن من آثره فهو من أولي الألباب؟

قيل: نعم، أحسنه ما نصَّ الله عليه بقوله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)الآية» (335).

«وسماه حديثًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُحدِّث به قومه ويخبرهم بما ينزل عليه منه» (336).

وهذه الآية الكريمة تدلُّ دلالة واضحة على «تفضيل القرآن على غيره من كلام الله، التوراة والإنجيل، وسائر الكتب، وأن السلف كلَّهم كانوا مقرين بذلك، ليس منهم من يقول الجميع كلام الله فلا يفضل القرآن على غيره» (337).

وافتتاح الآية باسم الجلالة (اللَّهُ) يؤذن بتفخيم أحسن الحديث المُنزل بأن مُنزله هو أعظم عظيم، ويفيد الاختصاص كذلك، أي اختصاص تنزيل الكتاب بالله تعالى.

والمعنى:
الله تعالى هو الذي نزل الكتاب لا غيره وضعه، فهذا كناية عن كونه وحيًا من عند الله تعالى لا من وضع البشر.

وقد سمي القرآن حديثًا في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى، ومنها:
1-    قوله تعالى: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 185).

2-    قوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف: 6).

3-    قوله تعالى: (وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ) (النجم: 59).

4-    قوله تعالى: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ) (القلم: 44) (338).

وكون القرآن العظيم أحسن الحديث على الإطلاق، وأحسن الكتب المنزلة من كلام الله تعالى، من حيث فصاحة ألفاظه ووضوحها، وجلالة معانيه وكثرتها ونفعها، دل ذلك على عظمته وفخامته وعلو شأنه ورفعته.



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالأربعاء 23 يناير 2019, 5:34 pm

ثانيًا: عظمة أوصاف القرآن
وفيه سبعة مطالب.
المطلب الأول: الحكيم.
المطلب الثاني: العزيز.
المطلب الثالث: الكريم.
المطلب الرابع: المجيد.
المطلب الخامس: العظيم.
المطلب السادس: البشير والنذير.
المطلب السابع: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 
‏المطلب الأول
الحكيم
‏معنى «الحكيم» في اللغة:
جاءت لفظة «الحكيم» في اللُّغة بمعانٍ متعدِّدَة ومتنوعة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود.

‏فقد عرَّفها ابن فارس بقوله (339):
«الحاء والكاف والميم أصلٌ واحد، وهو ‏المنعُ وأوَّل ذلك الحُكم، وهو المنع من الظُّلم».

ويُقال لمن يحسن دقائقَ الصِّناعات ويتقنها: حَكيمٌ.

وقد حَكَمَ، أي: صار حَكِيمًا.

وحَكَمَ الشيء وأحكَمَهُ، كلاهُما: مَنَعَهُ مِنَ الفساد.

يُقال: حَكِّم اليتيم كما تُحكِّمُ ولدَك، أي: امنَعه منَ الفساد وأصلحه كما تُصلح ولدك.

وكُلُّ ما منعتَه من شيء فقد حكَّمته وأحكمتَهُ.

وسُمِّيت حكمةُ الدَّابة بهذا المعنى؛ لأنها تمنعُ الدَّابة من كثير من الجهل (340).

«ويُقال حكمت السَّفيه وأحكمتُه، إذا أخذت على يديه، قال جرير (341):
أَبَني حَنيفةَ أحكِمُوا سُفهاءكم        إِني أخافُ عليكمُ أَن أَغضبَا» (342).

معنى «الحكيم» وصفًا للقرآن:
‏وَصَفَ الله تبارك وتعالى كتابه بأنه «حكيم» في عدَّة آيات، منها:
1- قوله تعالى: (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) (يونس: 1، لقمان: 2).

‏جاء وصف القرآن هنا بأنه (الْحَكِيمِ) ويحمل على عدة معان ومنها:
أ- الحكيم بمعنى المحكم بالحلال والحرام، والحدود والأحكام، فعيل بمعنى مفعل، قاله أبو عبيدة وغيره. ويشهد له قوله تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ) (هود: 1).

‏ب- الحكيم بمعنى الحاكم، أي أنه حاكم بالحلال والحرام، وحاكم بين الناس بالحق، فعيل بمعنى فاعل.

ويشهد له قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة: 213).

‏ج- الحكيم بمعنى المحكوم فيه، أي حكم الله فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وحكم فيه بالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه، فهو فعيل بمعنى المفعول، قاله الحسن وغيره.

‏د- الحكيم بمعنى المحكم من الباطل لا كدب فيه ولا اختلاف، قاله مقاتل، فعل بمعنى مفعل.

كقول الأعشى (343) يذكر قصيدته التي قالها:
وغريبة تأتي الملوك حكيمة        قد قلتها ليُقال من ذا قالها (344)

‏وقد ذكر السعدي -رحمه الله- شيئًا من إحكام آيات القرآن الحكيم ‏فقال (345):
‏«ومن إحكامها:
أنها جاءت بأجلِّ الألفاظ وأفصحها، وأبينها، الدالة على أجل المعاني وأحسنها.

‏ومن إحكامها:
أنها محفوظة من التَّغيير والتَّبديل، والزِّيادة والنَّقص، والتَّحريف.

‏ومن إحكامها:
أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة، والأمور الغيبية كلِّها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، ولم يخبر بخلافها نبي من الأنبياء، ولم يأت ولن يأت علم محسوس ولا معقول صحيح يناقض ما دلت عليه.

‏ومن إحكامها:
أنها ما أمرت بشيء، إلاَّ هو خالص المصلحة، أو راجحها، ولا نهت عن شيء، إلا وهو خالص المفسدة، أو راجحها، وكثيرًا ما يجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر حكمته وفائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته.

‏ومن إحكامها:
أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ، الذي تعتدل به النفوس الخيرة، وتحتكم، فتعمل بالحزم.

‏ومن إحكامها:
أنك تجد آياتها المتكررة، كالقصص، والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها وتواطأت، فليس فيها تناقض، ولا اختلاف».

‏وأنَّى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب الحكيم، وهو تنزيل من حكيم حميد، والحكمةُ ظاهرةٌ في بنائه، وتوجيهه، وطريقة نزوله، وفي علاجه ‏للقلب البشري من أقصر طريق (346).

2- قوله تعالى: (يس * وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ) (يس: 1-2).

‏فهذا قسمٌ من الله تعالى بالقرآن الحكيم، وقد وصفه بالحكمة، وهي:
‏وضع كل شيء في موضعه اللائق به.

