الباب السابع والاربعون في التختم والحلى والمصوغ والطيب والتطيب وما أشبه ذلك

ما جاء في التختم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتختم في يمينه وقبض عليه الصلاة و السلام والخاتم في يمينه.

 قال بعض من مدحه عليه الصلاة والسلام:
( كف الرسالة ليس يخفى حسنها ... وتمام حسن الكف لبس الخاتم )

وذكر السلامي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده فنقله معاوية رضي الله تعالى عنه إلى اليسار وأخذ الأموية بذلك ثم نقله السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيام الرشيد رضي الله تعالى عنه فنقله إلى اليسار وأخذ الناس بذلك وعن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "تختموا بخواتيم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه ذلك" وبلغ عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أن ابنه اشترى فص خاتم بألف دينار فكتب إليه عزمت عليك إلا ما بعت خاتمك بألف دينار وجعلتها في بطن جائع واستعمل خاتما من ورق وانقش عليه رحم الله امرأ عرف قدر نفسه وكان خاتم علي رضي الله عنه من ورق ونقشه نعم القادر الله وكان لأبي نواس خاتمان أحدهما عقيق مربع وعليه مكتوب: ( تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما ) حديد صيني عليه أشهد أن لا إله إلا الله مخلصا وأوصى عند موته أن يغسل الفص ويجعل في فمه.

قال جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنه ما افتقرت يد تختمت بخاتم فيروزج وقيل الخواتم أربعه الياقوت للعطش والفيروزج للمال والعقيق للسنة والحديد الصيني للحرز وقيل للخوف والله سبحانه وتعالى أعلم.

ذكر ما جاء في الحلى
قيل إن قرطي مارية بنت ظالم بن وهب بن الحرث بن معاوية كان فيهما درتان كبيض الحمام لم ير مثلهما ولم يدر قيمتهما.

وقال محمد بعثني يوسف بن عمر إلى هشام بياقوتة حمراء يخرج طرفاها من كفي كانت للرائقة جارية خالد بن عبد الله القسري اشترتها بثلاثة وسبعين ألف دينار وحبة لؤلؤ أعظم ما يكون من الحب فدخلت عليه بهما فقال اكتب معك بوزنهما فقلت يا أمير المؤمنين هما أعظم من أن يكتب بوزنهما فقال صدقت وبعث معاوية إلى عائشة رضي الله تعالى عنها طوقا من ذهب فيه جوهرة قومت بمائة ألف دينار فقسمته بين أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان ملك العرب كلما مرت عليه سنة من سني ملكه زيدت في تاجه خرزة وكان يقال لها خرزات الملك.

ذكر ما جاء في الطيب والتطيب
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " أطيب الطيب المسك " وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كأني أنظر إلي وبيض الطيب في مفارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم وعن سهل بن سعد يرفعه " إن في الجنة لمرعى من مسك مثل مراعي دوابكم هذه " وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنام فعرق فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ وقال يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين ؟ فقالت هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب ريحه الطيب وعن عمر رضي الله تعالى عنه قال لو كنت تاجرا ما اخترت على العطر إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه وناول المتوكل فتى فارة المسك فقال: ( لئن كان هذا طيبنا وهو طيب ... لقد طيبته من يديك الانامل ).

وأهدى عبد الله بن جعفر لمعاوية قارورة من الغالية فسأله كم أنفق عليها فذكر مالا جزيلا فقال هذه غالية فسميت بذلك وشمها مالك بن سليمان بن خارجة من أخته هند بنت أسماء فقال علميني كيف تصنعين طيبك ؟ فقالت لا أفعل تريد أن تعلمه جواريك هو لك مني كلما أردته ثم قالت والله إني ما تعلمته إلا من شعرك حيث تقول:
( أطيب الطيب عرف أم أبان ... فار مسك بعنبر مسحوق ).

قال أبو قلابة كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف جيران الطريق أنه مر من طيب ريحه وعن الحسن ابن زيد الهاشمي عن أبيه قال رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يطلي جسده فإذا مر في الطريق قال الناس أمر ابن عباس أم مر المسك؟ وعنه عن أبيه قال رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين أحرم والغالية على صدغيه كأنها لزقة.

