ملحق 2: حديث سمو الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى مجلة "الدفاع"
تصدرها إدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة السعودية فبراير 2005
ونُشِـر في الجرائد المحلية السعودية، وفي جريدة الحياة، السبت، 5 فبراير 2005
==========================
* القوات المسلحة دائمة الاستعداد لمواجهة الخطر الخارجي، ومعاونة قوات الأمن.
* قد يزعُم بعض المحللين، أن هذا العدوّ متخلّف تكنولوجياً؛ ولكن تخلّفه هذا، قد يحمله على استخدام وسائل أكثر بدائية أو أكثر تضحية؛ فيُربك أَعْقد نُظُم الأسلحة وأحدثها.
* قبل اتهام غيرنا، علينا مواجهة أنفسنا، فأعداء الإسلام، يستمدُّون قوّتهم من ضعف المسلمين.
* الصُّعوبة، التي تواجه مَنْ يتصدَّى للإرهاب أنه يستطيع أحَدٌ التنبُّؤ بنهايتها، ما دام العلاج لا يُطاول جذورها وأسبابها الحقيقية.
* أن الحلول والإجراءات، حتى الآن، لا تتجاوز أعراض المشكلة؛ إذ لم تتعرَّض، فعلياً، لأسبابها الحقيقية.
* إن مَنْ تسبَّب في العمليات الإرهابية، جَرَّ البلاء على المسلمين، في جميع أنحاء العالم.
* لكي نتلافى ما أقْحَمَنَا فيه الإرهاب، لابدَّ للدول: الإسلامية والعربية، من المبادرة إلى الفعل الجادِّ، وعدم الانتظار لتتقمُّص دور الضحية.

==============================
السؤال الأول
ماذا يتوقع سموّكم من انعقاد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي سيُعقد في مدينة الرياض، الفترة من 25 إلى 28 ذي الحجة 1425؟


الإجابــة
الأمل كبير أن يتمخض المؤتمر بنتائج واضحة، ملزمة للدول كافة، من دون استثناء. تتخطى معالجة الظاهرة ونتائجها إلى جذورها وأسبابها، ممهدة بذلك للسيطرة على الإرهاب وتجفيف منابعه.

غير أنها ستكون مبتسرة، ما لم تفرِّق بين الإرهاب (في جميع صوره وأشكاله) وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال؛ وإلاّ كانت حركات التحرير، التي اتسم بها القرن العشرون، حركات إرهابية.

بل سَتُعَدّ منتقصة، إن لم تحرِّم على الدول جميعها اتخاذ الإرهاب سلاحاً في منازعاتها.

ولن يتجلّى عزم المؤتمرين إلاّ في محاصرة تمويل الإرهاب، وسد كلّ منافذ قوّته المادية، وإصدار النشرات، وإطلاق الإذاعات؛ شريطة أن تُطاول جميع فئاته، فلا تقتصر على فئة دون أخرى.

فضلاً عن اعتمادهم المواجهة الدولية الجماعية، تحت مظلة الأمم المتحدة، ومراعاة احترام القرارات وتنفيذها، من دون إبطاء، ولا محاباة؛ وسعي دولهم إلى تطهير أراضيها من الإرهابيين، وتدمير مراكز تدريبهم، والامتناع عن منحهم حق اللجوء السياسي، تحت أيّ شعار، حتى لو اضطرها ذلك إلى تغيير بعض قوانينها.

ولعل حلّ الصراعات الإقليمية، وخاصة القضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، سيسهم إلى حدٍّ بعيد في إخماد الإرهاب الدولي، أو على الأقل انتزاع إحدى ذرائعه الرئيسية.

زِدْ على ذلك مناقشة خطر العولمة على شعوب العالم الثالث، لاسيما في الميادين الاقتصادية وتحرير التجارة العالمية، واقترانها ببعض مظاهر العنف والإرهاب.