‏ولا يخفى ما بين المُقسَم به -وهو القرآن الحكيم- وبين المقسم عليه، وهو رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الاتصال، وأنه لو لم يكن لرسالته دليل ولا شاهد إلا هذا القرآن الحكيم، لكفى به دليلًا وشاهدًا على هذه الرسالة النبوية الكريمة (347).

‏والقرآن الحكيم يخاطب كُلَّ أحد بما يناسبه ويؤثر فيه كائنًا من كان، وهذا من مقتضيات أن يكون حكيمًا.
 
‏والقرآن الحكيم يربي أيضًا بحكمة، وفق منهج عقلي ونفسي مستقيم، منهج يوجه طاقات البشر إلى الوجه الصالح القويم، ويقرر للحياة كذلك نظامًا ‏يسمح بكل نشاط بشري في حدود ذلك المنهج الحكيم (348).

‏وسواءٌ جاء وصف القرآن العظيم بأنه «حكيمٌ»؛ لأنه محكم بالحلال والحرام والحدود والأحكام، أو وصف بذلك؛ لأنه حاكم بالحلال والحرام وحاكم بين الناس بالحق، أو وصف بذلك؛ لأنه محكوم فيه، قد حكم الله تعالى فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وحكم فيه بالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه، أو وصف بذلك؛ لأنه محكم من الباطل فلا كذب فيه ولا اختلاف؛ فقد دل ذلك جميعه على عظمة القرآن وفخامته، وعلو شأنه ورفعته.
****
‏المطلب الثاني
العزيز
معنى «العزيز» في اللغة:
جاءت لفظة «العزيز» في اللُّغة بمعانٍ عدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود وهي:
‏العِزُّ ضِدُّ الذُّل، يُقال: عَزَّ يعز عِزًا - بكسر العين فيهما، وعَزازةً ‏بالفتح فهو عَزيزٌ، أي: قوي بعد ذِلة (349).

والعِزُّ في الأصل: القوَّة والشِّدَّة والغلبة، والعِزُّ والعِزَّة: الرفعة ‏والامتناع.

ورجل عزيزٌ: منيع لا يغلب ولا يقهر (350).

‏والعزَّةُ: حالة مانعة للإنسان من أن يُغلب، من قولهم: أرضٌ عزازٌ أي: صلبةٌ.

‏ويُقال: عزَّ عليَّ كذا: صَعُبَ، وعزَّه في كذا: غَلَبَهُ.

قال تعالى: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) (ص: 23). أي: غلبني (351).

‏معنى «العزيز» وصفًا للقرآن:
قال الله تعالى في وصف القرآن: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) (فصلت: 41).

أي: «يصعب مناله ووجود مثله» (352).

والعزيز: النَّفيس، وأصله من العزة وهي المنعة؛ لأن الشيء النفيس يدافع عنه ويحمى عن النبذ، ومثل ذلك يكون عزيزًا، والعزيز أيضًا: الذي ‏يَغلِب ولا يُغلَب، وكذلك حجج القرآن (353).

‏«ووصف تعالى الكتاب بالعزَّة؛ لأنه بصحَّة معانيه ممتنع الطَّعن فيه، والإزراء عليه وهو محفوظ من الله تعالى» (354).

* وجماع أقوال المفسرين في وصف القرآن بأنه (عَزِيزٌ) ما يلي (355):
1- منيعٌ من الشيطان لا يجد إليه سبيلًا. ولا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه.
2- كريم على الله، وعزيز على الله، وعزيز من عند الله، فينبغي أن يعز ويجل وألا يلغى فيه.
‏3- عديم النظير، منيعٌ من الباطل، ومن كل من أراده بتحريف أو سوء.
4- يمتنع على الناس أن يقولوا مثله، فهو غالب وقاهر.
5- غير مخلوق.


‏والمتأمل في هذه الأقوال يجدها جميعًا تنطبق على «العزيز» وصفًا للقرآن، وهي من اختلاف التنوع لا التضاد، تدل على عظمة القرآن وعزته، وعلو شأنه ورفعته.

فنحمد الله العزيز، الذي أنزل كتابًا عزيزًا: (فصلت: 41)، على نبي عزيز: (التوبة: 128)، لأمة عزيزة: (المنافقون: (356).
****
المطلب الثالث
الكريم
معنى «الكريم» في اللغة:
‏جاءت لفظة «الكريم» في اللُّغة بمعانٍ عدَّة نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا.

‏فقد عرَّفها ابن فارس بقوله (357):
«الكاف والراء والميم أصلٌ صحيح له بابان: أجدهما شَرَفٌ في الشيء في نفسه أو شرفُ في خُلُق من الأخلاق.

‏يُقال: رجل كريم، وفرس كريم، ونبات كريم، وأكرم الرجل، إذا أتى بأولاد كرام، واستكرم: اتخذ علقمًا كريمًا، وكَرُم السَّحاب: أتى بالغيث، وأرض مكرمة للنبات، إذا كانت جيدة النبات. والكرم في الخلق: يُقال هو ‏الصَّفح عن ذنب المذنب، قال عبد الله بن مسلم بن قُتيبة (358): الكريم: الصَّفوح، والله تعالى هو الكريم الصَّفوح عن ذُنوب عباده المؤمنين».

‏والكريم: من أسماء الله الحسنى، وهو الجواد المُعطي الذي لا ينفدُ عطاؤه، وهو الكريم المُطلَق، والكريم الجامع لأنواع الشَّرَف والفضائل.


قال -صلى الله عليه وسلم-: «الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف بن ‏يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» (359).
 
وسُّمي يوسف عليه السلام بالكريم ؛ لأنه اجتمع له شرف النبوة، والعلم، والجمال، والعفة، وكرم الأخلاق، والعدل، ورئاسة الدنيا والدين.

فهو نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي، رابع أربعة في النبوة (360).

معنى « الكريم » وصفًا للقرآن:
قال الله تعالى في وصف القرآن: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) ( الواقعة: 75-77).

«والكريم: اسم جامع لما يُحمد، وذلك أن فيه البيان والهدى والحكمة، وهو مُعَظَّم عند الله عز وجل» (361).

« فهذا وصف للقرآن بالرِّفعة على جميع الكتب حقًا، لا يستطيع المخالف طعنًا فيه» (362).

فقد كرمه الله تعالى، وعزَّه، ورفع قدره على جميع الكتب السَّابقة، وكرَّمه كذلك أن يكون سحرًا أو كهانة أو كذبًا (363).

ومن تكريم الله تعالى للقرآن:
أنه أقسم بالنُّجوم ومواقعها، أي: مساقطها في مغاربها، وما يُحدث الله تعالى في تلك الأوقات، من الحوادث الدَّالة على عظمته، وكبريائه، وتوحيده.