وقال أبو الضحى رأيت على رأس الزبير من المسك ما لو كان لي لكان رأس مالي وقيل لما بنى عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه بفاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارجه تلك الليلة بالغالية.

وقال الشعبي الرائحة الطيبة تزيد في العقل.

وقال علي كرم الله تعالى وجهه تشمموا النرجس ولو في العام مرة فإن في قلب الانسان حالة لا يزيلها إلا النرجس.

وكان الشعبي يقول إذا ورد الورد صدر البرد.

وكانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسوا لحاهم بالطيب وكان من اختلف في طرقات المدينة وجد عرفا طيبا قيل ولذلك سميت طيبة وأقول والله ما طابت طيبة إلا بالقلب الطاهر.

وما أحسن ما قيل:
( إذا لم أطب في طيبة عند طيب ... به طيبة طابت فأين أطيب )

وقيل إن فارة المسك دويبة شبيهة بالخشف تصاد لسرتها فاذا صادها الصياد عصب السرة بعصابة شديدة فيجتمع فيها دمها ثم يذبحها ثم يأخذ السرة فيدفنها في الشعير حتى يستحيل الدم المجتمع فيها مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام نتنا.

وقد يوجد جرذان سود يقال لها فأرات المسك ليس عندها إلا رائحة لازمة لها.

وحكي أن العنبر يأتي على طفاوة الماء لا يدري أحد معدنه فلا يأكله شيء إلا مات ولا ينقره طائر إلا بقي منقاره فيه ولا يقع عليه حيوان إلا نصلت أظفاره فيه والتجار والعطارون ربما وجدوا أظفارا فيه وقال الزمخشري عفا الله عنه سمعت ناسا من أهل مكة يقولون هو من زبد بحر سرنديب وأجود العنبر الأشهب ثم الأزرق وأدونه الأسود وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء نثره البحر وأما العود فأجوده المندلي وهو منسوب إلى مندل قرية من قرى الهند وأجوده أصلبه وامتحان رطبه أن تطبع فيه نقش الخاتم فان انطبع فرطب وإلا فلا ومن خصائصه أن رائحته تطبع في الثوب أسبوعا فلا يقمل ما دامت فيه وأما الكافور فهو ماء شجر بجزيرة الكافور يحزونه بالحديد فاذا خرج ظاهرا وضربه الهواء انعقد كالصموغ الجامدة على الاشجار وأما الند فمصنوع وهو العود المستقطر والعنبر واللبان
( لو كنت أحمل جمرا حين زرتكم ... لم ينكر الكلب إني صاحب الدار )
( لكن أتيت وريــح المسك يقدمني ... والعنبر الند مشبوب على النار )

وكانت ملوك الفرس تأمر برفع الطيب أيام الورد.

وكان المتوكل يلبس أيام الورد الثياب الموردة ويفرش الورد في مجلسه ويطيب جميع آلاته بالورد وقال الحسن بن سهل أمهات الرياحين تقوى بأمهات الطيب فالنرجس يقوى بالورد والورد يقوى بالمسك والبنفسج يقوى بالعنبر والريحان يقوى بالكافور والنسرين يقوى بالعود وقال جالينوس المسك يقوي القلب والعنبر يقوي الدماغ والكافور يقوي الرئة والعود يقوي المعدة والغالية تحل الزكام والصندل يحل الأورام وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لا تردوا الطيب فانه طيب الريح خفيف المحمل " تبخر بعض الأمراء وعنده أعرابي ففرطت من الأمير ريح خفيفة فأراد أن يعلم هل فطن بها الأعرابي أم لا؟ فقال ما أطيب هذا المثلث ! قال نعم ولكنك ربعتها.

وقال الأحنف إن شم رائحة المسك يحيي القلب وقال سلمة لابن عباس وعنده جعفر بن سليمان ما شمت أنفي من ريح مسك شممته من الناس إلا ريح كفك أطيب فأمر له بألف دينار ومائة مثقال مسك ومائة مثقال عنبر والله أعلم بالصواب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.