أدعو الله أن يوفق المجتمعون إلى تحقيق ما تصبو إليه الشعوب، من قضاء على الإرهاب، ونشر للسلام، بين ربوع المعمورة.


السؤال الثاني
قادت الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حرباً على الإرهاب، لم تظهر نتائجها واضحة حتى الآن؛ على الرغم من تضافر الجهود الدولية؛ فما تعليل سموّكم؟


الإجابــة
في الحرب التقليدية، هناك عدوّ محدَّد القوة والقدرة، يحارب على قطعة معروفة من الأرض، وله أهداف واضحة يرغب في تحقيقها.

وهو ظاهر للعيان، بالأساليب المباشرة وغير المباشرة للاستطلاع والاستخبارات، مؤيدوه ومناصروه، وقوّته: الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية، أيْ يمكن تقدير هذه العوامل كافة ودراستها وتحليلها، والخروج بخطة واضحة المعالم، محددة الأهداف، معلوم متى تبدأ، وكيف تنتهي، ومتى يقال إن النصر تحقق.

أمّا في حالة الإرهاب، فالموضوع مختلف اختلافاً بيِّناً، فنحن أمام شبح عدوّ، غير محددة قوّته البشرية، ولا مصادر قوّته المادية، ولا أسلحته وأهدافه وطبيعة حركته، ولا الظروف المحيطة به، ولا مكان ضرباته ولا زمانها، ولا أساليبه القتالية؛ فضلاً عن غموض قادته وخلفيتهم العسكرية.

ومن ثَمّ، يصعب القول متى تنتهي المهمة وكيف، وما هي علامات النصر. أضِف أن لذلك العدوّ فكراً، بصرف النظر عن صحته أو خطئه، ومشروعيته أو عدمها.

وقد يزعم بعض المحللين، أن هذا العدوّ متخلف تكنولوجياً؛ ولكن تخلفه هذا، قد يحمله على استخدام وسائل أكثر بدائية أو أكثر تضحية؛ فيربك أعقد نُظُم الأسلحة وأحدثها.

وفي هذه الحالة، فإن معايير القتال، ومقاييس النصر والهزيمة، لا تتحدد بمن هو الأكثر تقدماً؛ لأنه قد يكون الأكثر تخلفاً هو الأكثر ضرراً.

تلك هي الصعوبة، التي تواجه كلّ من يتصدى لهذه الحرب. لذا، لا أحد يستطيع التنبؤ بنهايتها، ما دام العلاج لا يُطاول جذورها وأسبابها الحقيقية.


السؤال الثالث
في بعض الدول، وخاصة المملكة، قلّت العمليات الإرهابية، إلى حدٍّ بعيد، فهل يُعَدّ ذلك مؤشراً إلى تراجع هذه العمليات، واحتمال توقفها في المستقبل القريب؟ وما وجهة نظركم في ما ينبغي اتخاذه من خطوات للمواجهة الناجحة، في القضاء على هذه الظاهرة؟


الإجابــة
مما لا شك فيه، أنه يُعَدّ مؤشراً صحيحاً إلى أن جهود الدولة، بدأت تؤتي ثمارها، أمّا توقفها في المستقبل توقفاً كاملاً، ففيه نظر؛ لأن الحلول والإجراءات، حتى الآن، لا تتجاوز أعراض المشكلة؛ إذ لم تتعرض، فعلياً، لأسبابها الحقيقية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولم تتطرق الدول إلى سؤال بديهي: ما الذي يدفع شاباً إلى مثل هذا التطرف؟ فيَقْتل الآخرين، بقناعة تامة، ثم يزهق نفسه منتحراً!

إن هؤلاء الشباب هم وسائل التنفيذ، فأين الأجهزة التي خططت ذلك، وأقنعتهم به؟ ولو طُرِحَ هذا السؤال، لأضحى أمام المسؤولين صنفان: المخططون والمنفذون، وكلٌّ منهما ينبغي مواجهته بأسلوب مختلف عن الآخر؛ فإذا نجحت الدولة في تحييد المنفذين، أحبطت خطط المخططين.