ثم عظَّم هذا المُقسَمَ به فقال:
(وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) وفي الكلام تقديم وتأخير، تقديره: وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه.
 
وأمَّا المُقسم عليه فهو إثبات القرآن، وأنه حق لا ريب فيه، ولا شك يعتريه.

وأنه كريم أي: كثير الخير، غزير العلم، فكل خير وعلم فإنما يستفاد من كتاب الله تعالى ويستنبط منه (364).

والمعنى: «أقسم بمواقع النُّجوم، إن هذا القرآن قرآنٌ كريم، ليس بسحر ولا كهانة، وليس بمفترى، بل هو قرآن كريم محمود، جعله الله تعالى معجزة لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، وهو كريم على المؤمنين؛ لأنه كلام ربهم، وشفاء صدورهم؛ كريم على أهل السَّماء؛ لأنه تنزيل ربهم ووحيُه.

وقيل: (كَرِيمٌ) أي غير مخلوق. وقيل: (كَرِيمٌ) لما فيه من كريم الأخلاق ومعالي الأمور.

وقيل: لأنه يكرم حافظه، ويعظم قارئه» (365).

وفيما تقدم ذكره من وصف القرآن بأنه «كريم» تتبين عظمته وفخامته، وعلو شأنه ومنزلته عند الله تعالى، حيث كرمه، وعزه، ورفع قدره على جميع الكتب السابقة.

فالحمد لله الكريم، الذي أنزل كتابًا كريمًا، نزل به ملكٌ كريم، على نبيٍّ كريم، لأجل أمة كريمة، فإذا اتَّبعوه وتمسَّكوا به نالوا ثوابًا كريمًا.

قال الله تعالى: (إنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ (366) وخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأَجْرٍ كَرِيمٍ) ( يس: 11) (367).
 
المطلب الرابع
المجيد
معنى «المجيد» في اللغة:
جاءت لفظة «المجيد» في اللُّغة بمعانٍ عدَّة نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا.

فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: (368)
«الميم والجيم والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على بلوغ النهاية، ولا يكون إلا في محمود».

والمجدُ: السَّعةُ في الكرم والجلال.

وأصلُ المَجدِ من قولهم: مَجَدَتِ الإبلُ إذا حصلت في مرعى كثيرٍ واسعٍ (369).

والمجدُ: المروءةُ والسَّخاءُ.

والمَجدُ: الكرمُ والشَّرف.

وقيل: المجد الأخذ من الشَّرف والسُّؤدد ما يكفي.

يُقال: رجل شريف ماجدٌ، له آباءٌ متقدِّمون في الشَّرف.

وأمجده ومجَّدَه كلاهما: عظَّمه وأثنى عليه.

وقد وصف الله تعالى القرآن بالمجادة في قوله: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ) (البروج: 21).

وَصَفه بذلك؛ لكثرة ما يتضمَّن من المكارم الدُّنيوية والأُخروية.

والماجدُ: الحسن الخلق السَّمح، ورجل ماجد ومجيد: إذا كان كريماً معطاءً (370).

معنى «المجيد» وصفا للقرآن:
وصف الله تعالى القرآن بأنه «مجيد» في موضعين من كتابه الكريم، وهما:
1- قوله تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) (البروج:21- 22).

والمعنى: إن «هذا القرآن الذي كذَّبوا به شريف الرتبة في نظمه وأسلوبه حتى بلغ حد الإعجاز، متناهٍ في الشرف والكرم والبركة، وليس هو كما يقولون: إنه شعر وكهانة وسحر، وإنما هو كلام الله المصون عن التغيير والتحريف، المكتوب في اللوح المحفوظ» (371).

وجماع أقوال المفسرين في وصف القرآن بأنه (مَّجِيدٌ) ما يلي:
أ- هو كتاب شريف، أشرف من كل كتاب، عالي الطَّبقة فيما بين الكتب الإلهية في النظم والمعنى (372).
ب- وسيع المعاني عظيمها، كثير الوجوه، كثير البركات، جزيل المبرَّات واسع الأوصاف وعظيمها (373).
جـ- مُتناه في الشَّرف والكرم والبركة، لكونه بيانًا لما شرعه الله لعباده من أحكام الدين والدنيا، وليس هو كما يقولون إنه شعر وكهانة وسحر (374).
 

والمتأمِّلُ في هذه الأقوال يجدها جميعا تنطبع على «المجيد» وصفًا للقرآن، وهي من اختلاف التنوع لا التضاد، والله أعلم.

فلا غرابة أن يُوصف القرآن المجيد بهذا الوصف؛ لأنه كلام الله تعالى المجيد، ومما يدل على مجد القرآن أن الله جل شأنه، صانه وحفظه من كيد الكائدين وعبث العابثين، والحاقدين على الإسلام والمسلمين، وحفظه من الزيادة والنقصان، ومن التغيير والتبديل: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

1- ومما يدلُّ أيضًا على مجد القرآن: أن الله تعالى أقسم به ووصفه بالمجد في قوله تعالى: (ق والْقُرْآنِ المَجِيدِ) (ق: 1).

«وأمَّا كمال مجده الذي دلت عليه صيغة المبالغة بوصف مجيد، فذلك بأنه يفوق أفضل ما أبلغه الله للناس من أنواع الكلام الدال على مراد الله تعالى، إذ أوجد ألفاظه وتراكيبه وصورة نظمه بقدرته دون واسطة، فإن أكثر الكلام الدال على مراد الله تعالى أوجده الرسل والأنبياء المتكلمون به يعبرون بكلامهم عما يلقى إليهم من الوحي» (376).

ولأن القرآن مجيدٌ، ومُنَزَّلٌ من عند الله تعالى، فالإيمان به واجب، والعمل بأحكامه وتشريعاته ونظامه متعين ولازم ولابد منه (377).

وفيما تقدم ذكره من وصف القرآن بأنه «مجيد» متناه في الشَّرف والكرم والبركة، وسيع المعاني عظيمها، قد صانه الله تعالى وحفظه من كيد الكائدين وعبث العابثين، دل ذلك بوضوح وجلاء على عظمته ورفعته، وعلوِّ شأنه ومنزلته.

المطلب الخامس
العظيم
معنى «العظيم» في اللغة:
جاءت لفظة «العظيم» في اللُّغة بمعانٍ عدَّة نأخذ منها ما يدل على المقصود.

فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: (377)
«العين والظاء والميم أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على كبر وقُوَّةٍ... ومن الباب العَظمُ، معروف، وهو سُمِّي بذلك لِقُوَّته وشدَّته».

وعظُم، كصغُر، عظمًا وعَظَامَة، فهو عَظيمٌ وعُظامٌ، وعَظَّمَه تَعظِيمًا وأَعظَمَه: فخَّمَه، وكَبَّره (378).

والعَظَمة: التَّعظم والنَّخوة والزَّهوُ، والعَظَمَةُ والعَظَمُوت: الكِبْرُ.

والعظَمُ: خلافُ الصِّغَر، وأعظَمَه واستَعظَمَه: رآه عَظيمًا.

والتعظيم: التَّبجيلُ، وعظماتُ القَومِ: سادتُهم وذَوُو شَرَفهم (379).

«وأعظمته، بالألف، وعَظَّمتُهُ تَعظيمًا، مثلُ وقَّرتُهُ تَوقيرًا وفَخَّمتُهُ» (380).

معنى «العظيم» وصفًا للقرآن:
لقد نوَّه الله تبارك وتعالى بعظمة القرآن فقال: (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ) (الحجر: 87 - 88).

يقول تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: كما آتيناك القرآن العظيم، فلا تنظرن إلى الدنيا وزينتها، وما متعنا به أهلها، استغن بما آتاك الله من القرآن العظيم، عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية.

«وقد ذهب ابن عيينة (381) إلى تفسير الحديث الصَّحيح: «ليس منَّا من لم يتغن بالقرآن» (382)، إلى أنه يستغني به عما عداه، وهو تفسير صحيح، ولكن ليس هو المقصود من الحديث» (383).

«وأُوثر فعل (آتيناك) دون (أوحينا) أو (أنزلنا)؛ لأن الإعطاء أظهر في الإكرام والمنة» (384).

«فكأنه قال: ولقد آتيناك عظيمًا خطيرًا فلا تنظر إلى غير ذلك من أمور الدُّنيا» (385).
 
فالقرآن هو النِّعمةُ العُظمى، التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة ضئيلة، فعليك أن تستغني به (386).

المطلب السادس
البشير والنَّذير
معنى «البشير» في اللغة:
جاءت لفظة «البشير» في اللُّغة بمعانٍ عدَّة نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا وهي:
الباء والشين والراء أصلٌ واحد: وهو ظهور الشيء مع حسن وجمال.

والبشير: الحسنُ الوجه.

ويُقال: بشَّرت فلانًا أبشره تبشيرًا، وذلك يكون بالخير، ويُقال: أبشرت الأرض إذا أخرجت نباتها.

والمُبَشِّرات: الرياح التي تبشِّر بالغيث (387).

والبَشيرُ: المبشر، قال تعالى: (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) (يوسف: 96).

والبشرُ: الطَّلاقة، يُقال: بشرته فأبشر واستبشر وتَبَشَّر وبشر: فرح.

قال تعالى: (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ) (التوبة: 111).

وبشرني فلانٌ بوجه حسنٍ أي: لقيني.

والبشَارةُ المُطلقةُ لا تكون إلاَّ بالخير، وإنما تكون بالشَّر إذا كانت مقيَّدة،
 
كقوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم) (التوبة: 34).

يُقال: بشرته بمولود فأبشر إبشارًا أي: سر.

وتباشر القوم أي: بشر بعضهم بعضًا (388).

معنى «النذير» في اللغة:
جاءت لفظة «النَّذير» كذلك في اللُّغة بمعانٍ متنوِّعة نأخذ منها ما يدل على المقصود وهي:
النون والذال والراء كلمةٌ تدل على تخويف أو تخوف، ومنه الإنذار: الإبلاغ، ولا يكاد يكون إلا في التخويف، والنَّذير: المُنذر، والجمع النَّذر (389).

«وأصلُ الإنذار: الإعلام، يُقال: أنذرته أنذره إنذارًا، إذا أعلمته، فأنا منذر ونذير: أي معلم ومخوف ومحذر، ونذرت به، إذا علمت» (390).

قال أبو حنيفة -رحمه الله-:
النذيرُ صوت القوس؛ لأنه ينذر الرَّميَّة.

وتناذر القوم: أنذر بعضُهم بعضًا.

 ويُقال: أنذرتُ القوم سير العدوِّ إليهم فنذروا، أي: أعلمتهم ذلك فعلموا وتحرزوا.

والتَّناذُر: أن ينذر القومُ بعضُهم بعضًا شرًا مخوفًا.

من أمثال العرب في الإنذار:
«أنا النَّذير العُريان» (391) قال أبو طالب: إنما قالوا أنا النذير العريان؛ لأن الرجل إذا رأى الغارة قد فجئتهم وأراد إنذار قومه تجرد من ثيابه، وأشار بها ليعلم أن قد فجئتهم الغارة (392).

معنى «البشير والنذير» وصفًا للقرآن:
قال الله تعالى في وصف القرآن العظيم: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا) (فصلت: 3-4).

 فهذا وصف للقرآن العظيم أنه: يبشر من آمن بالجنة، وينذر من كفر بالنار (393).

وقيل: «بشيرًا للمطيعين بالثواب، ونذيرًا للمجرمين بالعقاب» (394).

وكون القرآن (بشيرًا ونذيرًا) يدل على أن الاحتياج إلى فهم ما فيه من التبشير والإنذار من أهم المهمات، وهذا يوجب أن يتلقى بالقبول والإذعان والإيمان به والعمل به، فإن سعي الإنسان إلى معرفة ما يوصله إلى الثواب الدائم أو العقاب الدائم من أهم المهمات (395).

و«شُبه القرآن بالبشير فيما اشتمل عليه من الآيات المبشرة للمؤمنين الصالحين، وبالنذير فيما فيه من الوعيد للكافرين وأهل المعاصي، فالكلام تشبيه بليغ.

وليس: (بشيرًا) أو (نذيرًا) اسمي فاعل، لأنه لو أريد ذلك لقيل: مبشرًا ومنذرًا، والجمع بين (بشيرًا) و (نذيرًا) من قبيل محسن الطباق» (396).

وبهاتين الصِّفتين وقعت المشاركة بين القرآن العظيم وبين الأنبياء.

قال الله تعالى في صفة الرسل: (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (البقرة: 213).

وقال في صفة إمام المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) (الفتح: 8).

 أي: مبشرًا بالجنة لمن أطاعه، ومنذرًا بالنار لمن عصاه (397).

ولاشَّك أن التَّعزيز الإيجابي، والتَّعزيز السَّلبي، من أركان التَّربية النَّاجحة، والتَّبشير من أول درجات التعزيز الإيجابي، كما أن الإنذار من أول درجات التعزيز السلبي.

ولأن الله عز وجل هو ربُّ العالمين، مربي الخلق برحمته وحكمته، فقد أنزل إليهم في كتابه العظيم كلا التعزيزين، فكان القرآن الكريم بشرى لمن اتَّبع تعاليمه، وإنذارًا وتخويفًا لمن خالفها ولم يعمل بها. قال الله تعالى: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ) (الأعراف: 2).