أمّا الأسلوب المنطقي لمواجهة المشكلة محلياً، فهو، من وجهة نظري، لا يتعدّى الخطوات الضرورية التالية:
1. تشكيل لجنة على مستوى عالٍ، تدرس دراسة جادة، وفي وقت محدود، ما تداوله المفكرون والمحللون والخبراء من أقوال وآراء وأسباب، وبخاصة تلك المتعلقة بجذور الإرهاب والعنف وأسبابهما، في الدولة؛ لتخلص إلى أهداف محددة، يمكن تحقيقها، وإستراتيجية واضحة الخطوات.

2. تكليف أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة: التعليمية والإدارية والأمنية، إعلان خطتها للقضاء على هذه الظاهرة؛ شريطة أن تكون بعيدة عن الخطابية والمظهرية، وقابلة للتنفيذ، وتؤدي مباشرة إلى تحقيق الهدف.

3. تَخَلِّي المؤسسة الدينية في كلِّ دولة عن الخطب الرنانة، التي تدين وتستنكر وتنبذ فقط؛ فقد سئمها الصغار قبل الكبار، وصارت بضاعة مبتذلة؛ ولتستبدل بها الحوار العلني الهادئ، العقلاني، المقنع بالدليل الشرعي، والمتسم بالوضوح والصراحة والمكاشفة والشفافية، عسى أن تنجح في تفنيد الشبهات، التي يسوقها أئمة الإرهاب ومخططوه، الذين نجحوا في تجنيد المنفذين، ولا يزالون يمعنون في ذلك.

ونحمد الله، أن سخّر للشؤون الدينية في مملكتنا، مَنْ قَدَّر أن الخطاب الديني، المعتمد على التشدّد والغلوّ، يُضيع الجهود، ويستفز المشاعر، ويربك الأفكار والتصرفات، فيجعل الشباب وبالاً على الأمة، بدل أن يكونوا مُعيناً لها.

4. تُجَمّع هذه الخطط، وتعرض على القيادة السياسية للدولة، لتحديد أولويات التنفيذ، وأسلوب الرقابة والمحاسبة؛ ثُمّ تخصص لها الإمكانيات الملائمة، ليبدأ بعدها التنفيذ الجادّ.

وأعتقد أن حكومتنا الرشيدة، تُوْلي هذه المشكلة كلّ اهتمامها، ولا تزال النتائج الفاعلة تتحقق، يوماً بعد يوم، وتتيح الفرصة تلو الأخرى للعائدين إلى الحق، والتائبين من أعمالهم التخريبية والإرهابية.

وفي هذا الصدد، صدر تقرير أمريكي، منذ أسبوعَيْن، يشهد "أن ضربات قوات الأمن السعودية ضد الإرهابيين، من أعضاء تنظيم "القاعدة"، قلّصت أعدادهم، وشلّت قدراتهم إلى حدٍّ، قد يحول دون شنّ هجمات جديدة من داخل البلاد.

وإن الحكومة السعودية، أثبتت فهْمها العميق لعناصر هذا التهديد الإرهابي، ولطبيعة الأفراد المتورطين فيه، والصعوبة، الآن، تكمن في تعذُّر تجنيد أعضاء جدد؛ والفشل كذلك، في تقديم ذرائع لقتل الأبرياء، ولاسيما المسلمين منهم، الذين كانوا ضحايا اعتداءاتها الإرهابية.

إن غالبية المواطنين السعوديين، ترفض الأعمال الإجرامية، التي ترتكبها تنظيمات إرهابية، مثل القاعدة، وتَعُدّها مخالفة لتعاليم الإسلام وقِيَمه"، وأدعو الله أن يديم نعمة الأمن والأمان على بلد الحرمَيْن الشريفَيْن.