وقال عن مهمَّة هذا الكتاب العظيم: (لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) (الكهف: 2).
 
وتتجلَّى قوَّة تأثير القرآن العظيم، وفاعليَّته، وعظمته، في التَّرغيب والتَّرهيب: حين بشر من آمن به وعمل صالحًا بالجنة، وأنذر من كفر وعصى بالنار.

فالموفَّقُ هو الذي يستحضر كلا الأمرين، وهو يقرأ ويتدبَّر؛ ليفيد من الإنذار فيبتعد عن المهالك والمعاطب، وليُسَرَّ ويستبشر بالبشارة فيزداد في فعل الخير (398).

المطلب السابع
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

معنى «الباطل» في اللغة:
جاءت لفظة «الباطل» في اللُّغة بمعانٍ متعددِّة ومتنوِّعة نذكر منها ما له صلة بموضوعنا.

فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: (399)
 «الباء والطاء واللام أصلٌ واحد، وهو ذهاب الشيء وقلَّة مُكثه ولُبثه».

وبطل الشيء يبطل بطلًا وبطولًا وبطلانًا: ذهب ضياعًا وخُسرًا، فهو باطل، وأبطله هو.

ويُقال: ذهب دَمُه بُطلًا أي: هدرًا.
 
والباطل: نقيض الحقِّ، والجمع أباطيل، على غير القياس، كأنه جمع إبطال أو إبطيل؛ هذا مذهب سيبويه (400).

والبطلة: السَّحرة.

والتبطُّل: فعل البطالة، وهو اتباع اللهو والجهالة (401).

«وسُمِّي الشَّيطان الباطل؛ لأنه لا حقيقة لأفعاله، وكل شيء منه فلا مرجوع له، ولا معول عليه، والبطل الشجاع» (402).

معنى «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه» وصفًا للقرآن:
قال الله تبارك وتعالى في وصف من أوصاف القرآن العظيم أنه: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) (فصلت: 42).

وقد أورد الرَّازي -رحمه الله- عِدَّة وجوه في معنى الآية، وجميعها ينطبق على القرآن العظيم فقال (403):

«وفيه وجوه:
الأول:
لا تُكذِّبه الكتب المتقدمة كالتَّوراة والإنجيل والزبور، ولا يجيء كتاب من بعده يكذبه.

الثاني:
ما حكم القرآنُ بكونه حقًا لا يصير باطلًا، وما حكم بكونه باطلًا لا يصير حقًا.

الثالث:
معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه، والدليل عليه قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، فعلى هذا: الباطل هو الزيادة والنقصان.

الرابع:
يحتمل أن يكون المراد أنه لا يوجد في المستقبل كتاب يمكن جعله معارضًا له، ولم يوجد فيما تقدم كتاب يصلح جعله معارضًا له.

الخامس:
قال صاحب الكشاف (404) هذا تمثيل، والمقصود أن «الباطل» لا يتطرق إليه، ولا يجد إليه سبيلًا من جهة من الجهات حتى يصل إليه» (405).

وقيل:
«لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه فيه ولا بزيادة ولا نقص. فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه» (406).

وقيل أيضًا: «لا يتطرق إليه الباطل من جميع جهاته سواء الأخبار الماضية، أو الأحكام التشريعية» (407).
 
وكلُّ ما ذكر من الأقوال فهو من اختلاف التَّنوع لا التَّضاد، وهو دالٌّ على عظمة القرآن وعزته، وعلو شأنه، وقدره عند الله تعالى.

فإن قال قائل:
أما طعن في القرآن الطَّاعنون، وتأوَّله المبطلون؟

فالجواب:
بلى، ولكنَّ الله تعالى بحكمته ورحمته قد حماه من تعلق الباطل به، وقيض له علماء ربانيين في كلِّ عصر ومصر عارضوهم بإبطال تأويلهم وإفساد أقاويلهم، فلم يبق طعن طاعن إلا ممحوقًا، ولا قول مبطل إلا مضمحلًا، تصديقًا لقوله تعالى ووعده الذي أنجزه على مر الدهور والعصور، وسيبقى كذلك ما بقيت الدنيا: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) (408).

فالحمد لله الذي لم يجعل للباطل مدخلًا على هذا الكتاب العزيز، وأنى له أن يدخل عليه وهو صادر من الله الحق العظيم (409)، قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82).

وقال تعالى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس: 37).



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالأربعاء 23 يناير 2019, 5:35 pm

الهوامش
242.     للاستزادة في هذا الموضوع راجع: البرهان، للزركشي (1/278) والإتقان، للسيوطي (ص 135- 139) والتذكار للقرطبي (ص 29-30) وتفسير ابن عطيه (1/56-57)، ولطائف الإشارات (1/18-19) والهدى والبيان في أسماء القرآن، لصالح إبراهيم البليهي (جزءان، وهو كتاب مهم في بايه)، ومفاتيح للتعامل مع القرآن، د. صلاح الخالدي (ص 20-36) ومن أسرار القرآن، د. علي محمد العماري (ص 9- 14)، والفتوحات الربانية في الآيات القرآنية، د. عبد الباري محمد داود (ص 47- 52)، وتعظيم شأن القرآن، أ.د. عاطف قاسم المليجي، (ص 13-20).
243.     معجم مقاييس اللغة، (2/350)، مادة «فرق». وانظر: مختار الصحاح، (ص 209)، مادة «ف ر ق».
244.     لسان العرب، (10/300)، مادة «فرق».
245.     انظر: المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني، (ص 379- 380)، مادة: «فرق».
246.     التحرير والتنوير، (3/11).
247.     فتح القدير، (3/377).
248.     هو أبو عمرو. عامر بن شراحيل الشعبي، الحميري، الكوفي، التابعي الجليل، تولى قضاء الكوفة، وروى عن عمر، وعلي، وابن مسعود وأبي هريرة وغيرهم، قال ابن عيينة: «كانت الناس تقول بعد الصحابة ابن عباس في زمانه»، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه. مات سنة (109 هـ). انظر: تهذيب التهذيب، (5/65). سير أعلام النبلاء، (4/294).
249.     انظر: التفسير الكبير، للرازي (24/40) الكشاف للزمخشري (3/267) تفسير البيضاوي (4/205) تفسير ابن كثير (3/309) روح المعاني للألوسي (18/231) تفسير السمعاني (4/5) معاني القرآن للنحاس (5/8) فتح القدير (1/312) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير (13/7-10) أضواء البيان للشنقيطي (6/5-6) تفسير السعدي (1/577) تفسير الشعراوي (17، 10357-10359) البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/279) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/145) الهدى والبيان في أسماء القرآن للبليهي (2/37-40).
250.     وقد ذكر الرازي في التفسير الكبير، (24/69) أوجه الحكمة في نزول القرآن منجَّمًا ومفرقًا خلافًا للكتب السابقة التي نزلت جملة واحدة، وذكر ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} ]الفرقان: 32[. فليراجع فهو كلام نفيس ومن الأهمية بمكان.
251.     التحرير والتنوير، (1/71).
252.     انظر: في ظلال القرآن، (5/2547)
253.     هو عكرمة البريري، أبو عبد الله، المدني مولى ابن عباس أصله من البربر من علماء التابعين ومن المتبحرين بالتفسير، من كبار تلاميذ ابن عباس اتهم ببدعة الخوارج الصفرية، ووثقه أئمة الحديث، قال ابن حجر: ثقة، ثبت، عالم التفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا تثبت عنه بدعة، من الثالثة، مات سنة (107 هـ). انظر: تقريب التهذيب (2/30)، (ت 277). تهذيب التهذيب (7/263-273)، (ت 475).
254.     هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الحجازي الأعور السدي أحد موالي قريش وهو السدي الكبير المفسر، ذكره ابن حسبان في الثقات ووثقه غير واحد وضعفه آخرون، قال العجلي: ثقة، عالم بتفسير القرآن، رواية له وفد ذكره الطبري في تفسيره من طريق أسباط بن نصر الهمذاني، وله تفسير، مات سنة (127 هـ) انظر: سير أعلام النبلاء، (5/264). تاريخ الثقات للحافظ العجلي، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، (ص 66). الثقات، لابن حيان (4/20)
255.     انظر: التفسير الكبير للرازي (2/14).
256.     لسان العرب، (13/51)، مادة «برهن».
257.     انظر: المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، (ص 55)، مادة «بره».
258.     المصدر السابق، والصفحة نفسها.
259.     المصدر السابق، والصفحة نفسها.
260.     انظر: فتح القدير (1/542)، أضواء البيان (7/79-80)، تفسير السعدي (1/217).
261.     مفاتيح للتعامل مع القرآن، (ص 34).
262.     معجم مقاييس اللغة، (1/269)، مادة «حق».
263.     المفردات في غريب القرآن، (ص 132)، مادة «حق».
264.     مختار الصحاح، (1/62)، مادة: «حقق».
265.     رواه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب: من أجاب بلبيك وسعديك، (4/1973)، (ح 6267). ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، (1/58)، (ح 30).
266.     انظر: لسان العرب، (10/50)، مادة « حقق».
267.     معجم مقاييس اللغة، (1/270).
268.     فتح القدير، للشوكاني (5/401).
269.     انظر: في ظلال القرآن (60/3690).
270.     هو أبو الحسن، علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، الشافعي، أمام علماء التأويل، له تفاسير ثلاثة هي: «البسيط» و «الوسيط» و «الوجيز» وله «أسباب النزول». توفى سنة (468 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، (18/339).
271.     تفسير الواحدي، (2/713).
272.     «الدَّامِغَةُ من الشِّجَاج: إحدى الشِّجاج العَشرِ، وهي التي تبلُغ الدِّمَاغ، فتقتُلُ لِوَقتها، انظر: المعجم الوسيط، (ص 297)، مادة «دمغ».
273.     تفسير القرطبي، (11/295).
274.     هو عبد الرحمن بن محمد بم مخلوف الثَّعالبي الجزائري، (أبو زيد): مفسِّر من أعيان الجزائر، ولد سنة (786 هـ)، وزار تونس والمشرق. من كتبه: «الجوهر الحسان في تفسير القرآن»، و «الأنوار» و «روضة الأنوار ونزهة الأخيار»، و «الذهب الإبريز في غريب القرآن العزيز». توفى سنة (875 هـ). «انظر: الأعلام، (3/331)».
275.     تفسير الثعالبي، (1/529).
276.     انظر: أضواء البيان، (7/246).
277.     تفسير بن كثير، (3/315).
278.     انظر: تفسير أبي السعود، (4/195).
279.     فتح القدير، للشوكاني (2/488).
280.     انظر: تفسير ابن كثير، (2/441).
281.     التحرير والتنوير، (11/227).
282.     تفسير السعدي، (2/359).
283.     انظر: تفسير البغوي، (3/562-563).
284.     زاد المسير، (6/466).
285.     انظر: في ظلال القرآن، (5/2915).
286.     معجم مقاييس اللغة، (2/539)، مادة: «نبأ».
287.     انظر: لسان العرب، (1/162)، مادة «نبأ».
288.     المفردات في غريب القرآن، (ص 482)، مادة: «نبأ».
289.     انظر: الهدى والبيان في أسماء القرآن، (2/34-36).
290.     هو شيخ القُرَّاء والمفسِّرين، أبو الحجاَّج المكِّي، مجاهد بن جبر، مولى السَّائب بن أبي السَّائب المخزومي-وقيل غيره- أشهر تلاميذ ابن عباس، أخذ عنه القرآن والتفسير والفقه، يقول: « عرضت القرآن ثلاث عرضات على ابن عباس، أفقه عند كل آية أسأله فيم نزلت، وكيف كانت». قال عنه قتادة: « أعلم من بقى بالتفسير مجاهد». توفى وهو ساجد سنة (103 هـ). وقد بلغ: (83) سنة. «انظر: طبقات ابن سعد، (5/466). سير أعلام النبلاء، (4/449).
291.     هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، أبو أمية من أشهر القضاة الفقهاء في صدر الإسلام أصله من اليمن، ولي قضاء الكوفة زمن عمر، وعثمان وعلي ومعاوية واستعفى أيام الحجَّاج فأعفاه سنة (77 هـ). وكان ثقة في الحديث. توفى سنة (78 هـ) بالكوفة. انظر: تهذيب التهذيب، (4/326-328). الأعلام، (3/161)».
292.     تفسير ابن كثير، (4/43).
293.     هو صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، المعروف بإمام الهدى (أبو الليث) نصر بن محمد السمرقندي، نسبة إلى سمرقند، من تصانيفه: « تفسير القرآن العظيم» و « تنبيه الغافلين»، و «النوازل في الفقه». توفي سنة (375 هـ). انظر: طبقات المفسرين، (2/364).
294.     تفسير السمرقندي، (3/165).
295.     هو العلامة الحافظ المفسر: جمال الدين (أبو الفرج) عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الحنبلي، من نسل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. كان يحضر مجلسه مئات الدارسين، له مصنفات كثيرة بلغت: (250) مصنفًا، ولد سنة (508 هـ)، وتوفى سنة (597 هـ).
296.     زاد المسير، (7/154).
297.     انظر: في ظلال القرآن، (5/3026).
298.     معجم مقاييس اللغة، (1/156)، مادة « بلغ».
299.     لسان العرب، (8/419)، مادة: « بلغ».
300.     المفردات في غريب القرآن، (ص 70)، مادة: « بلغ».
301.     انظر: معجم مقاييس اللغة، (1/156).
302.    هو عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي من قبيلة تميم، نشأ في بلاد القصيم ودرس على علماء الحنابلة هماك، وكان ذا معرفة تامة في الفقه، وكان منشغلًا بكتب ابن تيميه وابن القيم واستفاد من ذلك خيرًا كثيرًا. له كتاب: « تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» و «القول السديد في مقاصد التوحيد» وغيرهما. توفي سنة (1376 هـ). انظر: مقدمة كتاب تيسير الكريم الرحمن».
303.     تفسير السعدي، (1/428).
304.    هو عبد الرحمن بن أبي بكر الخضيري، المصري، الشافعي، نشأ في القاهرة يتيمًا وقرأ على جماعة من العلماء، وهو كثير المؤلفات ومن أشهر مؤلفاته: « الدر المنثور في التفسير المأثور» و «الجامع الصغير في الحديث» وغيرهما. توفي سنة (911 هـ). انظر: معجم المؤلفين، (5/28)».
305.     هو أبو طاهر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سلفة، الأصفهاني، أحدُ الحفَّاظ المكثرين، شافعي المذهب، ولد سنة (472 هـ)، وتوفي سنة (576 هـ) بالإسكندرية. انظر: وفيات الأعيان، (1/105-107)، (ت 44). اللباب قي تهذيب الأنساب، (2/126).
306.     الإتقان في علوم القرآن، (ص 138).
307.     معجم مقاييس اللغة، (1/494)، مادة: «روح».
308.     انظر: لسان العرب، (2/463-464)، مادة: «روح».
309.     تفسير أبي السعود، (8/38).
310.     روح المعاني للألوسي (25/58).
311.     انظر: تفسير السعدي، (4/434-435).
312.     انظر: الهدي والبيان في أسماء القرآن، (2/45).
313.     معجم مقاييس اللغة، (2/639)، مادة: «وعظ».
314.    هو أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني، الملقب بالراغب، توفي سنة (502 هـ). قال الذهبي عنه: «كان من أذكياء المتكلمين». ومن مصنفاته: «المفردات في غريب القرآن» و «الذريعة إلى مكارم الشريعة» و «محاضرات الأدباء». انظر: شذرات الذهب، (3/383). سير أعلام النبلاء، (18/120).
315.     المفردات في غريب القرآن، (ص 542)، مادة: «وعظ».
316.     انظر: لسان العرب، (7/466)، مادة: « وعظ».
317.     فتح القدير، للشوكاني (2/453).
318.     تفسير الثعالبي، (2/181).
319.     انظر: تفسير البيضاوي (3/204)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، أ.د. وهبه الزحيلي (6/213).
320.     انظر: التحرير والتنوير، (11/109).
321.     انظر: التفسير الكبير، للرازي (2/14).
322.     معجم مقاييس اللغة، (1/619)، مادة: « شفى».
323.     انظر: لسان العرب، (14/436)، مادة: «شفى».
324.     روح المعاني، (11/176).
325.     تفسير السعدي، (2/326).
326.     هو عنترة ابن شدَّاد بن عمرو بن معاوية العَبْسي. شاعر من فرسان العرب في الجاهلية من أهل نجد. أُمُّه حبشية اسمها زبيبة، سرى إليه السَّواد منها وكان من أحسن العرب شيمةً ومن أعزِّهم نفسًا يوصف بالحلم على شدَّة بطشه وكان مغرمًا بابنة عمه عبلة واجتمع في شبابه بامرئ القيس الشَّاعر، وشهد حرب داحس والغبراء وعاش طويلًا وقتله الأسد الرهيص، وجبار بن عمر الطائي نحو: (22 ق.هـ) ينسب إليه ديوان شعر. انظر: معجم المؤلفين، (2/587). الأعلام (5/269)».
327.     التحرير والتنوير، (14/150)
328.     التفسير الكبير، (21/29).
329.     انظر: مفاتيح للتعامل مع القرآن، (ص 34-35).
330.     معجم مقاييس اللغة، (1/281)، مادة: « حدث».
331.     انظر: مختار الصحاح، (1/53)، مادة « ح د ث».
332.     انظر: لسان العرب، (2/131-134)، مادة: «حدث».
333.     تفسير السمرقندي (3/174).
334.     تفسير السعدي، (4/318). وانظر: التحرير والتنوير، (24/67).
335.     تفسير السعدي، (4/315).
336.     فتح القدير، (4/458).
337.     كتب ورسائل وفتاوى ابن تيميه في التفسير، (17/11).
338.     انظر: التحرير والتنوير، (24/66).
339.     معجم مقاييس اللغة، (1/ 311)، مادة: «حكم».
340.     انظر: لسان العرب، (12/ 140، 143)، مادة: «حكم».
341.     هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، (أبو حزرة) من تميم: أشعر أهل عصره. ولد ومات في اليمامة (28 – 110هـ). وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم – وكان هجاء مرًا – فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل، وكان عفيفًا، وهو من أغزل الناس شعرًا. وقد جمعت: «نقائضه مع الفرزدق» في ثلاثة أجزاء، و«ديوان شعره» في جزءين. «انظر: الأعلام، (2/ 119). معجم المؤلفين، (1/ 484)».
342.     معجم مقاييس اللغة، (1/ 311).
343.     هو ميمون بن قيس بن جندل، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، (أبو بصير) المعروف: بأعشى قيس، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات. كان كثير الوفود على  الملوك من العرب والفرس، غزير الشعر، عاش عمرًا طويلًا وأدرك الإسلام ولم يسلم. ولقب بالأعشى لضعف بصره. وعمي في أواخر عمره. مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة - قرب مدينة (الرياض) - وفيها داره، وبها قبره. توفي سنة (7هـ). «انظر: الأعلام، (7/341). معجم المؤلفين، (3‏/ 949)».
344.     انظر: تفسير البغوي (2/341)، تفسير القرطبي (8‏/284).
345.    تفسير السعدي، (4/ 101).
346.     انظر: في ظلال القرآن، (5/ 3127).
347.     انظر: تفسير السعدي، (4/ 227).
348.     انظر: في ظلال القرآن، (5/ 2958).
349.     انظر: مختار الصحاح، (1/ 180)، مادة: «ع ز ز».
350.     انظر: لسان العرب، (5/ 374 – 375)، مادة: «عزز».
351.     انظر: المفردات في غريب القرآن، (ص 335 – 336)، مادة: «عز».
352.     المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
353.    انظر: التحرير والتنوير، (25/ 71).
354.    تفسير ابن عطية، (5/ 19).
355.     انظر: تفسير القرطبي (15/ 367)، زاد المسير (7/ 262).
356.     انظر: التفسير الكبير، للرازي (2/ 17).
357.     معجم مقاييس اللغة، (2/ 440)، مادة: «كرم».
358.     هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، النحوي، اللغوي، له مصنفات مفيدة مثل: «المعارف»، و«أدب الكاتب»، و«مشكل القرآن» توفي سنة (276هـ). «انظر: البداية والنهاية، (11/ 52)».
359.     رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: قوله تعالى: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } [يوسف: 6]، (3/ 1444)، (ح 4688).
360.     انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ( 4/166-167)، مادة: ((كرم)). لسان العرب، (12/510)، مادة: ((كرم)).
361.     زاد المسير، (8/151).
362.     التحرير والتنوير، (27/304).
363.     انظر: فتح القدير، (5/160).
364.     انظر: تفسير السعدي (5/168)، زاد المسير (8/151).
365.     تفسير القرطبي، (17/216).
366.     والمراد بالذكر هنا: القرآن.
367.     انظر: التفسير الكبير، (2/17).
368.     معجم مقاييس اللغة، (2/499)، مادة: «مجد».
369.     انظر: المفردات في غريب القرآن، (ص466)، مادة: «مجد».
370.     انظر: لسان العرب، (3/395-396)، مادة: «مجد».
371.     التفسير المنير، (15/545).
372.     انظر: تفسير أبي السعود (9/139)، تفسير السمرقندي (3/545)، تفسير القاسمي (6/ 316).
373.     انظر: تفسير ابن كثير (4/497)، تفسير السعدي (5/79، 398).
374.     انظر: تفسير البغوي (4/472)، فتح القدير (5/414).
375.     التحرير والتنوير، (26/230).
376.     انظر: الهدي والبيان في أسماء القرآن (2/41-43).
377.     معجم مقاييس اللغة، (2/285)، مادة «عظم».
378.     انظر: القاموس المحيط، (ص1470)، مادة: «العظم».
379.     انظر: لسان العرب، (12/ 409، 410)، مادة: «عظم».
380.     المصباح المنير، للفيومي (ص216)، مادة: «عظم».
381.     هو الإمام سفيان بن عيينة بن أبي عمران، مولى بني هلال، (أبو محمد)، ولد سنة (107هـ) بالكوفة، وكان ثقة، ثبتًا، كثير الحديث، حُجة، مُحدث الحجاز في زمانه في مكة، حتى قال فيه الشافعي: «لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز». سكن مكة وتوفي بها عام (198هـ)، وعمره: (91) سنة. «انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (5/497). الأعلام، (3/105).
382.     رواه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} [الملك: 13[، (4/2351)، (ح 7527).
383.     تفسير ابن كثير، (4/553، 555).
384.     التحرير والتنوير، (13/63).
385.     تفسير ابن عطية، (3/373).
386.     انظر: الكشاف، للزمخشري (2/549)، تفسير الثعالبي، (2/300).
387.     انظر: معجم مقاييس اللغة، (1/132)، مادة: «بشر».
388.     انظر: لسان العرب (4/61- 62)، مادة: «بشر».
389.     انظر: معجم مقاييس اللغة، (2/553)، مادة: «نذر».
390.     النهاية في غريب الحديث والأثر، (5/389، مادة: «نذر».
391.     جزء من حديث. رواه البخاري مرفوعًا في صحيحه، كتاب الرقاق، باب: الانتهاء عن المعاصي، (4/2034)، (ح6482). ورواه مسلم مرفوعًا في صحيحه، كتاب الفضائل، باب شفقته ? على أمتهن ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم، (4/1788)، (ح2283).
392.     انظر: لسان العرب (5/201- 202)، مادة: «نذر».
393.     انظر: تفسير ابن عطية، (5/4).7
394.     التفسير الكبير، (27/82).
395.     انظر: المصدر نفسه(27/84)، تفسير السعدي (1/744).
396.     التحرير والتنوير، (25/9).
397.     انظر: المصدر السابق، (2/16).
398.     انظر: يعلمهم الكتاب، لمحمد الشعّال (ص20).
399.     معجم مقاييس اللغة، (1/135)، مادة: «بطل».
400.     هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي- بالولاء- يُلقب بسيبويه- ومعناها بالفارسية: رائحة التفاح. لزم الخليل بن أحمد، فدرس عليه النحو حتى فاقه، فصار إمامًا من أئمة النحو، وهو أول من بَسَط هذا العلم، فصنَّف كتابه: (كتاب سيبويه). ولد عام (148هـ)، وتوفي (180هـ). انظر: الأعلام، (5/81).
401.     انظر: لسان العرب (11/56)، مادة: «بطل».
402.     معجم مقاييس اللغة، (1/135)، مادة: «بطل».
403.     التفسير الكبير، (27/114).
404.     هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد ازمخشري الخوارزمي، الغلامة، النحوي، اللغوي، المفسر، كبير المعتزلة، يلقب جار الله لمجاورة مكة زمانا، ولد سنة (467هـ) بزمخشر من قرى خوارزم، كان رأسًا في البلاغة والعربية، مُجاهرًا باعتزاله وداعية إليه، له تصانيف كثيرة منها: تفسير «الكاشف»، و «الفائق في غريب الحديث»، و «أساس البلاغة». توفي سنة (538هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، (20/151)، طبقات المفسرين، (2/314).
405.     انظر: الكشاف، الزمخشري (4/207).
406.     تفسير السعدي، (4/402).
407.     التفسير المنير، (12/566).
408.     انظر: الكشاف، (4/207).
409.     انظر: في ظلال القرآن، (5/3127).



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الأول: العصر الجاهلي.. الفصل الأول: الإنسانية في الاحتضار
» الباب الأول: الفصل الأول: مسوغات الخروج على عثمان
» الباب الثالث: السلطات العامة - الفصل الأول: السلطة التشريعية - الفرع الأول: أحكام مشتركة
» الباب الأول: الفصل الأول تعريف الإرهاب
» البـــــاب الأول ابـــن الجزري: دراسة حياته - الفصل الأول نشأة ابن الجزري وتكوينه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: رسالة ماجستير: عظمة القرآن :: البـاب الأول :: الفصل الأول-
انتقل الى: